الفصل الثالث


كاتب

الخاتمة

مرقس الرسول كاتب الخاتمة

 

 


ان كاتب الخاتمة كما توصل جميع العلماء فى أبحاثهم ودراساتهم فى موضوع الخاتمة ينحصر فى إحتمالين لا ثالث لهما


:


مرقس الرسول


أ


و


أريستون الرسول


.

وبأى حال لن يكون كاتب الخاتمة خارجاً عن الإثنين.

مرقس أحد الرسل السبعين الذين اختا
ر
هم المسيح

وكذلك اريستون أحد الرسل السبعين الذين اختارهم السيد المسيح

لذا فلأن الاثنين على نفس المرتبة الرسولية فإننى سأتعرض فى هذا الفصل الى أدلة الطرفين وساعرضها امامك بكل وضوح ولن اعطى رأياً إذ ان فى نظرى أدلة الفريقين متساوية وفى كل الأحوال فالخاتمة رسولية مُوحى بها من الله لا فرق بين مرقس او اريستون.


 

مرقس الرسول كاتب الخاتمة

ان كانت كل فصول الكتاب السابقة بالسهولة لتقبلها، فإن هذا الفصل هو أصعبها جميعاً نظراً لتداخل المعلومات وكثرتها وعدم القدرة على التبسيط والإيجاز اكثر مما تتم، لذا فأرجو منك ان تتحلى بالصبر والتركيز الشديد أثناء قراءة الفصل، فإثبات صحة نسب الخاتمة الى مرقس تقف امامه عقبة ليست بالسهولة لتقبلها، ألا وهى اختلاف الإسلوب بين الخاتمة وبين الشق الأول من الإصحاح. ولتخطى هذه العقبة يجب ان نضع تأريخاً كاملا لحياة مرقس، وتأريخاً كاملا لحياة بولس الرسول لتشابك سيرتى الرسولين العظيمين، وكذلك التعرض لعلاقة مارمرقس ورسالة بطرس الأولى. الدارس لتاريخ مارمرقس وبولس ومكان كتابة الرسالة الثانية لبطرس يُمكنه تخطى هذا الجزء والوصول مُباشرةً الى “النظرية الأحادية”، اما غير الدارس لتاريخهم وغير المؤمنين فأرجو ان يُدققوا فى المعلومات القادم ذكرها وعدم الملل من كثرتها ومُحاولة التركيز بأكبر ما يُمكن لفهم الترابط بين هذه الأحداث وبين كيفية إثبات صحة نسب الخاتمة الى مارمرقس…

 

نظرة عامة على مارمرقس

اسمه الأصلي يوحنا أو يوحنان ويعنى ” يهوه يوحنان “، ” الرب حنان ” ولقبه أو أسمه الروماني “
Μάρκος – Markos
– مرقس ” وهو من أصل لاتيني “
Marcus
” ويعنى ” مطرقة ذات رأس خشبية “، وأول ما ذكر، ذكر في سفر الأعمال ب ” يوحنا الملقب مرقس ” (أع 12: 12)، وفيما بعد ساد لقب مرقس وأصبح يدعى به وحده.

 

و كما يقول ابن المقفع





[1]




فقد وُلد مرقس الرسول فى مدينة كيرنابولوس (القيروان-قورينا) إحدى مدن المدن الخمس الغربية (البنتابوليس) وبالتحديد فى ريفها وليس مدينتها





[2]




وكان اسم والده ارسطوبولس واسم عمه برنابس وكان والده وعمه يعملان فلاحان، ونهبهم البربر والحبش فى عهد الإمبراطور اغسطس قيصر فأنتقل ارسطوبولس وزوجته وإبنه يوحنا الى فلسطين بالقرب من مدينة اورشاليم، وكانت إبنة عم ارسطوبولس هى زوجة بطرس الرسول فلم يكن بطرس ابن عم مرقس كما قال البعض وانما زوج ابنة عم ارسطوبولس والد يوحنا.





[3]




.

 

آمن والده على يده من المعجزة الشهيرة حينما خرج اسد ولبوة على مرقس ووالده حينما كانا فى الصحراء، فصلى مرقس الى الله ان ينقذهما فوقع الأسد واللبوة أرضا وماتا، فآمن ارسطوبولس بالمسيح مباشرة





[4]




، وهنا طلب ارسطوبولس من مرقس الرسول ان يتتلمذ على يده وان يعلمه الإيمان المسيحى قائلا: “انا ابوك الذى ولدتك يا مرقس ابنى وانت اليوم ابى ومخلصى ومنجنى والآن يا ولدى الحبيب انا وأخى نسئلك ان تجعلنا عبيداً للرب يسوع المسيح الذى تبشر به”





[5]




. وكذلك نعرف ان مرقس كان رفيقا لبرنابا خاله فى التلمذة على يد الرب يسوع المسيح، إذ كانا الإثنين من زمرة السبعين رسولا الذين أرسلهم الرب (لوقا 10: 1) والأدلة على هذا كثيرة ولكن نكتفى بسرد ما قاله ابن المقفع: “و كان مرقس من السبعين تلميذا وهو من جملة الخدام الذين استقوا الماء الذى صيره سيدنا خمراً فى عرس قانا الجليل، وهو الذى حمل جرة الماء فى بيت سمعان القيروانى فى وقت العشاء السرى، وهو ايضا الذى كان يأوى التلاميذ فى منزله فى زمان آلام السيد المسيح ومن بعد قيامته من الأموات حيث دخل عليهم والأبواب مُغلّقة”





[6]




.

 

ونعرف من سفر الأعمال أن منزل والدته ” مريم أم يوحنا الملقب مرقس ” (أع12: 12) كان مقراً لاجتماع الرسل في أورشليم، وكان المؤمنون مجتمعين فيه للصلاة وقت سجن بطرس ” فكان بطرس محروساً في السجن. أما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله ” (أع12: 5)، وبعد خروجه من السجن (سنة 44م) في تلك الليلة جاء بطرس ” وهو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون ” (أع12: 12). وقد أجمع أكثر العلماء والدارسون والمؤرخون على أن هذا البيت كان هو البيت الذي تناول فيه الرب يسوع المسيح الفصح مع تلاميذه والعلية التي كان يجتمع فيها الرسل في أورشليم قبل صعود الرب يسوع وبعد صعوده والتي حل فيها الروح القدس على التلاميذ (أع1و2)، وكان أول كنيسة في العالم، أو كما تقول دائرة المعارف البريطانية في طبعتها الحادية عشر أن بيت مرقس كان مركزاً للحياة المسيحية في أورشليم.





[7]





 

ويؤكد جميع الدارسين أن القديس مرقس كان هو الشاب الذي تبع الرب يسوع ليلة القبض عليه والذي كان ” لابساً إزاراً على عريه فأمسكه الشبان. فترك الأزرار وهرب منهم عرياناً ” (مر14: 15). فهو وحده الذي يذكر هذا الحدث، ولو لم يكن لهذا الحدث قيمه بالنسبة له لما ذكره




[8]



. ويقول أحد العلماء ويدعى

Lange
أن والدته كانت تمتلك بستان جثسيماني أو منزل قريب منه. كما يؤكد بعض الآباء مثل أوريجانوس وابيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص ويجمع جميع مؤرخي الكنيسة القبطية في كل العصور على أن القديس مرقس كان أحد السبعون رسولاً الذين عينهم الرب ” وأرسلهم الرب أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل مدينة أو موضع حيث كان هو مزمعاً أن يأتي ” (لو10: 1). ومن ثم تلقبه ب ” ناظر الإله الإنجيلي ” باعتباره أحد الذين شاهدوا الرب وسمعوه، أحد شهود العيان.





[9]





 

وأول ما يذكر القديس باسمه يذكر كابن للسيدة التي كان بيتها مقراً لاجتماع الرب يسوع المسيح وتلاميذه ورسله في أورشليم، والتي كانت أيضاً إحدى المريمات تلميذات الرب (لو8: 2؛أع1: 14). ثم يذكر بعد ذلك مع خاله برنابا وبولس الرسول (شاول) اللذان أخذاه معهما للكرازة (أع12: 25) (سنة 49م) وكان معهما في سلاميس ولكنه ” فارقهم ورجع من بمفيلية ” (أع15: 37-39) إلى أورشليم ” (أع13: 13).

 

و يقول الأنبا ساويرس عن كرازة مارمرقس فى البداية: “بعد صعوده الى السماء (اى المسيح) مضى مرقس مع بطرس الى اورشاليم وبشرا الجموع بكلام الله وظهر الروح القدس لبطرس وامره ان يمضى الى المدن والقرى التى هناك فمضى بطرس ومعه مرقس الى عمل بيت عنيا وبشرا بكلام الله”، هذه هى اولى خطوات مارمرقس فى طريق البشارة والكرازة بإنجيل المسيح.

 

سيرة مارمرقس تفصيلياً

يرجع دخول المسيحية الى مصر الى فجر العقيدة المسيحية، فها نحن نقرأ ان بعض علماء اليهود بالإسكندرية قد اعتنقوا التعاليم الجديدة: ” ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى أَفَسُسَ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ أَبُلُّوسُ إِسْكَنْدَرِيُّ الْجِنْسِ رَجُلٌ فَصِيحٌ مُقْتَدِرٌ فِي الْكُتُبِ. كَانَ هَذَا خَبِيراً فِي طَرِيقِ الرَّبِّ. وَكَانَ وَهُوَ حَارٌّ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ وَيُعَلِّمُ بِتَدْقِيقٍ مَا يَخْتَصُّ بِالرَّبِّ. عَارِفاً مَعْمُودِيَّةَ يُوحَنَّا فَقَطْ. وَابْتَدَأَ هَذَا يُجَاهِرُ فِي الْمَجْمَعِ. فَلَمَّا سَمِعَهُ أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ أَخَذَاهُ إِلَيْهِمَا وَشَرَحَا لَهُ طَرِيقَ الرَّبِّ بِأَكْثَرِ تَدْقِيقٍ. وَإِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَجْتَازَ إِلَى أَخَائِيَةَ كَتَبَ الإِخْوَةُ إِلَى التَّلاَمِيذِ يَحُضُّونَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوهُ. فَلَمَّا جَاءَ سَاعَدَ كَثِيراً بِالنِّعْمَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا لأَنَّهُ كَانَ بِاشْتِدَادٍ يُفْحِمُ الْيَهُودَ جَهْراً مُبَيِّناً بِالْكُتُبِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ. ” (أع 18: 24 – 28). لكن غرس المسيحية فى مصر وتأسيس الإسكندرية يرجع اولاً الى القديس مارمرقس البشير، الذى كتب أقدم الاناجيل الاربعة بالوحى الإلهى، وهو أحد السبعين رسولاً الذين اختارهم الرب يسوع





[10]




.

 

وُلد القديس مرقس لأبوين من اثرياء اليهود هما ارسطوبولوس ومارى، فى مدينة قورينة
Cyrene
وهى مدينة ليبية تقع بالقرب من الحدود من حدود مصر الغربية وكانت جزء من المدن الخمس الغربية المُسماة ب “البنتابوليس”، وكانت خاضعة للبطالمة طيلة سنوات حكمهم لمصر، وعلى وجه التحديد منذ ان تدخل بطليموس الاول فى النزاع الداخلى الذى كان مشتعلاً بين هذه المُدن (322 ق.م)، واستمر هذا الحال حتى ضمها الرومان الى امبراطوريتهم فى عام 74 ق.م.

 

و بعد عدة عقود، ضُمت مصر الى الامبراطورية الرومانية بعد هزيمة كليوباترا





[11]




، آخر حكام البطالمة مع انطونيوس فى معركة اكتيوم البحرية بحوار الساحل الغربى لليونان (31 ق.م). وقد انتصر فى هذه المعركة جايوس اوكتافيوس، ابن يوليوس قيصر بالتبنى، الذى أطلق عليه مجلس الشيوخ فى روما

Senate
فيما بعد لقب “أغسطس” اى “المعظم”، وهو الذى بدأ بعهده نظام الحكم الجمهورى فى الدولة الرومانية المترامية الأطراف وضم ‘ليها مصر لتكون بمثابة ولاية قيصرية، اى تحت حكمه مُباشرة.

 

فى هذا العصر وُلد يوحنا مرقس، أى فى وقت ميلاد السيد المسيح تقريباً. كان إسمه الأصلى هو يوحنا وهو إسم يهودى عبرى، اما إسم شهرته فكان مرقس الذى حل محل إسمه العبرى مع مرور الأيام، وذلك كما حل إسم بطرس محل إسم سمعان.

 

و بعد مولده بقليل هاجرت الأسرة الى فلسطين وأقامت فى قانا الجليل بالقرب من أورشاليم، وبعد ان فقد مرقس أباه فى طفولته، قام سمعان بطرس الذى تزوج استرابولا، بنت عم ارسطولوبولس والد مرقس، بالإشتراك مع أمه واخيها برنابا





[12]




فى تربيته، وقد يُفسر لنا هذا سر الصداقة الحميمة بين مرقس وبرنابا، وكذلك بين بطرس ومرقس الذى اعتاد ان يدعوه إبنه (1 بط 5: 13). أصبح القديس مرقس منذ البداية خادماً مُخلصا للعقيدة المسيحية، فقد خدم فى عرس قانا الجليل وشهد معجزة تحويل الماء الى خمر (يو 2: 1 – 11). وكان بيته مركزاً للتجمع المسيحى، بل كان بالفعل او كنيسة فى العالم إذ احتفل فيه السيد المسيح بعيد الفصح (مر 14: 13 – 14) وشهد بهذا إبن كبر فى مصباح الظلمة فى إيضاح الخدمة





[13]




، وبعد قيامة المسيح وصعوده صار هذا البيت مكاناً لإجتماع التلاميذ حيث ظهر الرب لهم (يو 20: 19) وفيه حل الروح القدس على التلاميذ ايضا (أع 8: 14، 11: 22)، وفى بيته ايضا صلوا معاً من اجل القديس بطرس اثناء سجنه (أع 12: 12)، ومن هذه البقعة انتشر التلاميذ بعد عيد العنصرة فى جميع بلاد المسكونة للتبشير بكلمة الله لكل البشر حسب قول السيد المسيح.

 

قام القديس مرقس بنشاط تبشيرى هائل، فقد رافق القديس بولس والقديس برنابا الى انطاكية (أع 12: 25، 13: 5)، ثم مضى الى برجة
Perga
بالقرب من إهناسيا
Ihnasya
فى آسيا الصغرى (تركيا حالياً)، حيث قرر القديس مرقس ان يعود الى أورشاليم (أع 12: 13). وكما يبدو من سيرته، فإنه رافق برنابا فيما بعد الى قبرص، وعمل مع القديس بطرس والقديس بولس فى روما





[14]





،وقام بأنشطة تبشيرية هائلة فى المدن الخمس الغربية (البنتابوليس) وفى الإسكندرية.

 

مما هو جدير بالذكر هنا، أنه على الرغم من الخلاف الذى وقع بين بولس وبرنابا على أثر عودة مرقس برجة الى اورشاليم (أع 15: 36 – 38)، فإن القديس بولس أثنى على جهود القديس مرقس المُخلصة فى الخدمة ثناءً كبير ودعاه “رفيقاً فى العمل” (فل 14، 2 تى 4: 11، كو 4: 10) الذى اعتمد عليه ووضع فيه ثقته أثناء غيابه فى السجن (فل 24)، وهنا نرى مرقس كرفيق بولس فى روما، وهو يُحي جماعة المسيحين فى كولوسى (كو 4: 10، فل 24)، وفى اثناء سجن القديس بولس الأخير فى روما كتب القديس بولس الى تيموثاؤس يطلب حضور مرقس اليه ومعاونته قائلا “لأنه نافع لى للخدمة” (2 تى 4: 10).

 

ماربولس ومارمرقس

سفر الاعمال الذى كتبه لوقا وكذلك رسائل القديس بولس هى التقارير الوحيدة الأصلية الموثوق بها بالنسبة الى حياة القديس بولس. وطبقاً لما يقوله الباحثون المحافظون فإن الرسائل الأربع عشرة كلها تُنسب إليه. ومن التواريخ الثابتة التى يمكن لها ان تساهم فى الترتيب الزمنى لأحداث حياة بولس نورد ما يلى:

 

اولا: ولاية جونيوس انيوس جاليو
Genius Annaeus Gallio
فى آخايا كانت بين ربيع 52 م وربيع 53 م.

 

ثانيا: ان تولية فستوت
Festus
إدارة الشئون المالية فى اليهودية كانت فى عام 59 – 60 م





[15]




، وهذا يعنى ان ذلك كان اثناء سجن القديس بولس لمدة عامين فى مدينة قيصرية (أع 23: 25).

 

ثالثا: تم القبض على بولس فى اورشاليم فى عيد الخمسين سنة 58 م وقضى عامين سجيناً فى قيصرية وفى نهايتها تظلم الى الامبراطور بإعتباره مواطناً رومانياً ووصل الى روما مُقيداً بالسلاسل فى ربيع 60 م.

 

بناء على هذا وبحسب المُعطيات الموثوقة لدينا من سفر الاعمال ورسائل العظيم بولس والتقليد المقدس نجد ان خدمة بولس التبشيرية تنقسم الى خمس مراحل، سُجلت الأربع مراحل الأولى فى الكتاب المقدس فى حين الخامسة نجدها فى التقليد المقدس:

 

الاولى: السنوات الأولى من تحوله الى المسيحية فى عام 33 – 34م حتى الرحلة التبشيرية فى عام 47 م.

الثانية: وهى الرحلة التبشيرية الأولى بين 47 – 49 م.

الثالثة: وهى الرحلة التبشيرية الثانية بين 50 – 52 م.

الرابعة: وهى الرحلة التبشيرية الثالثة بين 53 – 58م، ثم زيارته الاخيرة لأورشاليم حيث تم القبض عليه فى عيد العنصرة عام 58 م، وبعد قضاء عامين فى السجن بقيصرية (58 – 60م)، استأنف القضية عند الإمبراطور فى روما بإعتباره مواطناً رومانياً، ووصل الى هناك فى شتاء 60 – 61 م وينتهى سفر الاعمال بعبارة تقول ان القديس بولس ظل اسيراً فى روما عامين آخرين (61 – 63).

الخامسة: وهى السنوات الأخيرة من حياة القديس بولس بين 63 – 67 م فهى تشمل رحلته التبشيرية الى اسبانيا والى الشرق وكذلك فترة سجنه الثانية فى روما.

 

و لنتناول هذه المراحل الخمس بشىء من التفصيل لنستطيع الربط بين هذه الاحداث وبين حياة مارمرقس الرسول…

 

المرحلة الاولى

رسولا للأمم، يهودى من عشيرة بنيامين، وُلد فى السنوات الأولى للمسيحية بمدينة طرسوس وهو يحمل الجنسية الرومانية، وتشير الشواهد (فى 3: 3 – 4) و(غل 1: 13 – 24) الى انحداره من اسرة يهودية عاشت فى الشتات وتربى لكى يصير فريسياً (أع 26: 5) وتلقى جزء من تعليمه على يد الراباى الشهير غمالائيل (أع 22: 3) الذى كان بولس يرفض تسامحه. إن تفوق بولس فى اليونانية وتمكنه من فن الخطابة اليونانية والرومانية يدلان بوضوح على مركز عائلته المتميز الذى مكنها من ان توفر له تعليماً كلاسيكاً وتعليماً عبرياً. إن حصوله على صفة المواطنة الرومانية يدل ايضا على ان عائلته أسدت للإمبراطورية الرومانية خدمات جليلة ومكافآةً لهم حصلوا على هذا الامتياز العظيم. وقد مكنته مهنته فى صناعة الخيام من كسب عيشه. وكان حماسه للشريعة قد جعله خصماً عنيداً للمسيحية ومن ثم نراه يساعد فى استشهاد القديس استفانوس إذ قام بحراسة ملابس الذين قاموا برجمه (أع 7: 58).

 

اما قصة تحوله فى 33 – 34 م الى المسيحية فكما رواها سفر الاعمال فى الغصحاحات (9: 1 – 19، 22: 5 – 16، 26: 12 – 18) وكما ذُكرت فى إشارتين موجزتين فى رسائله (1 كو 15: 8، غل 1: 15 – 17)، فإنها لا تختلف الا فى التفاصيل وليس فى الجوهر، إذ سرعان ما أعتمد بعد ذلك وعاد واسترد بصره العجازى على يد حنانيا (أع 9: 17).

 

منذ معجزة تحوله الى المسيحية ومعجزة دمشق تحول حماس بولس للشريعة اليهودية الى نقيضه، وألزم نفسه بغدخال الأمم الى جماعة المسيح دون فرض عبء الشريعة عليهم كما يقول روبرت جيويت فى موسوعته





[16]





،فلا عجب ان اصبح رجل الإضطهادات سابقاً، هدفاً للإضطهاد والإنتقام من جهة اليهود.

 

بعد ان تم تعميده مُباشرة تقاعد بولس فى اقليم نباتا وهو الى الجنوب الشرقى من دمشق لمدة ثلاثة أعوام (غل 1: 17)، ثم إبتدأ فور عودته الى دمشق يعلم ان المسيح هو ابن الله (أع 9: 20). لكن عندما أعد اليهود مؤامرة لقتله، إضطر للهرب بعد ان انزلوه من فوق حوائط المدينة داخل سلة كبيرة (أع 9: 23 – 25، 2 كو 11: 32 – 33). ذهب بولس الرسول بعد ذلك الى اورشاليم وكان ذلك بعد ثلاثة اعوام من تحوله الى المسيحية اى فى عام 37 م تقريباً. هنا عرفه برنابا على القديس بطرس والرسل الآخرين، وبعد إقامة قصيرة لمدة اسبوعين قضاها فى تعليم كلمة الرب الى اليونانيين فى اورشاليم، إضطر للهرب من جديد لينجو بنفسه من مؤامرة يهودية جديدة، ثم سافر الى مسقط رأسه فى طرسوس (غل 1: 21 – 24، أع 9: 26 – 30) ولم يُعرف اى شىء عن نشاطه فى السنوات القليلة التى تلت ذلك الى ان احضره برنابا من طرسوس لكى يُساعد فى خدمة جماعة المسيحيين النامية المزدهرة فى مدينة انطاكية وكان ذلك حوالى عام 44 م. وتكللت خدمة الرسولين ببركة ونجاح عظيم (أع 11: 25 – 26) ثم قامت جماعة المؤمنين بإيفاد الرسولين ومعمها اعانة المجاعة الى اورشاليم لمساعدة المتضررين منها. يُمكننا تلخيص المرحلة الأولى من حياة القديس بولس فى النقاط التالية:

 

1-
         


طرسوس (مسقط راسه)

2-
         


أورشاليم، المساعدة فى استشهاد استفانوس

3-
         


دمشق 34 م

4-
         


إقليم نباتا لمدة ثلاث سنوات

5-
         


دمشق (المؤامرة اليهودية الاولى)

6-
         


أورشاليم (برنابا يقدم بولس للرسل الآخرين ويعرفهم ببعض)

7-
         


هروبه الى طرسوس (المؤامرة اليهودية الثانية)

8-
         


معاونة برنابا فى الخدمة فى انطاكيا

9-
         


ارسال الجماعة المسيحية فى انطاكية برنابا وبولس بمعونة المجاعة الى اورشاليم.

 

المرحلة الثانية

عند عودة برنابا وبولس من اورشاليم اخذا معهما مرقس (أع 12: 25)، وتبعاً لإرشاد الروح القدس قام الانبياء والمعلمون فى كنيسة انطاكيا بفرز برنابا وبولس للتبشير خارج حدود مجتمعهم (أع 13: 1 – 3) وخط هذه الرحلة التبشيرية نراه فى سفر الأعمال (13: 1 – 14، 27). اهم هذه المحطات الرئيسية هى: سلوكيا، سلاميس (قبرص)، بافوس (فى قبرص)، روما، برجة حيث تركهما مرقس نتيجة لخلاف بينهم وعاد الى اورشاليم (أع 13: 13). وحينئذ مضى بولس وبرنابا لتبشير الإقليم الجنوبى من غلاطية الرومانية فى ايقونية ولسترة ثم دربة. وفى لسترة شفى القديس بولس أحد المقعدين حتى لقد إعتبره الوثنيون هو برنابا وبرنابا ضمن الآلهة (أع 14: 11). وبعد ذلك قامت الجموع بتحريض من اليهود برجم بولس وجروه خارج المدينة، ظانين انه مات، وبالرغم من ذلك فقد نجحا نجاحاً كبيراً حتى انهما فى رحلة العودة اختارا شيوخاً وعينهوما لرعاية الجماعات المسيحية النامية فى تلك المدن (أع 14: 23)، وعاد الرسولين براً الى أنطاكية (49 م) حيث اعلنا لجماعتهما المزدهرة تقريراً عن نجاح خدمتهما بين الأمم (أع 14: 27).

 

المرحلة الثالثة

عند رجوع الرسولين الى انطاكية، واجه الرسولان مشكلة اساسية خطيرة تتعلق بطلب اليهود فرض الختان على الأمميين، لانه طبقاً للشريعة اليهودية لا يمكن لهم نوال الخلاص بدون الختان. من أجل هذا توجه بولس وبرنابا الى اورشاليم لمناقشة هذه المشكلة مع القديس بطرس والرسل الآخرين (أع 15). إنتهى المجمع فى حوالى 49 – 50 م بالدعم الكامل لوجهة نظر بولس، التى عاد بها الى انطاكية ومعه برنابا وسيلا ويهوذا، وبعد وقت قصير، أراد بولس ان يذهب هو وبرنابا الى اماكن نشاطهم التبشيرى السابق لكنهم اختلفوا بسبب يوحنا المُلقب مرقس. وكان برنابا يريد ان يأخذه معه، لكن بولس رفض لأن مرقس تركهم فى برجة فى رحلتهم الأولى (أع 15: 37 – 38). ونتيجة لهذا الخلاف تفكك شمل الفريق، وشرع بولس فى رحلته التبشيرية الثانية مع سيلا (سيلفانوس)، الذى رافقهم فى رحلة العودة من أورشاليم. وذهب مرقس فى صحبة برنابا الى قبرص. اما المحطات الرئيسية لرحلة بولس التبشيرية الثانية فهى: الزيارة الثانية للجماعات المسيحية فى جنوب غلاطية التى انشاها فى اثناء رحلته الأولى ماراً بالبلدان الآتية: طرسوس، بوابات قلقيلية، دربة، لسترة، ايقونية. وفى لسترة اختار تيموثاؤس لمرافقته (أع 16: 1 – 2). بعد ذلك سار فى فريجيه
Phrygia
الى ترواس ثم غرباً الى الساحل. بعد ذلك عبر البحر الى مكدونية إستجابة للريا التى رآها، وهناك انشأ تجمعات مسيحية فى فيلبي، تسالونيكى وبيرو، وذلك بالرغم من الصعوبات الهائلة التى واجهته بسبب اليهود.

 

فى آثينا، حيث كانت فى انتظار تيموثاؤس وسيلا، لم يحقق سوى نجاح ضئيل بعد مناقشات حادة مع بضعة فلاسفة رواقيين وابيقوريين فى المحكمة الاريستوقراطية العليا بآثينا المُسماة
Areopagus
. منذ ذلك الحين شرع القديس بولس الرسول فى تغيير طريقة تبشيره وتعليمه مُعتمداً كليةً على السيد المسيح وقوته وحكمته الإلهية بدلاً من الحوارات والمجادلات (أع 17 – 16: 23).

 

هذا النجاح المحدود الذى تحقق فى آثينا تم التعويض عنه بإنجازات عظيمة فى كورنثوس حيث أنشأ فيها جماعة كبيرة فى غضون عام ونصف وهى مدة إقامته من بداية عام 50 م الى صيف 51 م. وكان زمن هذه الاقامة فى اثناء ولاية جاليو (أع 18: 12) مما يُمكننا من وضع جدول زمنى لترتيب أحداث رحلة بولس بدقة، إزاء تحديد هذا التاريخ بعام 51 – 52 م. هنا كتب القديس بولس رسالته الاولى والثانية الى تسالونيكى، وبعدها عاد الى انطاكيا.

 

المرحلة الرابعة

حينما عاد العظيم بولس الى انطاكيا، شرع فى رحلته التبشيرية الثالثة، والتى أوصلته الى الجماعات المسيحية فى آسيا الصغرى (غلاطية وفريجيا): طرسوس، دربة، لسترة، ايقونية ثم افسس حيث ظل هناك ثلاث سنوات يعمل، كسب فيها اعداداً كبيرة ممن تحولوا الى المسيحية (أع 18: 23، 19: 1 – 40، 20: 31) وهنا كتب رسالته الأولى الى اهل كورنثوس، وطبقا للراى الشائع كتب غلاطية ايضا، وفى النهاية إضطر الى ترك المدينة اثر عملية شغب قام بها صُناع الفضة بزعامة ديمتريوس، لأن حرفتهم الخاصة بصناعة صور الإلهة ديانا (أرتاميس) أصبحت مهددة بالخراب نتيجة لإنتشار المسيحية.

 

رحل القديس بولس الى فيلبى فى مكدونية حيث كتب رسالته الثانية الى اهل كورنثوس (57 م)، وحيث جاءه تيطس ايضا باخبار سارة من كورنثوس (2 كو 7: 6)، بعد ذلك إجتاز تسالونيكى، بيريه، آثينا وكورنثوس حيث قضى ثلاثة شهور هناك (أع 20: 1 – 3) وفى كورنثوس كتب رسالته الى اهل رومية بينما كان يخطط للذهاب الى روما (أع 19: 21، رو 15: 22 – 24).

 

قرر الرسول العودة عبر مكدونية، لكى يهرب من مؤامرة جديدة دبرها اليهود ضده، ووصل الى فيلبى فى ربيع 58 م، حيث إحتفل بعيد الفصح، ثم أبحر الى ترواس (أع 20: 6) ثم غتجه الى اورشاليم ومعه مندوبو الكنائس والمعونات التى جمعوها لإعانة اخوتهم المحتاجين فى الكنيسة الأم (1 كو 16: 3، رو 5: 25) وسارو فى طريقهم عبر ساموس وميليتوس حيث ودع شيوخ افسس الذين جاءوا للترحيب به وحيث تنبأ بدخوله السجن فى اورشاليم فى القريب (أع 20: 22) وفى النهاية وصل الى اورشاليم وسلمهم المعونة (رو 15: 25 – 29).

 

نجد فى رسالة القديس بولس الثانية الى اهل كورنثوس (57 م) انه يقول انه قد أصبح نزيلاً فى السجن بصورة متكررة (2 كو 11: 23)، لكن المعلومات المُباشرة والمُؤكدة التى تتوفر لدينا تتعلق بفترات سجنه فى اورشاليم وقيصرية وروما فق، اما البقية فلا نعلم عنهم شىء. خلال إقامته فى اورشاليم، أحضر بولس أحد الأممين المسيحيين الى الفناء الداخلى للمعبد فأثار البعض شغباً ضده. ونظرا لأنه يحمل الجنسية الرومانية فقد حُبس حبساً وقائيا. وعندما تم اكتشاف مؤامرة يهودية لقتله، أمر ليسياس، القائد الرومانى لمدينة اورشاليم، بنقله الى قيصرية، وكانت مقر الحاكم الرومانى ماركوس انطونيوس فيلكس، واستمر فى الجسن لمدة عامين (58 – 60). وعندما وجد أن الحاكم الرومانى الجديد فستوس يميل الى الإذعان لرغبات اليهود (أع 24: 27، 25: 9) وهى موت بولس، مارس الأخير حقه كمواطن رومانى ورفع دعواه الى الإمبراطور. بينما هو فى طريقه الى روما تحطمت السفينة قرب مالطه، وتلا ذلك تحديد إقامته لمدة عامين آخرين فى بيته، وطبقاً لنظام التحفظ سُمح له بإستئجار مسكنه واستقبال زواره فكان يُعلم ويكرز ببشارة الملكوت.

 

المرحلة الخامسة

و هى سنوات بولس الأخيرة على الارض حيث قام برحلته التبشيرية الرابعة الى أسبانيا والشرق وكذلك فترة سجنه الثانية فى روما. وكما سبق وقلنا، فإن سفر الاعمال ينتهى ببيان ان القديس بولس ظل فى سجنه بروما لمدة عامين فى المرة الأولى بين 61 – 63 م. وفيما بعد ذلك فنحن نعتمد على التقليد المقدس كمرجعاً لنا للسنوات الاخيرة من سيرة العظيم بولس على الارض، ومن اهم هذه المراجع هو ما سجله اكليمندس الرومانى تلميذه، كيرلس الاورشاليمى، ابيفانيوس، يوحنا ذهبى الفم، جيروم، الوثيقة الموراتورية.

 

بحسب راى اكليمندس الرومانى الذى كتبه بعد استشهاد بولس الرسول بحوالى ثلاثون عاماً، فإن القديس بولس رحل حتى “نهاية بلاد الغرب” و”حدود بلاد الغرب”





[17]




اى الى اسبانيا، وذلك بعد ان اُطلق سراحه من سجنه الأول فى روما، وهذا يؤكد عزمه على زيارة اسبانيا بعد رحلته الى روما (رو 15: 24 – 28)، وطبقاً للرسائل الرعوية فإنه عاد وزار مراكز التبشير الشرقية فى افسس، مكدونية، اليونان، تاركاً تيطس وتيموثاؤس فى كريت وافسس لتنظيم أمر الجماعات المسيحية والتصدى لتصحيح الأخطاء والهرطقة هناك (تى 1: 5، 2 تى 1: 3) ثم عاد الى روما حيث اُعيد القبض عليه فى النهاية ووضع فى السجن حتى نال إكليل الشهادة فى عهد نيرون وإضطهاده للمسيحيين. وطبقا لراى يوسابيوس القيصرى فقد حدث هذا سنة 67 م وفى سنة 64 م طبقا لرأى اكليمندس الرومانى وترتيليان، وقد أضاف الاخير قوله ان القديس بولس قد قُطعت راسه





[18]




.

 

و فى هذا يتفق معنا القمص تادرس يعقوب ملطى، وفيما يلى نضع مُلخصاً لحياة بولس الرسول كما ذكره الأب تادرس يعقوب فى كتابه عن بولس الرسول





[19]




:

 

+ تحول شاول الطرسوسى (أع 9)، 35 م

+ خلوته فى العربية (غل 1: 16 – 17)، 35 – 37 م

+ سفره الأول الى أورشاليم (غل 1: 18)، 37 م

+ فى طرسوس (9: 30، 11 25)

+ زيارته الاولى لأورشاليم مع برنابا ومعه عطايا لتخفيف وطأة المجاعة، جاء بها الى أنطاكية (أع 11: 30)، 44 م

+ رحلته التبشيرية الاولى (انطاكيا – سولكية – سلاميس – بافوس – برجة – أنطاكيا بسيدية – أيقونية – لسترة – دربة – (العودة الى) انطاكية بسيدية – برجة – أتالية – سلوكية – أنطاكيا) (أع 13، 14)، 45 – 48 م

+ حضوره مجمع اورشاليم (أع 15)، رجوعه الى انطاكيا، مُباحثته مع بطرس وبرنابا فى انطاكيا (غل 2: 11 – 21)، مُعارضته برنابا فى امر أخذ مرقس فى الرحلة الثانية، 49 م

+ الرحلة التبشيرية الثانية مع سيلا (أع 15: 40 – 18: 18) (انطاكيا – كيليكية “طرسوس” – دربة – لسترة – ايقونية – انطاكيا بسيدية – ترواس – فيلبى – تسالونيكى – بيرية – اثينا – كورنثوس حيث كتب الرسالتين الى تسالونيكى – عودته الى اورشاليم عابراً بأفسس)، 49 – 53 م

+ الرحلة التبشيرية الثالثة (أع 18: 22 – 21: 15) (انطاكية – افسس – كورنثوس – ترواس – أسوس – ميتيلينى – رودس – باترا – صيدا – قيصرية – أورشاليم). وقد بقى فى افسس اثناء الرحلة ثلاث سنوات، كما كتب الرسالة الى غلاطية (54 – 55 م) والرسالتين الى كورنثوس (56 – 57 م) والرسالة الى روما (57 – 58 م).

+ القبض على بولس، 58 م

+ سجنه فى قيصرية ومحاكمته امام فيلكس وفستوس واغريباس (أع 24: 31 – 26: 32)، 58 – 60 م

+ وصوله الى روما بعدما انكسرت به السفينة قرب مالطة، 61 م

+ السجن الأول فى روما وكتابة رسائل الاثر (كولوسى، فليمون، أفسس، فيلبى)





[20]




، 61 – 63 م

+ إطلاق سراحه من الأسر الأول، 63 م

+ رحلات تبشيرية (الى اسبانيا)، زيارته افسس وكريت. وفى هذه الفترة كتب رسالته الأولى الى تيموثاوس ورسالته الى تيطس، 63 – 64 م

+ السجن الثانى فى روما وكتابته الرسالة الثانية الى تيموثاوس وإستشهاده، 67 – 68 م

 

وبناء على ما سبق فإننا يُمكننا التأكد من صحة الترتيب الزمنى والجغرافى لسيرة القديس بولس على النحو التالى:

 

جدول تاريخى لأحداث حياة بولس الرسول

التاريخ التقريبى

الحدث

الرسائل

33 – 34

التحول الى المسيحية

 

34 – 37

دمشق – الصحراء السورية

 

37 – 38

اول زيارة للرسل فى اورشاليم

 

38 – 44

طرسوس

 

44 – 47

انطاكيا

 

47

زيارته الثانية لأورشاليم

 

47 – 49

الرحلة التبشيرية الأولى مع برنابا ومرقس

 

50

مجمع اورشاليم

 

50 – 52

الرحلة التبشيرية الثانية مع سيلا

 

51 – 52

فى كورنثوس

 

53 – 58

الرحلة التبشيرية الثالثة

الرسالة الى غلاطية، الرسالة الأولى الى كورنثوس، الرسالة الثانية الى كورنثوس، الرسالة الى رومية

58

القبض عليه فى اورشاليم

 

58 – 60

السجن فى قيصرية

 

60 – 61

الرحلة الى روما

 

61 – 63

السجن الاول فى روما

الرسالة الى كولوسى، الرسالة الى فليمون، الرسالة الى افسس، الرسالة الى فيلبى

64

اسبانيا

 

65

فى الشرق (افسس – كريت)

الرسالة الأولى الى تيموثاوس، الرسالة الى تيطس، الرسالة الى العبرانيين

64

السجن الثانى فى روما

الرسالة الثانية الى تيموثاؤس

64 – 67

إستشهاد بولس وبطرس

 

 

جدول كتابى للإرتباطات بين بولس ومرقس

 

المصدر

مكان وجود بولس

التاريخ

الواقعة

أع 11: 27 – 30، 12: 24

من انطاكيا الى اورشاليم ثم الرجوع الى انطاكية

47 م

* ذهاب بولس وبرنابا الى اورشاليم اثناء المجاعة وهى الزيارة الثانية التى قام بها القديس بولس لهذه المدينة منذ تحوله الى المسيحية

* عودتهما من اورشاليم ومعهما القديس مرقس

أع 13، 14

الرحلة التبشيرية الأولى

47 م

خرج برنابا وبولس ومرقس من أنطاكيا الى سلوكية وسلاميس وبافوس وروما وبرجة حيث عاد القديس مرقس الى اورشاليم بينما واصل برنابا وبولس الرحلة الى ايقونية ولسترة ودربة ثم رجعا الى انطاكيا عن طريق لسترة وايقونية.

أع 15: 36، 18: 22

الرحلة التبشيرية الثانية

50 – 52 م

* بعد مجمع اورشاليم (49 – 50م) عاد بولس وبرنابا الى انطاكيا فى صحبة رجلين متقدمين من الاخوة هما يهوذا المُلقب بارسابا وسيلا، ثم العودة الى انطاكيا (أع 15: 36 – 39)

 

* رفض القديس بولس ان ياخذ معه مرقس لأنه تركهما فى برجة وعاد الى اورشاليم اثناء الرحلة التبشيرية الأولى (أع 15: 36 – 39).

 

* بناء على انفصال بولس وبرنابا عن بعضهما فخرج الأول مع سيلا بينما اصطحب برنابا مرقس ابن اخته الى قبرص، وهناك نال برنابا اكليل الشهادة.

كو 4: 10 – 11

السجن الأول فى روما

61 – 63م

” يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ ارِسْتَرْخُسُ الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ اخْتِ بَرْنَابَا، الَّذِي اخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. انْ اتَى الَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ. وَيَسُوعُ الْمَدْعُوُّ يُسْطُسَ، الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. هَؤُلاَءِ هُمْ وَحْدَهُمُ الْعَامِلُونَ مَعِي لِمَلَكُوتِ اللهِ، الَّذِينَ صَارُوا لِي تَسْلِيَةً.” (كو 4: 11)، وكما نرى من النص السابق، هناك توقع بوصول مرقس الى كولوسى اى فى الشرق للمرة الثانية.

فليمون

السجن الأول فى روما

61 – 63م

“يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَبَفْرَاسُ الْمَأْسُورُ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَرْقُسُ، وَأَرِسْتَرْخُسُ، وَدِيمَاسُ، وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي.” (فى 23، 24) وهنا نلاحظ وصول مرقس الى روما

2 تى 4: 11

السجن الثانى فى روما

64 م

“لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ.” (2 تى 4: 11) وقد كان القديس مرقس فى الشرق للمرة الثانية فى افسس بالتحديد وهناك قابل القديس تيموثاؤس وطلب بولس من تيموثاؤس ان يُحضره معه الى روما وهذه هى المرة الثانية والأخيرة التى يذهب فيها مرقس الى روما

 

المحطات الرئيسية التبشيرية فى سيرة القديس بولس

 

1

اورشاليم (47 م)، اخذه برنابا وبولس معهما من اورشاليم الى انطاكية عند عودتهم بعد تقديم معونة المجاعة

2

انطاكية (47م)

3

سلوكية، سلاميس، بافوس (قبرص)، روما، برجة (47 – 48م)

4

أورشاليم (48 – 50م)

5

(انطاكيا 50 م)

6

قبرص (50 م)

7

المرة الأولى فى روما (61 – 63م)

8

كولوسى (61 – 63م)

9

أفسس (64 م)

10

المرة الثانية والاخيرة فى روما (66 م)

 

بهذا نكون درسنا معاً العلاقة القوية بين القديس بولس والقديس مرقس، ورأينا فى دراستنا هذه نشاطات مرقس التبشيرية والتى ستساعدنا كثيراً فى إثبات ان مرقس هو كاتب الخاتمة وستفسر لنا سبب الخلاف فى اسلوب الخاتمة وبقية الإنجيل فى اثناء وضع نظريتى ورؤيتى لهذه النقطة. ولكن قبل ان ندخل فى هذه النظرية يجب علينا ان ندرس أيضا علاقة القديس مرقس بالقديس بطرس فى رسالته الأولى!

 

القديس مرقس والقديس بطرس

تتمحور دراستنا حول علاقة القديس مرقس الرسول والقديس بطرس الرسول حول نص واحد جاء فى رسالة بطرس الأولى ويقول: “تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الَّتِي فِي بَابِلَ الْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ابْنِي.” (1 بط 5: 13). فما هى بابل المقصودة؟ هل هى بابليون فى مصر ام روما فى ايطاليا؟ هذا هو محور دراستنا فى هذا الفصل، ونحن ندرس هذا الفصل لنعرف مدى التوافق بين وجود مرقس فى مصر وتأسيسه لكنيسة الإسكندرية وبين وجوده مع بطرس اثناء كتاباته للرسالة الأولى إذ سيتبين لنا ان مرقس كان بالفعل فى مصر فى نفس الوقت الذى حدده العلماء كرونولجياً لكتابة بطرس لرسالته الأولى!!!

 

إتفق الباحثون الغربيون الكاثوليك





[21]




على انكار ان تكون بابل المصرية هى التى المكان الذى كُتبت فيه الرسالة بحجة ان اسم “بابل” كان يُستخدم استخداما مجازياً كرمز للشر والابتعاد عن الله، وهو الإسم الذى شاع استخدامه فى روما حيث كُتبت الرسالة بحسب زعمهم. هذا الرأى غير مُثبت باى دليل ولا بأى برهان علمى مدروس بشكل أكاديمى منهجى، بل هى مجرد واحدة من ضمن تعلقات الكنيسة الكاثوليكية بالقديس بطرس بأى شكل، ليُؤكدوا بقولهم هذا ان بطرس هو مُؤسس كنيسة روما رغم ان هذا غير حقيقى وغير كتابى بالمرة!!!

 

و هنا يجب ان اشير الى الأدلة القوية التى تدحض هذا الزعم وتُؤكد ان الرسالة كُتبت من بابليون (حصن بابليون) فى مصر:

 

1-
         


إستخدام أسماء مُستعارة وكلمات رمزية للدلالة على اشياء أخرى هو امر لم يحدث فى رسالتى القديس بطرس بالمرة!!!

2-
   


إستخدام الكنايات والإستعارات هو أمر لم يحدث بالمرة حتى فى رسائل القديس بولس نفسه رغم انه كتب رسائل كثيرة من روما ومع هذا فلم يُكنى عن روما ب “بابل” رغم انه كان يعيش فى نفس عصر بطرس!!!

3-
         


ان المرة الأولى التى تُستخدم فيها الكناية عن روما ب “بابل” كان فى سفر الرؤيا الذى كُتب بعد ان استشهد بطرس بسنين عديدة!!!

4-
   


كانت بابليون احد المراكز الرئيسية للتجمعات فى مصر على مدى قرون طويلة وقد زارتها العائلة المقدسة قبل ذلك بأعوام حينما هربت اليها من بطش هيرودس

5-
   


بعد استشهاد استفانوس تشتت المسيحيين خارج اورشاليم (أع 8: 1) وربما يكون قد ذهب بعضهم الى مصر، خاصةً اذا علمنا ان مصر هى احد الدول التى تقع حدودها مع حدود (اسرائيل – فلسطين).

6-
   


عبارة القديس بطرس “المغتربين فى الشتات” (1 بط 1: 1) تُؤيد انه يستحيل ان يكون مكان كتابة الرسالة هو روما لأن مسيحى روما لم يكونوا من الشتات بل من المسيحيين الجدد الذين بشرهم القديس بولس، وتؤيد بقوة ان يكون مقر كتابة الرسالة هو بابليون فى مصر لأنه من المنطقى جدا ان يكون هناك شتات من المسيحيين الهاربين من اورشاليم فى مصر التى تقع على حدودها!

7-
   


بعد ان خرج بطرس الرسول من السجن قبل نهاية حكم هيرودس بقليل (44 م)، نقرأ فى سفر اعمال الرسل ان القديس بطرس رحل الى “مكان آخر” (أع 12: 17) دون ذكر هوية هذا المكان، فلو كان هذا المكان هو روما لكان قد قال السفر هذا!

8-
   


من الثابت والمُؤكد، عقيديا وكتابيا وتاريخياً، ان بطرس الرسول كان رسول الختان (اى رسول المسيح لليهود) وبولس كان رسول الغرلة (اى رسول المسيح للأمميين) كما قال بولس: “

اؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ الْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ الْخِتَانِ” (غل 2: 7) ومن الثابت تاريخيا ان هيكل اليهود الشهير وعدد كبير منهم فى حين انه ايضا من الثابت ان روما كانت مركز الأممية، فالأجدر والاقوى ان يذهب بطرس ليهود مصر ليبشرهم بإنجيل الخلاص.

9-
   


ذهب بطرس الى هذا “المكان الآخر” حوالى عام 43 – 44 م ومن نص الرسالة واضح انه معه مرقس، وهنا نتيقن تماماً من ان بطرس كتب الرسالة فى بابليون حينما نعرف ان يوسيفوس المُؤرخ اليهودى ذكر ان مرقس ذهب الى مصر فى عام 43 م





[22]




، وكذلك يوسابيوس القيصرى ابو التاريخ الكنسى يذكر ان مرقس دخل مصر لأول مرة فى 42 – 44 م





[23]




وان ساويرس ابن المقفع يذكر فى تاريخ البطاركة ان مرقس دخل مصر فى العام الثانى من حكم كلاوديوس اى فى عام 43 م وذكرت كذلك بعض المراجع المصرية المُسماة ب


Chronicon Alexandrinum
بأن تاريخ دخول مرقس لأول مرة الى مصر كان فى 39 – 40 م





[24]




، وكل هذا يُؤكد ان مرقس بالفعل دخل مصر للمرة الاولى فى النصف الاول من العقد الخامس فى القرن الاول الميلادى!!!!

 

و هنا يجب ان نعى، ان جميع المصادر التاريخية، والقبطية، فى العصر المتوسط والعصر الحديث تُؤكد على ان اول دخول لمرقس الإسكندرية كان بين اعوام 58 – 61، وهذا التاريخ لا يتعارض مُطلقا مع وجود مرقس فى بابليون فى مصر، لأنه بالفعل لم يدخلها قبل هذه التواريخ ودخوله فى عام 43 – 44 م كان لحصن بابليون وليس لمدينة الإسكندرية. وكما راينا ان بطرس ومرقس تحركا معاً من اراضى فلسطين – اسرائيل، فيكون دخولهم بهذا كان من الناحية الغربية لمصر وغالبا من منطقة العريش (حالياً)، وهذا يضمن لنا عدم وجود اى تعارض مع كون الاسكندرية هى بوابة مصر فى ذلك العصر، فبطرس ومرقس دخلوا مصر من الغرب قادمين من فلسطين وليس من الشمال – حيث الإسكندرية – قادمين من روما!!!

 

و لدينا شهادة تاريخية لا يُمكن إهمالها ابداً وهى للأنبا ساويرس اسقف نستروه الذى عاش فى النصف الأول من القرن التاسع، تُؤكد ان مرقس زار مصر مرة سابقة على دخوله الإسكندرية وقد قام الأرشيدياكون حبيب جرجس بتعريب هذه الوثيقة، ونقرا فى نصها التالى: “أما مرقس فعاد الى اورشاليم ثم صحب بطرس تلميذ المسيح. وذهبا الى روما، حيث ناديا ببشرى الخلاص، وهناك كتب مرقس إنجيله على رأى بعض المُؤرخين





[25]




، تحت إرشاد بطرس، وفى روما استشهد القديسان البطلان بطرس وبولس، فظل مرقس يُفكر فى مصيره، ويتأمل فى عظم الرسالة التى حملها عن طيب خاطر، وهناك أرشده الروح القدس ان يرحل الى مصر لتبليغ رسالة الحق، و
الواقع انه جائها مرة سابقة





[26]




. وكذلك لدينا وثيقة أخرى غاية فى الاهمية وجدنا نصها باليونانية واللاتينية وترجع للقرن الرابع الميلادى تُسمى “وثيقة استشهاد مارمرقس” واوردها مينى

Migne
فى مجموعته اليونانية
Patologia Greaca
وقام بتعريبها الأرشيدياكون ميخائيل مكسى اسكندر، جاء فى الفقرة الثالثة بها: “و جاء القديس مرقس فى اليوم التالى الى الاسكندرية عام 45 م”





[27]




.

 

و قد قام الأرشيدياكون ميخائيل مكسى بنشر نص كتاب “تاريخ البطاركة” للانبا يوساب اسقف فوه من القرن الثالث عشر





[28]




وجاء فيه عن القديس مارمرقس انه دخل مصر مرتين، ويُنسق هذا الاسقف خط سير مارمرقس كالتالى





[29]




: روما – مصر – البنتابوليس – مصر. ولكن يسوده بعض التشويش حول أولية دخول مارمرقس الإسكندرية، غير ان جميع المصادر التاريخية المُوثّقة أكدت ان مارمرقس دخل مصر مرة سابقة على دخوله الإسكندرية، وان كان بعض التشوش يسود على تصريحات يوساب اسقف فوه، فإن ما يهمنا هو ذكره لدخول مارمرقس مصر مرتين، اما عن موعد دخوله المرة الأولى فقد حددناه بشكل تقريبى فى عام 44 م.

 

يتبين لنا إذن، ان مرقس زار مصر قبل ان ياتى ليؤسس كنيسة الإسكندرية، وهذا يؤكد لنا ان بابليون التى كتب منها بطرس رسالته الاولى هى مصر وان مرقس كان معه فى هذا الوقت فى مصر ثم تركها لعمله التبشيرى وعاد مرة اخرى وفى المرة الثانية اسس كرسى الإسكندرية الرسولى. وربما يكون قد إختلط على ناسخ هذه الوثيقة الأمر، إلا ان ثابتاً لدينا ان مرقس وطأ مصر فى عام 43 – 45 م مع بطرس وشهد لهذا ثلاثة مصادر قديمة تاريخية هم المؤرخ يوسيفوس اليهودى، ساويرس اسقف نستروه و”وثيقة استشهاد مارمرقس”.

 

مارمرقس فى السنكسار القبطى

و لكى نكون بإلمام شامل على كل تفاصيل حياة مارمرقس نذكر ما جاء عنه فى السنكسار القبطى فقى يوم إستشهاده لنستطيع ان نوفق بين البيانات كاملة ويكون لدينا جدول شبه كامل عن حياة مارمرقس الرسول، فيقول السنكسار فى يوم 30 برمودة:

 

“في مثل هذا اليوم الموافق 26 أبريل سنة 68 م استشهد الرسول العظيم القديس مرقس كاروز الديار المصرية وأول باباوات الإسكندرية وأحد السبعين رسولا كان اسمه أولا يوحنا كما يقول الكتاب: أن الرسل كانوا يصلون في بيت مريم أم يوحنا المدعو مرقس (أع 12: 12) وهو الذي أشار إليه السيد المسيح له المجد بقوله لتلاميذه: ” أذهبوا إلى المدينة إلى فلان وقولوا له. المعلم يقول وقتي قريب وعندك أصنع الفصح مع تلاميذي (مت 26: 18) ” ولقد كان بيته أول كنيسة مسيحية حيث فيه أكلوا الفصح وفيه اختبأوا بعد موت السيد المسيح وفي عليته حل عليهم الروح القدس

 

ولد هذا القديس في ترنا بوليس (من الخمس مدن الغربية بشمال أفريقيا) من أب اسمه أرسطو بولس وأم أسمها مريم. إسرائيلي المذهب وذي يسار وجاه عريض، فعلماه وهذباه بالآداب اليونانية والعبرانية ولقب بمرقس بعد نزوح والديه إلى أورشليم حيث كان بطرس قد تلمذ للسيد المسيح. ولأن بطرس كان متزوجا بابنة عم أرسطو بولس فكان مرقس يتردد علي بيته كثيرا ومنه درس التعاليم المسيحية.

 

وحدث أن أرسطو بولس وولده مرقس كانا يسيران بالقرب من الأردن وخرج عليهما أسد ولبؤة وهما يزمجران فخاف أبوه وأيقن بالهلاك ودفعته الشفقة علي ولده أن يأمره بالهروب للنجاة بنفسه ولكن مرقس طمأنه قائلا لا تخف يا أبي فالمسيح الذي أنا مؤمن به ينجينا منهما. ولما اقتربا منهما صاح بهما القديس قائلا ” السيد المسيح ابن الله الحي يأمركما أن تنشقا وينقطع جنسكما من هذا الجبل ” فانشقا ووقعا علي الأرض مائتين فتعجب والده وطلب من ابنه أن يعرفه عن المسيح فأرشده إلى ذلك وآمن والده وعمده بالسيد المسيح له المجد.

 

وبعد صعود السيد المسيح استصحبه بولس وبرنابا للبشارة بالإنجيل في إنطاكية وسلوكية وقبرص وسلاميس وبرجة بمفيلية حيث تركهما وعاد إلى أورشليم وبعد انتهاء المجمع الرسولي بأورشليم استصحبه برنابا معه إلى قبرص.

 

وبعد نياحة برنابا ذهب مرقس بأمر السيد المسيح إلى أفريقية وبرقة والخمس المدن الغربية. ونادي في تلك الجهات بالإنجيل فآمن علي يده أكثر أهلها. ومن هناك ذهب إلى الإسكندرية في أول بشنس سنة 61 م وعندما دخل المدينة انقطع حذاؤه وكان عند الباب إسكافي أسمه إنيانوس، فقدم له الحذاء وفيما هو قائم بتصليحه جرح المخراز إصبعه فصاح من الألم وقال باليونانية ” اس ثيؤس ” (يا الله الواحد) فقال له القديس مرقس: ” هل تعرفون الله؟ ” فقال ” لا وإنما ندعو باسمه ولا نعرفه “. فتفل علي التراب ووضع علي الجرح فشفي للحال، ثم أخذ يشرح له من بدء ما خلق الله السماء والأرض فمخالفة آدم ومجيء الطوفان إلى إرسال موسى وإخراج بني إسرائيل من مصر وإعطائهم الشريعة وسبي بابل ثم سرد له نبوات الأنبياء الشاهدة بمجيء المسيح فدعاه إلى بيته وأحضر له أولاده فوعظهم جميعا وعمدهم باسم الأب والابن والروح القدس.

 

ولما كثر المؤمنون باسم المسيح وسمع أهل المدينة بهذا الآمر جدوا في طلبه لقتله. فرسم إنيانوس أسقفا وثلاثة قسوس وسبعة شمامسة ثم سافر إلى الخمس المدن الغربية وأقام هناك سنتين يبشر ويرسم أساقفة وقسوسا وشمامسة.

 

وعاد إلى الإسكندرية فوجد المؤمنين قد ازدادوا وبنوا لهم كنيسة في الموضع المعروف ببوكوليا (دار البقر) شرقي الإسكندرية علي شاطئ البحر وحدث وهو يحتفل بعيد الفصح يوم تسعة وعشرين برمودة سنة 68 م وكان الوثنيون في اليوم نفسه يعيدون لألههم سرابيس، أنهم خرجوا من معبدهم إلى حيث القديس قبضوا عليه وطوقوا عنقه بحبل وكانوا يسحبونه وهم يصيحون ” جروا الثور في دار البقر ” فتناثر لحمه وتلطخت أرض المدينة من دمه المقدس وفي المساء أودعوه السجن فظهر له ملاك الرب وقال له ” افرح يا مرقس عبد الإله، هودا اسمك قد كتب في سفر الحياة وقد حسبت ضمن جماعة القديسين ” وتواري عنه الملاك ثم ظهر له السيد المسيح وأعطاه السلام فابتهجت نفسه وتهللت “.

 

وفي اليوم التالي (30 برمودة) أخرجوه من السجن وأعادوا سحبه في المدينة حتى أسلم روحه الطاهرة ولما أضرموا نارا عظيمة لحرقه حدثت زلازل ورعود وبروق وهطلت أمطار غزيرة فارتاع الوثنيون وولوا مذعورين. وأخذ المؤمنون جسده المقدس إلى الكنيسة التي شيدوها وكفنوه وصلوا عليه وجعلوه في تابوت ووضعوه في مكان خفي من هذه الكنيسة.”

 

صلاة هذا القديس العظيم والكاروز الكريم تكون معنا ولربنا المجد دائما. آمين

 

إنتهى الإقتباس من السنكسار، وبهذا نستطيع ان نعتمد بكل قوة وجرأة على الجدول التالى كجدول مُوثق لحياة مارمرقس الرسولى:

 

جدول تاريخى لحياة مارمرقس

الزمان

المكان

المصدر

الوقائع

 

قورينا

ابن المقفع

مسقط راس مرقس

 

اورشاليم

مرقس 14

احتفال الرب يسوع بعيد الفصح فى بيت مارمرقس

 

اورشاليم

يو 20: 19

ظهور الرب يسوع للتلاميذ فى بيت مارمرقس

 

اورشاليم

أع 8: 14، 11: 12

حلول الروح القدس على التلاميذ فى بيت مارمرقس

43م

اورشاليم

أع 12: 2

استشهاد يعقوب الرسول

43م

اورشاليم

أع 12: 3 – 12

وضع القديس بطرس فى السجن ثم خروجه وعودته للرسل فى بيت مارمرقس

43م

اورشاليم

أع 12: 17

رحيل بطرس الى مكان غير معروف رجحنا سابقا أنه مصر

43م

بابليون – مصر

1 بط 5: 13

القديس بطرس ومعه مارمرقس يكتب الرسالة الأولى فى بابليون، عصر دخول مارمرقس مصر للمرة الاولى كما ذكر يوسيفوس وساويرس اسف نستروه دون دخول الإسكندرية

47م

اورشاليم

أع 11: 27 – 30

زيارة تقديم معونة المجاعة قام بها بولس وبرنابا الى اورشاليم وفى عودتهما اخذا مارمرقس معهم

47م

أنطاكيا

أع 12: 24

بولس فى انطاكيا مع برنابا وبولس

47م

سلوكية

أع 13: 1 – 13

الرسحلة التبشيرية الاولى وفيها بولس وبرنابا ومرقس

49م

سلاميس، بافوس، روما، برجة

 

زيارات الرسل فى الرحلة التبشيرية الاولى

48م

أورشاليم

أع 13: 13

مارمرقس يترك بولس وبرنابا فى منتصف الرحلة التبشيرية الاولى ويعود الى اورشاليم بمفرده

50م

أورشاليم

أع 15

مجمع اورشاليم

50-52م

أنطاكيا

أع 15: 36

الرحلة التبشيرية الثانية، رفض بولس ان يأخذ مرقس معهما

50-52م

قبرص

أع 15: 96

برنابا ومرقس يكرزون فى قبرص

61م

روما

فل 24، كو 4: 10 – 11

بولس فى السجن الاول فى روما ومرقس متواجد فى روما

61م

كولوسى

كو4: 10

مت المرتقب ان يزور مرقس مدينة كولوسى

61م

قورينا

السنكسار

اول زيارة لمرقس الى البنتابوليس موطنه الأصلى بعد ان صار من تلاميذ الرب

61-62م

الإسكندرية

السنكسار

تأسيس كنيسة الإسكندرية على يد مارمرقس الرسول

62-63م

البنتابوليس

السنكسار

تنظيم الخدمة الكنسية والرئاسة الرعوية

63م

الإسكندرية

السنكسار

كنيسة
Baucalis

64-66م

أفسس

2 تى 4: 11

مرقس وتيموثاؤس معاً فى افسس وبولس يطلب من تيموثاؤس ان يحضر مرقس معه اثناء سجن بولس الثانى

 

أكويليا

عدة مصادر ومخطوطات قبطية

القديس مرقس يبشر فى منطقة الأدريا فى طريقه من افسس الى روما

64-66م

روما

2تي 4: 11

مرقس فى روما للمرة الثانية والاخيرة اثناء سجن بولس الثانى

67م

أكويليا

تقاليد متأخرة

التبشير فى منطقة الادريا مرة اخرى والإطمئنان على حال الجماعة المسيحية

67-68م

الإسكندرية

ساويرس ابن المقفع

استشهاد مارمرقس

 

بهذا الشكل نكون قد وصلنا الى سيرة ذاتية شبه كاملة عن القديس مارمرقس الرسول وتنقلاته وحياته وعلاقته بالقديس بولس الرسول والقديس بطرس الرسول، ويتبقى امامنا نقطتين هامتين هما اين كتب مرقس انجيله؟ متى كتب مرقس إنجيله؟

 

مكان ووقت كتابة الإنجيل

التقليد الأبائى بالإجماع يؤيد ان مرقس كتب انجيله فى روما بإيطاليا، بداية من ايريناؤس مرورا بإكليمندس السكندرى، اوريجانيوس وهيبوليتوس، الى ان نصل لذهبى الفم فنجد قولا شاذاً حيث يقول فى تأملاته على انجيل متى: “إن انجيل مرقس قد كُتب فى مصر”





[30]




!!! ويُورد هذا ايضا القمص تادرس يعقوب ملطى فى مقدمة تفسيره لإنجيل مرقس حيث يقول: “يرى القديس يوحنا ذهبى الفم أنه كتب فى مصر، بينما نادى البعض بأنه كتب فى روما”





[31]




!!!!

 

لا يُمكن ولا يُعقل ألا نفسر معنى قول ذهبى الفم ان مرقس كتب انجيله فى مصر، فذهبى الفم من أعمدة الكنيسة الجامعة ولا يُمكن اهمال كلامه ولابد لنا ان نبحث ان كان الإنجيل كُتب فى روما فكيف يقول هذا ذهبى الفم؟؟؟ لم أجد لهذا سوى حلاً واحداً لا ثانى له سأسرده فى الفصل القادم.

 

النقطة الثانية، متى كتب مرقس إنجيله؟! التقليد الأبائى بأكمله يؤكد ويُجمع على ان مرقس أتم انجيله قبل استشهاد بطرس وبولس، وفى هذا يتفق الجميع قديماً وحديثاً، إلا اننا نجد قولا شاذا يخرج وصت هذه الاصوات المتوافقة يقول ان مرقس كتب انجيله بعد استشهاد بطرس وبولس، انه ايريناؤس صاحب هذا الصوت!!! أبو التقليد الكنسى!!!!

 

شهادة لا يُمكن ان نستهين بها مُطلقا، لا يُمكن ان نقبل تعارض ايريناؤس مع التقليد الأبائى كاملاً هكذا بدون ان نرى تفسيراً واضحاً يزيل الغموض عن هذا التعارض بين اباء الكنيسة الجامعة باكملهم وبين القديس ايريناؤس ابو التقليد الكنسى!!! يقول ايريناؤس





[32]




: “

و
بعد رحيلهم (اى بطرس وبولس) مرقس، تلميذ ومفسر بطرس، سلمنا كتابةً ما بشر به بطرس”. بغض النظر عن نقطة ان انجيل مرقس هو ما بشره به بطرس ام لا، فهذا الموضوع شرحه كثيرين بالتفصيل من أباء الكنيسة القبطية، ولكن ما يهمنى الآن هو تصريح ايريناؤس ان مرقس كتب انجيله بعد استشهاد بطرس وبولس! وقد نقل القمص تادرس يعقوب ملطى راى ايريناؤس فى تفسيره قائلا: “يرى القديس ايريناؤس انه كثتب بعد استشهاد القديسين بطرس وبولس أى بعد سنة 67 م”





[33]




!!!

 

و لدينا وثيقة أخرى وهى عبارة عن نسخة لإنجيل مرقس





[34]





،جاء فى مقدمتها عن مارمرقس




[35]



: “

كان يسمَّى ذا الإصبع الصغير





[36]




، لأنه كان له أصابع قصيرة، وكان مترجماً (مفسِّراً) لبطرس،
وبعد موت بطرس كتب إنجيله“.

 

و كذلك لدينا شهادة اخرى من جيروم حيث يقول





[37]




: “و هكذا، حمل مرقس انجيله وانطلق به الى مصر”، هذه شهادة من مُحقق وعالم مُوثق كبير لا يُمكن إهمالها…

 

فكيف يمكننا ان نحل هذه الإشكالية؟ والآن، وبعد ان درسنا كل هذا، ما علاقة الخاتمة بكل هذا؟ كيف يُمكن ان تعالج خاتمة مرقس كل هذه التعارضات حول إنجيل مرقس؟؟؟ هذه هى نظريتى التى أسميتها “النظرية الأحادية”…

 

النظرية الاحادية
Unique Theory

هى نظرية خاصة بى، وقد توصلت لها بناءً على ما ذكرناه تفصيليا بالأعلى، وقد أسميتها بهذا الإسم نظراً لأنه لا يوجد سوى حل واحد ينسب الخاتمة الى مارمرقس وفى نفس الوقت يُفسر لنا إختلاف الإسلوب فى الخاتمة عن بقية الإصحاح. لا أدعى اننى املك الحقيقة المُطلقة ولكن هذه رؤيتى الخاصة للموضوع، قد يكون هناك حلولاً أخرى ولكننى لم اصل لها وعلى هذا فأنا أقول ان هذا هو الحل الوحيد بحسب رؤيتى الخاصة وليس بحسب الحق المُطلق!

 

لقد تعمدت ان اضع تفصيلا كاملا ومُوثقاً لعلاقة مرقس لكلاً من بولس وبطرس لكى تكون كل المعلومات التى أستخدمتها فى نظريتى هذه مُوثقة ومُؤكدة ولئلا يخرج علينا احد يُشكك فى أصالة اى معلومة من المُعطيات التى سنستخدمها فى هذه النظرية، ولعلمى بمدى أهمية تفسير اختلاف الإسلوب كان لابد من هذا.

 

و قبل ان نبدأ اود ان احيطك علماً بمدى ذلك الخلاف فى الإسلوب من العدد التاسع، حيث يقول البشير: “
وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ”. لكى تتصور مدى الخلاف اقول لك ان مارمرقس فى انجيله كاملا رغم انه ذكر مريم المجدلية عدة مرات لم يذكر ابدا ان المسيح اخرج منها سبعة شياطين، وقبل هذا العدد بأعداد بسيطة ذكرها مُباشرة فى العدد الاول من الاصحاح حيث قال: “
وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ حَنُوطاً لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ”، وقبل ذلك ايضا فى العدد الأخير من الإصحاح السابق مباشرة حيث قال: “
وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ”، فلو أن مرقس هو كاتب الخاتمة، فكيف يفعل هذا؟!

 

لا يوجد سوى حل واحد فى نظرى، ولهذا أسميتها النظرية الاحادية، وهو ان مرقس حينما وصل الى العدد الثامن انقطع عن الكتابة لفترة كبيرة جعلته يزيد فى ذكر مريم المجدلية رغم انه ذكرها من قبل بل ويعرف القارىء بها. فهل هذا حديث بالفعل؟ لكى أجيبك على هذا السؤال قصدت ان اشرح بالتفصيل حياة مرقس لنعرف تفاصيل رحلاته وتنقلاته، ولنتابع معاً:

 

قلنا قبلاً ان مرقس زار روما مرتين، وقد أجمع الأباء على ان مرقس دون انجيله فى روما – فى المرة الثانية بالطبع – وفى هذه الزيارة التى تمت بين اعوام 46 – 66 م بالفعل دون انجيله الى ان وصل للإصحاح الأخير والعدد الثامن واستشهد بطرس وبولس فتوقف عن الكتابة ولم يُتم الإنجيل الى نهايته، ثم غادر روما وكرز فى أكويليا فى عام 67 م، ثم وصل الى الإسكندرية فى نفس العام، وحينما وصل الى الإسكندرية أتم إنجيله وكتب الخاتمة.

 

هذه هى باختصار شديد نظريتى وأدلل عليها بثلاثة أدلة، هى:

 

1-
   


ان جميع الاباء اقروا ان مرقس كتب بشارته فى روما فيكونوا تكلموا بإجمال عن الإنجيل او لم تكن لديهم البيانات الكافية حول مكان كتابة الخاتمة، فى حين ان ذهبى الفم صرح بكلام لا لبس فيه ان مرقس كتب إنجيله فى مصر وبالتأكيد يعنى انه أتم إنجيله او انهاه فى مصر.

2-
   


ان جميع الاباء أقروا بأن مرقس كتب بشارته قبل استشهاد بطرس وبولس ماعدا ايريناؤس ابو التقليد الكنسى الذى أقر بأن مرقس كتب بشارته بعد استشهاد بطرس وبولس فيكون بقوله هذا يعنى إتمام الإنجيل اى انهاؤه، اى ان مرقس ختم إنجيله فى مصر.

3-
   


يقول اكليمندس السكندرى فى رسالته المُكتشفة حديثاً الى ثيؤودور والتى نشر نصها العالم رون كاميرون: “

“بالنسبة الى مرقس، ففى وقت إاقامة بطرس فى روما سجل روياة لأعمال الرب، لم يُوضح كل شىء، ولم يستعن بما هو سرى، بل إختار الأكثر نفعا لزيادة الإيمان لهلاء الذين يتعلموا. ولكن حينما مات بطرس كشهيد، مرقس جاء الى الإسكندرية ومعه تدويناته الشخصية وتدوينات بطرس… هكذا فقد كتب انجيل روحيا أكثر للإستخدام من قبل اولئك الممتازين”





[38]




وفى هذا بيان لما ذهبت إليه بان مرقس أتم إنجيله فى مصر.

4-
         


الوثيقة الاخيرة التى ترجع للقرن الثانى وتُؤكد ان مرقس الرسول كتب إنجيله بعده استشهاد بطرس الرسول!!!

 

هذه الاسباب الثلاثة، تُؤكد لنا ان مرقس أكمل بقية الأعداد بعد حوالى عام كامل من الوصول الى العدد الثامن، وهذا يقطع بقوة فى تفسير الخلاف بين اسلوب مرقس فى الشق الأول من الإصحاح وبين اسلوب الخاتمة، ويؤكد لنا ان مرقس هو كاتب الخاتمة. وعلى كل مُعترض على ما ذكرناه فى هذا الفصل ان يُفسر لنا أقوال كلاً من “ايريناؤس، إكليمندس السكندرى، ذهبى الفم” حول تدوين وكتابة إنجيل مرقس!!!






[1]




هو الأنبا ساويرس إبن المقفع احد علماء الكنيسة فى القرن العاشر الميلادى، وُلد فى عام 915 م وكان كاتباً ماهرا فى الدولة الإخشيدية، ثم ترهب وأُختير اسقفا لإيبارشية الأشمونيين فى اقليم هيرموبوليس شمال غرب ملوى حاليا. كان حاضرا مع البابا أبرآم ابن زرعة فى لقاءاته مع المعز ويعقوب بن كلس اليهودى وعاصر معجزة نقل جبل المقطم، أعد مُؤلفا ضخما فى اربع مجلدات عن “تاريخ البطاركة” جمعهم من دير انبا مقار وأديرة أخرى وأصله موجود فى مجموعة “كتابات الأباء الشرقية”
Patrologia Oriental
وقد اعتمدنا فى بحثنا عن سيرة مارمرقس طبعة الراهب صموئيل السيريانى للكتاب والتى تضم الأربعة مجلدات فى كتاب واحد ضخم.





[2]




لمزيد من دراسة الأدلة على هذا الإعتقاد انظر : مرقس الإنجيلى، داود حلاق، الطبعة الثانية 2004، دار الكتب الأكاديمية، ص 53





[3]




تاريخ البطاركة، ساويرس ابن المقفع، السيرة الأولى، مارمرقس، طبعة صموئيل السيريانى، الكتاب الأول، ص 19





[4]




مرقس الرسول، البابا شنودة الثالث، ص 18





[5]




تاريخ البطاركة، إبن المقفع، الكتاب الاول، السيرة الاولى، ص 20





[6]




إن الأدلة على ان مرقس احد السبعين رسولا كثيرة جدا، فتذكر الدسقولية انه من ضمنهم (5 : 7)، ويذكر هذا اوريجانيوس فى كتابه عن الإيمان القويم، وكذلك القديس ابيفانيوس فى كتابه ضد الهرطقات
( 51: 5) وأدلة اخرى كثيرة تؤكد هذا، انظر : قصة الكنيسة القبطية، ايريس حبيب المصرى، المُجلد الأول، الطبعة الخامسة 1984، ص 21، مرقس الرسول للبابا، ص 15





[7]




مرقس الرسول، البابا شنودة الثالث، ص 14





[8]




وقد ذكر أحد كُتّاب القرن السادس هذه المعلومة ويُدعى ألكسندر فى كتابه
Lanadatio Bernaboe
، انظر : مرقس الرسول لقداسة البابا، ص 14





[9]




الإنجيل كيف كُتب؟ وكيف وصل إلينا؟، القمص عبد المسيح بسيط، ص 169





[10]




ان المرجع الرئيسى لهذا الفصل هو موسوعة تراث الأقباط – المجلد الأول فقد استخدمناه كثيرا نظراً لأنه مرجع مُوثق ومنطقى الى ابعد حد، كما رجعنا الى عدة مُؤلفات علمية قبطية فى هذا المجال أهمها : مرقس الرسول – البابا شنودة، سيرة القديس مارمرقس الرسول الإنجيلى من المصادر الأجنبية والمخطوطات القبطية القديمة – حبيب جرجس، مرقس الإنجيلى – داود حلاق، تاريخ البطاركة – ساويرس ابن المقفع، قصة الكنيسة القبطية – المجلد الاول – ايريس حبيب المصرى، تاريخ الكنيسة القبطية – القس منسى يوحنا، الإنجيل كيف كُتب؟ وكيف وصل إلينا؟ – القمص عبد المسيح بسيط ابو الخير، تفسير انجيل مرقس – القمص تادرس يعقوب ملطى.





[11]




استمر احتلال الإغريق لمنطقة برقة
Cyrenaica
من عام 639 ق.م الى عام 332 ق.م وتضمنت هذه الحقبة فترتين هما : 1- عصر ملكية البتيادى
Battiadi Monarchy
التى استمرت حتى 493 ق.م. 2- العصر الجمهورى الذى دام حتى الغزو البطلمى فى سنة 222 ق.م وفيما بعد اُشير الى منطقة برقة بإسم “البنتابوليس، أى المدن الخمس. وهذه المدن الخمس هى كالتالى : قورينة، ابولونيا، بطلوميس، طاشيرا واوسبريدس.





[12]




إسمه الأصلى هو يوسف، وقد أخذ فيما بعد اللقب الآرامى “بارنابا” وهو مُكون من مقطعين “بار” اى إبن و”نابا” اى الشجاعة او الوعظ (أع 4 : 36)، وقد كان من ضمن السبعين رسولا الذين ذُكروا فى لوقا 10 : 1 كما قال اكليمندس السكندرى ويوسابيوس القيصرى، تكرر ذكر القديس برنابا الرسول على انه إبن اخ بولس وتبعاً لسفر الأعمال فإنه اخ مارى ام مرقس (أع 15 : 27 – 28)





[13]




مصباح الظلمة 40، 41





[14]




تبعا للتقليد، فقد بشر القديس مرقس فى منطقة الأدرياتيك، فلا عجب ان نجد ان مارمرقس هو شفيع البندقية الأول، حينما سُرقت رفاته إليها فى عام 828 م.




[15]


Catholic Ency. Entry For: Saint Paul




[16]


Encyclopeidia Of Religion
،Vol 45
،By Robert Gewett
،P. 212





[17]




رسالته الى كورنثوس 5 : 5 – 7





[18]




ضد براكسياس، الفصل 34





[19]




القديس بولس الرسول (منهجه الإنجيلى، اللاهوتى، الكنسى، الكرازى، الروحى)، القمص تادرس يعقوب ملطى، إصدار الكلية الإكليركية اللاهوتية بالإسكندرية، ص 10 – 12





[20]




تُسمى هذه الرسائل فى علم اللاهوت الكتابى بـ “رسائل الأسر” نظراً لأن بولس كتبت هذه الرسائل وهو فى السجن (السجن الاول) فى روما، انظر : الفكر اللاهوتى فى كتابات بولس، الدكتور القس فهيم عزيز، إصدار دار الثقافة 1981، الفصل الأول، المقدمة، ص 11 – 15، ايضا انظر : علم اللاهوت الكتابى، جيرهارد فوس، ترجمة الدكتور عزت زكى، إصدار دار الثقافة 1982، ص 464





[21]




يرفض البروتستانت هذا المفهوم وينكرونه جُملة وتفصيلا، مُتفقين معنا فى ان محل كتابة الرسالة كان فى مصر فى حصن بابليون فى مصر القديمة الآن، ويُمكنك مُراجعة كلام كالفن (مُؤسس الفكر الإنجيلى المشيخى) فى تفسيره للرسالة فى الرابط التالى :


http://www.ccel.org/ccel/calvin/calcom45.iv.vi.iv.html





[22]




ذكر هذه المعلومة عدة مؤرخين معاصرين، مثل عزيز سوريال، بتشر، ايريس حبيب المصرى… إلخ، وكذلك ذكرها قداسة البابا فى كتابه حول مارمرقس الرسول، ولكنى بحثت فيما هو مُتوفر بين يدىّ من كتابات يوسيفوس فلم أجد هذه المعلومة. ولكن إتفاق مُؤرخين بهذا الحجم ولهم ثقلهم العلمى يُؤكد موثوقية المعلومة وانه عيبنا نحن إذ لم نستطعع الوصول الى مصدرها، كما ان المعلومة مُوثقة بشاهدين آخرين هما، يوسابيوس القيصرى وساويرس بن المقفع.




[23]


Chronicorum 2
،PG 19:539




[24]


PG 92:559





[25]




سنعالج هذه القضية فى الفصل التالى





[26]




سيرة القديس مرقس مارمرقس الرسول الإنجيلى من المصادر الأجنبية والمخطوطات القبطية القديمة، الأرشيدياكون حبيب جرجس وكامل جرجس (1937)، تعليق وإضافات علمية الأرشيدياكون ميخائيل مكسى اسكندر، طبعة مكتبة المحبة، ص 32





[27]




المرجع السابق، ص 88





[28]




هو الأنبا يوساب اسقف فوه (بكفر الشيخ حالياً)، رسمه البابا كيرلس الثالث إبن لقلق فى عام 1236 م بإسم “يوساب”، وتزعم حركة إصلاحية ضد البابا كيرلس ابن لقلق لأسباب ادارية فى الكنيسة، وقد عاصر توالى اربعة بطاركة على كرسى مارمرقس الى ان تنيح فى عهد البابا غبريال الثالث (1261 – 1271)، ومن اهم مُؤلفاته “تاريخ الكنيسة” و”تاريخ البطاركة”.





[29]




تاريخ البطاركة مع مخطوطات أخرى، ثلاثة أجزاء فى مُجلد واحد، الأنبا يوساب اسقف فوه، إعداد وتعليق ميخائيل مكسى، طبعة مكتبة المحبة 2003، الكتاب الاول من المخطوط الأول، ص 8 – 11




[30]


Homilies On Mathew 1 : 3





[31]




تفسير إنجيل مرقس، ص 9





[32]




ضد الهرطقات 3 : 1 : 1





[33]




تفسير إنجيل مرقس، ص 9





[34]




كان من عادة النُساخ فى القرن الثانى والثالث ان يقوموا بعمل مقدمة ضد مركيون، ذاك المهرطق الذى ابتدع فى القرن الثانى وحذف عدة اسفار من العهد الجديد وشوه انجيل لوقا واسماه “انجيل الرب” حتى رد عليه ايريناؤس وترتيليان وكثير من اباء الكنيسة ولقبه بوليكاربوس بـ “بكر الشيطان”، لذا نجد دائما الدفاعيات ضد مركيون فى مقدمات الاسفار لدحض افكاره، ومنها هذه المقدمة التى ارجعها المُؤرخ هارناك الى ما بين 160 – 150 م، كما ينقل عنه تايلور فى تفسيره لإنجيل مرقس.




[35]


D. De Bruyne
،Les Plus Anciens Prologues Latins Des Evangiles
،Revue Benedict XL
،P. 193-214 (July 1928)
،Cited By Vincent Taylor
،The Gospel According To St. Mark
،P. 3

مأخوذ عن تفسير انجيل مرقس للأب متى المسكين، ص 32





[36]




هذا التقليد أيضا نجده عند القديس هيبوليتوس، انظر:

Their memory of Jesus had quickened to a presence
،
By George A. Buttrick
،
P. 49





[37]




مشاهير الرجال : 6




[38]


The Other Gospels: Non-Canonical Gospel Texts
،Philadelphia (The Westminster Press 1982)
،By Ron Cameron
،P. 69 – 70

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي