الفصل الخامس


تفسير الخاتمة

 


التفسير الآبائى

1- التفسير المسيحى القديم لخاتمة مرقس

لقد أخذنا هذا التفسير بتصرف عن كتاب
Ancient Christian Commentary On Scripture
الذى أعده فريق كبير من العلماء فى علم الباترولوجى والذى قام بترجمته الأب الدكتور ميشال نجم





[1]





، استاذ اللاهوت بمعهد يوحنا الدمشقى فى جامعة البلمند بلبنان. هذا لأنه بالفعل قام بعمل ترجمة رائعة مع فريق البحث الخاص به لتفاسير المسيحيين القُدامى لأسفار العهد الجديد، ونحن نذكره هنا عرفاناً بجميله هذا الذى أدى خدمة جليلة للكنائس الناطقة بالعربية!!

 

ليس جميع من استخدمنا نصوصهم هم من اباء الكنيسة، فبعضهم ممن نُطلق عليهم لقب “علامة” وبعضهم مُنشق عن الكنيسة وبعضهم غير مُعترف بقداسته فى كنيستنا الأرثوذكسية القبطية، لذا سنُعطى تعريف سريع بكل من رجعنا لكتاباتهم فى هذا الفصل بحسب ترتيب استخدامهم فى هذا الفصل:

 

القديس أغناطيوس الأنطاكى (35 – 107): أسقف أنطاكيا وعينه القديس بطرس اسقفاً لها وكان تلميذاً له، وهو الأسقف الثالث على انطاكيا. كتب سبع رسائل الى الكنائس المحلية بعد ان اُسر واُقتيد الى روما ليستشهد هناك. كتب رسائله ضد الهرطقة بشكل عام ويُشير الى مركزية سر الشكر (الإفخارستيا) ودور الأسقف فى الحفاظ على وحدة الكنيسة.

 

ايزيدور (633 +): ينحدر من عائلة رومانية وصار اسقفا على اشبيلية. له مُؤلفات مهمة تدل على سعة إطلاعه.

 

بيد (673 – 735): هو المُوقر بيد
Bede
، تتلمذ على يد الرهبان البندكتيين فى مدينة جارو، كان يُعد اكثر الناس علما علماً فى عصره، وهو مُؤلف “التاريخ الكنسى للشعب الإنجليزى”.

 

القديس اغسطينوس (345 – 430): هو اسقف مدينة هيبو، واهتدى للإيمان المسيحى بصلاوات امه القديسة مونيكا وإرشاد القديس امبروسيوس. كتب مُؤلفات عديدة فلسفية وتفسيرية ولاهوتية.

 

القديس جيروم (347 – 420): من اهم علماء واباء الكنيسة فى القرون الأولى، جال بلاد الشرق وصال مُفسراً ومُترجماً، من أهم أعماله ترجمة الكتاب المقدس للاتينية المعروفة بإسم الفلجاتا وله عدة تفاسير للأسفار، للأسف لاتزال حبيسة اليونانية واللاتينية الى اليوم.

 

القديس يوستينوس الشهيد (141 – 161): فيلسوف من اسرائيل، كان وثنيا وآمن بالمسيح. انتقل الى روما حيث كتب دفاعين ضد الوثنيين واليهود مُوجهين للإمبراطور، ووصلنا حوار له مع يهودى غير معروف لنه اسمه تريفو، ثم استشهد بعد ذلك.

 

العلامة ترتيليان (160 – 140): أب الكتابة اللاتينية ورائدها من قرطاجنة، له عدة مُؤلفات اهمها مجموعة كتبه فى الردود على ماركيون، هو أب اللاهوت المسيحى فى الغرب حول الثالوث والكريستولوجى، تأثر فى حياته بالبدعة المونتانية ومات عليها، لذا نُطلق عليه لقب علامة وليس قديس.

 

نوفوتيان (235 – 258): هو مُهرطق مُنشق عن الكنيسة الرومانية، تُعد رسالته فى الثالوث تعبير عن المذهب الغربى الكلاسيكى.

 

غريغوريوس الكبير (540 – 604): اسقف روما من عام 590، كان مُؤلفا خصيبا وشخصية قوية موحدة فى الغرب. اهتم بالليتورجيا فعُرف قداس بإسمه، وعُرف ايضا الترتيل الغربى بإسم الترتيل الغريغورى.

 

المراسيم الرسولية (القرن الثالث): تتناول فى معظمها واجبات الأسقف، هناك ايضا اقسام مخصصة لسيامة الشمامسة ولإغاثة المسجونين فى سبيل الإيمان ولأسئلة حول قيامة الأموات.

 

القديس امبروسيوس (333 – 397): مُعلم اغسطينوس واسقف ميلان. له تفاسير عديدة للكتاب المقدس، دافع عن ألوهية الروح القدس وبتولية العذراء مريم، وله اربعة كتب فى شرح الإيمان المسيحى.

 

القديس ايريناؤس (135 – 202): هو ايريناؤس اسقف مدينة ليون ببلاد الغال (فرنسا) وكان رفيقاً للقديس بوليكاربوس وتلميذاً له، اهم مُؤلفاته هو ضد الهرطقات فى خمس مُجلدات كاملة دحض بها اهم هرطقة انتشرت فى هذا الوقت وهى الغنوسية. استشهد فى فرنسا.

 

القديس غريغوريوس النزينزى (330 – 389): من الاباء الكبادوك واسقف مدينة نزينزة. كان صديقاً للقديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس النيسى. قاوم ابوليناريوس واشتهر شعره وصياغته للاهوت التثليث. ترأس المجمع المسكونى الثانى وكُنى باللاهوتى لسمو كتاباته.

 

لاون (420 – 461): اسقف روما فى عصر الانشقاق، كان طومسه السبب الأول فى انشقاق الكنيسة فى مجمع خلقيدونية الذى نرفضه، من اباء الكاثوليك.

 

برودنيتوس
(348 – 410): اورليوس برودنيتوس، شاعر لاتينى ناظم للتسابيح، كرس اواخر حياته للكتابة المسيحية. وضع قصائد عن التجسد وحارب بدعة ماركيون، حذر من اعادو انبعاث الوثنية.

 

 القديس افراهاط (270 – 350): ويُسمى بالحكيم الفارسى، أول كاتب سيريانى وصلتنا كتاباته، معروف ايضا بإسمه اليونانى افراهاتيس.

 

هذا التفسير قبل ان يكون روحيا عقائديا، فهو بالدرجة الأولى شهادة على اصالة نص الخاتمة الطويلة فى الكنيسة الاولى وقانونيتها، فهو يُعد استكمالا للجزء الرابع (شهادة أباء الكنيسة والكتب الأبوكريفية) من الباب الاول بهذا الكتاب (البرهان الخارجى)…

 

التفسير

الآيات 9 – 13

وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. فَذَهَبَتْ هَذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. فَلَمَّا سَمِعَ أُولَئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ وَقَدْ نَظَرَتْهُ لَمْ يُصَدِّقُوا. وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. وَذَهَبَ هَذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هَذَيْنِ.

 

نظرة عامة

لم يعرف التلاميذ الرب الناهض لما مشى معهم على الطريق بشكل منظور، لأنهم كانوا قد نسوا وعوده. ولما كسر لهم الخبز، أمسكت أعينهم على رؤيته لنقص فى ادراكهم (أغسطين). يوم القيامة هو اليوم الأول من الأسبوع، وهو يُخصص كعلامة للجدة، ويكون مشابها لليوم الأول من الخليقة (ايزيدور اسقف اشبيليه). كانت حواء المرأة الأولى التى ذاقت الموت، وكانت مريم المجدلية المرأة الأولى التى ذاقت الحياة. فكما رأت امرأة السقوط، هكذا رأت امرأة فجر الخلاص. فعكست لعنة حواء، وكانت الأولى فى اداء الشهادة للرب الناهض الذى اخرج منها سبعة شياطين (بيد
Bede
).

 

“وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ”

 

(أغناطيوس)





[2]




: يشمل يوم التهيئة الآلام، ويشمل الدفن السبت، اما يوم الرب فيشمل القيامة. حفاظا على الفصح.

 

(مُؤلف يونانى مجهول من القرن الخامس)





[3]




: هذا هو اليوم الذى صنعه الرب، فلنبتهج به ولنفرح به (مز 118: 24)، لماذا؟ لأن الشمس لا تُظلم فيما بعد، كل شىء انار واشرق. وحجاب الهيكل لن ينشق فيما بعد، لكن يعترف بالكنيسة. فلا نحمل فيما بعد سعف النخل بل نطوف بالمستنيرين حديثاً…هذا هو اليوم ولا يوم الا هو فهناك مملكة واحدة وما من طغاة كثيرين. هذا هو يوم السيادة ويوم الانتصار، يوم مُكرس للقيامة، يوم نتزين فيه بالنعمة، يوم يُوزع فيه الحمل الروحى. إنه يوم يُقدم فيه للمولودين ثانية لبناً، ويتم فيه تدبير الله للفقراء. فلنبتهج ولنفرح به، لا باللجوء للحانات، بل بالإسراع الى مزارات الشهداء، لا بالسكر، بل بمحبة الإعتدال، لا بالطرب على الطريقة اليهودية، بل بالفرح على الطريقة الرسولية، لا بالرقض فى الاسواق، بل بإنشاد المزامير فى البيوت… هذا هو اليوم الذى تحرر فيه آدم وانعتقت فيه حواء من حزنها. انه يوم ارتعد فيه الموت الظالم وحُطمت قوة الصخور، وخُلعت ابواب القبور وطُرحت جانباً. إنه يوم اُعيدت اجساد الأموات قديما الى حياتهم السابقة، وأُبطلت شرائع العالم السفلى التى كانت حتى الآن راسخة ثابتة. انه يوم فُتحت فيه السماوات بنهوض المسيح الرب، واُفرغت شجرة القيامة المُثمرة والمزدهرة فى كل العالم، كما لو كان العالم حديقة، وذلك لخير الجنس البشرى. إنه يوم تبرعمت فيه الزنابق المستنيرة حديثاً، والأنهار التى تروى الخطاة جفت، وتلاشت قوة ابليس وتبعثرت طغمات الشياطين.

 

(ايزيدور اسقف اشبيليه)





[4]




: مهابة يوم الرب ظاهرة فى الكتاب المقدس. هذا اليوم كان اليوم الأول من العالم. فيه كُونت عناصر الخليقة. وفيه خُلقت الملائكة، وفيه قام المسيح من بين الأموات، وفيه هبط الروح القدس من السماء على الرسول. فى هذا اليوم نفسه أُنزل المن فى البرية.

 

“ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ”

 

(بيد)





[5]





:ذاقت المرأة الموت اولا، لكن مريم المجدلية هى التى رأت القيامة اولاً، لكى لا تحمل المرأة بين الرجال الذنب الأبدى للعصيان. البشارة الأولى جائت على لسان المرأة.

 

(بيد)





[6]





:كانت ايضا المرأة التى بشرت اولا التلاميذ ان الرب قد خرج من القبر “حيث كثرت الخطيئة فاضت النعمة” (رو 5: 20).

 

“وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ”

 

(اغسطينوس)





[7]




: يبدو ان هناك ضعفاً كان يعترى بصائر الذين شاهدوه، ولما قيل إنه “ظهر لهم فى بهيئة اخرى” (ع12)، طبعا بجسده لكن بهيئة اخرى، لم تُدركه أعينهم لضعف فيهم.

 

(اغسطينوس)





[8]




: لقد أظلمت بصائرهم، بحيث إنهم لم يدركوه الى ان كسر الخبز معه. وهكذا، وفقاً لوضع عقولهم التى كانت تجهل الحق، أن المسيح يموت ويقوم من بين الأموات، فقد كانت بصائرهم مظلمة. فلم يكن الحق نفسه هو الذى يُضللهم، بل كانوا هم أنفسهم عاجزين عن فهم الحق.

 

(اغسطينوس)





[9]




: ظهر يسوع فكان مرئيا لأعينهم ومع ذلك فلم يعرفوه. سار السيد معهم فى الطريق، وفعلا كان هو الطريق الذى لم يكونوا قد ساروا فيه بعد، فوجد انهم ضلوا الطريق. وفيما كان معهم قبل آلامه أخبرهم كل شىء – انه سيتألم ويموت ويقوم فى اليوم الثالث – كان قد انبأهم بكل ما سيحدث له، لكن ذاكرته خانتهم فغابت عنهم حادثة موته. فإضطربوا لما رأوه مُعلقاً على الصليب بحيث إنهم نسوا تعليمه، فلم يتطلعوا الى قيامته، إذ اخفقوا فى تذكر وعوده.

 

الآيات 14 – 18

أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ. وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ».

 

نظرة عامة

أدرك جيروم المصاعب النصية المُتعلقة بخاتمة انجيل مرقس المُطولة (جيروم)، والمُفسرون الأوائل لهذا المقطع الختامى من مرقس ركزوا الى حد كبير من تناقض المواقف الموجودة فى النص: من لم يؤمنوا اولاً اصبحوا اباء فى الإيمان لكل الذين آمنوا لاحقاً (اغسطينوس). الرسل أنفسهم رأوا ولم يُؤمنوا، اما الوثنيون فإنهم آمنوا لاحقاً من دون ان يروا. هكذا كان توبيخ الرب للرسل مُبررا ومطلوبا قبل تفويضهم بالبشارة (اغسطينوس، نوفوتيان). إن وحدة الجسد الكامل للمسيح تستمد استمراريتها من تعليم الرسل (ترتيليان). فعطايا التكلم بالألسنة لم تكن محصورة بالجيل الرسولى الأول، بل تمتد الى خلفاء الرسل (امبروسيوس، غريغوريوس الكبير). فالرب يأمر الرسل وخلفاءهم بأن يُؤدوا له الشهادة (أغسطينوس)، والمتمسكين بإيمان الرسل أنفسهم يُشاركون فى عطاياهم، فعلامات المقام الرسولى وعجائبه تدين غير المؤمنين حتى متى فشلت الكلمات (دساتير الرسل القديسين). والله الخالق الذى تشمل عنايته كل أمة تحت السماء، يُعرف كأب محب (يوستينوس الشهيد)، فيتسلم كل مُؤمن عطايا الآب والإبن بالروح وفقاً لمقدرة تقبل كل واحد منا (امبروسيوس). اولئك الذين يدرسون الكتاب المقدس بإحكام يقدرون على ان يقرأوا ويحفظوا نصوص المُنشقين السامة من دون ان يصيبهم ضرر شرط ان يبقوا امناء لقانون الايمان الذى تعلموه فى معموديتهم (أغسطينوس).

 

“أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ”

 

(جيروم)





[10]




: فى بعض النُسخ، ولا سيما فى مجموعة المخطوطات اليونانية، ورد فى نهاية انجيل مرقس ما يلى: “أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ”.

 

(جيروم)





[11]




: لقد أرى يسوع تلاميذه يديه الحقيقيتين وجنبه (يو 20: 27)، وأكل حقاً معهم (مر 16: 14)، وسار مع كليوباس حقاً (لو 24 13 – 35)، وجلس معهم حقاً للطعام (ع 14)، وبيدين حقيقيتين أخذ خبزاً، وباركه وكسره وناولهم (لو 24: 30)، فلا تضع قدرة الرب على مستوى خداع السحرة الذين يُظهرون ما ليس حقيقياً، مُعتقدين أنه أكل بدون اسنان، وسار بدون أقدام، وكسر الخبز بدون أيد، وتكلم بدون لسان، وكشف عن جانب لا أضلاع له.

 

(بيد)





[12]




: لقد ظنه غريباً أولئك الذين كسر الخبز لهم، ودعوه للجلوس معهم للطعام (لو 24: 29)، إنه سيكون معنا نحن ايضا، عندما نُحسن الى الغرباء والفقراء (مت 25: 31 – 46)، وسيكون حاضرا عند كسر الخبز وعندما نتناول منه بضمير نقى طاهر فى سر جسده المقدس، اى الخبز الحى.

 

“وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ”

 

(أغسطينوس)





[13]




: الرب يسوع نفسه وبخ تلاميذه، لأنهم لم يُؤمنوا بإنه كان حياً، بل حزنوا عليه كميت (مر 16: 14). كانوا أباء الإيمان، لكنهم لم يكونوا مؤمنين بعد ايمانا تاما، على الرغم من انهم اُقيموا معلمين ليؤمن العالم كله كله بأنهم اُختيروا للتبشير وبأنهم كانوا سيموتون فى الدفاع عن الإيمان. لم يكونوا قد آمنوا بعد بأن من أقام الموتى من بين الأموات، هو نفسه قد قام، لذلك وبخهم عن حق.

 

(أغسطينوس)





[14]




: لقد ظهر ايضا آخر الأمر للأحد عشر وهم جالسون للطعام – اى فى اليوم الأربعين نفسه – لما كان على وشك ان يُفارقهم ويصعد الى السماء (مر 16: 19 – 20). فى ذلك اليوم الجدير بالذكر وبخهم على أنهم لم يُؤمنوا بقيامته من بين الأموات الى أن رأوه بأعينهم، فعندما يُبشرون بالإنجيل من بعد صعوده، سيُعدون الأمم للإيمان بمن لم تره عيونهم،,, فإن أُسندت إليهم مهمة الإنذار بإدانة الذين لا يؤمنون فى الوقت الذى لم يُؤمنوا فيه هم أنفسهم بما رأوه، أفلا يكون من اللائق أن يُوبخوا أولا، لأنهم رفضوا تصديق اولئك الذين تراءى لهم الر وبقوا على رفضهم الى ان رأوه بام العين؟.

 

“اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ”

 

(يوستينوس الشهيد)





[15]




: إنطلق الإثنا عشر من أورشاليم الى العالم، وكانوا رجالاً أميين لا يُحسنون الكلام، ولكن بقدرة الله أدوا الشهادة لكل الجنس البشرى وفق ما اُعطى لهم.

 

(ترتيليان)





[16]




: فى هذه الطريقة انطلق الرسل لإنشاء كنائس فى كل مدينة،و تسلمت الكنائس فيما بعد واحدة تلو الأخرى، قاعدة الإيمان وبذور العقيدة… والحق، أنها لهذا السبب فقط تتمكن من أن تعد نفسها رسولية. كما يُرد فى العلوم كل جنس الى أصله حين تصنيفه، هكذا يكون الأمر بالنسبة الى الكنيسة الرسولية. ومهما تكن هذه الكنائس عديدة وعظيمة، فهناك كنيسة واحدة أولية أسسها الرسل، ومنها تفرعت الكنائس كلها. بهذه الطريقة تكون كل الكنائس اصيلة وكلها رسولية وكلها واحدة عن طريق وحدتها غير المُنقطعة، وشركتها السلامية، وأصلها المُشترك، ورابطة حسن ضيافتها. هذه الإمتيازات لا تسودها قاعدة أخرى سوى التقليد الواحد للسر ذاته.

 

“وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا”

 

(نوفوتيان)





[17]




: لقد شاء الله ان يُرسل الرسل على يد الإبن الى الخلق أجمعين، كمؤسيين لعائلتنا (ع15)، حتى يعى الجنس البشرى معرفة الخالق. ولأنهم شاؤوا أن يتبعوه فهم يتوجهون إليه فى صلاواتهم كأب لا كإله (مت 6: 9). فلم تشمل عنايته الإلهية الأفراد وحدهم، بل أيضا مُدناً كاملة ودولاً بأسرها سبق للأنبياء ان تنبؤوا بسقوطها، لقد شملت عنايته الإلهية أجمع.

 

(أغسطينوس)





[18]




: إن تكليف الرسل بأن يكونوا شهوداً فى أورشاليم وكل اليهودية والسامرة حتى أقاصى الأرض لم يكن محصورا بالذين خاطبهم. فهم لن يكونوا وحدهم الذين ستممون مثل هذه المهمة الى النهاية. وهكذا بدا أنه يتكلم الى الرسل شخصياً لما قال لهم “ها انا معكم طوال الأيام الى انقضاء الدهر” (مت 28: 19). لكن من لا يعرف انه وعد بذلك الكنيسة الجامعة التى ستبقى من الآن حتى انتهاء العالم بالتوالد والموت؟

 

“مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ”

 

(أغسطينوس)





[19]




: إن الإيمان الجامع يُلقن فى دستور الإيمان ويُحفظ فى الذاكرة فى شكل مُوجز تماماً، بحيث يُصاغ تعبيره فى بضع كلمات سيتم شرحها لاحقاً للأشخاص الذين يُولدون فى المسيح.

 

(أغسطينوس)





[20]





:نعرف ان الذين يرقدون فى الرب رقدة الموت هم مُباركون (رؤ 14: 13)، ولن يكون عندهم اهتمام بما سيفعلون ان عاشوا وقتاً أطول. نعرف ان الذين يُؤمنون بالرب من كل قلوبهم يفعلون ذلك طوعاً واختياراً، ونعرف أننا نحن الذين نؤمن الآن نتصرف بإيمان قويم عندما نصلى الى الله من أجل الذين يرفضون ان يؤمنوا، حتى يفعلوا هم أنفسهم ذلك طوعاً.

 

“وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ”

 

(غريغوريوس الكبير)





[21]




: يا إخوتى هل انتم غير مؤمنين لأنه ليست لديكم هذه الآيات؟ فهى كانت ضرورية فى بدء الكنيسة. فالإيمان الجديد كان بحاجة الى الى ان يُغذى بالآيات حتى ينمو. فعندما نغرس كرمة يجب ان نرويها حتى انها بدأت بالنمو فى الأرض، وعندما تتأصل جذورها فإننا نتوقف عن ريها بإستمرار… أما الحياة الحقيقية لا يُمكن الحصول عليها بآيات خارجية على أيدى الذين يجرونها. وبالرغم من أعمالاً من هذا النوع تُعلن احياناً عن قداسة حياة داخلية، فهى ليست سبباً لها.

 

(مراسيم الرسل القديسين)





[22]




: ولسبب جيد قال لنا كلنا، إذا وعينا تماما تلك العطايا التى منحنا إياها الروح “وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ، يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ” (ع 17 – 18). مُنحت هذه العطايا لنا نحن الرسل اولاً لما كُنا عازمين على التبشير بالإنجيل للخلق أجمعين. ثم إنهم بالضرورة منحوها للذين آمنوا على يد الرسل، هذه العطايا لم تُمنح لمنفعة من يقومون بها، بل لإقناع غير المؤمنين الذين لم تُقنعهم الكلمة، والذين تُلحق بهم هذه الآيات الخزى.

 

“وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ”

 

(امبروسيوس)





[23]




: ها ان الله أرسل رسلا وانبياء ومعلمين، ومنحهم موهبة الشفاء التى هى كما أشرنا مُعطاة بالروح القدس. وجاد الله عليهم بالعديد من الألسنة المتنوعة. لكن لم يكونوا كلهم رسلاً، ولم يكونوا كلهم انبياء، ولم يكن كلهم معلمين. قال لم يكونوا كلهم ذوى مقدرة على الشفاء، ولم يكونوا كلهم يتكلمون بالألسنة، لأن العطايا الإلهية الكاملة لم تكن موجودة فى فرد واحد. كل، استناداً الى قدرته، يتسلم ما يرغب فيه او يستحقه.

 

(امبروسيوس)





[24]





:كما أن الآب يمنح موهبة الشفاء، كذلك يفعل الإبن، وكما ان الآب يمنح موهبة الألسنة، كذلك يفعل الإبن ايضا.

 

(غريغوريوس الكبير)





[25]




: هناك شىء يجب قوله عن هذه الآيات والقوات ذات الطبيعة المحجوبة. روحيا، تفعل الكنيسة المقدسة كل يوم ما فعلته على يد الرسل على نحو مشترك. فعندما يضع الكهنة أيديهم على المؤمنين لطرد الأرواح، ويمنعون الأرواح الشريرة من أن تسكن فى عقولهم، ماذا يفعلون سوى انهم يطردون الشيطانين؟ وكذلك المؤمنين عندما يتخلون عن نجاسة حياتهم الماضية، وينطلقون بالاسرار المقدسة، ويواظبون على قدر طاقتهم على تمجيد قدرة خالقهم، ماذا يفعلون سوى انهم يتكلمون بألسنة جديدة؟. فضلا عن ذلك، عندما يُزيلون الشر ببحثهم المفيد من قلوب الآخرين، أفلا يكونوا كأنهم يمسكون بأيديهم الحيات؟ أليست هذه المعجزات أعظم لأنها روحية، ولأنها هى الطريقة لرفع الأرواح لا الأجساد؟

 

“وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ”

 

(أغسطينوس)





[26]




: أليس ما يسمعه المرء ويقرأه ويحفظه فى الذاكرة حفظاً سوى عملية شرب وإمتصاص؟ فقد انبأ الرب أتباعه المؤمنين أنهم “ان شربوا السم لا يُصيبهم أذى” (ع18). هذا ما يحدث للذين يقرأون بإحكام ويستحسنون ما هو مرغوب فيه وفق قاعدة الإيمان، ويستنكرون ما يجب التبرؤ منه، حتى إنهم لو حفظوا عن ظهر قلب أقوال اهل الهراطقة الجديرة بالرفض، لا يُصيبهم أذى من طبيعة هذه الأقوال السامة والفاسدة.

 

الآيات 19 – 20

ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ. وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ.

 

نظرة عامة

يُؤكد الصعود ما تثبته براهين القيامة أن يسوع هو الرب الواحد والخالق الذى يقوم من بين الأموات ويصعد ليستلم ملكوته (إيريناؤس). الإبن نفسه الذى نزل ايضا يصعد الى السماء (ترتيليان). يتجاوز الإمتداد السماوى المقولات الأرضية للمكان (أغسطينوس). الإله المتجسد يُقيم فى قلوبنا على الارض بالرغم من أنه يبقى مع الآب فى السماء (بيد). كإله هو شامل الوجود، لكن كإنسان فإن الرب الصاعد يُقيم جسدياً فى السماء فى اللحم نفسه الذى قام فيه من بين الأموات (أغسطين). تُؤخذ طبيعتنا البشرية الوضيعة الى السماء معه، اى الى عرش الله، حيث تكون أعلى من الملائكة (غريغوريوس النزينزى). الشفاء والتعزية وإطعام الفقراء وإسقاؤهم وإطلاق الأسرى هى أعمال تُتابع عمل الرب الصاعد (افراهاط).

 

“ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ”

 

(ايريناؤس)





[27]





:عندما يُنهى مرقس إنجيله يقول: “و بعدما كلمهم الرب يسوع، رُفع الى السماء وجلس عن يمين الله” يُبت الصعود ما تكلم الرب به على لسان النبى “قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أجعل اعداءك موطئاً لقدميك” (مز 110: 3)، إن الله الآب واحد، هذا ما أعلنه الأنبياء وسلمنا إياه الإنجيل الحقيقى. انه هو من نعبده نحن المسيحين، ونُحبه بكل القلب كصانع السماء والأرض وكل ما فيهما.

 

(غريغوريوس النزينزى)





[28]




: يموت لكنه يُقيم الموتى وبموته يُبيد الموت. يُدفن لكنه يقوم. ينزل الى الجحيم، لكنه يرفع النفوس عاليا. يصعد الى السماء، وسيأتى ليدين الأحياء والأموات.

 

(لاون)





[29]





:فيما كانت قيامة الرب فى يوم الفصح سبباً لفرحنا، فإن ابتهاجنا الحاضر يعود الى صعوده الى السماء. بكل خشوع نُحيى ذكرى ذلك اليوم الذى رُفعت فيه طبيعتنا البشرية الوضيعة مع المسيح الى فوق المصاف السماوية، وكل رتب الملائكة، والقوات السماوية، الى عرش الله الآب نفسه. إننا قد اُسسنا على نظام الأعمال الإلهية تأسيساً ثابتاً، بحيث إن نعمة الله تُظهر نفسها عجيبة جدا، بالرغم من إنحجابها عن ابصارنا فى كل ما نلمسه حقاً، حتى تُثير وقارنا، فالإيمان لا يسقط والرجاء لا يتزعزع، والمحبة لا تشيخ… وبذلك نُصبح قادرين على مثل هذه الطوبى. وبعد أربعين يوماً من قيامته، اى بعد ان اعد كل ما يتعلق بالتبشير بالإنجيل واسرار العهد الجديد، رُفع ربنا يسوع المسيح الى السماء بمرأى من تلاميذه، فإنتهى حضوره الجسدى بينهم. ومن ذلك الحين بقى جالساً عن يمين الآب حتى اكتمال الزمان الذى حدده الله لينمو اولاد الكنيسة ويتكاثروا، ومن ثم يعود فى الجسم نفسه الذى صعد فيه، ليدين الأحياء والاموات. فحضور مُخلصنا المرئى انتقل الى الاسرار المقدسة. إيماننا أنبل وأقوى، لأن رؤيته فى الجسد أُستبدلت بتعليم موثوق تكون سلطته مقبولة عند القلوب المؤمنة المستنيرة.

 

“وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ”

 

(ترتيليان)





[30]




: إنه الأبن الذى يصعد الى أعالى السماوات، وينزل ايضا الى اعماق الأرض “و يجلس عن يمين الآب” (ع 19) وهو ليس الآب. فى استشهاده رجماً، رآه استفانوس قائما عن يمين الله، حيث سيواصل جلوسه، حتى يجعل اعداءه موطئاً لقدميه (مز 110: 1). وسيأتى ثانية على سحب السماء تماما كما صعد الى السماء.

 

(أغسطينوس)





[31]




: فيما تُربكنا هذه الأمور إن اخذناها بالمعنى الدنيوى، فإننا بذلك نُنبه الى ان نُفكر فيها تفكيراً روحياً لا يُوصف. لهذا السبب حتى لو فكرنا فى جسد الرب، الذى اُقيم من القبر ورُفع الى السماء… فلا نظن انه الآب جالساً عن شماله. الحق أنه فى طوبى تفوق الفهم الإنسانى، فاليمين هو اسم للطوبى نفسها.

 

(أغسطينوس)





[32]




: لا تشك فى ان يسوع المسيح الإنسان هو الآن هناك من حيث سيأتى مرة ثانية، تذكر وثِق بإعلان إيمانك المسيحى أنه قام من بين الاموات وصعد الى السماء وجلس عن يمين الآب، وسيأتى بشهادة صوت الملائكة، كما رأوه صاعداً الى السماء اى فى هيئة الجسد وجوهره الممنوح خلوداً من دون التخلى عن طبيعته. لا نظن انه هو حاضر جسدياً فى كل مكان، فجيب ألا نُدمر حقيقة جسده ونحن نُؤكد ألوهيته. ولا يلزم القول ان ما فى الله هو فيه جسدياً بحيث يكون حاضراً فى كل مكان كما هو الله. يقول الكتاب المقدس بحقيقة كاملة “فيه نحيا ونتحرك ونولد” (أع 17: 28). ومع ذلك فنحن لسنا حاضرين فى كل مكان كما هو، لكن الإنسان فى الله شىء والله فى الإنسان شىء آخر، الله والإنسان هما شخص واحد، وكلاهما المسيح الواحد الذى هو حاضر فى كل مكان كإله، لكنه هو فى السماء كإنسان.

 

(أغسطينوس)





[33]




: قد قهر إبليس بقيامته، وجلس عن يمين الآب (ع19)، فهو لن يموت ثانيةً ولن يكون للموت عليه من سلطان.

 

(برودنيتوس)





[34]




: إفرح يا من انت ملك الأحياء، إفرح يا من انت ديان كل ميت وعن يمين الآب جالس على العرش بقدرة سامية ومن هناك تدين الخطاة، وذات يوم ستأتى مرة ثانية.

 

(بيد)





[35]




: ولأن الذى رُفع الى السماء هو إله وانسان، فهو يبقى على الارض مع القديسين فى ناسوته الذى أخذه من الأرض، لكن فى لاهوته الذى يملأ الأرض والسماء يبقى معنا “على مدى الأيام والى انقضاء الدهر” (مت 28: 20). يُفهم من هذا أن العالم لن ينقص حتى الى النهاية من الذى يُقيم فيهم الله، ويجب ألا نُشك فى أن المجاهدين فى هذا العالم سيستحقون ان يُقيم المسيح فى قلوبهم كضيف عليهم، وسيقيمون مع المسيح فى ملكوته بعد النضال فى هذا العالم. ومع ذلك يجب ان نلاحظ أن المجد الإلهى، فيما يكون فى كل مكان حاضر بطريقة للأصفياء، وبطريقة أخرى للمُدانين. إنه حاضر للمُدانين بقدرة الطبيعة غير المُدركة لله، التى بها يعرف كل شىء حدث حديثاً او قديماً، ويفهم الفكر البشرى عن بعد ويُنبىء بطرق كل واحد منا. إنه حاضر للأصفياء فى نعمة حمايته الخيّرة، ومن خلالها يجذبهم ويُرشد كل واحد منهم فردياً بعطاياه الحاضرة، ويُؤدبهم تأديباً لإقتناء ميراثهم المقبل كأب يُرشد اولاده.

 

“وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ”

 

(افراهاط)





[36]




: فلنقترب من الإيمان أيها الأحبة لأن قدراته متعددة، فالإيمان رفع اخنوخ الى السماء، وتغلب على الطوفان وجعل الارض القاحلة تمرع. أنقذ الكثيرين من حد السيف، وانتشلهم من الحفرة، أغنى الفقير، خلص الأسرى، انقذ المُضطهدين، أخمد لهيب النار، شق البحر، صدع الصخرة، أعطى العطاش ماء ليشربوا، أشبع الجياع. أقام الموتى، رفعهم من الجحيم، سكن الامواج وشفى المرضى.

 

2- عظة للقديس اغسطينوس

و هى عظته رقم 231 والتى خصصها للقيامة من الإنجيل للقديس مرقس الرسول، وهى بالتالى ترجمة عملية لمعرفة آباء الكنيسة الأولى بالخاتمة الطويلة وسنرى تفصيلاً كيف ان اغسطينوس يُؤكد ان الخاتمة كانت تُقرأ فى عهده وما قبله، كانت تُقرأ فى عيد الصعود الإلهى. قام بترجمة هذه العظة الأخوة الأحباء فى اسرة القديس ديديموس الضرير بكنيسة مارجرجس سبورتنج بالإسكندرية، نحييهم على عملهم هذا ونأمل منهم المزيد.

 

نص العظة:

“1- حسب عادتنا, في هذه الايام تقرأ قصة القيامة من الأنجيل الأربعة. في هذا الجزء (من أنجيل مرقس) نلأحظ كيف أن المسيح نفسة وبخ تلاميذه, أعضائه الأولين الذين بقيوا قريبين منه, لأنهم لم يؤمنوا أن الذي يحزنون عليه كما لوكان ميتاً, هو الآن حياً.(مر16: 14) هم كانوا أباء الإيمان, ولكنهم لم يكونوا مؤمنين بعد. لم يؤمنوا, بالرغم من أنهم أصبحوا معلمين لكي يؤمن العالم كله بما سوف يبشروا به ويموتوا من أجله. لم يؤمنوا بعد أنه هو الذي رأوه يقيم الاخرين من الموت, قد قام هو نفسه. فكانوا مستحقين التوبيخ. كشفوا لأنفسهم لكي يعلموا ما هما من خلال مجهودهم الشخصي وما سيكونوا من خلاله هو. كذلك بطرس أيضا قد كُشف أمام نفسه, لانه أظهر جرئه عندما كانت الآم الرب قريبه, ولكنه تردد وأضطرب عندما أصبحت واقع. شخصياً رأى نفسه, شخصياً حزن على نفسة, شخصياً بكي على نفسه؛ ونظر إلى الذي صنعة. أنظروا, لم يؤمنوا إلى الآن, بالرغم من أنهم الآن رأوا. أنه تعطف منه أن يجعلنا نؤمن بما لا نرى! أننا نؤمن بكلام هؤلاء الذين لم يصدقوا عيونهم.

 

2- بالأضافه الى أن قيامة ربنا يسوع المسيح هي حياة جديده لهؤلاء الذين يؤمنون بالمسيح, وهذا هو السر المقدس لآلامه وقيامته الذي يجب أن نعرفه ونناقشه. لأنه – ولسبب جيد- أتت الحياه إلى الموت؛ ولسبب جيد- هو ينبوع الحياة الذي منه يشرب المرء ليحيا, شرب هو الكأس وهو ليس تحت الحكي. حقاً لم يكن المسيح تحت حكم الموت. دعونا نفحص المصادر الذي نتج منها الموت. الخطية هي والدة الموت, لو لم يكن هناك خطية, لن يكون موت. الإنسان الأول أخذ نامو الله, الذي هو وصايا الله, بشرط أنه لو حفظ الناموس سوف يحيا, ولو كسر الناموس يموت, بعدم تصديق أنه سوف يموت جلب الإنسان الموت على نفسه. وأكتشف أن هذا الذي أعطي الناموس قد تكلم بالحق. بعد ذلك أتى الموت, والفنائية, وبعدها التعب, وبعدها البئس, وبعد ذلك حتي بعد الموت الأول جاء الموت الثاني, وهذا هو الموت الأبدي بعد الموت الزمني. لذلك كل مولود يكون خاضع لشروط الموت, خاضع لهذه القوانين التي تخص العالم, يوجد أستثناء واحد لهذا وهو هذا الإنسان الذي أصبح أنسان لكي لا يهلك الإنسان. لأنه جاء غير مقيد بقانون الموت, كما يقول المزموري: ” الحي بين الأموات”. بدون شهوه حملته عذراء, وبتوليتها مصونه, ولدته وبتوليتها مصونه. عاش بدون خطية؛ لم يمت بسبب خطاياه؛ لكنه أشترك معنا في عقابنا, ولكنه لم يشترك معنا في خطايانا. الرب يسوع المسيح جاء ليموت لم يأتي ليرتكب خطية. بأشتركه معنا في العقوبه دون الأشترك في الخطية, ألغي العقوبه كما أنه ألغى الخطيه. ما هي العقوبه التي ألغاها؟ التي كانت هي مصيرنا بعد هذه الحياة. لذلك صُلب, لكي يظهر علي الصليب تحطيم الأنسان العتيق, وقام ثانيا لكي يشير إلى الحياة الجديدة. لانه هكذا يعلمنا التعليم الرسولي ” الذي أسلم من أجل خطايانا واقيم من أجل تبريرنا.” (رو4: 25) لكي يُرمز لهذه الحقيقه كان الختان مفروض علي القدماء, فكان في اليوم الثامن يختن كل طفل ذكر. (تك17: 12) الختان كان يتم بسكين حجري، لان المسيح كان هو الحجر, الختان كان رمز للتخلي عن كل ما هو شهواني في اليوم الثامن من خلال قيامة المسيح. لان اليوم السابع في الأسبوع كان يكمل بالسبت. في السبت, اليوم السابع الذي هو كان يوم الراحة, رقد الرب في القبر. قام في اليوم الثامن, وقيامته جددتنا. لذلك، بقيامته في اليوم الثامن تم ختاننا, ونحن نعيش علي هذا الرجاء.

 

3- دعونا نصغي الى الرسول عندما يقول” لو كنتم قمتم مع المسيح” كيف لنا أن نقوم ونحن لم نمت بعد؟ فماذا يرغب الرسول أن يقول بهذه الكلمات: ” لو كنتم قد قمتم مع المسيح”؟ أكان يمكن للمسيح أن يقوم ثانيا لو لم يمت أولا؟ أكان الرسول يوجه كلامه الي أشخاص مازالوا أحياء, ولم يموتوا بعد, ومع ذلك يقوموا ثانياً؟ فماذا كان يعني أذاً؟ لنفكر فيما قال: ” فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق, حيث الميسيح جالس عن يمين الله. أهتموا بما فوق لا بما على الأرض, لانكم قد متم ” (كولو3: 1-3). الرسول نفسه يقول هذا وليس أنا. ومع ذلك فهو يقول الحقيقة, ولهذا السبب أقولها انا أيضاً. لماذا اقولها؟ “أمنت لذلك تكلمت” (مز115: 1) أن كنا نحيا جيداً, فنحن أموات, وقد قمنا. وأضيف أن الذي الذي لم يمت ولم يقوم بعد فهو لا يحيا جيداً وان كان لا يحيا جيداً فهو لا يحيا, ليميت نفسه خوفاً من أن يموت. مامعني ليميت خوفاً من أن يموت؟ لثغير نفسه خوفاً من أن يدان. سوف أكرر كلمات الرسول ” فأن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق, حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض, لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله, متي أظهر المسيح حياتنا. فحينئذ تظهرون أنتم أيضاً معه في المجد.” هذه هي كلمات الرسول، أدعو هذا الذي لم يمت بعد أن يموت, أدعو هذا الذي لا يحيا جيداً أن يغير نفسه. لانه أن كان قد عاش بطريقة سيئه ولم يعد يعيش كذلك فأنه قد مات, لو كان الان يحيا جيداً, فأنه قد قام ثانياً.

 

4- ولكن ما معني ان نحيا جيداً؟ معناها أن نهتم بما فوق لا بما علي الأرض.ألى متي ستظل ترابي ومتي سوف تعود الي الأرض. الى متي ستظل تلعق الأرض؟ بحبك للأرض تلعقها, وتصبح عدوا له الذي تقول عنه المزامير: ” وأعداؤه يلحسون التراب” ماذا كنت أنت يا أبن الإنسان؟. وماذا تكون أنت يا أبن الله؟ ” يابني البشر حتى متى يكون مجدؤ عاراً؟ حتى متى تحبون الباطل وتبغون الكذب؟” (مز4: 3) اي كذب تبغون؟ الان سوف أقول لكم. أنا أعلم أنكم ترغبون أن تكونوا سعداء. أرني سارق, واشي, فاسق, فاعل شر, خارج عن القانون, أنسان ملطخ بكل رزيلة, مغموس في كل جريمه أو غضب, ويكون لا يرغب في ان يكون سعيد. أنا أعلم أن جميعكم يرغب في العيش في سعادة. تهتمون بالذهب لأنكم تعتقدون أنكم سوف تحصلوا على السعادة بأقتناء الذهب, ولكن الذهب لا يجعل الانسان سعيد. لماذا تهتمون بما هو خادع؟ لماذا تهتموا أن ترتفعوا في هذا العالم؟ لانكم تعتقدون أنكم سوف تحصلوا علي السعادة من التكريم البشري والأستعراض العالمي؟ ولكن الأستعراض العالمي لا يجعل الانسان سعيد. لماذا تهتموا بالكذب والأشياء الاخرى التي تهتموا بها هنا؟ عندما تهتم بالطريقه العالميه, عندما تهتم من خلال الحب الأرضي, عندما تهتم وأنت متعلق بالأرض, فأنك تهتم بهدف واحد وهو أن تكون سعيداً. ولكن لايوجد شئ أرضي يمكن أن يجعلك سعيداً. لماذا لا تتوقفوا عن البحث عما هو خادع؟ ماذا أذاً يمكن ان يجعلك سعيداً؟ أنتم الذين تثقلون قلوبكم بالأرض, الأ تعتقدون أن قلوبكم متبلدة؟ الى متى كان الانسان متبلد القلب؟ الى أن جاء المسيح, الى ان قام المسيح ثانياً, كان الانسان متبلد القلب. الى متى ستظل قلوبكم متبلدة؟ لماذا تحبون الباطل, وتبغون الأكاذيب؟ بالرغم من أنكم تتمنون السعادة, فأنكم تبحثون عن الأشياء التى تجعلكم غير سعداء. الذي تهتمون به يخونكم, الذي تطلبون هو كذب.

 

5- هل ترغب أن تكون سعيداً؟ لو كنت ترغب في ذلك, فسوف أعرض عليك كيف يمكن أن تكون سعيداً. أستمر في قرأة القطعة: ” حتى متى تحبون الباطل وتبتغون الكذب؟ فأعلموا أن الرب قد ميز تقية.” جاء يسوع لبئسنا. كان جائع وعطشان؛ كان مجهداً ونام؛ صنع العجائب وجرب من الشيطان, جُلد, وتُوج بالشوك, تغطي بالبصاق, ضرب بالعصى, سمر علي الصليب, جرح بالحربة, وضع في القبر. ولكنه قام ثانياً في اليوم الثالث, عندما أكتمل عمله ومات الموت. أنظر ثبت نظرك علي قيامته, “لان الرب قد ميز تقيه” لدرجة أنه أقامه من الموت, وخلع عليه كرامه الجلوس عن يمينه في الفردوس. لقد اظهر لك ما ينبغي أن تهتم به, لو كنت ترغب ان تكون سعيداً, لانه هنا على الأرض لآ يمكن أن تكون سعيداً. في هذه الحياة لا يمكن أن تكون سعيداً. لا يمكن لا أحد أن يكون سعيداً. أنت تبحث عن ما هو جيد ولكن الارض ليست مصدر لما تبحث عنه. ما الذي تبحث عنه؟ حياة سعيدة, ولكنها غير موجودة هنا, لو كنت تبحث عن ذهب في مكان لا يوجد فيه, الا يستطيع هذا الذي يعلم أنه غير موجود أن يقول لك: ” لماذا تحفر؟ لماذا تفجر الارض؟ أنك تصنع حفره لتنزل الى مكان ليس فيه شئ.” فماذا سيكون ردك للذي قدم لك هذه النصيحة؟ ” انا أبحث عن الذهب” وسوف يجيبك: ” أنا لا أقول لك أن الذي تبحث عنه ليس له قيمة, ولكني أقول لك أن الذي تبحث عنه ليس في هذا المكان الذي تبحث فيه.” كذلك عندما تقول: ” انا أرغب في أن أكون سعيداً,” الجواب الذي يمكن أن يعطي هو: ” أنت تطلب ما هو جيد ولكنه ليس في هذا المكان.” لو كان يسوع قد حظي بالسعادة هنا, فكذلك أنت أيضاً. ولكن لاحظ ما قد وقد في ارض موتك. عندما جاء من مكان أخر, فماذا وجد غير ما هو سائد هنا؟ معك أكل مما هو متوفر في قبو حقارتك. شرب الخل هنا, واخذ المر أيضاً. أنظر ماذا سيجد في قبوك!

 

علي كل حال هو دعاك الى مائدته العامرة بكل شئ جيد, مائدة السماء, مائدة الملائكه, التي فيها يكون هو الخبز. جاء ووجد هذه الطعام الكريه في قبوك, فانه لم يترفع عن مائدة مثل مائدتك, ولكنه وعدك بمائدته هو. فماذا قال لنا؟ ” أمنوا, أمنوا فقط أنكن سوف تحصلون علي الأشياء الجيده التي علي مائدتي, بقدر أنني لم أحتقر الأشياء الفقيره التي علي مائدتك.” قبل شركم؛ أفلا يعطيكم خيراته؟ حتما أنه سوف يعطيكم أياها. لقد وعد أن يعطينا حياته, ولكن ما فعل كان لا يصدق. قدم حياته لنا, كما لو كان يقول: أدعوكم الى حياتي حيث لا يموت أحد, حيث تكون الحياة حقاً مباركه, حيث يكون الطعام غير فاسد, حيث تتجدد ولا تسقط. أنظروا الى المكان الذي أدعوكم اليه, الى مسكن الملائكه, الى صداقة الاب والروح القدس, الى الأحتفال الأبدي, الى صحبتي, وأخيراً الى أنا والى حياتي أدعوك. الا تريد أن تصدق هذا, أنا سوف أعطيك حياتي؟ خذ موتي برهاناً. لذلك الآن ونحن نحيا في هذا الجسد الفاسد, لنموت مع المسيح بتغير طرقنا, بحب العدل, دعونا نحيا مع المسيح. فلن نكسب الحياة السعيدة الا عندما نأتي اليه هو الذي أتي الينا, وعندما نبداء الحياة معة هو الذي مات من أجلنا.”

 


التفسير العقيدى

و قد إخترت لك عزيزى القارىء تفسيرا رائعا لهذه الأعداد، خطه عالم من علماء العصر حاصل على العديد من الشهادات فى مُختلف علوم اللاهوت المسيحى، هو الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى، أضعه بين يديك ليشرح ويفسر لك هذه الكلمات بشكل علمى لاهوتى روحى رائع!





[37]





 

ظهور السيد المسيح لمريم المجدلية (16: 9 – 11)

و لما قام فادينا عند فجر أول الاسبوع، وهو يوم الأحد، ظهر اولاً لمريم المجدلية التى كان قد أخرج منها سبعة شياطين، فإنطلقت واخبرت تلاميذه، وقد كانوا لا يزالون ينوحون عليه ويبكونه، لفرط محبتهم له ولوعتهم عليه، وقد فقدوا بموته كل آمالهم، وانهار كل رجاء كانوا يعقدونه على قيام ملكوته الذى طالما حدثهم عنه، بعد أن مات على الصليب وتوارى جسده فى القبر منذ ثلاثة أيام. فلما سمعوا انه حى وان مريم المجدلية رأته لم يصدقوا، مع إنه سبق ان انبأهم مراراً بإنه سيموت ويمكث فى القبر ثلاثة أيام، ثم يقوم بعد ذلك من بين الاموات. إذ ان عقولهم كانت على حتى ذلك الحين لا تزال عاجزة عن استيعاب هذه الحقيقة المذهلة، لأنه لم يحدث قط فى تاريخ البشرية قبل ذلك ان أقام احد نفسه من بين الأموات بعد ان تحقق انه مات منذ ثلاثة أيام. ويبدو انهم كانوا حين يحدثهم عن موته وقيامته يعتقدون انه انما يتحدث بالمجاز والرمز كما كان يفعل كثيرا فى عظاته وتعاليمه. ولم يكن يخطر ببالهم انه يقصد ما يقول حقيقة، لا مجازا ولا رمزا، لأن الفقهاء الدينيين لليهود وهم الكتبة والفريسيون لم يشرحوا لهم الحقائق الواردة فى كتبهم المقدسة ونبوءات أنبيائهم بصدد المسيح الذى كانوا ينتظرونه، وانما كانوا يصورونه ملكاً أرضياً سيتزعمهم ليجعل منهم سادة الأمم ويجعل من مملكتهم سيدة الممالك. ولو أن اولئك الفقهاء كانوا متعمقين فى علمهم، أمناء فى تعليمهم، لفهموا وأفهموا أمتهم هذه الحقائق التى كان التلاميذ يجهلونها بصدد موت المسيح وقيامته. فلو أنهم فعلوا لما تبلبلت أفكار التلاميذ حين سمعوا ان معلمهم قد قام، ولصدقوا على الفور انه قام على مقتضى النبوات الواردة عنه فى كتبهم.

 

ظهور المسيح لتلميذى عمواس (16: 12 – 13)

و بعد ذلك ظهر فادينا لإثنين من تلاميذه بهيئة أخرى غير التى عرفاه بها، إذ ان جسد القيامة الذى أصبح له يختلف بعض الشىء عن الجسد الذى عرفوه من قبل به. وقد كانا يسيران هذين التلميذين حين رأيا معلمهما لم يعرفاه فى أول الأمر، ولكنهما بعد ان تحدثا إليه فى الطريق ثم استضافاه فاكل معهما فى القرية التى يقصدانها، لم يلبثا ان انفتحت أعينهما فجأة على حقيقة شخصيته فعرفاه، ولكنه فى اللحظة نفسها اختفى عنهما (لو 24: 12 – 22)، فغنطلقا واخبرا باقى التلاميذ، فلم يصدقوا هذين أيضا.

 

ظهور السيد المسيح للتلاميذ الأحد عشر (16: 14)

و أخيراً، ظهر فادينا لتلاميذه الأحد عشر مجتمعين، حينما كانوا جالسين الى المائدة، ووبخهم على عدم إيمانهم وغلظة قلوبهم، إذ لم يصدقوا الذين راوه بعد ان قام، متمسكين بجهلهم، ومتشبثين بأفكارهم الخاطئة الملتوية التى طالما عمل على تصحيحها وتقويمها، وقد أغلقوا قلوبهم على ظلام الشك، فلم يسمحوا لنور الغيمان بأن يدخلها، ولم يسمحوا لشمس الحقيقة بان تشرق عليها، غير مصدقين حتى اولئك الذين راوا باعينهم وسمعوا بآذانهم وشهدوا بصدق وإخلاص.

 

وصايا الرب يسوع لتلاميذه (16: 15 – 18)

ثم زود فادينا تلاميذه بآخر وصاياه قائلا لهم اذهبوا الى العالم أجمع، وبشروا بالإنجيل كل الخليقة، فمن آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن اُدين. وستتبع المؤمنين هذه الآيات فيطردون الشياطين بغسمى، ويتكلمون لغات جديدة، ويقبضون على الأفاعى، وان تجرعوا شيئا قاتلا لا يؤذيهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون. فهو بذلك أرسلهم لا الى اليهود وحدهم كما كان يفعل فى البداية، لأنه كان قد رفض اليهود بعد ان رفضوا بشارته. وإنما أرسلهم الى العالم كله ليبشروا جميع شعوبه بتعاليم الإنجيل، التى هى تعاليم المسيح. فمن آمن بالمسيح وعمل بتعاليمه واعتمد مبرهناً بمعموديته على توبته وإعتزامه ان يحيا الحياة المسيحية الحقيقية، حياة الطهارة والتقوى، نال الخلاص. ومن لم يؤمن بالمسيح ولم يعمل بتعاليمه ولم يعتمد بمعموديته لا يتوقع وسيلة أخرى للخلاص، وانما مصيره الحتمى هو الإدانة، ا ى الهلاك، لأن المسيح هو المخلص وليس باحد غيره الخلاص، وهو الفادى الذى قدم نفسه ذبيحة عن خطايا البشر وليس بغيره فداء، فهو الطريق الذى لا طريق غيره، وهو الباب الذى لا باب سواه الى ملكوت السماوات. فمن لم يسلك ذلك الطريق ولم يجعل وجهته ذلك الباب، ضل السبيل، وظل قابعا فى الظلمة الخارجية، ظلمة الهلاك الأبدى. وقد منح فادينا تلاميذه القدرة على صنع المعجزات بأسمه، تأييدا للتعاليم التى يبشرون بها، بل منح هذه القدرة لكل المؤمنين، إذا كان إيمانهم عظيماً، فهم يستمدون منه القدرة على طرد الشياطين، وعلى الكلام الى أمة باللغة الى تتكلم بها، وإن كانوا لم يتعلموا هذه اللغة قط من قبل. وإذا سلط عليهم أعداؤهم الأفاعى استطاعوا ان يقبضوا عليها بدون ان يلحقهم منها اى ضرر، واذا سقوهم سما قاتلا لا يصيبهم منه اى أذى واذا وضعوا هم أيديهم على المرضى يبرأون.

 

صعود السيد المسيح الى السماء (16: 19)

و بعد ان كلم الرب تلاميذه بهذا إرتفع الى السماء، وجلس عن يمين الله، لا بالمعنى الحرفى والحسى لذلك، لأن الله ليس له يمين ولا شمال، وانما المقصود به التعبير عن رفعة المكانة وعزة السلطان، وجلال الكرامة والمجد. وبالتالى المساواة فى الكرامة والمجد والسطان وسائر الكمالات الإلهية بوصف الإبن واحدا مع الآب فى الجوهر.

 

بشارة التلاميذ بالمسيح فى المسكونة كلها (16: 20)

و اما التلاميذ فإنطلقوا وبشروا فى كل مكان من أقصى المسكونة الى اقصاها، خائضين الأهوال، ماضين بدون خوف او تخاذل وسط أبشع صنوف الإضطهاد وأشنع صور التعذيب والتنكيل، رافعين راية المسيح، مدافعين عن المسيحية دفاع الابطال، باذلين الجهد الى حد الإستشهاد، والرب يعمل معهم ويؤيد كلمة الإنجيل التى ينادون بها بالآيات والمعجزات التى اعطاهم القدرة على ان يصنعوها. ولسوف يظل يمنح هذه القدرة لكل العاملين بإيمان وإخلاص فى سبيل إعلان كلمة الإنجيل الى أبد الآبدين. آمين.

 


التحليل اللغوى

فى هذا الفصل سنتكلم حول التحليل اللغوى اللاهوتى لكلمات الخاتمة، وقد كان مرجعنا الرئيسى لهذا الفصل هو كتاب مارفين فينسو
Marvin Vincent
“دراسات لغوية فى العهد الجديد”، وأيضا دراسات الدكتور موريس تاوضروس فى نفس المجال.

 

العدد التاسع

“وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ.”

 

فى العدد الثانى من نفس الإصحاح ذُكرت عبارة “أول الإسبوع” كترجمة للعبارة اليونانية
mia twn sabbatwn
، وهى صيغة عبرية خالصة، استعمل فيها العدد الأصلى “واحد”
mia
بدلا من العدد الترتيبى “الأول”
prwty
، واُستعملت فيها كلمة
sabbatwn
فى الجمع عن الإسبوع. ويُمكننا ترجمة العبارة “فى اليوم الاول من الإسبوع”. وفى نفس العدد الذى نحن بصدده. أيضا وردت عبارة “فى اول الإسبوع” وهى ترجمة للعبارة اليونانية
prwty sabbatou
وتعنى: “فى اليوم الأول من الاسبوع”.

 

لقد كانت الأيام العبرية يُعبر عنها بالأعداد الأصلية، وهكذا انتقل الأمر الى العهد الجديد، فعبر عن اليوم الأول فى الاسبوع (يوم الأحد) بعبارة
eis mia sabbatwn
فى مت 28: 1، التى تعنى “اول الاسبوع” او “فى اليوم الأول من الإسبوع”. وهذه الصياغة العبرية نجد مثيلاً لها أيضا فى سفر الرؤيا حيث يقول: “الويل الواحد مصى
youau y mia apylthen
(رؤ 9: 12).

 

العدد الثانى عشر

“وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ”

 

قوله “هيئة أخرى” جاء فى الاصل اليونانى
en etera morphy
، والترجمة الأدق “فى هيئة مُختلفة أو مُغايرة”، حيث أن
etera
تُشير بالأكثر الى الإختلاف فى الكيفية، ولذلك يُفضل فى الإنجليزية أن تُترجم فى هذا الموضع
different
وليس
anther
.

 

إن كلمة “آخر”، إذا كانت من نفس النوع، لها فى اليونانية كلمة أخرى هى
allos
فهى تعنى آخر عندما يكون هذا الآخر مختلفا وليس من نفس النوع، فتُستعمل بالأكثر كلمة
eteros
ومن أمثلة ذلك:

 

“وَلَكِنِّي أَرَى نَامُوساً آخَرَ
(eteron – nomon)
فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي” (رو 7: 23)

 

“وَأَجْسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ وَأَجْسَامٌ أَرْضِيَّةٌ. لَكِنَّ مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ شَيْءٌ وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ
(etera doxa)
” (1 كو 15: 40)

 

و فى هذا الموضع الذى نحن بصدده هنا، فإن القديس مرقس يوضح ان السيد المسيح ظهر لهذين الإثنين بهيئة مختلفة أو مغايرة عن تلك التى كان بها قبل الصلب. وإذ كان القديس لوقا فى روايته يعلل أن هذين الإثنين لم يعرفا المسيح عندما ظهر لهما، وذلك لأن اعينهما قد امسكتا عن معرفته (لو 24: 16)، فإن القديس مرقس يُوضح أن السبب فى ذلك، هو هذه الهيئة المختلفة التى ظهر بها السيد المسيح.

 

العدد السادس عشر

“مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.”

 

و هنا يُلاحظ ان البشير يضع الى جوار الإيمان كشرط للخلاص، المعمودية. فالإيمان وحده لا يكفى، لكن لابد أن يكون مصحوبا بالمعمودية. الإيمان والمعمودية يرتبطان معاً كشرط للخلاص ولا يجب فصل أحدهما عن الآخر أو الإكتفاء بالإيمان دون المعمودية. فإلى جوار الإيمان بالمسيح، يجب أن نُصلب معه ونُدفن ونموت ونقوم أيضا معه، وكل ذلك يتم فى المعمودية. وإذا كنا نتقبل المعمودية فى صغر السن وذلك على ايمان الوالدين، ولكن يجب ان نعترف بهذا الإيمان حينما نصل الى سن معينة، وإلا نكون موضع غير المؤمنين الذين يتعرضون للإدانة.

 

و الإدانة هنا تعنى اصدار الحكم ضد شخص كما فى قول متى البشير: “
حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ” (مت 27: 3). وكما فى قول يوحنا البشير: “
فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَداً سِوَى الْمَرْأَةِ قَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً».” (يو 8: 10 – 11).

 

كذلك اإستعملت الإدانة فى معنى وضع الشخص فى موضع المذنب بالمقارنة مع وضع آخر مضاد له، كما قيل عن إدانة رجال نينوى لغير التائبين: “

رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ

مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا!” (مت 12: 41)، وايضا انظر قول البشير فى العدد التالى مُباشرةً: “

مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُ

لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ هَهُنَا!”، وقول الرسول بولس: ” بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكاً لِخَلاَصِ بَيْتِهِ،
فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثاً لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإِيمَانِ” (عب 11: 7).

 

العدد السابع عشر

“وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ”

 

الفعل “تتبع” جاء فى الاصل اليونانى
parakolouthy
، الحرب
para
فى اول الكلمة يعنى “بجانب” او “بمحاذاة”، ويعطى للفعل معنى المُصاحبة والمُرافقة، أى ان الآيات ستصاحب وتُرافق المؤمنين.

 

العدد الثامن عشر

“يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ”

 

اللفظ “مرضى” جاء فى الاصل اليونانى
arrwstois
، وتتركب هذه الكلمة من الحرف
a
بمعنى “لا”، والكلمة
runnumi
بمعنى “يقوى”، اى ان المعنى الدقيق للكلمة هو “لا يقوى”، فالمرض يُعتبر ضعف بنيوى مُتعلق ببنية المرء الجسمانية أو العقلية، وقد أعطى الرب هذا السلطان للتلاميذ، ويُلاحظ ان الفعل “يبرأون”
echo
هو عكس العبارة السابقة تماما “لا يقوى –
arrwstois
“.

 

العدد العشرين

“وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ”

 

اللفظ “التابعة” جاء فى الاصل اليونانى
epakolothountwn
، ويُلاحظ ان الحرف
epi
فى أول الكلمة يُعطى معنى التبعية عن كثب او إستمرارية، او المُصاحبة والملازمة الدائمة، ويُترجم الفعل فى الإنجليزية الى
To Accompany
او
Following Closely
بمعنى المُصاحبة القريبة او المُتقاربة





[38]





.






[1]




التفسير المسيحى القديم للكتاب المقدس، المُجلد الثانى: انجيل مرقس، الأب الدكتور ميشال نجم وفريق من المحررين، منشورات جامعة البلمند (معهد القديس يوحنا الدمشقى اللاهوتى) 2003، ص 343 – 356





[2]




ترليان : 9





[3]




المواعظ الفصحية 51 : 1 – 3





[4]




الرتب الكهنوتية 1 : 24





[5]




مواعظ حول الإنجيل





[6]




شرح اعمال الرسل 12 : 13





[7]




الرسالة الى بولينوس رقم 149





[8]




توافق الأناجيل 3 : 25 : 72





[9]




العظات 235 : 1





[10]




ضد البلاجيين 2 : 15





[11]




ضد يوحنا الأورشاليمى : 34





[12]




حول الأناجيل 2 : 8





[13]




العظات 231 : 1





[14]




توافق الأناجيل 3 : 25 : 76





[15]




الدفاع الاول : 39





[16]




ضد الهراطقة : 20





[17]




عن الثالوث : 8





[18]




الرسالة ايسخيوس 49





[19]




عن الإيمان والعقيدة : 1





[20]




رسالته الى فيتاليس





[21]




حول الأناجيل : 29





[22]




المراسيم الرسولية 8 : 1 : 1





[23]




الروح القدس 2 : 13 : 150





[24]




السابق 151





[25]




عظات حول الاناجيل : 29





[26]




عن النفس 2 : 23





[27]




ضد الهرطقات 3 : 10 : 5





[28]




حول الإبن : 20





[29]




الرسالة 74 : 1 – 2





[30]




ضد براكسياس : 30





[31]




رسالته رقم 120 الى كونستيوس





[32]




رسالته رقم 187 الى دردانوس





[33]




تفسير المزامير 72 : 8





[34]




الأنشودة التاسعة “ترتيلة كل ساعة”





[35]




حول الأناجيل 2 : 8





[36]




البراهين 1 : 18





[37]




موسوعة الأنبا غريغوريوس، الجزء الرابع عشر، الكتاب المقدس، الجزء الثالث، تفسير إنجيلى متى ومرقس، إعداد الإكليريكى منير عطية، إصدار جمعية الأنبا غريغوريوس، ص 307 – 309





[38]




المدلولات اللاهوتية والروحية لكلمات الإنجيل بحسب القديس مرقس، د/ موريس تاوضروس، الطبعة الأولى 1992، ص 144

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي