الفصل الثانى


البرهان الداخلى

 

اذا نظرنا الى العدد الثامن والذى يُفترض بحسب مزاعم النقاد هو نهاية انجيل مرقس الحقيقية، اننا نجد ان النص ينتهى بكلمة “لأنه”,,,

 

καὶ ε
̓
ξελθου
͂
σαι

φυγον α
̓
πὸ του
͂
μνημείου· ε

χε δὲ αυ
̓
τὰς τρόμος καὶ

κστασις,
καὶ ου

̓
δενὶ ου
̓
δὲν ε

πον
· ε
̓
φοβου
͂
ντο γάρ

 

kai ephobounto
gar

و هذا مستحيل لكاتب عادى وليس لمرقس البشير الذى يكتب كلمة الله!

و من هنا تأكد للعلماء ان هناك سبب ما جعل النهاية الطبيعية للأنجيل لا تصلنا لأسباب منها: ان مرقس لم يستطع أكمال نهاية بشارته بسبب الأضطهاد الواقع فى ذلك الزمان، او ان تكون حدثت له حادثة منعته من أكمال.

 

الدكتور القس فهيم عزيز الأستاذ بكلية اللاهوت الأنجيلية فى مدخله للعهد الجديد يقول:

“العدد 8 الذي يظن العلماء أنه نهاية الإنجيل لا يصلح أن يكون نهاية، فالترجمة الحرفية له تنتهي بكلمة “لأنه” ولا يعقل أن ينتهي كتاب هكذا، وليس ذلك فقط، بل كيف يمكن لمرقس وهو الإنجيلي الذي يظهر رسالة الإنجيل في أول كتابه وأن ملكوت قد جاء بنهي هذا الكتاب نفسه بوصف حالة النساء بأنهن كن خائفات – إن المنطق لا يقبل ذلك. وعلي هذا الأساس ينتهي الدارسون إلي النتيجة المنطقية بأن مرقس لم يترك إنجيله هكذا، لا بد وأنه كتب له نهاية ولكنها فقدت لسبب ما، كأن قطعت الورقة أو تشوهت الكتابة، وإلا فأن مرقس عندما وصل إلى العدد 8 حدثت له حادثة منعته عن التكملة. إن كل شئ جائز إلا أن ينتهي الإنجيل بنهاية عدد 8″





[1]





 

و يؤكد هذا ايضا العالم
Norman Perrin
فيقول





[2]





:

 

All modern translations properly relegate these endings to the margin. Moreover, 16: 8 ends with a conjunction,
gar(kai ephobounto gar), and this is a barbarism not to be found at the end of any other Greek book known to us

 

“جميع المترجمين الجدد يحيلون هذه النهاية الى الهامش، العدد 8 ينتهى بحرف عطف، وهذه همجية وعدم فصاحة التى لا نجدها فى نهاية اى كتاب يونانى نجده”

 

و فيما يلى نعرض بعض الاسباب التى افترضها العلماء





[3]




:

 

أولا، يبدو غير محتمل بأنّ، بعد أن بدأ الإنجيل بمقدمة جريئة (1: 10) مرقس ينهيه على ملاحظة الخوف (16: 8). نظرا في مركزية يسوع في كافة أنحاء الإنجيل، واحد يتوقّع وظهور السيد المسيح القائم بدلا من فقط إعلان إحيائه.

 

الثانية، يتوافق إنجيل مرقس في الخلاصة الواسعة إلى نمط وعظ الكنيسة المبكّرة (يرى كيريجام) ما عدا النهاية القصيرة في 16: 8. يبدو منطقيّ بأنّ واحد الذي صاغ إنجيلا على طول خطوط وعظ أحد المسحيّين الأوائل ما كان سيحذف ميزّة مركزية مثل القيامة (1 كور. 15: 3-26).

 

ثالثا، النهاية التالية الأطول (
vv. 9-20
) يشهد بأنّ التقليد المبكّر كان مستاء من النهاية القصيرة لمرقس.

 

رابعا, استشهاد بطرس فى روما واحتمال ان يكون استشهد مرقس معه هناك وذلك ضمن برنامج نيرون للقضاء على مسيحى روما كما يذكر تاسيتوس المؤرخ





[4]




ومن ذلك لم يتمكن مرقس من كتابة السطور الاخيرة من انجيله.

 

أخيرا، متى ولوقا، كلا الذي يتبع تقرير عادة (ترى إنجيلا)، يغادر منه في مظاهر القيامة ما لم تكن نهاية انجيل مرقس معيوبة بطريقة ما، تقترح هذه الأسباب بأنّ النهاية القصيرة لمرقس (في 16: 8) ليست الأصلية لأي سبب كان وتلك الآيات 9-20 إضافة تالية جهّزت للتعويض الايات التى فُقدت او تلك التى لم يستطع مرقس كتابتها.

 

يقول القس عزيز فهيم:

” إن من يدقق الدراسة فإنه يدهش لما بيديه (ع9) بخصوص مريم المجدلية كأنها ذكرت للمرة الأولي في الإصحاح لأنه يحاول التعريف بها في نفس الوقت الذي يذكرها في العدد الأول علي أنها شخصية معروفة ولا تقل في ذلك عن مريم أم يعقوب وسالومة”





[5]





 

فما الداعي للحديث عن مريم المجدلية والتعريف بها، وعندنا حدث القيامة – وهو الأهم – الذي يشغل فكر الكاتب والقارئ أيضاً، خصوصاً أن النسوة سَمعن بقيامة الرب من بين الأموات وهٌن في حيرة وخوف وهن أيضاً لم يرون المصلوب القائم من بين الأموات. “

8

فَخَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ.” مر8: 16، فالحالة النفسية لا تسمح للحديث عن أي شخص سوي القيامة والقائم المنتصر علي الموت.

 

انجيل بطرس، كتاب مُزور منحول ويرجع للقرن الثانى وقد وجدت نسخه منه فى أخميم فى شتاء1886 – 1887م وهو فى متحف القاهره الآن، يخبرنا قصة القيامة كما هى بمضمون وجوهر نص القيامة كما فى انجيل مرقس، نفس محاور زيارة المريمات الى القبر والتى جائت بالنهاية الطويلة لمرقس، كالاّتى





[6]




:

 

50: 12 وباكر فى صباح يوم الرب ذهبت مريم المجدليه وهى تلميذه للرب. خوفاً من اليهود لأنهم كانوا متقدين بالغضب، ولأنها لم تفعل عند قبر الرب ما كانت النساء تريد أن يعملنه للموتى الذين يحبونهم أه وأخذت معها صديقاتها وجئن إلى القبر حيث وضع، 52 وخفن أن يراهن اليهود وقالوا: على الرغم من أننا لم نستطع أن نبكى وننوح فى اليوم الذى صلب فيه، فلنفعل ذلك الآن على قبره. 53
ولكن من سيدحرج لنا الحجر الذى وُضع على باب القبر، إذ يجب أن ندخل ونجلس بجانبه ونفعل ما يجب؟ 54 لأن الحجر كان عظيماً. ونخشى أن يرانا أحد. وإذا لم نستطع أن نفعل ذلك،دعونا على الأقل، نضع على بابه ما أحضرناه لذكراه ولنبك وننوح حتى نعود إلى البيت ثانيه.

 

55: 13
فذهبن ووجدن القبر مفتوحاً وأقتربن ووقفن ورأين هناك شاباً جالساً فى وسط القبر جميلاً ولابساً رداء أبيضلامعاً فقال لهن 56 من أين أتيتن؟ من تطلبن؟ أتطلبن الذى صلب”
لقد قام وذهب. وإذا لم تصدقن قفن فى ذلك المكان وأنظرن الموضع الذى كان يرقد فيه، لأنه ليس هو هنا. لأنه قام وذهب هناك حيث أُرسل. 57 ثم هربت النسوه خائفات.

 

و هذه النصوص تتشابه بدرجة كبيرة جدا مع مضمون ما جاء فى نهاية مرقس الطويلة حول قصة القيامة!!!

 

و فى كتاب غنوسى منحول اسمه “اعمال يوحنا” جاء فى الفقرة 16:

 

“فاذا اعطيتنى السم لأشربه، فاذا ناديت لأسم الرب الهى، فلن يقدر السم على ان يؤذينى”، “هذه الكلمات ربنا ومعلمنا حققها بأمثلة واعمال عجيبة”





[7]





… وفى هذا اشارة قوية جدا لنص الاعداد 17 و20 من نص النهاية الطويلة.

 

كما رأينا فى دراسة البرهان الخارجى على اصالة هذه النهاية الطويلة، فأن
المخطوطات 24، 374 تقول: “فى بعض النسخ هذه القطعة غير موجودة فى نسخنا الحالية، فالنساخ ظنوا انها غريبة عن الانجيل، ولكننا وجدناها فى اكبر عدد من المخطوطات القديمة، وبالذات فى النُسخ الفلسطينية لأنجيل مرقس حيث وجدنا تاريخ قيامة الرب موجود به”، ولعل هذا يوضح لنا شىء هام وهو ان نُساخ المخطوطات الغير موجود بها النهاية الطويلة حينما رأوا اختلافا فى اسلوب الصياغة لنهاية مرقس الطويلة قرروا وضع النهاية القصيرة، وهذا يُفسر لنا سبب اختفاء النهاية الطويلة فى بعض النُسخ.

 

و يقول
ماكلير





[8]




“ان الحلين المقبولين لأختلاف الاسلوب فى الاصحاح الاخير من انجيل مرقس هما، اما ان مرقس منعه من اتمام الانجيل بالشكل الذى استقر عليه سابقا فى ذلك الوقت واكمله لاحقا، وهو الرأى الذى يتفق عليه الجميع الان، او انها اُضيفت بيد اّخر، سريعا ان لم يكن فى نفس وقت انتهاء مرقس، وكان ذلك قبل نشر الانجيل نفسه”.

 

خلاصة ما وصلنا له حتى الان هو ثلا
ثة امور:

1-) النهاية المُطولة هى نهاية قانونية موجودة فى اقدم المخطوطات والترجمات

2-) اباء الكنيسة الاولى اقتبسوا منها كثيرا على اختلاف الازمنة التى عاشوا فيها بدا من يوستينوس وايريناؤس الى اباء القرن السادس

3-) اسلوب الكاتب حتى العدد الثامن مختلف عن اسلوب الكاتب من العدد التاسع

4-) يستحيل ان يكون مرقس قد ترك أنجيله هكذا الا لظرف طارىء او امر ما حدث له منعه تماما من أكماله بشارته

 

غير ان هناك شيئا هاما يجب انت نتعرض له حول البرهان الداخلى على أصالة رسولية وقانونية نهاية انجيل مرقس وهو ان الالفاظ المُستخدمة فى نهاية انجيل مرقس هى الفاظ مرقسية مئة فى المئة وجاء ذكرها كثيرا فى انجيل مرقس فالبعض من مهاجمى النص يعترضون على وجود الفاظ غير موجودة فى إنجيل مرقس وهو الذى يسميه علماء النقد النصى بإسم
hapax legomena
ولكن يزول هذا الاعتراض امام الدراسة العلمية التى تؤكد مرقسية الالفاظ، ولنأخذ امثلة على هذه الالفاظ:

 

α
̓
νίστημι

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 2: 14، 5: 42، 9: 27، 10: 1، 14: 57، 3: 26، 9: 31، 10: 34، 12: 23، 12: 25، 10: 50، 8: 31، 10: 34، 14: 60، 1: 35 واخيرا فى 16: 9!

 

Κλαίω

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 5: 39، 5: 38، 14: 72 واخيرا فى 16: 10!

 

Κηρύσσω

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 1: 4، 1: 7، 1: 39، 1: 38، 6: 12، 14: 9، 16: 20، 1: 14، 7: 36، 13: 10، 1: 45، 5: 20 واخيرا جاء فى 16: 15

 

ευ
̓
αγγέλιον

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 1: 1، 1: 14، 1: 15، 13: 10، 14: 9، 8: 35، 10: 29 واخيرا جاء فى 16: 15

 

Βαπτίζω

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 1: 5، 1: 8، 1: 9، 10: 38، 10: 39، 1: 4، 1: 8، 6: 14، 7: 4 واخيرا جاء فى 16: 16

 

σημει
͂
ον

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 8: 11، 8: 12، 13: 4، 13: 22، 16: 17 واخيرا جاء فى 16: 20

 

Σώζω

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 10: 26، 13: 13، 13: 20، 15: 31، 3: 4، 8: 35، 15: 30، 5: 28، 5: 34، 6: 56، 10: 52، 5: 23 واخيرا جاء فى 16: 16

 

ου
̓
ρανός

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 1: 11، 6: 41، 7: 34، 8: 11، 10: 21، 11: 25، 11: 26، 11: 30، 11: 31، 13: 25، 13: 27، 13: 31، 13: 32، 14: 62، 1: 10، 4: 4، 4: 32 واخيرا جاء فى 16: 19

 

Δεξιός

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 10: 37، 10: 40، 12: 36، 14، 62، 15: 27، 16: 5 واخيرا جاء فى 16: 19

 

Χείρ

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 5: 23، 6: 2، 6: 5، 7: 2، 7: 3، 7: 5، 8: 23، 8: 25، 9: 31، 9: 43، 10: 16، 14: 41، 14: 46، 1: 31، 1: 41، 3: 1، 3: 3، 3: 5، 5: 41، 7: 32، 8: 23، 9: 27، 9: 43 واخيرا جاء فى 16: 18

 

ε
̓
́χω

جاء بمشتقاته فى انجيل مرقس فى 2: 17، 2: 19، 3: 15، 4: 17، 4: 23، 4: 40، 6: 18، 6: 36، 6: 38، 7: 16، 8: 2، 8: 5، 8: 16، 8: 17، 9: 50، 10: 21، 10: 23، 11: 22، 11: 25، 2: 10، 3: 22، 3: 26، 3: 29، 3: 30 9: 17 واخيرا جاء فى 16: 18

 

نصل من هذه الملاحظات السريعة الى ان الفاظ نهاية مرقس الطويلة هى مرقسية بشكل كبير جدا وقد جاء ذكر الفاظ كثيرة منها فى طول انجيل مرقس وعرضه وقد ذكرنا امثلة بسيطة لهذه الالفاظ المرقسية بالاعلى.

 

و بناء على هذا، فقد ذهب بعض العلماء الى رأى اخر غير ما كتبناه حول البرهان الداخلى، وهو ان مرقس كان يكتب بشارته بحسب تعليم بطرس الشفهى بالروح، وكان بطرس قد وصل فى اخر عظاته الى عرض خوف المريمات وكان ينوى سرد تاريخ القيامة، ثم استشهد بطرس او سُجن فأكمل مرقس نهاية الانجيل بحسب رؤيته هو وصياغته هو وهذا يفسر اختلاف الاسلوب.

 

غير ان هذا الرأى يعتمد بالاولى على ان انجيل مرقس لم يكن سوى تعليم بطرس الشفهى الذى القاه على الجموع وقد جاء هذا الرأى فى كتابات الاباء الا ان دراسات حديثة كثيرة ترفض هذا الرأى وقد فندته واثبتت عدم صحته





[9]




ولكنى لا استطيع ان ارفض هذا الرأى ولا استطيع كذلك ان اقبله ولكنى اعرضه امامك لعل هذا الرأى يفيدك!

 

فكنيستنا الارثوذكسية ترفض ان يكون انجيل مرقس مجرد تعليم بطرس الشفهى وقد قام قداسة البابا شنودة الثالث بعمل فصل كامل فى كتابه عن مارمرقس الرسول لينفى هذا القول، فى الوقت نفسه تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بأن انجيل مارمرقس كان عبارة عن تعليم بطرس الشفهى نقلا عن اقوال بابياس التى نقلها عنه يوسابيوس، وعليه فلا استطيع ان اتقبل هذا الرأى ولا استطيع ان ارفضه بل اتركه لك انت لتحدد رأيك بنفسك!

 


نقد المصدر وخاتمة مرقس

و يُعرفه لنا ابينا الفاضل القمص عبد المسيح بسيط ابو الخير قائلا





[10]





:

 “معظم المصادر التي استقى منها كتّاب الوحي مادة كتبهم الإلهية كانت شفوية لأنهم دونوا إعلانات الله التي أعلنها لشعبه بواسطتهم، فكان مصدرها هو الله نفسه وقد أعلنها لهم بوسائل الإعلان الإلهي المختلفة وذلك إلى جانب الأحداث الجارية الخاصة بعصر كل نبي على حدة والمرتبطة بعلاقة شعب الله بهذا الإعلان وبالله ذاته. وتعتبر هذه الكتب هي المصدر الوحيد المكتوب لهذه المواد الكتابية، مثل أسفار الأنبياء. ولكن هناك أسفار كانت لها مصادر سابقة على عصر النبي وأحداث حدثت مع أجيال سابقة على جيله مثل سفر التكوين الذي دون فيه موسى النبي تاريخ البشرية من الخليقة إلى يوسف الصديق. وهذه المصادر ليست موجودة بين أيدي النقاد والباحثين ولكن أثارها واضحة في السفر نفسه. وهناك بعض الأسفار التاريخية لا تزال بعض مصادرها موجودة بين أيدينا الآن”.

 

و بالتالى، فإننا اذا اتفقنا مع القمص متى المسكين حول ان أريستون هو كاتب الخاتمة فهنا يجب علينا ان نعى برسولية الخاتمة وصحة وحيها، الامر الذى اقر به صراحة به ابونا متى المسكين، وسنعود لهذا الامر تفصيلاً. فلو ان اريستون لم يُوحى له بالروح ان يكتب شيئا لما فكر ان يكتب لأنه رسولا اختاره الله ليبشر الأمم. فإذا حاولنا ان نستقى أهم ما يخص النقد المصدرى لدى مصادر اريستون فى تكوين الأعداد الأخيرة فى الخاتمة فسنجد امامنا ثلاثة خيارات، هى:

 


               


الحياة العينية التى عاشها أريستون كأحد الرسل مع الرب يسوع المسيح


               


التقليد الشفهى الذى تسلمه اريستون من بقية الرسل حول ما رأوه وعاشوه مع الرب


               


المصادر المكتوبة حول قيامة الرب (الأناجيل / الأعمال)

 

فإذا توجهنا لفحص هذه الخيارات حول ما كتبه اريستون فسنجد ان ما كتبه اريستون حول قيامة الرب يتفق اتفاقا تاماً مع ما شرحه بقية الرسل حول قيامة الرب فى عظاتهم، ونفس الامر سنجده مع مصادرهم المكتوبة حول قيامة الرب، فقيامة السيد فى إنجيل مرقس لا يوجد بينها وبين بقية الاناجيل اى خلاف او تعارض فى اى من أحداث القيامة. ورغم ان البعض من غير المؤمنين يحاول ان يوجد اى خلاف بين هذه المصادر المُوثقة (الاناجيل / الأعمال) وبين حدث القيامة فى انجيل مرقس الا ان كل مؤمن يثق تماما فى سطحية مثل هذه الخلافات والتى يُمكننا دحضها بالترتيب الزمنى لأحداث القيامة والصعود التالى





[11]





:

 

1- الظهور ألأول لمريم المجدلية

2- الظهور الثانى لمريم المجدلية ومعها بقية النساء

3- الظهور لتلميذى عمواس

4- الظهور لسمعان بطرس (لو 24: 34، 1 كو 15: 6)

5- الظهور للتلاميذ بدون توما

6- الظهور للتلاميذ ومعهم توما

7- الظهور للتلاميذ فى الجليل

8- الظهور ليعقوب (1 كو 16: 7)

9- الظهور للتلاميذ عند بحر طبرية

10- الظهور للتلاميذ فى اورشاليم

11- الظهور ل 500 أخ آخر

 

الأهم فى كل هذا هو ان حدث القيامة بحسب ما دونه اريستون لا يتعارض مُطلقا مع ما حفظه التقليد الشفهى الذى عاشه ومارسه هو بنفسه كرسول من الرب!

 

بل واكثر من هذا فإن من أعمدة التقليد الكنسى من دافع عما جاء فى خاتمة انجيل مرقس حول حدث القيامة وبين مدى موافقتها لما جاء فى الثلاث اناجيل الاخرى وبالأخص فى إنجيلى لوقا ومتى بإعتبارهم الثلاث اناجيل الإزائية، واشهرهم على الإطلاق هو اغسطينوس الذى خصص فصلا كاملا فى مُؤلفه “اتفاق الأناجيل”





[12]





حول قيامة الرب فى الاربع بشارات. يتبين لنا من قبول التقليد الكنسى ودفاعه عما خطه اريستون انه على قناعة تامة بان ما خطه اريستون هو فى اتفاق تام مع البقية من بشارات الإنجيليين، بل وانه قد خرج من التقليد الشفهى كما عبر باسيليوس الكبير وايريناؤس ابو التقليد الكنسى.

 

و رغم قدم الشبهات التى دارت حول مدى اتفاق سرد القيامة بين انجيل مرقس وبقية البشارات ورغم انها دُحضت كثيرا على يد آباء الكنيسة





[13]





، إلا ان البعض الى يومنا هذا مازال يرددها! وكنوع من التحليل العلمى فى نقد النقد المصدرى فسأذكر فى إيجاز ردا على الشبهات التى دارت حول سرد القيامة بحسب ما جاء فى إنجيل مرقس وبين سرد القيامة بحسب ما جاء فى بقية البشارات فى محاولة لدفع نقد النُقاد المصدريين.

 

ان الدارس المُدقق سيجد ان معظم نصوص الآيات الاثنى عشر هذه موجودة فى بقية الأناجيل الثلاثة، حتى انه بإمكان اى باحث او مُؤلف كتابى عن حياة السيد المسيح ان يقوم بعمل حدث القيامة والصعود بشكل إزائى طبيعى بين جميع نصوص القيامة والصعود فى الثلاث بشارات الاولى بشكل خاص والاربع بشارات بشكل عام





[14]





، ان جميع الاحداث وان تباينت تفاصيلها الا انها موجودة فى البشارات الاخرى بل وسيشعر انها تتفق فى نفس المضمون مما يؤكد وحدانية مصدرها فى الاربع بشارات، وحى الروح القدس، ولنأخذ بعض الامثلة على هذا من خلال سياق الاعداد





[15]





:

 

الآيات 9 – 11: وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ فَذَهَبَتْ هَذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. فَلَمَّا سَمِعَ أُولَئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ وَقَدْ نَظَرَتْهُ لَمْ يُصَدِّقُوا.

 

و نجد نص هذه الآية فى اكثر من مكان، فذكرها مرقس فى العدد الأول من نفس الإصحاح إذ قال: “وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ حَنُوطاً لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ.” وكذلك ذكره لوقا البشير: “

ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَوَّلَ الْفَجْرِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ.” (لو 24: 1). وكذلك القديس متى أكد هذا إذ قال: “
وَبَعْدَ السَّبْتِ عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ” (مت 28: 1). ثم شرحها يوحنا بالتفصيل فى إصحاحه الإخير من بشارته.

 

الآيات 12 – 13: وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. وَذَهَبَ هَذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هَذَيْنِ.

 

و فى هذه الآيات، يتفق البشير مرقس مع البشير لوقا اتفاق بارع حيث يذكر لوقا نفس المواصفات وملابسات فى بشارته إذ يقول: “

فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ فَانْحَنَى وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا فَمَضَى مُتَعَجِّباً فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ. وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً اسْمُهَا «عِمْوَاسُ». وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ. وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. وَلَكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا الَّذِي اسْمُهُ كَِلْيُوبَاسُ: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟» فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟» فَقَالاَ: «الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ. وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذَلِكَ. بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِراً عِنْدَ الْقَبْرِ وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلَى الْقَبْرِ فَوَجَدُوا هَكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضاً النِّسَاءُ وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ». فَقَالَ لَهُمَا: «أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ. ثُمَّ اقْتَرَبُوا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: «امْكُثْ مَعَنَا لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا أَخَذَ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟» فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: «إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!» وَأَمَّا هُمَا فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ الْخُبْزِ.” (لو 24: 12 – 35).

 

الآية 14: أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ.

 

و يتفق هذا الجزء القانونى من بشارة مرقس بشكل رهيب ومذهل مع قاله البشيرين لوقا ويوحنا فرغم انه مُختصر الا انه لا يتعارض مع بقية البشارات بل انه يُقدم اختصار لما فصله البشيرين الآخرين، فيقول لوقا فى إنجيله: “

وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!» فَجَزِعُوا وَخَافُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحاً. فَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟ اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي وَانْظُرُوا فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي». وَحِينَ قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ الْفَرَحِ وَمُتَعَجِّبُونَ قَالَ لَهُمْ: «أَعِنْدَكُمْ هَهُنَا طَعَامٌ؟» فَنَاوَلُوهُ جُزْءاً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ وَشَيْئاً مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ. وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ». حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذَلِكَ. وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي».” (لو 24: 36 – 49)

 

و يذكر يوحنا نفس الحادثة فيقول: “

وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ لَهُمْ: «سلاَمٌ لَكُمْ». وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ». (يو 20: 19 – 23).

 

الآيات 15 – 16: وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.

 

و هذه الآيات يذكرها متى البشير تفصيلا فى بشارته: “

فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ».” (مت 28: 18 – 20).

 

الآيات 17 – 18: وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ.

 

و تتفق هذه الكلمات مع ما دونه البشير لوقا بالروح فى سفر أعمال الرسل، إذ يذكره باكثر تفصيل قائلا: “

إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ بَعْدَ مَا أَوْصَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ. اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضاً نَفْسَهُ حَيّاً بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الْأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ. وَفِيمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَهُمْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ بَلْ يَنْتَظِرُوا «مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ لَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ». أَمَّا هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ: «يَا رَبُّ هَلْ فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ». وَلَمَّا قَالَ هَذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ وَقَالاَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى السَّمَاءِ” (اع 1: 2 – 11).

 

الآيات 19 – 20: ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ. وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ.

 

و يتفق البشير لوقا مع هذه الكلمات فى بشارته وفى تسجيله لأعمال الرسل وأيضا مع البشير متى، فيقول لوقا فى بشارته: “

وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجاً إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ. آمِينَ.” (لو 24: 50 – 53).

 

و يقول فى سفر أعمال الرسل: “

وَلَمَّا قَالَ هَذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ.” (اع 1: 9) ويذكر متى نفس المضمون والجوهر لما احتواه مرقس مُقتبسا عن المزمور 110 والعدد الخامس فى إصحاحه الثانى والعشرون.

 

كما اننا نرى بشكل واضح فى العدد الأخير من خاتمة مرقس تلخيصاً رائعا لما ورد فى كل سفر أعمال الرسل، فبشارة الخلاص واضحة وصريحة مختصرة بوحياً إلهياً رائعا لكرازة آبائنا الرسل والقديسيين كما رواها البشير لوقا فى تسجيله لأعمالهم.

 

و يؤكد ما نقوله هذا عالمى اللاهوت الدفاعى نورمان جيسلر وتوماس هو مبتعدين عن طرق علماء النقد النصى المُختلفة بين “كم المخطوطات” و”وزن المخطوطات”





[16]





إذ يقولا: “سواء كانت هذه القطعة من النص تنتمى للنص الأصلى او لا، فإن ما به من حقائق هو ثابت، فهذه السطور الاخيرة لا تُحدث اى إختلاف، فلو انها تنتمى للنص فهذا لا يُحدث اى تعارض مع بقية الكتاب، وإن لم يكن ينتمى للنص الأصلى فإنه لا حقيقة مفقودة من الكتاب، حيث ان كل تعليم جاء هنا موجود فى بقية أسفار الكتاب، التكلم بالألسنة (انظر أع 28: 3 – 5)، والمعمودية (أع 2: 38)، وحفظ الله الذى هو فوق الطبيعة لرسله من ثم الثعابين (أع 28: 3 – 5). إذن، فى التحليل النهائى فإنها مناظرة حول هل هذا المقطع النصى جزء من الكتاب المقدس ام لا، وليس عن اى حقيقة مفقودة”





[17]





.

 

و يرى العالم روبرتسون نيكول أن الأعداد 9 – 11 تعتمد على يوحنا 20: 14 – 18، والأعداد 12 – 14 موجودة بمضمونها وجوهرها فى انجيل لوقا 24: 13 – 35، والأعداد 15 – 18 معناها موجود فى إنجيل متى 28: 19 واخيرا الأعداد 19 – 20 هى تلخيص مُوجز لمضمون كرازة الرسل الذى دون القديس لوقا فى سفر أعمال الرسل





[18]





.

 

و يرى البروفيسور زاهن
Zahn
استاذ علم تفسير العهد الجديد بجامعة ايرلانجين ان الأعداد 9 – 11 تعتمد مباشرة على دمج ليوحنا 20: 1 – 18 ولوقا 8: 2، والأعداد 12 – 13 مُستمدة من لوقا 24: 13 – 35 (تطابق فعلى وليس نصى)، والأعداد 14 – 16 من متى 28: 19، والعدد 20 يُمثل كرازة الرسل فى “عب 22: 3، رو 10: 14، رو 15: 18، كو 1: 6، 1 تى 3: 16، اع 15: 12”.





[19]





وهذا نفس ما وصل له البروفيسور ويس استاذ العهد الجديد بجامعة برلين حيث يرى التطابق التام بين نص ما رواه مرقس وما رواه لوقا ويوحنا ومتى فى معرض تفسيره للخاتمة





[20]





والعميد برجون فى شرحه لنص الخاتمة فى تفسيره الروحى





[21]





.

 

و يُلخص لنا قاموس الكتاب المقدس الدراسات المصدرية حول خاتمة إنجيل مرقس قائلا





[22]





: “

ويلاحظ أن الجزء الأخير من الإنجيل وهو (ص 16: 9 – 20) وجد في بعض المخطوطات القديمة ولم يوجد في البعض الآخر مثل المخطوطة السينائية ومخطوطة الفاتيكان. ولكن يجب أن لا يغرب عن بالنا أن حوادث الظهور الواردة في هذه الأعداد وكذلك أقوال المسيح المقام المذكورة فيها حقائق دامغة يؤيدها ورودها في الأناجيل الأخرى.”

 


نقد الشكل وخاتمة مرقس

نقد الشكل هو دراسة أشكال الكتابة الأدبية والوثائق التي تحفظ التقليد المبكر. وتقدِّم افتراضاً أساسياً على أن الاستخدام المبكر والشفهي للتقليد صاغ المادة ونتج عنه تنويعة من الأشكال الأدبية التي وجدت في التسجيل النهائي المكتوب. ولذا فإن دراسة هذه الأشكال يسلِّط الضوء على حياة وفكر الناس الذين حفظوا التقليد.

 

يعرف ج.أ. لادد نقد الشكل بما يلي:

إن «نقد الشكل» يهتم بدراسة الأشكال الأدبية المتنوعة التي يفترض أنها التقليد الشفهي الذي تمَّ تناقله من فم إلى فم. وخلف هذه الدراسة تكمن الفرضية أن ثمة قوانين محددة للتقليد الشفهي عندما يتم تطبيقها على الأناجيل سوف تقود إلى استعادة الشكل الأول والأقدم للتقليد. وبدراسة متعمقة لهذه الأشكال فإنها تقود إلى الخلاصة النقدية التي تقول بأن محتوى الأناجيل في مراحلها المبكرة كان يعتمد على التناقل الشفوي كوحدات وحكايات وقصص وأقوال وتعاليم وأمثال غير متصلة. وكل وحدة من التقاليد لها تاريخها الخاص في الكنيسة. إن الموجز التاريخي لأعمال يسوع كما هو موجود في إنجيل مرقس ومجسَّد بشكل كبير في متى ولوقا ليس جزءاً من هذا التقليد، ولكنه من اختلاق مؤلف الإنجيل الثاني، الذي قام بجمع الكثير من وحدات التقليد، وابتدع موجزاً تاريخياً لأعمال يسوع، واستخدم هذا الموجز كخيط روائي يمكن من خلاله تقوية العلاقة بين الجزيئات المنفصلة من التقاليد المستقلة. وهذا يعني أن الإشارات التي تدل على التتابع الزمني والمكاني وما يماثلها في الأناجيل هي إشارات غير أًصيلة تاريخياً على الإطلاق وغير جديرة بالثقة، ومن ثم يجب تجاهلها من قِبَل نقَّاد الإنجيل الجادّين. وكنتيجة لذلك نحن لا نملك في الحقيقة سجل حياة أو «سيرة حياة» يسوع، ولكن فقط مجموعة من الحكايات والتعاليم المنفصلة التي تم ربطها معاً بأسلوب غير تاريخي وسطحي.

 

يلخص ر.ه ليتفوت أهداف نقد الشكل:

هذه المدرسة تذكِّرنا أن الكنيسة الأولى بلاشك اعتادت أن تعبِّر عن نفسها بأسلوب أدبي. وهي تعتقد أولاً، أنه في السنين الأولى لم يتمّ تناقل ذكريات وتقليد الكلمات والأعمال الخاصة بيسوع سوى من خلال التناقل الشفهي من فم لفم. وثانياً، هذه التقاليد والذكريات ليس لها قيمة كبيرة (كما كنا نتوقع) في ذاتها، لكن أهميتها تكمن في حلّ المشكلات المتصلة بحاجات الكنائس الوليدة. كما تعتقد هذه المدرسة أن هذه الحاجات كانت منصبَّة في معظمها على الإرساليات التبشيرية، والتعاليم الكرازية، وتأسيس القناعات، وكذلك توضيح معنى الحياة المسيحية، ودحض الاعتراضات من قِبَل اليهود أو غيرهم، وربما تأتي العبادة فوق كل شيء. وهي تؤمن علاوة على ذلك أن هذه التقاليد والذكريات سوف تظهر في المقام الأول في شكلين: الشكل الأول: القصص القليلة المتفرقة، والشكل الثاني: أقوال يسوع سواء في تجميعات متجمعة أو صغيرة، وكلاهما سوف يتخذ تدريجياً صيغة متجمعة بشكل كلي أو جزئي، ومن خلال التكرار المستمر في الكنائس. وبغض النظر عما هو صحيح من الأقوال، فسوف تحاول القصص تشكيل نفسها على مثال القصص المشابهة عن المعلمين والقادة في العالم اليهودي أو الهيلِّيني. وأخيراً، تقترح هذه المدرسة أن كثيراً من هذه التقاليد السابقة للتدوين مازال يمكن تمييزها في الأناجيل المكتوبة التي بين أيدينا وخاصة إنجيل مرقس، وإلي حد ما يمكن تصنيفها تبعاً لطرازها أو شكلها، ومن هنا اشتق اسم هذه الدراسة الجديدة.

 

يلخص روبرت مونسي إجراءات نقد الشكل بالأسلوب التالي: يبدأ الناقد الشكلي أولاً في وضع قوائم بالطرز المتنوعة للأشكال التي يمكن تقسيم روايات الكتاب المقدس إليها. ثم يحاول تحديد الموقف الحياتي أو الموقف في الحياة الخاص بالكنيسة المبكرة الذي يعتبر السبب وراء تطور كل نص من النصوص الموضوعة في هذا التصنيف. هل كان الخوف من الاضطهاد؟ هل كان حركة الكنيسة الأممية خارج السيطرة اليهودية؟ هل كان وراء ذلك هرطقة؟ وهكذا…إلخ.





[23]





 

فإذا نظرنا الى خاتمة مرقس الطويلة، وحاولنا تطبيق نظريات نقد الشكل فسنخرج بعدة نتائج هامة:


      


الاسلوب والصياغة تدخل فى الإطار المُحايد بين اسلوبى مرقس واريستون فكثير من المُصطلحات ذُكرت فى بقية إنجيل مرقس، فى حين ان هناك كلمات لم ترد بالفعل فى إنجيل مرقس مما يدفع البعض للميل الى ان اريستون هو الكاتب ولكن يبقى بشكل مُحايد رايهم فوجود كلمات لم تُستخدم فى إنجيل مرقس من قبل لا يُعد دليلا يؤخذ به للإستدلال على كتابة اريستون للخاتمة


      


لا يُمكن للكاتب ان يتوقف عند العدد الثامن بأى شكل فسواء كان الكاتب هو مرقس او اريستون فهذا يُوجب علينا ان نؤمن بإستحالة ترك الإنجيل منتهيا بالعدد الثامن


      


الحدث القيامى بحسب ما جاء فى بشارة مرقس يتفق فى الاسلوب والسمات مع طبيعة مرقس واريستون كرسل للرب من السبعون رسولا.

 

و فى دراستنا لنقد الشكل حول خاتمة مرقس يجب ان نسأل سؤالا هاماً، هل تستقيم الكلمات والألفاظ بها مع الإعتبار ان انجيل مرقس هو أقدم الاناجيل؟

 

تقول دائرة المعارف: “المادة المتميزة فى إنجيل مرقس والمواضيع التى ينفرد بها مرقس هى ما جاء فى الأصحاح الرابع (4: 26- 29) عن البذار التى تنمو سراً، وفى الأصحاح الثالث (3: 21) عن مخاوف أقربائه وفى الاصحاح الثامن (8: 22-26) عن الأعمى، وفى الأصحاح الثالث عشر (13: 33-37) عن البواب والسهر، وفى الأصحاح الرابع عشر (14: 51) عن الشاب الهارب. وبالإضافة إلى هذا، هناك الكثير من الكلمات الحية التى تضفى لمعاناً على المواضيع الأخرى. ورواية مرقس أو فى غير قليل من الأحداث المشتركة بين الأناجيل، مثلما فى موضوع موت يوحنا المعمدان (6: 14-29)، والأكل بأيدى غير مغتسلة (7: 1-23)، والغلام الذى كان يصرعه الروح النجس (9: 14-29)، وحوار أحد الكتبة معه (12: 28-34) وهناك من مثل هذه الأجزاء ما يكفى لإثبات أن كاتب الإنجيل لم يعتمد اعتماداً كلياً على البشيرين الآخرين.”

 

و هذا يوفر لنا الكثير فى تفسير اسباب وجود كلمات لم ترد الا فى انجيل مرقس فقط، فهذه الحادثة تتكرر فى الإنجيل بطوله وعرضه وليس فى الخاتمة فقط وايضا يُفسر لنا وجود الفاظ مُشتركة مع بقية اجزاء الإنجيل فى الخاتمة بل وايضا مع بقية البشارات، والتفصيل فى هذه النقطة سيُدخلنا فى مناقشة المشكلة الإزائية وليس لنا حال بها الآن.

 

و دعونى أضع بين ايديكم الآن التحليل الدراسى الذى قام به محررى دائرة المعارف فى نقد شكل إنجيل مرقس بشكل عام، فتقول الدائرة حول لغة الإنجيل الثانى:

 

1- صفتها العامة: يستخدم مرقس اللغة اليونانية الدارجة التى كانت شائعة فى ذلك العهد، والتى كان يفهمها الناس فى كل العالم الرومانى، لقد كانت – بكل تأكيد- لغة الشعب “المعروفة والمقروءة من جميع الناس”، ومفرداته خالية من الكلمات الفنية التى لا يستخدمها إلا العلماء، كما أنها خالية من الكلمات السوقية. لقد استخدم مرقس لغة نظيفة نابضة بالحياة والقوة، موجهة مباشرة إلى الطبقة المتوسطة.

 

2- المفردات: يبلغ عدد المفردات فى إنجيل مرقس (فى الأصل اليونانى) 1.330 كلمة، منها ستون كلمة أسماء أعلام، وتسع وسبعون كلمة ينفرد مرقس باستخدامها (فيما يختص باسفار العهد الجديد)، ومائتا كلمة وثلاث كلمات لا توجد إلا فى الأناجيل الثلاثة الأولى، وخمس عشرة كلمة فى إنجيل يوحنا، وثلاث وعشرون كلمة فى كتابات الرسول بولس (بما فيها الرسالة إلى العبرانيين) وكلمتان فى الرسائل الجامعة (واحدة فى يعقوب والثانية فى بطرس الثانية)، وخمس كلمات فى سفر الرؤيا. ونحو ربع الكلمات التسع والسبعين التى ينفرد بها مرقس، هى كلمات غير بليغة، بالمقابلة مع السبع فى لوقا، وأكثر من السبع قليلاً جداً فى متى. كما يذكر هو كنز ثلاثاً أو وثلاثين كلمة أو عبارة غريبة غير شائعة.

 

وثمة دلائل لغوية على أن الكاتب كانت ثقافته فى صباه أرامية، ويبدو ذلك فى استخدامه كلمات أرامية أكثر مما فى متى وضعف ما فى لوقا أو يوحنا، وأهمها طليثا قومى (5: 41)، افثا (7: 34)، وبوانرجس (3: 17).

 

3- الأسلوب: أسلوب إنجيل مرقس بسيط جداً، ويتكرر حرف العطف “الواو” كثيراً، وهو يخلو تماماً من العبارات البليغة الطنانة. والأسلوب القصصى موجز محكم، وأحياناً نجد تكرار المعنى فى عبارات مختلفة منعاً من كل إيهام (كما فى: 32، 2: 25، 5: 19)، وأمثالها وهى خاصية مميزة لأسلوب مرقس. أما الوصف فنابض بالحياة بصورة عجيبة، يبرزها بشدة، استخدامه لصيغة الفعل فى المضارع 151 مرة، مقابل 78 مرة فى متى، وأربع مرات فى لوقا، وذلك فى غير الأمثال حيث أن مرقس لا يستعمله مطلقاً فى الأمثال، بينما يستخدمه متى 15 مرة، ولوقا خمس مرات. ويستخدم يوحنا صيغة الفعل المضارع 162مرة (أكثر قليلاً من مرقس)، ولكن مرقس يضفى على استخدامه له تنوعاً وحيوية بأنتقاله السريع بافعاله بين الأزمنة المختلفة.

 

4- اللغة الاصلية: إن خلاصة ما نستجمعه من أقوال الآباء هى أنه كتب اأصلاً فى اليونانية، وترجمات هذا الإنجيل تمت نقلاً عن اليونانية لا إليها، فقد كانت اللغة اليونانية هى اللغة المستخدمة فى كل العالم الرومانى، وبخاصة فى الرسائل، فكتب بولس لأهل رومية باليونانية، ويونانية إنجيل مرقس تحمل طابع الأصالة ووحدانية الكاتب.

 

و دفاعا عن الوحدانية الشكلية بين مقدمة مرقس وخاتمته تقول دائرة المعارف: ” إن السؤال الوحيد الخطير عن صحة الإنجيل وسلامته، إنما يتعلق بالأعداد الاثنى عشر الأخيرة – كما سبقت الإشارة – ويرى البعض أن مرقس (1: 1-13)، يماثل ما جاء فى مرقس (16: 9-20)، ولعل الجزء ين قد أضافتهما نفس اليد، ولكن بما أن المفردات والارتباطات هى الحجج الرئيسية ضد أصالة الجزء الأخير، فإنه فى كلا هذين الأمرين، ترتبط مقدمة مرقس(1: 1-13) بالموضوع الرئيسي للإنجيل. كما ليس ثمة سبب كاف لإنكار أن الأصحاح الثالث عشر، هو رواية صادقة لما قاله يسوع. وما يزعمه “وندلنج” عن وجود ثلاث طبقات يمكن تمييزها، لثلاثة كتَّاب مختلفين، هم المؤرخ والشاعر وعالم اللاهوت، لم يعد يجد قبولاً. وباستثناء الأعداد الختامية، لا يوجد ما يدعو إلى افتراض حدوث أى مساس بوحدة الإنجيل، أكثر من افتراض قيام مرقس نفسه بإضافة مبكرة أو متأخرة، وأقوى نقطة فى هذا الخصوص، هى عدم ذكر لوقا للجزء المدون فى إنجيل مرقس (6: 45-8: 26)، ولكن هوكنز يقدم أسباباً أخرى لذلك.”

 

كذلك من أهم النقاط التى تُحسب لصالح خاتمة مرقس فى نقد الشكل هى تنوع الصياغة الأدبية مُقارنةً مع بقية البشارات فى ظل وحدة الجوهر والمضمون والمعنى لنصوص القيامة فى البشارات مع إنجيل مرقس. ومثل السرد القيامى كذلك يُحتسب لصالح الخاتمة سرد الصعود الإلهى، فالمعنى والمضمون واحد بين جميع البشارات ولكن الصياغة الأدبية متنوعة وتثرى العقل!

 

اما آخر نقطة فى دراستنا لنقد الشكل فى خاتمة مرقس فهى وجود الخاتمة ليتروجيا مع قبول التقليد الكنسى. فمن المعروف ان الأعداد 12 – 20 تُقرا ليتروجيا فى عيد الصعود الإلهى فى إنجيل باكر فى كنيستنا الأرثوذكسية القبطية وكذلك فى كل الكنائس الرسولية فى عيد الصعود الإلهى. ومن المعروف والثابت ان نص الخاتمة وُجد فى أقدم كتب القراءات الكنسية
Lectionaries
مما يؤكد قبول التقليد الكنسى لها ليتروجيا مما يؤكد تطابق ما بالخاتمة من معلومات حول القيامة والصعود مع ما هو مُستلم فى التقليد الكنسى عبر التسليم الشفهى قبل وبعد كتابة وصياغة الإنجيل.






[1]




المدخل إلى العهد الجديد للدكتور القس فهيم عزيز ، ص 231




[2]


The New Testament – An Introduction Proclamation and Parenesis, Myth and History, Norman Perrin, page 161




[3]


Check Nelson’s New Illustrated Bible Dictionary, p. 801




[4]


Tacitus
،Annals 15:44





[5]




المدخل إلى العهد الجديد -الدكتور القس فهيم عزيز ، ص 230





[6]




ابو كريفا العهد الجديد ( كيف كتبت؟ ولماذا رفضتها الكنيسة؟ )، الجزء الاول، الكتب المسماه بأناجيل الطفولة والالام، القس عبد المسيح بسيط ابو الخير، ص 168 – 169




[7]


The Apocryphal New Testament:Translation and Notes
،Oxford: Clarendon Press 1924
،By M.R. James
،P. 228




[8]


The Gospel According to St. Mark
،Cambridge
،1902 The University Press, By G. F. Maclear
،P. 16





[9]




كمثال انظر : ناظر الاله مرقس الرسول، البابا شنودة الثالث، ص 26 – 33،,, المدخل الى العهد الجديد، د. موريس تاوضروس، ص88 – 91





[10]




الكتاب المقدس يتحدى نُقاده والقائلين بتحريفه، القمص عبد المسيح بسيط ابو الخير، الطبعة الاولى 2005، ص 27




[11]


The Gospel Of Mark Annonated
،P. 120





[12]




خصص العلامة اللاتينى اغسطينوس عدة فصول فى الكتاب الثالث من مُؤلفه “إتفاق الأناجيل”
Harmony Of The Gospels
تبدأ من الفصل الرابع والعشرون، حيث فصّل كثيرا فى شرح الشبهات التى قد تبدو ظاهريا حول قصة القيامة بين الأربعة اناجيل، ويُعد مُؤلفه هذا هو اللبنة الأولى لعلم إزائية الأناجيل.





[13]




من اشهر الدفاعات الآبائية حول نصوص القيامة فى الاربع بشارات دفاعيات جيروم العلامة اللاتينى وقد دحضها بشكل رائع فى رسائله حول التناقضات المزعومة فى اسفار الكتاب وخاصة فى رسالته الى هديبيا عن مشكلات الكتاب المقدس.





[14]




مثال على هذه الدراسات، انظر : حياة المسيح، الأسقف فريدريك و. فارار، تعريب الدكتور جورجى يوسف، نشره راهب من الإسقيط، الطبعة الرابعة 2004، ص 803 – 843، وانظر ايضا : حياة وخدمة المسيح بالكرازة، الأنبا بيشوى، الطبعة الأولى 1996، ص 334 – 339





[15]




لدراسة هذا الأمر بتوسع اكثر انظر : إتفاق البشيرين، القس سمعان كلهون، راجعه ونقحه القس منيس عبد النور، إصدار الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة، الطبعة الأولى 2005، ص 586 – 603





[16]




فى علم المخطوطات يشتهر اصحاب النص البيزنطى مع اصحاب النص السكندرى بالمواجهة المستمرة والعنيفة بينهما، يتبع علماء النص البيزنطى طريقة تُسمى “كم المخطوطات”
Majority & Minority
وهى طريقة تتبع توثيق وترجيح القراءة عن طريق عدد المخطوطات التى تُدعم القراءة، اما علماء النص السكندرى فيتبعون طريقة “وزن المخطوطات”
Weight
اى ان القراءة تُرجح إذا وُجدت فى المخطوطات ذات الأهمية والتى حجم اهميتها كبير وفى هذا يرى علماء النص السكندرى ان السينائية والفاتيكانية هم أهم مخطوطات العهد الجديد من حيث حجم اهميتهم.




[17]


When Critics Ask
،A Popular Handbook On Bible Difficulties
،By Norman Geisler & Thomas Howe
،P. 322




[18]


The Expositor’s Greek Testament (5 Volume Set)
،Eerdmans Puplishing 1960
،By W. Robertson Nicoll
،P. 455




[19]


Introduction To The New Testament
،Vol II
،London 1909
،By Theodor Zahn
،Translated By Melancthon Williams Jacobus
،P. 471




[20]


A Commentary On The New Testament
،Vol I
،New York & London 1909
،By Bernhard Weiss
،Translated By G. H. Schodde & E. Wilson
،P. 377 – 379




[21]


A Plain Commentary On The Four Gospels
،Vol I
،London 1855
،By John William Burgon
،P. 396 – 400





[22]




قاموس الكتاب المقدس، حرف مـ، إنجيل مرقس، ص 855





[23]




برهان جديد يتطلب قرار، جوش ماكدويل، اصدار دار الثقافة 2004 – 2005، ص 473

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي