عبدى ولا فتاى

(متى 12: 18) هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ.

(أشعياء 42: 1) هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ.

(أشعياء 52: 13)
هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدّاً.

 

المسيح له ذات أسماء الله في العهد القديم والجديد, وبناء على هذا قلتم إنه هو الله بذاته, وفاتكم أنه قد جاء عنه أنه عبد يهوه في (إشعياء 52: 13) , وشواهد أخرى كثيرة. فكيف وهو عبد يكون هو الله? هل كلمة الله متناقضة?! ثم إنه كثيرا ما يطلق عليه أيضا «
ابن الإنسان» و«
المعلم». وهو قال عن نفسه أيضا إنه «
جاء ليخدم» فكيف يكون هو الله?

 

الرد:

أولا – المسيح عبد يهوه:

منذ أن رسم الروح القدس الخطوط الأولى في الكتاب المقدس, أعلن بصورة واضحة متعددة الجوانب أوجه عمل المسيح وخدمته المباركة, فلقد جاء عنه: في (زكريا 9: 9) «
هوذا ملك» وفي (إشعياء 13: 52) «
هوذا عبدي» وفي (زكريا 12: 6) «
هوذا الرجل» وفي (إشعياء 9: 4) «
هوذا إلهك» ولقد جاء عنه بطريقة أخرى:

في (إرميا 15: 33) «
ينبت لبيت داود غصن بر فيملك ملك».

وفي (زكريا 8: 3) «
هوذا عبدي الغصن».

وفي (زكريا 12: 6) «
هوذا الرجل الغصن».

وفي (إشعياء 1: 4) «
يكون غصن الرب بهاء ومجدا».

وفي العهد الجديد كتب الوحي عنه 4 بشائر وليس بشارة واحدة, ومن الواضح أن البشائر الأربع ليست تكرارا للكلمة, كما إنها ليست تكرارا لتاريخ ربنا يسوع المسيح على الأرض, كما إنها ليست تاريخا كتبه البشيرون الأربعة

كل كما رأي أو حسب ما يظن أو على قياس إدراكه العقلي. بل وإن كانت أربع بشائر لكنها إنجيل واحد الوحدة داخلية لأن الحق واحد فيها. ولكون الحق أعلى من عقولنا لذلك أعطى لنا أربع بشائر لنتعرف جيدا على هذا الشخص العظيم, الذي وإن كان يفوق العقل جدا لكنه ليس ضد العقل. وكل بشارة لها غرض وأسلوب خاص بها, وصفات الرب في كل منها متناسقة ومنسجمة ومرتبطة معا ففي:

1 – بشارة متى نرى المسيح الملك.

2 – بشارة مرقس نرى المسيح خادم الله لإيفاء حاجة الإنسان, وقائما بخدمة العبد بما في يده من قوة إلهية ممثلا العبد الخادم أو النبي الطائع.

3 – وفي بشارة لوقا نراه كابن الإنسان أو الوسيط أو الكاهن الذي جاء ليعالج ما أفسده الإنسان الأول بسقوطه ويرد له اعتباره.

4 – وفي بشارة يوحنا نراه في مركز الابن الوحيد والأزلي ونور العالم وخبز الحياة والمن النازل من السماء وطعام النفوس وشبع القلوب.

لذلك:

في البشارة التي تتكلم عنه كالعبد (بشارة مرقس) تبرز لنا هذا المركز في مواضع كثيرة منها:

1 – لم يذكر لنا شيئا عن سلسلة نسبه أسوة بالكثيرين من أنبياء وخدام العهد القديم الذين شاء الرب أن يخفى أنسابهم وإن ظهرت خدماتهم.

2 – الكلمة التي شاع استعمالها في هذه البشارة (مرقس) هي «
للوقت» التي ذكرت فيه 42 مرة لإظهار المسيح في صورة الخادم دائم المشغولية بعمل الله. لذلك يذكر عنه هذا القول «
لم يتيسر لهم فرصة للأكل» (مرقس31: 6).

3 – في هذه البشارة بالذات عندما تكلم المسيح عن ساعة مجيئه التي لا يعلم بموعدها أحد انفرد مرقس بذكر أن الابن لا يعلم بها «
أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب» (32: 13).

وهذا يتفق مع صورة المسيح المعلنة في هذا الإنجيل «
الخادم» و«
العبد المطيع» وفي (يوحنا15: 15) «
العبد لا يعلم ما يعمل سيده».

4 – والأسلوب الواضح في هذه البشارة يعلن أن الروح أخرجه إلى البرية (مرقس12: 1) كعبد وخادم أمين ولم يقل (أ صعد) كما في متى للإعلان عن شخصه كالملك أو «
يقتاد» كما في لوقا لإظهار إنسانيته (متى 1: 4, لوقا1: 4).

5 – أيضا الأسلوب الواضح في هذه البشارة هو الأسلوب العملي ولذا يغلب عليه طابع المعجزات لذلك ت ذكر فيه 18 معجزة.

6 – ولكماله كخادم أمين يعلنه أنه كان مع الوحوش (مرقس13: 1) ولم تؤذه, كذلك كوفئ بإرسال ملائكة صارت تخدمه لندرك أن الله يكافئ ويشجع خدامه الأمناء.

7 – هذه البشارة تنفرد بالإعلان عن خلوة المسيح حوالي 11 مرة (
الخلوة الانفرادية) كما أن خدمته كانت تسبقها الصلاة في موضع خلاء في الصباح الباكر جدا إعلانا عن سر قوة الكرازة (مرقس35: 1 – 38).

8 – لم يحر م مكان ما من خدمته, خدم عند البحر حيث دعا تلاميذه, وخدم في البيوت حيث المفلوج وحماة سمعان, وفي الهيكل لشفاء ذي اليد اليابسة, وفي الطريق حيث جال يصنع خيرا ويشفى المتسلط عليهم إبليس, ولم تحرم القرى منه, فبينما كان في المدينة وكلها اجتمعت على الباب وشفى مرضاهم, لكنه قال «
لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضا لأني لهذا خرجت» (مرقس33: 1 – 38).

9 – في هذه البشارة وحدها تذكر حرفته المتواضعة كنجار (مرقس3: 6) للإعلان عن مدى تواضعه.

10 – لم يطلب ما لنفسه كما لم يستخدم أبواق الدعاية (مرقس43: 5, 56: 6) تعلم متى يختفي وكيف يتكلم ومتى يصمت, عمل كل شيء حسنا (مرقس37: 7).

11 – ذاع صيته وأحاط به الجماهير فماذا كان جوابه? «
لنذهب», «
لنمض», «
لنجتز», «
قام ومضى».

12 – كان يخدم وسط الجموع ولم يهمل الزيارات الفردية للخدمة.

13 – لم يسلم باعتباره الخادم الأمين من الاضطهاد أثناء خدمته.

14 – يندر استعمال اسمه «
الرب» لأنه في هذه البشارة نراه كالعبد حتى بعد صعوده إلى المجد نراه لا يزال يعمل ليس بالتلاميذ بل مع تلاميذه (مرقس20: 16).

15 – وبينما نراه في أول البشارة كعبد مرسل للخدمة, لكن في نهايتها نراه يجلس عن يمين العظمة في الأعالي مكافأة له (مرقس14: 1, مرقس12: 16).

وهكذا نرى أن الوحي يستخدم في كل بشارة ما يناسب من عبارات تختص بالعمل الوظيفي الذي لأجله قد جاء المسيح إلى أرضنا سواء كملك في بشارة متى? أو كعبد خادم في مرقس? وكابن الإنسان الوسيط والكاهن في لوقا, أو بصفته ابن الله في يوحنا.

ففي حادثة العماد وردت عبارة مخاطبة الآب للابن في بشارة متى بخلاف بشارة مرقس ولوقا ففي متى يقول «
هذا هو ابني» (متى 17: 3) , بينما في مرقس ولوقا «
أنت ابني», أما في يوحنا فلم ترد نهائيا.

ففي متى نرى الإعلان عن الملك المفرز من وسط شعبه والمقام من الله رئيسا لهم. ولكي يكون متميزا عن الكل, وإجابة لتساؤلات الناس فلا يعودون يسألون كما سألوا يوحنا المعمدان قائلين «
من أنت?» هل أنت المسيح? النبي أنت? (يوحنا22: 1, 23).

فإصبع الله تشير إليه وحده والصوت ينادي قائلا:

«
هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت».

وبهذا يكون قد وضح لهم أن هذا هو المسيح الممسوح من الله ملكا على صهيون.

أما في بشارة مرقس الذي يتحدث عنه كعبد يهوه الذي أخلى نفسه باختياره, يقول «
أنت ابني». والعبارة ليس بها أية إشارة لتوجيه نظر الناس إليه, بل من لغة المخاطبة من الآب للابن, فإن كان العالم لا يدرك حقيقة بنوة الابن الأزلية لكن الله وحده هو الذي يعلنها, كما أعلنها لبطرس (متى 17: 16).

لذلك حرص الروح القدس أن يدو ن القول أنت ابني في بشارة مرقس, الذي يصور لنا المسيح كالعبد, ليعلن مجد الابن المتضع. فهو وإن كان قد أخذ مركز العبد لكنه هو القدوس ففي رسالة فيلبى بينما كان الرسول بولس يحث المؤمنين على التواضع وعدم الكبرياء والأنانية (فيليبي 3: 2,4) , قدم إليهم المسيح نفسه مثلا أعلى للتواضع فقال لهم: «
فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا. الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت. موت الصليب» (فيليبي 5: 2 – 8).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 16

وهنا نلاحظ أن المسيح لما اتخذ لنفسه طبيعة الناس,
أخلى نفسه(
أي أخفى مجد لاهوته). إن في هذا درسا عمليا ومثالا عظيما لنا في التواضع. لكن لا يفوتنا القول السابق لهذا القول: «
الذي إذ كان في صورة الله» ويقول العارفون لليونانية إن عبارة «
إذ كان»
هي في صيغة الاستمرار, وليس الماضي. والمعنى المقصود هو:
الذي كان ولم يزل كائنا ويستمر كائنا في صورة الله أي الله ذاته.

فهو في كل أيام جسده على الأرض هو أقنوم الابن, لأنه لو لم يكن المسيح هو الله دائما حتى بعد ما صار إنسانا , فموته لا يصلح أن يكون كفارة عن البشر, لأن فداء البشر يلزم أن يقوم به الشخص الذي هو إله وإنسان معا.

لذلك يقول «
أخلى نفسه». بأخذه صورة عبد, مبينا بذلك الإخلاء مجيئه لأجل خلاص وفداء البشر الخطاة بموته على الصليب.

ولقد جاء بإرادته «
أخلى نفسه» وفي طاعة كاملة لله ولتمجيده «
آخذا صورة عبد», للقيام بكل ما هو مطلوب للآب وللبشر.

ومثله في ذلك مثل العبد العبراني الذي قال «
أحب سيدي وامرأتي وأولادي لا أخرج حرا. يقدمه سيده إلى الله. ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب فيخدمه إلى الأبد» (خر 5: 21, 6).

وقد جاء عنه في (مزمور 6: 40 – 10) «
بذبيحة وتقدمة لم تسر. أذني فتحت. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب حينئذ قلت هأنذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت وشريعتك في وسط أحشائي. بشرت ببر في جماعة عظيمة هوذا شفتاي لم أمنعهما. أنت يا رب علمت. لم أكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بأمانتك وخلاصك. لم أخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة».

وفي (عبرانيين 5: 10 – 10) ذات الأقوال يستخدمها بولس ويبدؤها بالقول: «
لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقربانا لم ترد لكن هيأت لي جسدا» عند دخوله إلى العالم في حالة الإتضاع كالعبد المطيع.

وجاء عنه بالنبوة في (إشعياء 4: 50 – 6) «
أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أغيث المعيى بكلمة. يوقظ كل صباح. يوقظ لي أذنا لأسمع كالمتعلمين. السيد الرب فتح لي أذنا وأنا لم أعاند. إلى الوراء لم أرتد. بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق».

نعم! لقد جاء إلى أرضنا من «
عذراء» «
ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ها العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل» (إشعياء 14: 7). «
عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (متى 23: 1). ليعلن لنا أن المولود ليس فيه خطية (1يوحنا5: 3). لأنه لم يأت من زرع بشر. وإن كان بناسوته ولد ولكن بلاهوته الإله القدير (إشعياء 6: 9).

وأيضا إن كان مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل لكنه ولد في بيت لحم اليهودية (ميخا 2: 5) وقد أشار الله الآب في النبوة عن المسيح في إتضاعه كعبد يهوه في (إشعياء 6: 49 – 7) «
فقال قليل أن تكون لي عبدا لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظي إسرائيل. فقد جعلتك نورا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض. هكذا قال الرب فادي إسرائيل قدوسه للمهان النفس لمكروه الأمة لعبد المتسلطين. ينظر ملوك فيقومون. رؤساء فيسجدون لأجل الرب الذي هو أمين وقدوس إسرائيل الذي قد اختارك».

كما يتكلم هو عن نفسه بالنبوة قائلا «
اسمعي لي أيتها الجزائر وأصغوا أيها الأمم من بعيد. الرب من بطن أمي دعاني من أحشاء أمي ذكر اسمي» (إشعياء 1: 49) وأيضا في (إشعياء 13: 52 – 15) «
هوذا عبدي يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جدا. كما اندهش منك كثيرون. كان منظره كذا مفسدا أكثر من الرجل وصورته أكثر من بني آدم. هكذا ينضح أمما كثيرين. من أجله يسد ملوك أفواههم لأنهم قد أبصروا ما لم يخبروا به وما لم يسمعوه فهموه».

وإذا عدنا إلى حادثة العماد مرة أخرى في (مرقس11: 1) نجد القول «
أنت ابني الحبيب الذي به سررت». لاحظ القول «
به سررت» وليس «
بك سررت» كما في (لوقا22: 3) وكأن الروح القدس يريد أن يقول لنا وإن كان المسيح في إتضاعه لأجل الفداء اتخذ لنفسه مركز العبد إلا أن هذا لا ينفي عن المسيح ما له من مركز طبيعي وأعني به الابن الأزلي, وذلك ليربط ما بين أزليته وتجسده وهذا واضح في بدء إنجيل (مرقس1: 1) إذ يقول «
بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله», ذلك حتى لا يقلل من شخصه المعبود وهو في مركز الإتضاع أو حتى لا ننسى أن الذي أخذ صورة العبد هو بذاته الابن في الأزل, والابن الممسوح أزليا لعمل الخليقة (أم 23: 8) وفي ملء الزمان ارتضى الابن أن يأتي ليكون عاملا خادما لذلك لا غرابة أن يقول «
به» وليس «
بك» سررت.

أما في إنجيل متى الذي يتناول المسيح كالملك جاءت العبارة كالآتي: «
هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (متى 17: 3).

ولقد تكلمنا في البداية عن «
هذا هو ابني الذي به سررت»أي إن الله سر بمسحه ملكا منذ تأسيس العالم كما يقول السيد للخراف في (متى 24: 25) «
تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم» وكما قال في (مزمور 7: 2) «
أما أنا(الله)
فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي».

أما في إنجيل لوقا فقد جاءت العبارة كالآتي: «
أنت ابني الحبيب بك سررت» فلم يقل هنا «
هذا هو» بل قال «
أنت ابني» لأن البشر يرون في المسيح إنسانا فقط كما قال اليهود عنه وله «
وأنت إنسان تجعل نفسك إلها» (يوحنا33: 10).

كما كانوا يرون فيه الخادم كما قال عن نفسه «
لأن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدِم وليبذل نفسه فديه عن كثيرين» (مرقس45: 10).

أو كما قال الوحي عنه «
جال يصنع خيرا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس» (أعمال 38: 10).

ولكن الآب وحده يعرف من هو المسيح. إنه الابن الأزلي (أم 4: 30).

لذلك يقول له «
أنت ابني الواحد معي ومع الروح القدس كالله الواحد منذ الأزل» (مزمور 2: 90, ميخا 2: 5).

وكما قال هو بنفسه في (متى 27: 11) «
وليس أحد يعرف الابن إلا الآب» و«
أنا والآب واحد» (يوحنا30: 10).

فإن كان هو ابن الإنسان في لوقا وفي (فيليبي 8: 2) «
إذ وجد في الهيئة كإنسان» ولكنه هو الله بشهادة أقنوم الآب «
أنت ابني».

لاحظ أسلوب المخاطبة «
أنت» لذلك جاء القول «
بك» وليس «
به» سررت كما في متى ومرقس وذلك للأسباب الآتية:

أولا:
لم يكن المسيح قبل أن يأتي إلى العالم بالتجسد ودخوله إليه (عبرانيين 5: 10) يمكن أن يطلق عليه لقب «
ابن الإنسان», وإن كان قد جاء هذا الاسم في نبوة (دانيال 13: 7) لكنه صار كذلك بعد اشتراكه معنا في اللحم والدم (عبرانيين 14: 2).

فتجسد الابن جاء في ملء الزمان, وإن كان ذلك التجسد معروفا سابقا قبل تأسيس العالم. ولكن أعلن في الأزمنة الأخيرة من أجلنا (1بطرس 20: 1). ولأن إنجيل لوقا الغرض الوحيد منه هو إعلان المسيح «
كابن الإنسان» لذلك نرى فيه مخاطبة الآب للابن «
بك سررت»أي في الزمان الحاضر وليس في الأزل كما سبق الكلام في إنجيل متى ومرقس.

ثانيا:
إنجيل لوقا يكلمنا عن المسيح «
ابن الإنسان» كذبيحة السلامة (ذبيحة الشكر) بين الله والإنسان. لذلك يشهد الآب للابن بالقول «
بك سررت».

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ن نموئيل نموئيليون ن

ثالثا: إن إنجيل لوقا يكلمنا عن المسيح الوسيط بين الله والناس «
يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح» (1تيموثاوس5: 2) هذا هو الإنسان الفريد المزكى من الله.

ونلاحظ في هذه الآية اللاهوت والناسوت, فوسيطنا هو الإنسان يسوع المسيح. الابن الأزلي الذي جاء في شبه الناس (فيليبي 7: 2).

لأجل الإنسان ارتضى أن يقدم نفسه كفارة على الصليب مصالحا إيانا
في جسم بشريته بالموت مبطلا في جسده ناموس الوصايا في الفرائض لكي يخلق الاثنين(الأمم واليهود)
في نفسه إنسانا واحدا جديدا صانعا سلاما» (أفسس15: 2, 16).

ومن الواضح أن مركزه كالوسيط والمصالح لم يتخذه قبل التجسد. وما جاء في (إرميا 33: 9) يوضح لنا ذلك. لذلك لا غرابة أن يقول الآب عن الابن في إنجيل لوقا الذي يصوره لنا بصفته ابن الإنسان القول «
بك سررت».

أما في إنجيل يوحنا فلم ترد هذه العبارة نهائيا , لأنه في هذه البشارة هو الله بذاته, مما سبق نستطيع أن نقول إن يسوع المسيح قبل أن يكون إنسانا هو الله. لكن لأجل البشر المساكين ولأجل مجد الله الذي أهانه البشر, قد تنازل واتضع في صورة البشر بل آخذا صورة عبد في طاعته لله واتكاله عليه وإتمام كل مقاصده ومشيئته. لذلك لاق به أن يقول للآب «
العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» وأيضا «
أنا مجدتك على الأرض» (يوحنا4: 17).

ثانيا – المسيح ابن الإنسان:

إن كان لقب «
ابن الله» يعبر عن معرفة الله لكل الأمور وإعلان من هو المسيح فإن لقب «
ابن الإنسان» يعبر عن مشاعر الله نحو البشر. وهذا اللقب لم يستخدمه أحد قط في الأناجيل غير الرب وحده. وقد ورد حوالي 80 مرة في البشائر كالآتي:

30 مرة في إنجيل متى.

12 مرة في إنجيل مرقس.

26 مرة في إنجيل لوقا.

12 مرة في إنجيل يوحنا.

وذكر أيضا هذا اللقب في (أعمال 56: 7) في أقوال استفانوس: «
ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائما عن يمين الله».

وذكر أيضا في الرسالة إلى العبرانيين «
ما هو الإنسان حتى تذكره أو ابن الإنسان حتى تفتقده» (عبرانيين 6: 2).

وورد ذكره أيضا في سفر الرؤيا مرتين في (رؤيا 13: 1, 14: 14).

ولو أمعنا التأمل في هذا اللقب من جهة وروده, نرى أن المرة الأولى في (متى 20: 8) تعلن عن إتضاع لا مثيل له إذ يقول «
للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار. وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه».

وفي المرة الأخيرة في (رؤيا 14: 14) نرى مجده العظيم إذ يقول: «
ثم نظرت وإذا سحابة بيضاء وعلى السحابة جالس شبه ابن الإنسان له على رأسه إكليل من ذهب».

وليس ذلك فقط لكننا نجد أن الاسمين «
ابن الله» و«
ابن الإنسان» مرتبطان معا.

1 – فعندما سأل رئيس الكهنة الرب يسوع قال له: «
أستحلفك بالله الحي أن تقول هل أنت المسيح ابن الله?».

قال له يسوع «
أنت قلت, وأيضا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء» (متى 63: 26, 64).

قارن هذا مع ما جاء في (مرقس62: 14) «أنا هو».

وقد رفضوا دعواه وحكموا عليه بالموت مصلوبا قائلين: «
قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده. لأنه قال أنا ابن الله» (متى 43: 27).

وفي إجابة المسيح على سؤال رئيس الكهنة أكد ثلاث حقائق:

أ – أنه ابن المبارك ابن الله.

ب – أنه سيجلس على يمين القوة.

ج -أنه ابن الإنسان الذي سيأتي في سحاب السماء.

2 – في سفر الرؤيا نقرأ أن يوحنا رأى أنه لا يوجد أحد مستحقا أن يفتح السفر, فبكى ولكن جاءه صوت من السماء قائلا له «
لا تبك. هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة. فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله» (رؤيا 5: 5, 6) وهنا نرى:

أصل داود
: أي الخالق له إشارة للاهوت.

من سبط يهوذا
, ابن داود إشارة للناسوت.

كما أنه يجب أن نلاحظ أن المرة التي قالها دانيال في نبوته, تدل على عظمته وسلطانه وتبرز أيضا لاهوته. إذ قال «
فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض». ولقد سبق هذه الآية القول: «
كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى قديم الأيام فقربوه قدامه» (دانيال 13: 7, 14).

والعبارة التي قالها استفانوس تدل أيضا على عظمته ومجده. وعبر الوحي عن ذلك بالقول رأي «
مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله» (أعمال 55: 7).

ولقد قصد الرب يسوع من تسمية نفسه «
ابن الإنسان» أن يعلن لنا أنه الله الذي تجسد, «
وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد» (1تيموثاوس16: 3) وتألم في وسط مظاهر الفقر والألم ليفتدى العالم أجمع. «
فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح. أنه من أجلكم افتقر وهو الغني لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كورنثوس9: 8). وقصد في الوقت نفسه إعلان سلطانه ولاهوته في مجيئه الثاني, حينما يأتي من السماء بالمجد والعظمة, محاطا بالجلال في وسط مظاهر القوة والمجد, محفوفا بالملائكة. ويدل على هذا قوله المبارك في (متى 29: 24 – 31 و37 – 41 ومتى 31: 25 – 33 , متى 63: 26).

وواضح أيضا أنه ليست ولادته من العذراء هي التي جعلته يسمى «
ابن الإنسان» فولادته من العذراء هي إتمام الوعد الذي سبق وقاله الله عن: «
نسل المرأة», إلا أنه صر ح بكل جلاء ووضوح أن ابن الإنسان هو الذي نزل من السماء. ففي (يوحنا13: 3) قال لنيقوديموس: «
وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء».

وأيضا قوله لتلاميذه في (يوحنا62: 6) «
فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا». وقوله أيضا في بيت زكا في (لوقا10: 19) «
إن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك».

ويجب أن نلاحظ أيضا أنه وهو ابن الإنسان هو رب السبت أيضا , وكابن الإنسان له سلطان أن يغفر الخطايا. وكابن الإنسان أعطى أن يدين «
وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان» (لوقا5: 6, مرقس10: 2, يوحنا27: 5).

نعم, إن الاسم ابن الإنسان هو الاسم الخاص للمسيح. وهذا الاسم لا يعني إطلاقا كونه ابنا لوالد بشرى. لكنه يدل على أنه ولد من امرأة فالذي ولد في بيت لحم هو إنسان كامل من كل الوجوه.

يسوع هل كان إنسانا ?

لقد جاء أناس بعد فترة قصيرة من حياة يسوع المسيح على الأرض, وهؤلاء لم يعرفوه حق المعرفة. قالوا إنه لا يمكن أن يكون يسوع إنسانا حقيقيا , ولكن له مجرد مظهر الإنسان (هؤلاء يطلق عليهم الدوسينتيون)أي الذين ينكرون ناسوت المسيح, لقد قالوا هذا لأنهم كانوا يعتقدون أن كل ما هو مادي شرير, والله لا يمكن أن يفسد نفسه بالسكن في جسد مادي, فإذا كان يسوع ذا طبيعة إلهية فهو لا يستطيع أن يكون بشرا.

ونحن نقول لك يا عزيزي القارئ إنه لا يمكن فهم هذه الحقيقة إلا بالرجوع لسجلات الحدث نفسه (التجسد) وبالتالي لا نقبل أفكارا لا أساس لها في حياة المسيح, ونذكر الحقائق كما سجلت في الوحي الإلهي ولو كانت مستحيلة في شرحها.

1 – يسوع له ميلاد وطفولة كأي إنسان طبيعي. لقد حبل به بطريقة معجزية (متى 20: 1) لكن ميلاده من أم بشرية كان ميلادا طبيعيا (غلاطية 4: 4) , وفي عمر مبكر أظهر إدراكا غير عادى لأمور الله (لوقا46: 2 – 49), ولكن كان هذا في محيط النمو البشرى الطبيعي في عائلة بشرية عادية (لوقا42: 2, 51, 52).

هل تبحث عن  ئلة مسيحية وحدانية الأقانيم م

2 – عائلته وجيرانه اعتبروه كشخص عادى مثلهم (مرقس1: 6 – 3) وعندما بدأ خدمته للتبشير والشفاء كان رد الفعل عند أسرته بدلا من أن يعبدوه كإله حاولوا أن يأخذوه البيت لأنهم ظنوه مجنونا (مرقس21: 3, 31).

3 – كان له جسم مادي عادي.

– يلمس (لوقا39: 24, 40).

– يجوع ويعطش (لوقا2: 4, متى 18: 21, يوحنا28: 19, لوقا41: 24 – 43).

– يتعب وينام (مرقس38: 4, يوحنا6: 4).

4 – اختبر العواطف البشرية مثل:

– التعب (مرقس5: 3, 13: 10, 14).

– الحب والحنان (مرقس21: 10, متى 36: 9, يوحنا3: 11, 5).

– الحزن (يوحنا33: 11 – 38).

– الفرح (لوقا21: 10, يوحنا11: 15).

– الشعور بالوحدة (متى 37: 26, 38).

– الاندهاش والتعجب (مرقس6: 6, لوقا9: 17).

5 – في بعض المواقف كان مثل الناس الآخرين:

– تعر ض للتجربة واختبر الصراع مع الشيطان (مرقس13: 1, لوقا40: 22 – 42 , يوحنا27: 12, عبرانيين 17: 2, 18 , 15: 4).

– دخل إلى المجمع حسب عادته مع رفقائه اليهود (لوقا16: 4).

– صلى إلى الله بمفرده (لوقا21: 3, 12: 6, مرقس35: 1, عبرانيين 7: 5).

ويجب أن نلاحظ أنه بالرغم من أنه تعر ض للتجربة إلا أنه لم يسقط فيها أبدا (متى 1: 4 – 10 , يوحنا46: 8,2كورنثوس21: 5, عبرانيين 15: 4,1بطرس 22: 2, 23).

6 – مثل البشر مات جسديا ودفن (متى 50: 27, لوقا46: 23, عبرانيين 14: 2).

وقد أثبت لتلاميذه بعد قيامته أنه قد مات فعلا وذلك بأن كشف لهم عن جروحه (لوقا39: 24, يوحنا25: 20 – 29 ,1كورنثوس2: 15 – 4).

إن هؤلاء القوم ينكرون حقيقة إنسانيته لكن خلاصة القول عن يسوع الذي هو الله قبل أن يكون إنسانا , كان على الأرض إنسانا 100% جسديا وعقليا وروحيا , وهو الله في ذات الوقت.

لذلك فإن أي تفسير لشخصية يسوع لا يقول بأنه إنسان كامل فهو تفسير غير مؤسس على عمل الله التاريخي في المسيح, ومن ثم يجب رفضه.

وإذا كانت إنسانية يسوع تختلف عن إنسانية الآخرين فإن ذلك ليس بسبب أنه إنسان جزئيا ولكن بسبب فشلنا نحن في أن نكون كما أراد الخالق أن نكون, وأنه إنسان كامل وبشريتنا هي الناقصة.

وهذا قد دفع البعض أن يتسرع بالقول: إذا كان يسوع إنسانا كاملا فهو بالتالي لا يمكن أن يكون ذا طبيعة إلهية كذلك, أو بمعني آخر إن كان يسوع بشرا , فلا يمكن أن يكون هو الله. وهذا ما قاله خصوم المسيحية.

لكننا نقول إن حقائق حياة يسوع كما هي مسجلة في العهد الجديد تقتضي أن نؤمن بكل من ناسوته الكامل ولاهوته الكامل.

والذين تبعوه من التلاميذ إذ رأوا حياته أدركوا أنه ليس مجرد إنسان, إن تجربتهم معه قادتهم إلى استنتاج أنه ذو طبيعة إلهية ولذلك آمنوا أنه هو الله المتجسد بناسوت ولاهوت كاملين.

فعلى الرغم من أن رسل المسيح آمنوا أنه الله فقد آمنوا أيضا بأنه إنسان حقيقي (1يوحنا2: 4, 3). لم يكن مجرد تظاهر منه بأنه إنسان بل هو حقا إنسان. ولفهم هذا الأمر يجب أن نتذكر شيئين:

1 – الله ليس محدودا بالأشياء التي تفهمها عقولنا, فهو يمكنه أن يصنع المعجزات, والتجسد هو المعجزة العظمى بين كل المعجزات (1تيموثاوس16: 3).

2 – إذا أراد الخالق أن يصير جزءا من خليقته فإن أكثر جزء من أجزاء الخليقة يمكن أن يكون مناسبا له هو الإنسان الذي خلقه على صورته كشبهه, تاج خليقة الله. ليس سمكة ولا جملا ولا كتابا ولكنه الإنسان (مرقس5: 8 – 8) لذلك صار الله إنسانا.

يسوع هل كان معلما ?

رأينا فيما سبق أن كل الذين عرفوه اعتبروه إنسانا حقيقيا مثلهم تماما لكنهم سرعان ما بدأوا يعرفون أن ذلك الإنسان كان مختلفا فلم يكن مثل الناس الآخرين.

الناس الذين عرفوه جيدا هم تلاميذه لأنهم كانوا يجولون معه ويستمعون إليه أكثر من أي شخص آخر, وبعد قيامته فوض الأحد عشر ليكونوا له شهودا في العالم (أعمال 8: 1).

فإذا كنا نريد أدق معلومات عن عمل الله في المسيح, يجب أن نستمع لما قاله أولئك الرسل.

ومن المهم أن ندرك أن يسوع لم يخبرهم أنه الله أو ابن الله أو المسيا عندما دعاهم
, وفي الحقيقة إن يسوع لم يخبر أحدا من الناس بطريقة مباشرة عن هويته (من هو?)
لقد تركهم يستنتجون من هو بملاحظة ما يفعله والاستماع إلى ما يقوله.

ماذا كان رأي التلاميذ عن يسوع?

1 – في البداية اعتبروه كمعلم لهم. عندما دعا يسوع تلاميذه ليتبعوه كان يفعل ما فعله الكثيرون من المعلمين اليهود الآخرين في ذلك الوقت.

لم يكن هو المعلم اليهودي الوحيد الذي كان يجول مع مجموعة من التلاميذ (مثلا يوحنا المعمدان) كان له أيضا تلاميذ (متى 2: 11, لوقا1: 11).

لذلك فإن تلاميذ يسوع اعتادوا على مخاطبته بنفس الطريقة التي يستعملها التلاميذ الآخرون لمخاطبة قادتهم, مستعملين اللقب العبري رابي «
سيدي» (مرقس5: 9, 45: 14, يوحنا38: 1). والذين كتبوا العهد الجديد عادة ما ترجموا هذا اللقب بكلمة «
معلم» (يوحنا38: 1, متى 9: 8 – 11).

لذلك عندما تبع التلاميذ يسوع اعتبروه كمعلم.

2 – ولكن سرعان ما ابتدأوا يدركون أن هذا المعلم كان مختلفا , لأنه كان يعلم ويعمل بسلطان أعظم بكثير من سلطان المعلمين اليهود الآخرين:

أ – في تعليمه (مرقس21: 1, 22): المعلمون اليهود الآخرون علموا ما اقتبسوه من تعاليم الشيوخ فيقولون المعلم فلان قال.أي ليس لهم سلطان في ذواتهم, ولكنهم اقتبسوا التعاليم الجديرة بالاعتماد والقبول من آخرين. ولكن طريقة يسوع كانت مختلفة في التعليم فبدلا من اقتباس آراء الآخرين قد م لهم تعليمه الخاص (متى 21: 5, 22).

تكلم كمن له سلطان (متى 28: 7 – 29) جاعلا نفسه أعظم من موسى وكل أنبياء اليهود ومعلميهم, فالأنبياء عندما كانوا يتكلمون كانوا يقولون هكذا يقول الرب. ولكن يسوع قال: «
أنا أقول لكم».

إنه لا يستمد السلطان من شخص آخر غير نفسه لأنه هو الله نفسه.

ب – في معجزاته (مرقس25: 1 – 27): لو كان يسوع قد عل م بهذه الطريقة فقط لكان الناس سيقولون عنه إنه مجنون حتى إنه يتكلم بهذا السلطان, وفي الواقع إن بعض الناس قالوا مثل هذا القول, مثل أسرته التي أرادت أن تبقيه في البيت حتى تمنعه من أن يجلب السخرية على نفسه (مرقس21: 3) ولكن يسوع لم يعلم فقط, بل أيد صدق تعليمه بأعماله (متى 2: 11 – 6).

مثلا لديه القدرة على السيطرة على الأرواح النجسة (مرقس1: 5 – 20)

شفاء الأمراض (مرقس25: 5 – 34) وإقامة الموتى (مرقس 35: 5 – 43).

وللسيطرة على الطبيعة (مرقس35: 4 – 41).

ووجد التلاميذ أنفسهم أمام هذا السؤال: إذن من يكون هذا الإنسان? (مرقس41: 4) لقد بدأوا يدركون أن الذي حسبوه معلما بشريا يجب أن يكون أكثر بكثير من ذلك, لأنه لم يتكلم فقط بسلطان الله ولكنه عمل كذلك بسلطان الله.

ج – هو عمل كذلك بسلطان الله عندما غفر الخطايا (مرقس5: 2, لوقا47: 7 – 49) لقد كان معلمو الناموس على حق إذ قالوا إن الله وحده هو الذي يمكنه أن يغفر الخطايا (مرقس6: 2 – 7 , لوقا49: 7), ولكن يسوع أيد غفرانه للخطايا بالمعجزة (مرقس8: 2 – 12) وأي د ذلك في إظهار أن له سلطانا فريدا عندما قال إن المصير الأبدي للناس يتوقف على موقفهم تجاهه (مرقس35: 8, 38).

أمام هذا كله وجد التلاميذ أنفسهم أمام النتيجة أن هذا المعلم ليس مجرد معلم بشرى لكنه هو الله بذاته الذي تجسد.

ونختم كلامنا عن هذا السؤال بالقول إن هذا الاسم «
ابن الإنسان» يشير إلى الاتحاد الكامل بين طبيعتي اللاهوت والناسوت فيه, وإلى أنه صار ذا طبيعتين في أقنوم واحد. حتى إننا نراه جعل لناسوته نسبة إلهية كقوله «
الذي نزل من السماء» و«
الذي في السماء» ومن الجانب الآخر أيضا «
كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أعمال 28: 20).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي