طلب أن يخلصه من الموت وسمع له


(عبرانيين 5-7) “الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ”

إن كان المسيح قد صُلب ومات على الصليب بالفعل، فكيف يقول بولس أن المسيح كان يتضرع الى الله الآب أن يخلصه من هذا الموت وبالفعل الله الآب سمع له – من أجل تقواه – وخلصه من هذا الموت؟

أليس هذا إقرار بعدم صلب المسيح وصحة المُعتقد الإسلامى وبُطلان الإعتقاد المسيحى؟

 

الرد:

قال القديس بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين عن ربنا يسوع المسيح: ” الذى فى أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع، طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه. مع كونه إبناً تعلم الطاعة مما تألم به. وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدى” (عب 5: 7-9).

الإشارة فى هذا النص المقدس تشير إلى أيام السيد المسيح على الأرض وموزعة على مواقف عدة، فقد صرخ المسيح بصوت عظيم أمام قبر لعازر وبكى أيضاً، وبكى على أورشليم وحزن من أجلها، وأكثر تركيزا فى بستان جثيمانى صلى طويلاً وحزيناً وسجد وسجد كثيراً وكرّر الصلاة والسجود ولا شك انه تخلل ذلك كفاح ودموع. وطلب أن “تجوز عنه الكأس” بمعنى أن يُنقذ من الموت نفسه وذلك بتعبير الرسالة الى العبرانيين “طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه أى يقيمة من الموت”، إذاً فهذه التعبيرات لا تخرج عما ورد عن المسيح فى أيام جسده فى الأناجيل.

وفى بستان جثيمانى جثا مخلصنا على ركبتيه وصار يصلى، وكان عرقه يتصبب مثل قطرات الدم، مما يدل على عظم الآلام وشدة الحزن وقسوة الآلام النفسية وعنفها.. فى هذا الموقف قدم المسيح صلاة إلى الآب لكى يجنبه قسوة الآلام وشدتها. وكان هذا ممكناً لأن ناسوته متحد بكمال اللاهوت القادر أن يجنبه الألم.. لكنه فى ذلك يتعارض مع إرادته ومشيئته فى قبول موت الصليب لهذا الغرض. على أن هذه الصلاة لم تكن محصورة فى تجنب الآلام، لكنها كانت أيضاً من أجل طلب قوة الاحتمال. لأن الآلام كانت شديدة جداً وكان يمكن أن تجهز على ناسوت المسيح قبل أن يصلب ويموت على الصليب لما تم عمل الفداء وخلاص البشرية.

وبذلك تكون خطة الله وتدبيره فى خلاص الإنسان قد فشل.. كان لابد أن يحتمل المسيح الآم الصليب حتى النهاية.. والمسيح احتمل ألاماً شديدة جسدية ونفسية وروحية، إلى أن تم صلبه، ونكس رأسه وقال: ” قد اكمل ” فى هذا النص الإشارة إلى السيد المسيح هو بديل عن الإنسان وفادى البشر. وقد أخذ صورة الإنسان. فالإشارة إلى المسيح من حيث ناسوته. وقد أخذ ناسوتاً حقيقياً كاملاً. ولا يعيب سيدنا أن يصلى طالما أنه فى الجسد، بل هو دليل ناسوته الكامل. وليس صراخه ودموعه معناه أن لاهوته قد فارق ناسوته، وانما معناه أنه لم يدع للاهوته أن يوقف عمل الناسوت وخصائصه. وحينما يقول ” فسمع له من أجل تقواه “، فإنه يجوز للرسول أن يصف المسيح بالتقوى وهى من صفات الناسوت. كما جاز له أن يصف المسيح بالطاعة وهى من صفات الناسوت أيضاً. وهو فى هذه الحالة يطيع لاهوته هو، ذلك اللاهوت الذى يملاْ السموات والأرض. وقول الرسول أنه سمع له. معناه انه استجيب إلى طلبه لئلا تجهز الآلام عليه قبل أن يتم عمل الفداء. وبالفعل طالت حياته الجسدية إلى أن أتم عمل الصليب. وهذا هو معنى قول الرسول: ” وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدى “.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي