صائراً أعظم من الملائكة

صائرا أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما افضل منهم ” (عب 1: 4)

 

تفسير الاية:

لايمكن فصل هذه الاية عن ما سبقها وما تلاها من ايات فقد وصف الرسول الابن بالكمالات الالهية:

1- ” ابنه الذى جعله وارثا لكل شىء ” (عب 1: 2) اى ان جميع ما للاب هو للابن اى انه مساو للاب فى القدرة والمجد والكرامة وجميع الكمالات الالهية

2- ” الذى به ايضا عمل العالمين ” (عب 1: 2) اى ان الابن هو الخالق

3- ” الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره ” (عب 1: 3) اى ان الابن هو شعاع (بهاء) الله وصورة جوهره وكما يقول القديس اثناسيوس (ابن الله هو الشعاع للنور كامل من كامل وحيثما وجد النور وجد شعاعه فلابن ازلى مع الاب وهو بكونه صورة الله فهو الله)

 

4- ” انت ابنى انا اليوم ولدتك ” (عب 1: 5) اى ازلى من جوهر الاب وحتى لايظن البعض ان الابن احد رتب الملائكة (او رئيس الملائكة كما يقول شهود يهوه) اوضح ذلك فى قوله ” وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحا وخدامه لهيب نار واما عن الابن كرسيك يا الله الى دهر الدهور ” (عب 1: 7، 8) اى ان الابن وصفه بالابدية واسماه الله فى حين وصف الملائكة بانهم لهيب نار

 

5- اما قوله ” صائرا اعظم من املائكة بمقدار ما ورث اسما افضل منهم فيتضح معناها عند ربطها بما سبقها: ” بعد ما وضع بنفسه تطهيرا لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الاعالى ” (عب 1: 3) فهو هنا يتحدث عن ابن الله حال تجسده بعد ان اتم عمل الفداء وقام بقوة لاهوته من الموت وصعد الى السموات وجلس فى يمين العظمة فى الاعالى وهو ما عاد فاكد بقوله ” ايضا متى ادخل البكر الى العالم ” (عب 1: 6)

كلمة بكر هنا تفيد دخوله الى الخليقة حاملا جسد انسان ليتم فيه الفداء ليرفع الخليقه كلها من حالة العبودية والفساد الى حرية اولاد الله جاعلا للخليقة ميلادا جديدا فيه وبواستطه كادم الاخر صائرا هو الاول (البكر) ويعلق القديس اثناسيوس على الايات التى تتصل ببشرية السيد المسيح له المجد قائلا (كل التمجيدات والرفعة التى نسبت للمسيح بل والتى طلبها لنفسه لم تكن تعوزه شخصيا او كان محروما منها او فاقدا لها بل هى اصلا منسوبة ومطلوبه لطبيعتنا لان الاتحاد الذى اكمله الله الكلمة بالطبيعة البشرية فى التجسد هو اتحاد كامل او اقنومى او شخصى وكان لحسابنا ليوصل لنا عن طريق اتحاده بنا كل ما يعوزنا فظهر كانه يطلبه لنفسه) ” فقوله صائرا اعظم من الملائكة ” (لم تكتب من اجل ابن الله بل من اجلنا وبسببنا نحن قد كتب هذا حتى تدركنا نحن ايضا هذه النعمة – اى نعمة التبنى بان ندعى فيه اولاد الله) – فنحن البشرية جمعاء الذين صرنا فيه (فى المسيح يسوع لاننا محمولين فى جسده) اعظم من الملائكة لاننا وارثون مع المسيح) اى ان ” اعظم من الملائكة ” قيلت عن السيد المسيح (ابن الله حال تجسده) بصفته نائبا عن البشرية التى صارت فيه اعظم من الملائكة (وليس هو المجد فهو خالقها وليس له اعظم منه)

ان كان المسيح هو الله كيف يقول بولس عن السيد المسيح (بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى , صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث إسماً افضل منهم ” (عب 1: 3- 4)

 

رد المتنيح أنبا يؤنس اسقف الغربية

يتكلم بولس الرسول فى العبرانيين عن السيد المسيح انه: ” بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى , صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث إسماً افضل منهم ” (عب 1: 3- 4). هذا النص مرتبط بفقرة طويلة سبقته يتكلم فيها الرسول بولس عن مقام السيد المسيح اللاهوتى ومكانته وصفاته التى لا يمكن أن يتصف بها غير الله وحده… ” الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة , كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى ابنه الذى جعله وارثاً لكل شئ , الذى به أيضاً عمل العالمين. ” الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره , وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته “. ومع ذلك فقط اقتطع الهراطقة من منكرى لاهوت المسيح عبارة ” صائراً أعظم من الملائكة ” وفصلوها عما قبلها وما بعدها , وقصدهم من ذلك الوصول إلى غرضهم واثبات أن المسيح ليس هو الله. لكن ما سبق هذه الفقرة يدحض ادعاءهم… ” الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بانواع وطرق كثيرة , كلمنا فى الأيام الأخيرة فى ابنه “… عندما تكلم المسيح فى الجسد كان الأيام الأخيرة فى ابنه “… عندما تكلم المسيح فى الجسد كان الله هو الذى يكلمنا فيه , لأنه هو ذاته صورة الله غير المنظور، وهو ابن الله لأننا رأينا فيه صفات الله غير المنظور وكمالاته. وليست هناك فى لغة البشر كلمة أكثر دلالة على المطابقة التامة مع الآب من كلمة ابن. فالمسيح ابن الله لأن الصفات التى رأيناها فيه أيام جسده هى بعينها صفات الله غير المنظور… وبين الصفات والكمالات التى يتصف بها الله غير المنظور، يوصف المسيح أيضاً بأنه الخالق الذى تمم الخلق والعالمين… ومن صفات لاهوت الابن أيضاً المطابقة التامة الجوهرية بين اقنوم الابن الكلمة والجوهر الإلهى. وبذلك وصف الرسول اقنوم الابن بالنسبة إلى اللاهوت بأنه “بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته “…. هذه العبارة تدل على تمام المطابقة بين اقنوم الابن وجوهر الثالوث القدوس، لأنه جوهر واحد. وما يتصف به الثالوث يصدق على اقنوم الابن من حيث الصفات والكمالات الإلهية. ومن حيث هو الكلمة المتجسد فقد صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا، لأنه من أجل هذا الغرض قد أتى من السماء. وبعد أن أتم عمل الخلاص وأكمله على الصليب صعد إلى السماء وجلس فى أسمى مكان فى الأعالى وهو ما يعبر عنه الرسول ” فى يمين العظمة فى الأعالى “… وطبيعى أنه فى الجسد الذى صعد به صار فى مقام أعظم من مقام الملائكة لأن له إسماً أعظم من إسمهم. فإسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ونكررهنا ما سبق أن قلناه مراراً أنه يجب التفريق دائماً بين ما ينسب إلى اللاهوت وما ينسب إلى الناسوت من صفات، لأن المسيح يملك فى طبيعته صفات اللاهوت والناسوت معاً , من حيث أنه يجمع بين اللاهوت والناسوت فى طبيعة واحدة بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير رغم أن صفات الناسوت يمكن أن تنسب إلى اللاهوت باعتبار أن الاتحاد بين اللاهوت والناسوت اتحاد تام.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي