ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت

+(متى 26: 36-46) 39ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».

+(مرقس 14: 32-42) 36وَقَالَ: «يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ».

+(لوقا 22: 39-42) يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ

». 43وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. 44وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.

يقول المعترض:
هل كان للمسيح إرادة أو مشيئة مغايرة لمشيئة الآب حتى يقول لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت؟‍


 


الرد:

قد يقول قائل: هل كان للسيد المسيح إرادة أو مشيئة مغايرة لإرادة أو مشيئة الآب؟

ورداً على ذلك نقول: إن كان يبدو من هذه الآية أن هناك مشيئتين، مشيئة للمسيح له المجد ومشيئة للآب، لكن الحق أن للمسيح مشيئة واحدة، وهى عينها مشيئة الآب.

لكن كان لابد أن يظهر فى عمل الفداء كمال ناسوت المسيح


وإنه لم يأخذ جسداً خيالياً كما زعم بعض الهراطقة

لكن كلمة الله اتخذ له جسداً حقيقياً ذا نفس عاقلة ناطقة.

كان من الطبيعى للناسوت الحقيقى الكامل فى المسيح أمام هول آلام الإنفصال الأدبى عن الله، أن يرفض هذه الآلام التى تجعل المسيح يقف مداناً أمام الله وينسكب عليه غضب الآب.

إن صلاة المسيح فى بستان جثسيمانى تعبر عن شدة آلامه الحقيقية

وكنوع من التمنى كان يتمنى أن تعبر عنه كأس الصليب نظير عدم حجب وجه الآب عنه.

لكنه فى نفس الوقت هو يشاء أن يصلب من أجل خلاص البشر ويموت بديلاً عنهم

(يوحنا 12: 27) اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ.

وقال عن موته أنه سوف يصلب باكل إرادته:

(يوحنا 10: 18) لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي».

 

ويتكلم بولس الرسول عن سروره بالصليب فيقول:

(عبرانيين 12: 2) نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ.

فليس هناك فى الواقع مشيئة للمسيح تتعارض مع مشيئة الآب، لكنه تعبير عن الآلام وانها حقيقة لدرجة أن الناسوت لو كان خلواً من اللاهوت لكان يتمنى أن تعبر عنه كأس الصليب. ولكن ومع ذلك فالناسوت أيضاً يحتمل الألم برغبته فى سبيل الرغبة الأسمى وهى خلاص البشر. وهى فى نفس الوقت رغبة اللاهوت والناسوت معاً، وليس بين الأثنين فى الواقع أى تعارض لأن الناسوت ناسوت الكلمة متحداً به بغير افتراق أو انفصال.

 

وحينما نتكلم عن الإرادة ينبغى التمييز بين الرغبة واتخاذ القرار.

فالإرادة الطبيعية تعنى الرغبة

والإرادة الشخصية تعنى القرار

وهكذا يمكننا أن نفسر قول السيد المسيح فى ترجمة الأصل اليونانى:

(متى 26: 39) “ليس كما أرغب أنا بل كما تريد أنت وأنا”

أى ليس كما أرغب أنا بحسب رغباتى الطبيعية الإنسانية

بل كما تريد أنت وأنا بحسب الرغبة الشخصية الإلهية وبحسب التدبير الثالوثى للخلاص

وهذا هو قرارنا فى إتمام الفداء أنا وأنت والروح القدس

وهو أيضاً قرارى الشخصى أن يتم الفداء على الصليب.

وهذا هو الفرق بين الرغبة الطبيعية والإرادة الشخصية

فالمسيح بإرادته الشخصية قرر أن يصنع الفداء

أما فيما يخص الرغبة الطبيعية الإنسانية فإنه بلا شك لم يكن يرغب فى الإهانة وخيانة يهوذا وغيرها

فكلمة ليس هنا لا تعنى أن للسيد المسيح إرادتين

لأن المقصود هنا ليس الإرادة الشخصية، لكن المقصود هو نداء الطبيعة فقط (
Natural Will
)

فقد جاء عن المسيح أثناء التجربة على الجبل:

(متى 4: 2) فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاعَ أَخِيراً.

فهل عندما جاع المسيح أخيراً جعل من الحجارة خبزاً ليأكل؟

بالطبع لم يحدث

إذاً نداء الطبيعة هو رغبة المسيح فى الآكل.. لكن المسيح بإرادتة إستمر فى الصوم

وبالمثل هنا

نداء الطبيعة هو رغبة المسيح فى عدم الصلب.. لكن المسيح بإرادتة قبل موت الصليب

 

* لذلك حينما نقول فى القداس الغريغورى: (باركت طبيعتى فيك، أكملت ناموسك عنى) يكون المقصود هو أنه طوع بشريتنا – أى طبيعتنا البشرية الخاصة به فى شخصه المبارك – لمشيئة الآب السماوى. فإذا كان آدم قد عصى الله حتى الموت فإن المسيح قد أطاع الآب حتى الموت حسب ناسوته، ومحا العار. وهذا هو مخلص قضية الفداء: كان لابد أن يأتى آدم الثانى ليقدم طاعة كاملة للآب السماوى. إن الابن أعطى شخصه الحر لطبيعتنا البشرية التى اتخذها من العذراء فصار هناك كائن أسمه آدم الثانى يملك حرية الإرادة ويملك

 طبيعتنا ولكنه فى نفس الوقت بلا خطية، فحينما قدم طاعة طبيعتنا من خلال شخصه دخلت طبيعتنا فى حيز الرضا الكامل لله.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي