الأكل والشرب فى الجنة

(متى 26: 26-30) 26وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: «خذوا كلوا. هذا هو جسدي». 27 وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا: «اشربوا منها كلكم 28 لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا. 29 وأقول لكم: إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدا في ملكوت أبي». 30 ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون.

هل يوجد أكل وشرب في الجنة؟

 

الرد:

كان السيد المسيح لا يكلم تلاميذه إلا بالأمثال وهذا واضح في الكتاب المقدس بكامله

لقد أتى السيد المسيح لكي يبذل نفسه عوضاً عنا ككفارة كاملة ولكي نفهم المقصود في مكان ما لا بد لنا بدراسة موسعة شاملة للكتاب

 

لقد قال السيد المسيح “وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الْآنَ لَا أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيداً فِي مَلَكُوتِ أَبِي”

 

التوضيح

من الان يعني اعتباراً من الان

لا أشرب أي لا أذوق وهذا ليس بالضرورة الشرب الطبيعي وهذا نجده واضحا في اللمثل الشعبي الذي يقول المرء عندما يفعل شيئاً جيدا فيقول ذقت طعم النجاح أو عندما يتألم يقول ذقت الألم…الخ فهو لم يأكل النجاح ولم يأكل الألم بل شعر بهما والسيد المسيح أيضاً بقول لا أشرب يعني لا أذوق أو لا أشعر من نتاج أي من خلاصة هذا الشيء الكرمة لقد أوضح السيد المسيح معنى الكرمة عندما قال “أنا الكرمة الحقيقية” يو 1: 15

مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ أي من خلاصة أو من نتيجة العمل الذي تجسد من أجله السيد المسيح وهو الصلب والنتيجة هي خلاص الناس من الخطيئة وعودة الانسان إلى أحضان أبيه السماوي والسيد المسيح هو باب الخلاص “أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى”. يو 9: 10

 

و هو طريق الخلاص “قال له يسوع: أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي”. يو 6: 14

إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ أي حينما يجتمع المؤمنون حول أبيهم

حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيداً فِي مَلَكُوتِ أَبِي في هذه الاية دعوة واضحة من السيد المسيح لتلاميذه بأنه عليهم متابعة مسيرته في نشر الخلاص بين الناس فلذلك يقول لهم أشربه معكم أي نذوق جميعاً مع بعض طعم الخلاص الذي تجسدت أنا من أجله وعملتم أنتم لمتابعة مسيرته

 

ثانياً لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي

للرد نقول أولاً اقرأ ردنا على الفقرة السابقة وبالاضافة لذلك لك هذا التوضيح البسيط

المقصود بالطعام والشراب هو واحد وهو كما ذكرناه أعلاه أما المائدة فهي عبارة عن الأُلفة والمحبة المُتعلقة بين العائلة السماوية والتي هي عبارة عن الرب والمؤمنين الجالسين في الملكوت

ونتابع

15 فَلَمَّا سَمِعَ ذلِكَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ قَالَ لَهُ: «طُوبَى لِمَنْ يَأْكُلُ خُبْزًا فِي مَلَكُوتِ اللهِ». 16 فَقَالَ لَهُ: «إِنْسَانٌ صَنَعَ عَشَاءً عَظِيمًا وَدَعَا كَثِيرِينَ، 17 وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ فِي سَاعَةِ الْعَشَاءِ لِيَقُولَ لِلْمَدْعُوِّينَ: تَعَالَوْا لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُعِدَّ. 18 فَابْتَدَأَ الْجَمِيعُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ. قَالَ لَهُ الأَوَّلُ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ حَقْلاً، وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. 19 وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ، وَأَنَا مَاضٍ لأَمْتَحِنَهَا. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. 20 وَقَالَ آخَرُ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ، فَلِذلِكَ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ. 21 فَأَتَى ذلِكَ الْعَبْدُ وَأَخْبَرَ سَيِّدَهُ بِذلِكَ. حِينَئِذٍ غَضِبَ رَبُّ الْبَيْتِ، وَقَالَ لِعَبْدِهِ: اخْرُجْ عَاجِلاً إِلَى شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ وَأَزِقَّتِهَا، وَأَدْخِلْ إِلَى هُنَا الْمَسَاكِينَ وَالْجُدْعَ وَالْعُرْجَ وَالْعُمْيَ. 22 فَقَالَ الْعَبْدُ: يَا سَيِّدُ، قَدْ صَارَ كَمَا أَمَرْتَ، وَيُوجَدُ أَيْضًا مَكَانٌ. 23 فَقَالَ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ: اخْرُجْ إِلَى الطُّرُقِ وَالسِّيَاجَاتِ وَأَلْزِمْهُمْ بِالدُّخُولِ حَتَّى يَمْتَلِئَ بَيْتِي، 24 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ أُولئِكَ الرِّجَالِ الْمَدْعُوِّينَ يَذُوقُ عَشَائِي». (عدد 15-24).

 

للتوضيح لكم ما ورد في تفسير القس بنيامين بنكرتن

تأثَّر أحد المتكئين من كلام الرَّبِّ إذ رأى أنهُ معلّم حكيم عندهُ التعليم المناسب لكل واحد. كان يهوديَّا فبالتبعية كانت أفكار يهودية فقال: طوبى لمن يأكل خبزًا في ملكوت الله. يعني يا ليت الله يقيم ملكوتًا لنا حسب انتظارنا ويعطينا نصيبًا فيهِ. ولكنهُ لم يكن يميز ما كان الله آخذًا بتتميمهِ في ذلك الوقت إذ كان عاملاً نفس الشيء الذي كان ذاك الرجل يتمناهُ. والرَّبُّ يجوابهِ أظهر لهُ أن الله قد أتى إسرائيل بهذه البركة المُعبَّر عنها بعشاء عظيم والعجب أن ليس أحد يريد من نفسهِ أن يقبل. فقال لهُ إنسانٌ صنع عشاء عظيمًا ودعا كثيرين. وأرسل عبدهُ في ساعة العشاء ليقول للمدعوين تعالوا لأن كل شيء قد أُعدَّ.

 

أولاً- العشاء هنا عبارة عن المسيح والبركات التي أتى بها بالمقابلة مع البركات التي كانت لإسرائيل حسب العهد القديم. كان الله من زمان قديم قد أقام لهم نظامهم الخاص الذي به كان يعاملهم بمبادئ تناسب قلب الإنسان إذ عرض عليهم أنهُ يباركهم ببركات أرضية على شرط أنهم يصغون لصوتهِ. كان قد أخرجهم من مصر وأسكنهم في كنعان حيث كانت بركاتهم معدَّة لهم. ولم يدعهم للحضور إلى عشاء معدّ لهم في جهة أخرى فأنهُ دعاهم إلى كنعان ليأكلوا خيراتها مطمئنين من أعدائهم إذا لم يحيدوا عن عبادة الذي دعاهم وباركهم. ولكنهم خسروا كل شيء بمخالفتهم الشرط الموضوع عليهم أي دوامهم في الخير. وقد رأيناكم كانوا قد انحطوا إذ كان أكثرهم متفرقين بين الأمم ولم يكن في أرض الموعد سوى بقية صغيرة فقط وهؤلاء كانوا تحت سلطة الرومانيين المستولين على المسكونة وقتئذٍ فإذًا نظامهم القديم لم يقدر أن ينفعهم بعد كما قد تبرهن في هذا الإنجيل. كان ينبغي أن الله يفتقدهم ثانيةً وينشئُ لهم معاملات أخرى خلاف معاملاتهِ الماضية. فأرسل إليهم ابنهُ ليحضر بينهم بالنعمة كمسيحهم ليباركهم بحسب النبوات الكثيرة التي أشارت إلى حضورهِ كأفخر البركات (انظر مزمور 1: 103-17) مثلاً، حيث الإشارة إليهِ كمن يكثر حسناتهِ لشعبهِ ويغفر جميع ذنوبهم ويشفي كل أمراضهم ويفدي من الحفرة حياتهم ويشبعهم بالخير ويعيد عمرهم كأُمة إلى أيام شبابهم إلى خلاف ذلك من البركات التي أتصف بها حضورهُ في وسطهم. فكان ذلك عشاء عظيمًا يليق بمحبة الله أن تصنعهُ لهم. ولكنهُ دعاهم إلى المسيح لكي يخضعوا لهُ بالإيمان ويتمتعوا بكل ما أتاهم بهِ. وكان بالحقيقة قد دعاهم سابقًا في النبوات ثمَّ عند حضور المسيح ساعة العشاء بلغهم الخبر، بأن كل شيء مُعدٌّ فما عليهم إلاَّ أن يأتوا. ثمَّ بعد رفض المسيح وموتهِ اتسعت البركات المُعبَّر عنها بعشاء عظيم لأنهُ ارتفع إلى يمين الله ونودي بالبشارة باسمهِ والذين تابوا وآمنوا نالوا غفران خطاياهم وعطية الروح القدس. فقال لهم: توبوا وليعتمد كل واحد على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس (أعمال الرسل 38: 2). لاحظ أن هذين الشيئين لكل مؤمن مسيحي لأن الله يخلّصنا من خطايانا وعواقبها ويعطينا أن نعرف ونتيقن ذلك بغاية اليقين وفضلاً عن ذلك لنا الرجاء بالمجد. والأساس لذلك هو موت المسيح كفارة عنا. وليس يطلب منا أن نقدم شيئًا لهذا العشاء العظيم من أنفسنا لأن كل شيء قد أُعدَّ.

 

ثانيًا- الدعوة، فكانت الدعوة مدة حضور المسيح لليهود فقط، وأما بعد موتهِ فلليهود والأمم سويةً. لا يزال الله يدعو الناس إلى العشاء العظيم الذي أعدَّهُ لهم، فإن هلكوا من الجوع فلا يجوز لهم أن يلوموا إلاَّ أنفسهم. الدعوة الإنجيلية واسعة ومجانية إذ يقول الله للجميع: تعالوا. والبرهان على إخلاص نيتهِ نحو الخطاة اتضح في هذا أنهُ أتاهم بالنعمة قبل ما دعاهم أن يأتوا إليهِ. الذي أراد أن يجمع أولاد أورشليم هو إلهها والذي يقول: تعالوا إليَّ يا جميع المُتعبين، والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم ليس سوى الله ظاهرًا في الجسد. لو تاب الجميع وأتوا إلى عشائهِ لم يصرف أحدهم فارغًا.

 

ثالثًا- لننظر إلى بعض الأسباب التي تمنع الناس عن الحضور. فابتدأ الجميع برأي واحد يستغنون. قال لهُ: الأول أني اشتريت حقلاً وأنا مضطرٌ أن اخرج وأنظرهُ أسألك أن تعفيني… الخ. فالأشغال اليوميَّة والاعتناء بالعيال ومحبة العالم وملذَّاتهِ إلى خلاف ذلك من أمور هذه الحياة تلهي الناس وتشغل قلوبهم وتحرمهم خلاص نفوسهم والحياة الأبدية. ومما يستحقُّ الاعتبار هنا أن الرَّبَّ إنما يذكر بعض الأشياء التي نعرف أنها جائزة في محلها لأن شراء حقل أو بقر أو التزوُّج بامرأة ليست خطية بذاتها ولكن من رداءة قلب الإنسان يمكن أن أمورًا محللة تلهينا وتعيقنا عن التوبة والإتيان إلى المسيح. كذلك أيضًا حالة الناس الذين عاشوا في أيام نوح قبل الطوفان، فأنهم كانوا ملتهين بأمور الحياة كالمشار إليهم في هذا المثل، ولم يعرفوا حتى جاء الطوفان وأهلكهم جميعًا. كانت لهم دعوات للتوبة، ولم يتوبوا وإنذارات لو ينتبهوا. نعلم من مواضع أخرى أنهم كانوا خطاة ولكن الرَّبَّ يذكر إلتهاءهم بأمور الحياة الجائزة كسبب تغافلهم عن خلاص أنفسهم. لذلك يجب علينا جميعًا أن نتعقل وننتبه لكلمة الله لأن الوقت لقبول دعوتهِ لا يدوم إلى الأبد. ربما يكون رجل متصفًا ببعض صفات حميدة كصديق مخلص وكصاحب بيت حنون على أولادهِ ومع ذلك يتغافل عن دعوة النعمة. الاعتناء ببيوتنا حسن وواجب ولكن إذا ألتهينا بهِ نتغافل عن المسيح ونهلك. ولكن بالحقيقة ليس أحد يأتي إلى عشاء الله أن كان الأمر متروكًا لنفسهِ لأن الجميع في الأول يعتذرون مفضلين أمورهم الخاصة على ما أعدَّهُ لهم الله.

 

رابعًا- لننظر إلى إلزام البعض بالدخول كقول ربّ البيت لعبدهِ اخرج عاجلاً إلى شوارع المدينة وأزقَّتها وأدخل إلى هنا المساكين والجدع والعرج والعمي. لا يخفى أن هؤلاء من الذين ليس لهم حقول وبقر لأن الإنجيل يوافق الفقراء وليس كثيرون من الأغنياء والحكماء والشرفاء يقبلونهُ ولكن مع ذلك التزم صاحب البيت أن يستعمل وسائط لإدخالهم. وإن قيل فلم يستطيعوا أن يحضروا من أنفسهم لعجزهم فهذا صحيح بحيث أننا جميعًا بحالة العجز من جهة قبول دعوة الإنجيل فلذلك احتجنا إلى عمل الروح القدس ليُحيينا ويأتي بنا إلى المسيح بالإيمان ويُجلسنا في بيت الله لكي نتمتع بعشاءهِ. فكان للروح القدس أولاً عمل خصوصي في البعض من اليهود ليُدخلهم إلى الإيمان فيُعبَّر عن ذلك هنا بعمل العبد في شوارع المدينة وأزقَّتها ثم بعد يوم الخمسين اتَّسع عملهُ إلى الأماكن البعيدة المُشار إليها هنا بالطرق والسياجات ولكن أينما تنازل أن يعمل لم يجد في الناس القدرة والإرادة لقبول الإنجيل والخضوع لنعمة الله ما لم يفعل فيهم أولاً ليُلزمهم بالدخول. ينبغي أن نفهم هذا الموضوع جيدًا لأنهُ يوجد فينا الميل الشديد دائمًا أن نُعظّم قدرة الإنسان ونحتقر فعل نعمة الله التي نحتاج إليها حتى قبل قبُولنا إياها. قد رأينا أن الله يدعو الجميع عن إخلاص نية لأنهُ يُريد خلاصهم ولكن الدعوة وحدها لا تكفي لخلاصنا بل إنما تكشف الحقيقة المُحزنة أننا نُفضل قطعة أرض، أو خمسة أزواج بقر، أو أي شيء آخر مهما كان زهيدًا على خلاص نفوسنا. وليست المسألة من جهة ضعفنا، لا شك بأننا ضُعفاء ولكننا أعداءٌ لله أيضًا ولا نُريدهُ وإن دعانا بالمحبة واللطف اللذين لا مزيد عليهما فلذلك نحتاج إلى عمل الروح القدس ليزيل عدواتنا ويلزمنا بالدخول. لو لم يكن فينا إلاَّ الضعف فقط لكان ذلك أعظم نفع لنا بحيث نشعر بهِ ونصرخ إلى الله مصدر القوة الذي كان يُبادر إلى معونتنا. كنا مثل ولد مغلوب من أُناس ظالمين ومُقيَّد بحبل فحالما يسمع صوت أبيهِ الحنون المُفتش عليهِ يصرخ إليهِ بكل قوتهِ إذ يَعْلَم أنهُ يسرع إليهِ ويقطع الحبل ويُخلصهُ وإن اضطرَّ أن يموت لأجلهِ. ولكن الإنسان الساقط ليس يثق بالله وإن ناداهُ فلا يُجيب بل بالحري نختبئ عنهُ نظير آدم. فالدعوة وحدها إنما تُبرهن إثم الإنسان أكثر وإن لا علاج لمرضهِ إلاَّ بنعمة الله المُطلقة. فلذلك كلمة الله إذا بلغت الناس تزيد مسئوليَّتهم وعوضًا عن أن تُخفف ذنبهم تجعلهُ أثقل إذ تُحرّك إرادتهم القاسية وتكشف عدواتهم للذي افتقدهم.

 

خامسًا- قصاص الذين يستعفون عن قبول الدعوة، لأني أقول لكم: أن ليس واحدٌ من أولئك الرجال المدعوين يذوق عشائي. يعني أن ليس لمثل هؤلاء نصيب في المسيح والبركات المُقترنة مع الإيمان بهِ. معلوم أن الدعوة كانت أولاً للأُمة اليهودية ثم بعد رفضهم المسيح بذاتهِ والإنجيل المُنادى بهِ إليهم بعد يوم الخمسين أصبحوا مرفوضين وأدركهم الغضب إلى النهاية انظر (مَتَّى 43: 21؛ تسالونيكي الأولى 15: 2، 16). لم يكن من الأمور المُمكنة لهم أن يرفضوا النعمة ويستمرُّوا على التمتُّع بالبركات الزمنية في أرضهم. لا يخفى أن الإنسان يرغب أن يفعل ذلك ولكنهُ من المُستحيل. لأن مَنْ رفض النعمة بوقتها ينبغي أن ينتظر الغضب بوقتهِ أيضًا وهكذا يصير الحال مع جمهور النصارى أيضًا فإنهم قد دعوا مثل اليهود وطالما سمعوا الإنجيل ولم يخضعوا لهُ بالإيمان الحيّ. لم يثبتوا في لطف الله وحكمهم مذكور في (رومية 19: 11-22) والقول هو للأُمم خصوصًا. وإلاَّ فأنت أيضًا ستُقطع، ويصدق هذا الحكم أيضًا علينا كأفراد إذا تهاونَّا بدعوة النعمة فإنَّنا لا نذوق عشاء الله لا في وقت النعمة الآن ولا في وقت المجد انظر (رؤيا 8: 21؛ 14: 22، 15).

 

ثالثاً

يقول المعترض لقد ورد هذا الكلام في مثل قاله السيد المسيح وهو يعترض به وكأنه لم يفهم معنى كلمة “مثل”

لنشرح كلمة التلذذ

هل معنى كلمة التلذذ هو فقط اللذات الجسدية؟؟ ألا توجد متعة ولذة روحانية؟؟ عندما يكون الانسان في علاقة هادئة مع بارئه ويجلس في أحضانه أفلا يتمتع بمحبة الله له ومحبته لله؟

هكذا أصبح الفقير في الملكوت حيث جلس في حضن ابراهيم وكانا هو او ابراهيم في احضان الآب السماوي في عرشه ويستمتعون براحة المطوبين الذين ينتمون لملكوت السماوات، إذ يُستقبلون هناك بعد هذه الحياة

 

رابعاً

يقول المعترض بأن الله سيتخذ جسداً في الاخرة وسنشاهده بهذا الجسد

للتوضيح نقول

“ليت كلماتي الان تكتب يا ليتها رسمت في سفر، ونقرت الى الابد في الصخر بقلم حديد وبرصاص، اما انا فقد علمت ان وليي حي والاخر على الارض يقوم، وبعد ان يفنى جلدي هذا وبدون جسدي ارى الله، الذي اراه انا لنفسي وعيناي تنظران وليس اخر الى ذلك تتوق كليتاي في جوفي، فانكم تقولون لماذا نطارده والكلام الاصلي يوجد عندي،خافوا على انفسكم من السيف لان الغيظ من اثام السيف لكي تعلموا ما هو القضاء”.

نجد أيوب هنا كقيثارة ينفخ فيها الروح القدس فتعزف، وربما لم يفهم أيوب كل ما قاله، لكنه تعزي وتنبأ، ولعل كل ما فهمه أن الله سيبرأه أمام أصدقائه. هنا أيوب كان له شركة الصليب، ومن يشترك مع المسيح في إحتمال الألم والصليب تنفتح عيناه علي أسرار وأمجاد السماء. ففي هذه الكلمات نجد كلام عن المسيح وعن السماء. هنا نجد أيوب مسوقًا بالروح القدس الذي أنار بصيرته ووضع في فمه كلامًا بكيفية أذهلته، وبعد هذه الكلمات هدأت نبرة إنفعال أيوب كثيرًا.

حقًا هو إشتكي من آلامه بعد ذلك لكن النبرة هدأت وعاصفة الغضب سكنت. والروح القدس وحده هو الذي يعطي هذا العزاء للمتألم. ولقد راي أيوب رؤيا يقينية أراد تسجيلها للأجيال القادمة= ليت كلماتي الآن تكتب. ياليتها رسمت في سفر= أي كتاب. والله حقق له ذلك وكتب كلماته في الكتاب المقدس لتحفظ عبر الأجيال. ومعني كلام أيوب هنا: لقد قلت كلامًا كثيرًا بلا معني وأما ما سأقوله الآن كلام خطير ليته يجد طريقه لكل إنسان بأن يسجل. نقرت إلي الأبد في الصخر… كانت طريقة الكتابة علي الصخر بأن تنقر الكتابة علي الصخر بقلم جديد ثم يسكب الرصاص المنصهر في مكان النقر فيثبت الكلام لفترات طويلة. أما أنا فقد علمت أن وليي حي= وليي= فاديَ وهذه إشراقة سماوية علي أيوب وسط أحزانه، لقد سبق أيوب وصور الله علي إنه خصم، أما الأن فهو يري المسيح وليه الحي، الذي حتي وإن مات أيوب سيشهد له هذا الولي ويبرره ويشهد ببره، والولي كان له أن يقتص من الجاني، والجاني هنا هو إبليس الذي هزمه ولينا المسيح لينقذنا من يده. والولي بحسب ناموس موسي هو الذي له الحق بأن يفك(يفدي) ما باعه أخوه أو رهنه (لا 25: 25). ولقد بيع ميراثنا السماوي بسبب الخطية ونحن عاجزون عجزًا كام ً لا عن فكه (فدائه). والمسيح هو ولينا القادر أن يفك، ولقد وفي الدين عنا ووفي عدل الله عن الخطية. وفك الرهن وسوي الميراث. وأيوب يري أن وليه حي لا يموت حتي وإن مات هو فهو قادر أن يسوي المسألة، ولو تركه أصحابه وتخلوا عنه وإتهموه باطلا فالله يأخذ بيده وينصره. هل يوجد ما يعزي أيوب بقدر هذه الرؤيا العجيبة، أن هنالك فاديًا معدًا للإنسان الساقط، وهو يسوع المسيح، الذي وإن ترك أيوب كل أحبائه سفر أيوب (الأصحاح التاسع عشر) 103 والآخر علي الأرض يقوم= الآخر تعني إما اليوم الأخير، أو في زمن متأخر بمعني فيما بعد.

وبعد ذلك فهمنا من بولس الرسول أن المسيح جاء متجسدًا علي الأرض في ملء الزمان. غل5. وفي العهد القديم كان يسمي وقت ظهور المسيح “اليوم الأخير” والمسيح جاء وتجسد،4: 4 ومات وقام علي الأرض ليفك الدين الذي علينا. وبعد أن يفني جلدي هذا وبدون جسدي أري الله= هذا ما فعله المسيح بفدائه وقيامته أن أعطي لنا إمكانية أن نري الله بعد أن نموت، فالمسيح صالحنا مع الآب السماوي.و بهذا نعاين أبينا السماوي نلاحظ أن أيوب هنا كان خاضعًا لعمل الروح القدس. ففكرة القيامة بهذه الصورة لم تكن واضحة بل هو تساءل قبل ذلك “إذا مات إنسان أفيحيا”. لكن السيد المسيح صطم الموت وقام من بين الأموات وأحيانا معه لنبقى في حضرة أبينا السماوي للأبد وايضاً نرى وبشكل واضح نبوءة تقول بأن أيوب لن يرى المخلص في حياته بل سيموت قبل أن يأتي المخلص وأنه لن يرى الله (الاقنوم الابن) إلا في يوم الدينونة

 

خامساً

« فلما سمع يسوع تعجب وقال للذين يتبعونه، الحق أقول لكم، لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا. وأقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في الملكوت السماوات، وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هناك البكاء وصرير الأسنان» (عدد 10-12)

للتوضيح نقول

تعجب يسوع من قوة إيمان ذلك القائد الأممي، وانتهز الفرصة ليُصرح لأول مرة بانضمام كثيرين من المم إلى الملكوت السماوات ليتمتعوا ببركات الله مع آباء الأمة الثلاثة المشهورين بإيمانهم «ويتكئون مع إبراهيم.. الخ» هذا يدل على تمتعهم بالمجد السماوي

بهذا الإيمان الذي يُعجب منه السيّد ليجتذبنا إليه، انفتح حضن آبائنا إبراهيم واسحق ويعقوب ليستقبلوا المؤمنين من الأمم، بينما حُرم منه أولادهم حسب الجسد الذين رفضوا هذا الإيمان، فلم ينعموا بالنور الإلهي معهم بل يُطرحون خارجًا في الظلمة.

 

لقد طُرد أبناء الملكوت – أي اليهود – من حضن إبراهيم وحل مكانهم الذين تمتعوا بإيمان ابراهيم، إذ يقول القدّيس أغسطينوس: [اليهود هم الذين تقبّلوا الناموس الحاوي أمثال الأمور المقبلة، لكنها إذ تحقّقت رفضوها.] ويقول القدّيس جيروم: [يدعى اليهود أبناء الملكوت، لأن سبق فملك عليهم من بين الأمم.] ويقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [لقد حسبهم كأبناء الملكوت هؤلاء الذين لأجلهم أُعد الملكوت، وبسبب رفضهم غضب.]

 

يُعلّق القدّيس أغسطينوس على حرمان أبناء الملكوت من الاتكاء مع آبائهم إبراهيم واسحق ويعقوب هكذا: [إن كان موسى قد قدّم لشعب إسرائيل إله إبراهيم واسحق ويعقوب وليس إله آخر، فإن هذا ما فعله المسيح. إنه لم يحاول أن يرد هذا الشعب عن إلههم، لذلك يُحذّرهم بأنهم سيذهبون إلى الظلمة الخارجيّة إذ يراهم يرتدّون عن إلههم، الذي دعا الأمم من كل العالم إلى ملكوته، ليتّكئوا مع إبراهيم واسحق ويعقوب، وذلك ليس إلا لأنهم تمسكوا بإيمان إبراهيم.]

إذاً الاتكاء هو التمتع ببركات الله مع آباء الأمة الثلاثة المشهورين بإيمانهم «ويتكئون مع إبراهيم.. الخ» هذا يدل على تمتعهم بالمجد السماوي

و بعد الانتهاء من ايضاح كل هذه الشبهات دعونا نضع توضيحاً بسيط عن سر الافخارستية ثم ننتقل لبعض الايات التي قالها السيد المسيح

 

أولاً عن الافخارستية من موقع دير القديس العظيم أنبا مقار

الإفخارستيا

الطعام الباقي للحياة الأبدية

“الحكمة بَنَتْ بيتها… تُنادي… هَلُمُّوا كُلُوا من طعامي

واشربوا من الخمر التي مزجتها.” (أم 9: 1-5)

الفصح والإفخارستيا:

كانت وليمة الفصح اليهودي تُعبِّر عن رجاء وتطلُّع بشغف واشتياق إلى مجيء ملكوت الله. والعهد الجديد الذي أسَّسه الرب بدمه في العشاء الأخير كان يُعتبر تحقيقاً للرمز الذي تمَّ على يدي موسى النبي: “أخذ موسى الدم ورشَّ على الشعب وقال: هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم” (خر 24: 8)، إذ قال الرب يسوع: “هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين” (مر 14: 24)، أو حسب تعبير بولس الرسول: “هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي” (1كو 11: 25)، وهو نفس النص الذي ذكره القديس لوقا (22: 20)، مُحقِّقاً الرب بذلك نبوَّة إرميا النبي: “ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً” (إر 31: 31). فدم المسيح قد حلَّ محل دم الحملان والثيران (خر 12: 7؛ 24: 5)، فهو بالضرورة عهدٌ جديد.

 

في الإفخارستيا يُستعلَن أعمق سر في المسيحية من جديد ويمتد عمل الصليب الخلاصي أمامنا! هنا يدوم ويُخلَّد الإطعام المعجزي للخمسة آلاف ويتحقَّق روحياً! هنا المسيح – الجالس عن يمين الله والذي لا يزال حقاً حاضراً في كنيسته حتى نهاية العالم – مُقدِّماً جسده ودمه الأقدسَيْن كذبيحة لأجلنا، أي ذاته نفسها، حياته وقوة موته الكفَّاري، وكطعام روحي باعتباره الخبز الحقيقي الذي من السماء، لجميع الذين يأتون جائعين عطاشى إلى الوليمة السمائية مع امتحانٍ وافٍ للنفس. ولذلك تُعتبر الشركة في هذا السر دائماً كأنها قدس أقداس العبادة المسيحية(1).

 

الإفخارستيا والاتحاد بالمسيح:

في العشاء الرباني، حقَّق الرب يسوع الرباط بين الزيجة المسيحية والإفخارستيا، هذا الرباط وثيقٌ هو لدرجة أنه لا يمكن فهم أحدهما فهماً وافياً بدون الآخر. فما فعله الرب هو أنه ضمَّ في فعلٍ واحد أعظم رمزين رئيسيَّيْن للحب والاهتمام بالآخرين. فقد اتخذ إعطاء الخبز – الذي هو عمل الوالدين الأساسي، ولا سيَّما الأُم – كمظهر لاهتمام الوالدين بأطفالهما، ووحَّد هذا الرمز مع مفهوم البذل وإعطاء جسد الزوجين كل منهما للآخر. فأخذ خبزاً وقال: “خذوا كُلُوا، هذا هو جسدي!” (مت 26: 26)

ينطوي سر الإفخارستيا على ذبيحة موت المسيح الخلاصي الوثيق الصلة بقيامته المحيية، فاشتراكنا في هذا السر يوحِّدنا بالمسيح في سرِّ موته وقيامته: “لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته… فإن كنا قد مُتنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه” (رو 6: 5و8)، ولأنه هو الآن حيٌّ وممجَّد فهو يقول لنا: “إني أنا حيٌّ فأنتم ستحيون… فمَن يأكلني فهو يحيا بي.” (يو 14: 19؛ 6: 57)

 

في الذبائح اليهودية القديمة كانت الضحية تُذبَح لتعني أنها أُخذت من وسط البشر لكي تُقدَّم بكاملها لله. وكل هذا كان رمزاً قاصراً، لكنه صار حقيقة واقعة بشكل فائق في وليمة الإفخارستيا التي كانت الذبائح القديمة مجرد رموز لها. إن المؤمن المتناول من ذبيحة العهد الجديد إنما يحتوي في نفسه جسد المخلِّص القائم من بين الأموات، وينال حياة إلهية من ذبيحة الجلجثة، الرب يسوع، الذي قام بقوة الآب. وعندما نتناول من هذا السر المقدس يحلُّ المسيح فينا بالحقيقة: “يا أولادي الذين أتمخض بكم إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم” (غل 4: 19). إنها وحدة روحية بيننا وبين المسيح بواسطة رباط الحب الناري: “مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه” (يو 6: 56)، “مَن التصق بالرب فهو روحٌ واحد.” (1كو 6: 17)

 

وطالما أن الإفخارستيا هي وليمتنا المقدسة، فجميع الفوائد التي تحصل عليها أجسادنا من الخبز والخمر (عصير الكرمة) لتُبقي على حياتها ونموها وصحتها ومسرَّتها؛ تحصل عليها أرواحنا من جسد الرب ودمه في هذا السرِّ المقدس. فهو:

أولاً: يعضد ويُنمِّي الحياة الروحية للنفس بواسطة النعمة واشتعال لهيب المحبة.

ثانياً: يُجدِّد الصحة الروحية، فهو السر الكنسي الخاص بالأحياء في المسيح، وينبغي أن يتناول منه الإنسان وهو في حالة النعمة بالتوبة والتعلُّق بالرب بميول روحية إيجابية. كما أنه يغفر الخطايا كما وعد الرب.

ثالثاً: إنه أقوى ترياق للشوائب اليومية ويحفظ من الخطية التي للموت، ويساعدنا على التغلُّب على التجارب ويُنقص من هياج الشهوات، وهذا قد اختبره الأتقياء ولا سيما فيما يتعلَّق بالطهارة.

رابعاً: إنه الخبز السماوي الذي يحتوي على قوة الحياة الأبدية: “مَن يأكلني فهو يحيا بي” (يو 6: 57)، “أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد.” (يو 6: 51)

خامساً: في هذا السر تُستعلَن الكنيسة جسد المسيح، فنتحد بأعضاء جسد الرب الذين انتقلوا والذين لا زالوا في الجسد: “فإننا نحن الكثيرين خبزٌ واحد (أو “خبزة واحد”) جسدٌ واحدٌ، لأننا جميعنا نشترك في الخبزة الواحدة” (1كو 10: 17)، لأننا جميعاً نتحد بالمسيح الواحد! ولذلك فقد طلب الرب بعد اجتماعه بتلاميذه في العشاء الرباني من الآب قائلاً: “ليكون الجميع واحداً… ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا” (يو 17: 21). كما نلاحظ أن تأسيس هذا السر كان مصحوباً بناموس المحبة الأخوية الجديد (يو 13: 34و 35). وإذ نُشارِك في موت الرب وقيامته، فهو بذلك “يجمع أبناء الله المتفرِّقين إلى واحد.” (يو 11: 52)

 

والقديس إيرينيئوس يقول إن التناول من السرِّ يُقوِّي النفس والجسد إلى حياة أبدية، فهو أصل أو بذرة جسد القيامة. والقديس كبريانوس يرى أن مزج الخمر بالماء رمزٌ لاتحاد المسيح بكنيسته. ولذلك فهو يعتبر أن هذا المزج أساسي (انظر رسالة 63: 13)، كما أنه يرى أن الاشتراك بالتناول من الإفخارستيا لا غِنَى عنه للخلاص بناءً على الآية: “الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم” (يو 6: 53). والعلاَّمة كليمندس الإسكندري يرى أن الذي يشرب دم المسيح ينال حياة المسيح، إذ أن الدم في الحقيقة هو حياة الجسد.

 

الإفخارستيا هي غذاء الأم لأبنائها:

ها هي أُمنا الكنيسة تغذينا في كل قدَّاس بالخبز النازل من السماء (يو 6: 50). نحن لا نأكل ببساطة جسد إنسان لا ينفعنا في شيء، ولكن طالما أن الله اتخذ جسداً، فإنَّ هذا الجسد صار مُعطياً للحياة، ليس أنه يُغيِّرنا إلى جوهر الله؛ بل إن ذلك – كما يقول الآباء – يشبه الحديد المُحمَّى بالنار. فالحديد يظل حديداً ولكن يتشبَّع بحرارة النار، هكذا أيضاً فإن جسد الرب هو مُعطي حياة لأنه جسد كلمة الله! ولكي يُظهِر الرب الفرق بين الظل والنور وبين الرمز والحقيقة، قال: “ليس كما أكل آباؤكم المنَّ في البرية وماتوا. مَن يأكل هذا الخبز يحيا إلى الأبد” (يو 6: 58). وهنا يقول القديس أغسطينوس:

[قوله: “وماتوا” ينبغي أن يُفهَم أنه يقصد أنهم ليست لهم حياة أبدية، لأنه حتى الذين يأكلون المسيح في هذه الحياة سيموتون، ولكنهم سيَحْيَون إلى الأبد لأن المسيح هو الحياة الأبدية.](2)

 

ويقول العلاَّمة كليمندس الإسكندري:

[يقول الرب: “إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم” (يو 6: 53)، فشُرب الدم يُنسَب إلى الإيمان والوعد، ويعني بوضوح أن الكنيسة إذ هي مثل الإنسان مكوَّنة من أعضاء كثيرة، فهي تنتعش وتنمو، وتلتحم أعضاؤها معاً بواسطة الإيمان الذي هو بمثابة جسدها، والرجاء الذي هو بمثابة روحها، تماماً كما أن الرب من جسد ودم.](3)

ويقول هو أيضاً:

[توجد أُمٌّ واحدة وهي عذراء، هذا هو وصفي المفضَّل للكنيسة. هذه الأُم هي وحدها التي فيها لبن حيث إنها أُم وعذراء في نفس الوقت. طاهرة كعذراء ومحبوبة كأُم. وتستدعي هذه الأُم أبناءها وتُغذِّيهم بلبن مقدَّس، بالكلمة التي تناسب الأطفال. إنها لا تملك لبناً (من ذاتها)، لأن اللبن هو طفلها الإلهي المحبوب: جسد المسيح. إنها تغذِّي بالكلمة الإلهي الشعب الجديد الذي قمَّطه الرب نفسه بأقماط دمه الثمين. يا للميلاد المقدَّس! يا للأقماط المقدسة! فالكلمة هو كل شيء للطفل: أب وأُم ومعلِّم ومغذِّي! إنه يقول: “كُلُوا جسدي، واشربوا دمي”. فهو يُزوِّدنا بهما كأعظم طعام مُخصَّص وملائم لنا. إنه يُقدِّم جسده ويسكب دمه، فلا يعوز الأطفال شيئاً لنموهم.

يا للسرّ! إنه يوصينا أن نخلع العتيق: الفساد الجسدي والغذاء العتيق أيضاً لنُشارِك في آخر: طريقة حياة جديدة، تلك التي للمسيح، لنتقبَّله ونذّخره في نفوسنا، فنضع المخلِّص في قلوبنا لكي نبيد شهوات الجسد… مزيج الجسد والدم هو الرب، إنه طعام أطفاله، والطعام – الذي هو الرب يسوع، أي كلمة الله الذي صار جسداً – هو الجسد السماوي المقدس.](4)

 

ويقول القديس أغسطينوس:

[قول الرب: “مَن يأكلني فهو يحيا بي” (يو 6: 57) لا يشير إلى الحياة بمعناها البسيط؛ بل تلك الحياة التي استودعنا إياها، لأنه حتى غير المؤمنين يعيشون مع أنهم لا يأكلون من جسد الرب. كما أنه لا يشير إلى القيامة العامة للأموات، لأن الجميع سيقومون من بين الأموات. إنه يتكلَّم عن تلك القيامة المجيدة التي نُكافَأ نحن بها.](5)

وقال أيضاً:

[ولكي نحن، الذين لا يمكن أن تكون لنا حياة أبدية من أنفسنا، نحيا بالأكل من هذا الخبز؛ لذلك نزل الرب من السماء.](6)

 

ويقول القديس غريغوريوس النيسي:

[عندما تتحد النفس بالرب بالإيمان تحصل على وسيلة وفرصة الخلاص، لأن فعل الاتحاد بالحياة يشتمل على صُحبى مع الحياة. وكما أن الذين أخذوا سُمًّا مميتاً يُهدِّئون من تأثيره المميت بمصل آخر مضاد (لأنه من الضروري أن الترياق يدخل في الأعضاء البشرية الحيوية بنفس الطريقة التي يدخل بها السُّم القاتل، لكي نضمن أن يتوزَّع مفعول الترياق في أجهزة الجسد كلها)؛ هكذا نحن أيضاً الذين تذوَّقنا ما تسبَّب في انحلال طبيعتنا(7) (بالموت)، نحتاج بالضرورة إلى شيء يمكن أن يوحِّد ما كان قد انحلَّ، حتى بدخول مثل هذا الترياق في داخلنا يُبطِل بمفعوله المضاد الضرر الذي أدخله السُّم في الجسد. وماذا يكون هذا الدواء إلاَّ ذلك الجسد الذي استُعلِن كسيِّد على الموت وباكورة حياتنا. لأنه كما أن “خميرة صغيرة تُخمِّر العجين كله” (1كو 5: 6)؛ هكذا الجسد أيضاً الذي منحه الله الخلود، يُغيِّر جسدنا ويُحوِّله ليصير مثله باجتيازه فيه كله. فكما أنه إذا امتزج عقار مميت بجسد صحيح يجعله عديم القيمة مثل هذا العقار؛ هكذا أيضاً هذا الجسد الخالد (جسد الرب) عندما يدخل في المتناوِل منه، يُغيِّر الجسد كله إلى طبيعته.](8)

 

ويقول القديس أثناسيوس:

[قال الرب: “أهذا يُعثركم؟ فإن رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً! الروح هو الذي يُحيي، أما الجسد فلا يُفيد شيئاً. الكلام الذي أُكلِّمكم به هو روح وحياة” (يو 6: 61-63). فهو يستخدم هنا تعبيرين عن نفسه: “جسد” و”روح”، ويُميِّز بين الروح والجسد حتى لا يعود إيمانهم به يعتمد على رؤية العين وحدها؛ بل أيضاً على ما هو غير مرئي فيه، وحتى يتعلَّموا أنَّ ما كانوا يرونه (الله المتجسِّد) ليس جسدياً بل روحانياً، لأن جسده يُشبع هذا الكم الهائل من الناس حتى إنه يصير غذاءً للعالم كله!

أما سبب ذكره لصعود ابن الإنسان إلى السماء، فكان لكي ينتزع منهم فكرهم المادي، حتى يتعلَّموا من الآن فصاعداً أن الجسد الذي تكلَّم عنه هو طعام سماوي من الأعالي وغذاء روحاني يُعطيه هو، لأنه يقول: “الكلام الذي أُكلِّمكم به هو روح وحياة”، وكأنه يقول: الذي يُعطَى لخلاص العالم هو الجسد الذي أرتديه، ولكن هذا الجسد ودمه أُعطيهما لكم روحياً كغذاء حتى يُوهَب روحياً لكل واحد، ويصير صوناً للأفراد ليؤمِّن لهم القيامة لحياةٍ أبدية.](9)

 

قوة هذا الغذاء:

يقول العلاَّمة أوريجانوس:

[بجسد ودم الكلمة ندرك القوة والجوهر الإلهيَّيْن. الرب يُعطي نفسه للذين يُشاركون في هذا الطعام بطريقة أكثر روحانية، لأن الأكل والشرب من الكلمة الإلهي هما معرفة الجوهر الإلهي.](10)

فسرُّ الإفخارستيا لا يعصم الإنسان من الخطية، ولكنه يُعطيه إمكانية التحرُّر منها إذا أراد! كما أنه يُعطيه قوة روحية. والإنسان الروحي لديه ذهن صافٍ وضمير حسَّاس للشر. فالشر موجود ويُعلِن ذاته بطرق كثيرة في حياة الإنسان. وإن كان للشر قوة، فقوة الله أعظم في مواجهة الشر وكل قوات الظلمة. والإفخارستيا مع الجهاد الروحي وأعمال المحبة إنما هي القناة التي يُعطي الله بواسطتها قوة، ربما هي أعظم قوة يمنحها الله لأعضاء جسده. كما أنه يجب أن نفهم الإفخارستيا كغذاء ومعونة روحية لبشريتنا الضعيفة، أي كأساس لوجود ونمو الكنيسة.

——————-

(1)
Church History, Ph. Schaff, Vol. 1, p. 472
.

(2)
Tractate 26 on John
.

(3)
Paedagogus, 1, VI: 38-43
.

(4)
Ibid
.

(5)
City of Cod, 21,27
.

(6)
Tractate 26 in John
.

(7) يبدو أنه يشير هنا إلى أَكْل حواء من شجرة معرفة الخير والشر التي أدخلت سمَّ الموت في طبيعتنا.

(8)
The Great Catechetical Oration, 37; NPNF 2nd series, V, p. 504
.

(9) الرسالة إلى سيرابيون 4: 19.

(10) ستروماتا 5: 10: 67.

 

ونختم ببعض الايات من بشارة معلمنا يوحنا البشير

“اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية، الذي يعطيكم ابن الإنسان، لأن هذا الله الآب قد ختمه”. (27)

“آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب، أنه أعطاهم خبزًا من السماء ليأكلوا”. (31)

“فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم، ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء”. (32)

“لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم”. (33)

“فقالوا له: يا سيد أعطنا في كل حين هذا الخبز”. (34)

“فقال لهم يسوع: أنا هو خبز الحياة، من يقبل إلي، فلا يجوع، ومن يؤمن بي، فلا يعطش أبدًا”. (35)

John 6

“فكان اليهود يتذمرون عليه، لأنه قال أنا هو الخبز الذي نزل من السماء”. (41)

“أنا هو خبز الحياة”. (48) “آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا”. (49)

“هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت”. (50)

“أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم”. (51)

“فخاصم اليهود بعضهم بعضا قائلين: كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟” (52)

“فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان، وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم”. (53)

“من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير”. (54)

“لأن جسدي مأكل حق، ودمي مشرب حق”. (55)

“من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه”. (56)

“كما أرسلني الآب الحي، وأنا حي بالآب، فمن يأكلني فهو يحيا بي”. (57)

“هذا هو الخبز الذي نزل من السماء، ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا، من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد”. (58)

“فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا: إن هذا الكلام صعب، من يقدر أن يسمعه؟” (60)

“الروح هو الذي يحيي، أما الجسد فلا يفيد شيئًا، الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة”. (63)

“الحق الحق أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد”. (51)

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي