بولس الرسول كاتب رسالة أفسس

(أفسس 1: 1) بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، إِلَى الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أَفَسُسَ، وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.

 

الادلة الايجابية علي ان بولس الرسول هو كاتب رسالة افسس

أولاً: الشهادة الداخلية

يرى
D. Guthrie
أن بصمات الرسول بولس واضحة في هذه الرسالة. فنحن نعلم أن الوحي الإلهي يعمل في الكاتب ويرشده ويحفظه من الخطأ، دون أن يفقده شخصيته في كتابته، تكريمًا للإنسانية التي يستخدمها الروح القدس، ويتفاعل معها ويكرمها.

وتظهر بصمات الرسول بشكل واضح في النقاط التالية:

1. تحمل الرسالة روح بث الرجاء في النفوس مع التشجيع والشكر لله من أجل أخبار من يكتب إليهم: “إِذْ قَدْ سَمِعْتُ بِإِيمَانِكُمْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتِكُمْ نَحْوَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، لاَ أَزَالُ شَاكِرًا لأَجْلِكُمْ، ذَاكِرًا إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي” (1: 15، 16).

2. يدعو نفسه “أسير المسيح يسوع” (3: 1)، “الأسير في الرب” (4: 1)، إذ يكتب كرسولٍ سجينٍ من أجل الإيمان.

3. يكتب عن “سرّ المسيح” المعلن له شخصيًا، إذ يقول: “أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ.. الَّذِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهُ حَسَبَ مَوْهِبَةِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي حَسَبَ فِعْلِ قُوَّتِهِ” (3: 3، 7).

4. يبرز الرسول كعادته حبه العملي لمن يكتب إليهم، فيحسب شدائده إنما لأجلهم، مطالبًا إياهم ألاَّ ينشغلوا حتى بآلامه، بل ترتفع أنظارهم للمجد الأبدي فوق الآلام، حاسبًا شدائده مجدًا لا لنفسه فحسب وإنما أيضًا لهم، إذ يقول: “أَطْلُبُ أَنْ لاَ تَكِلُّوا فِي شَدَائِدِي لأَجْلِكُمُ الَّتِي هِيَ مَجْدُكُمْ” (3: 13).

5. يمارس محبته العملية نحو البشرية لا خلال الكرازة واحتمال الآلام من أجلهم فحسب وإنما أيضًا خلال الصلاة والشفاعة عنهم بروح التواضع: “بِسَبَبِ هَذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.. لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ، لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ..” (3: 14-21).

6. ككارزٍ للأمم دائم الدعوة للحياة الجديدة والفكر الجديد مع التخلي عن الحياة الأممية وذهنها الباطل: “لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضًا بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ.. وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ” (4: 17-24).

7. بروح التواضع يطلب الصلوات عنه وعن كل الكنيسة، إذ يقول: “مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهَذَا بِعَيْنِه، بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ” (6: 18، 19).

8. كعادته يختم الرسالة بالبركة الرسولية (6: 23، 24).

9. جاءت الافتتاحية مطابقة لافتتاحية الرسالة الثانية إلي أهل كورنثوس والرسالة إلي أهل كولوسي.

10. تظهر بصمات الرسول بولس في التكوين الهيكلي للرسالة، الأمر الذي انفرد به دون غيره، إذ جاءت الرسالة تضم الآتي: التحية الافتتاحية، الشكر، الحديث العقيدي، الحث السلوكي، التحية الختامية ثم البركة الختامية.

 

ثانيًا: الأدلة الخارجية

بجانب ما حملته الرسالة من شهادة داخلية أنها من وضع الرسول بولس، فإنه توجد أدلة خارجية تؤكد ذلك، نذكر منها أنه كان لهذه الرسالة انتشار واسع المدى في منتصف القرن الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية (المستقيمة الرأي) بل وحتى بين الهراطقة. فقد اقتبس منها الآباء إكليمنضس الروماني، وأغناطيوس أسقف أنطاكية، وبوليكربس أسقف سميرنا، هرماس في كتابه الراعي، وأيضًا اقتبست منها الديداكية (تعليم الرب للإثني عشر رسولاً). وذكرها الهرطوقي مرقيون ضمن الأسفار القانونية (حوالي سنة 140 م) تحت اسم “الرسالة إلي اللادوكيين”، كما أدرجت في القانون الموراتاني
Muratorian Canon
حوالي 180م ضمن رسائل بولس

 

بولس الرسول كاتب رسالة أفسس

الاعتراضات على كاتب رسالة افسس والرد عليها

أولاً: اعتراضات خاصة بلغة الرسالة وطابعها
Linguistic & Stylistic Arguments

يعترض بعض الدارسين والنقاد مثل
Goodspeed
بأن الرسالة تحوي كثير من المفردات أو الكلمات اليونانية التي لم تستخدم في رسائل بولس الرسول
hapax legomena (36
كلمة)، بل وبعضها لم يستخدم في العهد الجديد كله (42 كلمة). فمثلاً اعتاد الرسول أن يستخدم كلمة “
Satanas (Satan
)”، أما هنا فيستخدم كلمة “
diabolos (devil
)” (أف 4: 27)، كما أيضًا في الرسائل الرعوية.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن طابعها ولغتها أقرب إلي الرسالة الأولى للقديس إكليمنضس الروماني (في عصر ما بعد الرسول بولس) منها إلي رسائل القديس بولس.

ويجيب الدارسون على هذه الإعتراضات، قائلين:

1. علّة اختلاف المفردات
vocabulary
يرجع إلي اختلاف طابعها، فهي فريدة بين رسائله، “كرسالة ليتورچية”، ضمت بعض المقتطفات من التسابيح والليتورچيات الكنسية، لأن موضوعها هو “الكنيسة”، فجاءت بعض المفردات مقتطفة من الليتورچيات الكنسية.

هذا ويرى البعض أن سرّ اختلاف المفردات يرجع إلي الناسخ الذي يمليه الرسول بولس الرسالة وهو في السجن، إذ كان يستخدم نساخًا كثيرين.

2. إن كانت قريبة إلي الرسالة الأولى لإكليمنضس الروماني، فلأن الأخيرة أخذت الكثير من هذه الرسالة.

3. مع أن طابع هذه الرسالة ليتورچي، مختلف عن بقية الرسائل، لكنها مع هذا فهي قريبة جدًا إلي الرسول بولس، وفي جوهرها تحمل طابع وبصمات شخصيته بطريقة يصعب على آخر انتحالها، فهي بولسية تمامًا في طابعها كما سبق فرأينا.

 

ثانيًا: الإعتراضات الخاصة بالجانب الأدبي
Literary Arguments

ركز بعض النقاد على هذه الاعتراضات بكونها أساسية، أهم هذه الاعتراضات هو التشابه القوي بينها وبين الرسالة إلي كولوسي، فإن أكثر من ربع كلمات أفسس مقتبسة من كولوسي، بينما أكثر من ثلث كلمات كولوسي مكررة في أفسس، (كما توجد 83 كلمة مشتركة بين الرسالتين دون غيرهما) الأمر الذي لا نجده في الرسائل البولسية الأخرى. يقول النقاد لا يمكن لشخص كبولس الرسول صاحب الفكر المتجدد أن يكرر عبارات في رسالتين له، خاصة وأنه أحيانًا يستخدم كلمة ما بمعنى في رسالة من الرسالتين بينما ذات الكلمة تحمل معنى آخر في الرسالة الأخرى. مثال ذلك كلمة “سرّ” في كولوسي تشير إلي “المسيح”، بينما هي بعينها تشير إلي وحدة اليهود مع الأمم في أفسس.

بلغ
Goodspeed
إلي نتيجة خاصة وهي أن الرسالة إلي أفسس ليست من وضع الرسول بولس، إنما هي من وضع آخر بعد عهد الرسول مباشرة، أراد محاكاته مقتبسًا عبارات من كل رسائله بعد أن جُمعت هذه الرسائل، خاصة من الرسالة إلي أهل كولوسي.

ويُرد على ذلك بالآتي:

1. الرسالة إلي أفسس، كما يرى بعض الدارسين، هي رسالة دورية لكل كنائس آسيا الصغرى خاصة لاودكية، فهي الرسالة إلي اللاودوكيون التي أشير إليها في الرسالة إلي كولوسي (كو 4: 16). وقد سُجلت “الرسالة إلي أفسس” بكونها عاصمة آسيا الصغرى. وكما كانت لاودكية وكولوسي مدينتين متجاورتين لذا طالب الرسول بتبادل الرسالتين (كو 4: 16)، خاصة وأنهما كُتبتا في وقت متقارب جدًا، وحملهما شخص واحد هو “تيخيكس” (أف 6: 21؛ كو 4: 7)، وتناولا موضوعين متكاملين، فالرسالة التي بين أيدينا تتحدث عن الجسد المسيح، بينما الرسالة إلي كولوسي فموضوعها “المسيح رأس الكنيسة”. لذا يجب أن يوجد تقارب شديد بينهما. هذا التقارب لا يشكك في أن الكاتب واحد بل بالعكس يؤكد ذلك. فما حسبه النقاد برهانًا معارضًا إنما هو برهان ضدهم.

2. لو أن كاتب آخر اقتبس من الرسول بولس من كل رسائله، لاقتبس عبارات كاملة لها رنينها الخاص، وليس كما حاول البعض وضع أعمدة بين الكلمات التي وردت في هذه الرسالة ورسائله الأخرى، حاسبين أن مجرد وجود كلمة واحدة أحيانًا علامة على اقتباسها من الرسائل البولسية. نقول العكس أن وجود كلمات مشتركة بين هذه الرسالة والرسائل الأخرى لهو تأكيد أنها رسالة بولسية.

3. استخدام كلمات مشتركة في الرسالتين (أف، كو) بمعنيين مختلفتين لا يمثل حجه أنها غير بولسية بل بالعكس يحمل تأكيدًا أنها للرسول صاحب الفكر المتسع الذي يعطي للعبارة أكثر من معنى. فحينما يتحدث إلي أهل كولوسي عن “المسيح رأس الكنيسة” يحدثنا عن “السرّ” بكونه “سرّ المسيح”، وحينما يحدثنا في هذه الرسالة عن “الكنيسة جسد المسيح” يحدثنا عن “السرّ” بكونه إتحاد الكنيسة معًا في المسيح، سواء الذين من أصل أممي أو يهودي.. فمع اختلاف المعنيين نجد انسجامًا وتكاملاً وليس تعارضًا.

 

ثالثًا: الاعتراضات الخاصة بالجانب التاريخي
Historical Arguments

يرى بعض النقاد أن ثمة اختلاف بين هذه الرسائل والرسائل البولسية من الجانب التاريخي، من حيث أن هذه الرسالة تُظهر أن الصراع اليهودي الأممي قد استقر بينما في الرسائل الأخرى نجد الصراع حيًا وفعالاً، هذا ما جعل النقاد ينظرون إليها كرسالة متأخرة عن عصر الرسول بولس.

يُرد على ذلك بالآتي:

1. إذ تحدث عن المصالحة بين اليهود والأمم الخلاص الصليب في جسد واحد “قاتلاً العداوة به” (2: 14-16)، إنما تكلم بلغة لا يمكن إلاَّ أن تكون لغة الرسول بولس خادم الأمم الذي ركز أنظاره على “نقض حاجز السياج المتوسط” (2: 14) قبل أن تُنقض أسوار أورشليم لتفتح للجميع.

2. لو أن الرسالة قد كُتبت بعد الرسالة بولس لما حدث صمت عن سقوط أورشليم عندما حدث نقض الحجاب بين اليهود والأمم، الأمر الذي يؤكد أنها كُتبت في عصر الرسول.

3.غياب الحديث عن اضطهاد القرّاء يشير إلي أنها كُتبت في وقتٍ مبكرٍ جدًا من تاريخ الكنيسة، أي في العصر الرسولي.

 

رابعًا: الاعتراضات الخاصة بالجانب التعليمي
Doctrinal Arguments

حاول بعض النقاد أن ينكروا نسبتها للرسول بولس بحجة اختلاف الأفكار التعليمية هنا عنها في الرسائل البولسية وذلك بخصوص “الكنيسة، المسيح، التعليم الاجتماعي”، ولا نريد هنا الخوض في التفاصيل إنما نريد توضيح الآتي أنه لا يوجد تناقض بين ما ورد في الرسائل الأخرى، إنما تباين وتمايز، يعطي للرسائل حيوية عوض التكرار، ويكشف أعماق الفكر اللاهوتي للرسول بولس دون جمود. خاصة وأن هذه الرسالة فريدة في موضوعها ألا وهو الكشف عن “جامعية الكنيسة”، وفريدة في اقتباسها من التسابيح والليتورچيات الكنسية.

نذكر على سبيل المثال بعض التباينات التي رآها النقاد:

1. من جهة التعليم الخاص بالكنيسة، ففي الرسائل الأخرى يركز على الكنائس المحلية ويهتم بمشاكلها العقيدية والعملية، ويقدم تحيات خاصة بخدام أحباء عاملين في الكرم، أما هنا فلا نجد شيئًا من ذلك، ذلك لأن موضوع الرسالة هو “جامعية الكنيسة” (4: 1-16)، فهو إذ يتحدث في هذا الأمر يرفعنا فوق كل ظروف كنيسة أفسس وأحداثها ومشاكلها والعاملين فيها ليعلن الكنيسة الواحدة، جسد المسيح وعروسه (راجع 2: 8-9؛ 4: 14؛ 5: 6). هذا هو الخط الواضح في الرسالة كلها متناسب ومتناغم مع الفكر الرسولي.

2.عندما يتحدث عن الرسل والأنبياء، يقدمهم كقديسين (3: 5)، وكأساس للكنيسة حيث المسيح حجر الزاوية (2: 20)، فظن البعض أن هذا الفكر الذي فيه توقير شديد للرسل والأنبياء يمثل ما بعد عصر الرسول، حيث كان الرسل قد رقدوا فكرّمتهم الكنيسة. هذا الاعتراض غير منطقي فإننا نجد الرسول بولس أحيانًا يدعو حتى المؤمنين أيضًا قديسين أو “مدعوين قديسين” (رو 1: 7). أما حديثه عن الرسل بالأنبياء كأساس الكنيسة فهو فكر بولسي حق، سجله هنا عندما تحدث عن الكنيسة الجامعة.

3.عندما يتحدث عن الزواج (5: 21-23) يعطيه قدسية خاصة بربطه بمفهوم إتحاد الكنيسة بالمسيح، الأمر الذي لا نجده عند حديثه عن الزواج في 1 كو 7. والسبب في هذا أنه هنا يقدم عرضًا عامًا لفهم سرّ الزواج، أما في 1 كو 7، فيقدم إجابة خاصة بسؤال معين

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي