ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم

(مزمور 91: 11-16) 11
لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرْقِكَ.
12
عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ.
13
عَلَى الأَسَدِ وَالصِّلِّ تَطَأُ. الشِّبْلَ وَالثُّعْبَانَ تَدُوسُ.
14
لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي.
15
يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ. مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقِ. أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ.
16
مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ وَأُرِيهِ خَلاَصِي.

يقول المعترض: هذا المزمور يتضمن أقوى النبوات التى تثبت نجاة المسيح من الصلب ورفعه وأنه شبه، وهذا برهان على نجاة المسيح برفعه وأنه لم يقتل ولم يصلب وأنما شبه لهم.

 

الرد

 فى سفر المزامير تنبأ داود النبى عن المسيح بقوله:

“لأنه يوصى ملائكته بك. لكى يحفظوك فى كل طرقك. على الأيدى يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك”

 وقد تحققت تلك النبوة وفقا لما جاء فى البشارة بحسب مرقس بقوله:

 ” وكان هناك فى البرية أربعين يوما يجرب من الشيطان وكان مع الوحوش, وصارت الملائكة تخدمه ” (مرقس 1: 13) (متى 4: 11).

 من ذلك نرى أن النبوة فيما يتعلق بخدمة الملائكة للرب قد تحققت بعد أن حقق ابن الله نصرا على الشيطان لحسابنا فى جسد بشريتنا.

 أما قول الرب فى المزمور:

 ” لأنه تعلق بى أنجيه. أرفعه لأنه عرف اسمى. يدعونى فأستجيب له معه أنا فى الضيق. أنقذه وأمجده. من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصى”

 فلا يستدل منها على نجاة المسيح من الصلب برفعه بل على العكس أنها تعنى أن الآب كان مع الابن فى ضيقة الصليب وأنقذه منها بإقامته الظافرة مبطلا بموته الموت وسلطان إبليس (العبرانيين 2: 14).

 وهذا معنى قوله ” من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصى ” أى قيامتى الظافرة.

 أما وطأ الأسد والصل فيشيران إلى الشيطان الذى يسحق الابن رأسه بالصليب مبطلا سم الموت الذى لدغ به عقب الابن ليميته, ولكن الابن سحق رأس الحية وأبطل الموت فداس بذلك الأسد والتنين ولم يعد لسلطان الأسد وسم الحية تأثير على ابن الله وعلى المؤمنين باسمه وبهذا تحقق قول الرب وكما رفع موسى الحية فى البرية هكذا ينبغى أن يرفع ابن الإنسان لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 3: 14).

 

قد يعترض وكيف سمح الله للشيطان أن يجربه؟

 والجواب هو لكى يحقق فى جسد بشريتنا انتصارا لحسابنا كممثل لنا وكرأس جديد للبشرية باعتباره آدم الثانى.

 وإذا حقق الرب انتصارا على إبليس جاءت الملائكة وصارت تخدمه.

 أما إبليس فاستهدف من تجربة الرب أن يشكك الأجيال فى لاهوته بقوله للابن ” إن كنت أنت ابن الله ” رغم علمه اليقينى بأن المسيح هو ابن الله بشهادة أجناده التى كانت تصرخ عند رؤية الرب قائلة “
أنت المسيح ابن الله ” (لوقا 4: 41) ثم ليظهر الشيطان نفسه كإله هذا الدهر طلب من الرب أن يسجد له فجاء جواب الرب مثبتا أنه يطلب ما ليس له بقوله مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ثم انتهره بقوله ” إذهب يا شيطان”

 لقد سمح الله لإبليس أن يجربه ليحقق عليه انتصارا لحسابنا كنائب عنا كما سمح للملائكة أن تأتى إليه وتخدمه مختارة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أرزاوا ا

 لأن الله وديع ومتواضع القلب وهو غير مترفع عن خليقته التى خلقها الأشرار منهم والأبرار وقد حدد يوما للمجازاة ليعطى كل واحد حسب عمله.

 أما خرافة إلقاء شبه المسيح على آخر ليصلب عوضا عنه فلا يوجد فى المزمور أى إشارة يشتم منها ذلك.

 

 خرافة إلقاء شبه المسيح على آخر

 اعترض الفخر الرازى على القائلين بأن الله ألقى شبه المسيح على آخر ليصلب ويموت عوضا عن المسيح بقوله:

 إن جاز أن يقال أن الله يلقى شبه إنسان على إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة ويفضى إلى القدح فى التواتر. وذلك يوجب الطعن فى جميع الشرائع. وبالجملة ففتح هذا الباب يوجب الطعن فى التواتر والطعن فى التواتر يوجب الطعن فى نبوة جميع الأنبياء.

 

قال الفخر الرازى ” مفاتيح الغيب ” أو التفسير الكبير مجلد 6 دار الفكر بيروت ص 100- 106

أعرب الإمام الرازى عن حيرته من مقولة ” شبه لهم ” (النساء 157) فتسأل قائلا ” شبه مسند إلى ماذا؟ إن جعلته مسندا إلى المسيح فهو مشبه به وليس بمشبه ”





[1]




وإن أسندته إلى المشبه فالمشبه لم يجر له ذكر.

 فالعبارة ملتبسة وغير واضحة, وما كان ملتبسا وغير واضح لا يمكن أن تقوم عليه العقائد التى يتوقف عليها خلاص النفس أو هلاكها وليس من المعقول ولا من الحكمة فى شىء أن يترك المسيحيون عقيدتهم المؤيدة بالمعجزات والآيات الباهرات والثابتة بأقطع الأدلة التاريخية والمنطقية ويقبلون عقيدة بنيت على عبارة ملتبسة تحير منها المفسرين واختلفوا فى تفسيرها اختلافا كثيرا.

 كما أن القرآن نفسه يحوى نصوصا كثيرة تشهد لموت المسيح (النساء 159) (المائدة 117) وأخرى تشهد لموته ورفعه دون أدنى إشارة لمقولة ” شبه لهم ” والتى لا تعنى وقوع شبه المسيح على آخر لأنه لم يقل شبه له بل قال شبه لهم وعليه فقد أثبت القرآن موت المسيح وبعثه أى قيامته ثم رفعه أى صعوده إلى السماء حيا بعد موته وقيامته بقوله عن لسان عيسى:

 ” والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ” (مريم 32).

 وأيضا:

 ” إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ” (آل عمران 55).

 وهذا النص يجد تفسيره فى النص السابق له. لأن قوله إنى متوفيك تثبت موت المسيح. أما قوله ورافعك إلى فتشير إلى صعود المسيح إلى السماء فهل رفعه الله إلى السماء ميتا أم بعد قيامته. بداهة أنه من غير المنطقى أن يرفع المسيح ميتا. إذن لا بد أن يبعث حيا أولا ثم يرفع.

 والقول بغير ذلك يوقع القائل فى تناقضات لا حصر لها.

 والواقع أن القدح فى التواتر يوجب الطعن فى كل حوادث التاريخ الثابتة فى الكتب التى وصلت إلينا بالتواتر بسند متصل, وتقدح فى ما بين أيدينا من هذه الكتب والتى تتفق مع أقدم المخطوطات بحيث تصبح جميعها مشكوكا فيها ولا يمكن الإعتماد عليها.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يوم يزرعيل ل

 والواقع أن مقولة إلقاء شبه المسيح على غيره ليصلب عوضا عنه لم يقل بها أحد من الحواريين ولا من أعداء المسيح ولم تظهر هذه المقولة إلا مع ظهور جماعة من الغنوسيين فى آواخر القرن الثانى للميلاد, وهى جماعات من محضرى الأرواح الملقبين بالعارفين الذين يزعمون تلقى المعرفة بإشراقات روحية وقوى كامنة فيهم.

 أيا كان الأمر فإن هذه المقولة تحمل فى ذاتها دليل بطلانها بما حوته من تناقض.

 لأن القائلين بها من الغنوسيين أختلفوا فيما بينهم ولم يتفقوا على رأى واحد بل جاءت جميع رواياتهم التى جاءت بعد مائتى سنة من صلب المسيح متناقضة.

 فمن قال بأن المسيح كإنسان متحد بالله. مات بالناسوت وصعد اللاهوت, ومن هنا لم يقع الصلب على المسيح بل على الإنسان المتحد به, ومن هنا شبه لليهود أنهم صلبوا المسيح وهم لم يصلبوه بل صلبوا الناسوت دون اللاهوت الذى فارقه.

 ومن قال بأن شبه المسيح وقع على أحد أتباعه فصلب عوضا عنه, ومن قال أن شبهه وقع على يهوذا مسلمه فصلب.

ومن قال أنه توفى قبل صلبه ثم ظهر بجسد أثيرى أى خيالى فأخذوه وصلبوه إلا أنهم لم يصلبوه بل شبه لهم أنهم فعلوا ذلك وهم لم يفعلوه لأن جسد المسيح لم يكن حقيقيا بل كان أثيريا أى خياليا فلم يقع عليه شيئا مما أدعوه.

 

 ومن قال أنه لم يقتل ولم يصلب بمعنى أنه لم يمت على الصليب على وجه اليقين ولكن شبه لهم ذلك ثم بعد دفنه خرج حيا من القبر. إلى أخر تلك الرويات المتناقضة.

 فهل ينتظر أصحاب هذه الآراء المتناقضة أن يجدوا مسيحيا واحدا يلغى عقله ويترك عقيدته التى اتفق عليها جميع رسل المسيح المؤيدين بالروح القدس الشاهد معهم بالأيات والمعجزات, وآمن بها جميع العالم المتمدين وغير المتمدين, ووصلت إلينا بالتواتر وصادق عليها التاريخ واعترف بها خصوم المسيحية وسجلها اليهود فى كتبهم وتاريخهم ومؤلفاتهم وتلمودهم. وسجلتها مضابط الحكومة الرومانية التى حكمت على المسيح فى ذلك الوقت بالموت صلبا.

 أيترك عقيدته هذه ليعتنق مقولة تخالف الحقيقة التاريخية الثابتة بالتواتر. مقولة أقل ما توصف به أنها غير قائمة على حقيقة تاريخية بل على روايات يناقض بعضها البعض بلا سند من تاريخ صحيح أو منطق سليم.

 إن الإنسان الطبيعى لا يمكن أن يستسيغ مثل تلك الروايات ولا أن يقيم لها وزنا. بل يجد فيها كل ما هو هدام للدين ومناقض للدليل ومناف للبرهان والمنطق السليم, ومفقد للثقة فى أمور الله حتى يترك العالم فى ضلال مظنة أن المسيح صلب وقام فى حين أن الذى صلب هو آخر ألقى الله عليه شبه المسيح ليموت على أنه هو المسيح فينخدع به اليهود والرومان والحواريين وأمه وكل معارفه ويضل به كل المؤمنين به فيؤمنون بشبيه ليس هو المسيح.

 فإذا كان شبيه المسيح هو الذى صلب ومات وكان المسيح لم يصلب ورفع حيا أو ميتا فمن الذى ظهر للتلاميذ والرسل وأراهم يديه ورجليه وآثار الجراحات. ومن أين جاء بالقوة والسلطان ليعطى تلاميذه ورسله قوة للكرازة به فى كل المسكونة شاهدا الله معهم بآيات وعجائب متنوعة ومواهب الروح القدس. ومن هو الذى ظهر لبولس موبخا إياه بأنه صعب عليه أن يرفس مناخس. ثم أين جثة هذا الشبيه؟

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ك كَسْلوحيم م

 إن الكفن المقدس التى انطبعت عليه صورة ثلاثية الأبعاد للمسيح, والقبر الفارغ الذى يفج منه النور سنويا فى ذكرى القيامة المجيدة هما خير برهان على أن الذى صلب ودفن وقام من الموت هو المسيح الرب وليس آخر.

 من يصدق هذه الروايات التى تقول أن الله أوقع الناس فى ضلالة يوم خدع أبصار الحواريين وطمس على عيونهم حتى يرفع المسيح من بينهم حيا أو ميتا ليلقى شبهه على آخر فيؤخذ ويصلب ويموت واليهود يعتقدون أن المسيح هو الذى صلب. أو ليظهر لهم فى جسد أثيرى خيالى ليصلبوه دون أن يقع عليه شىء من ألم الصلب.

 وهل لم يعلم تلاميذه؟ وإن علموا فهل كان تبشيرهم بصلبه ودفنه وقيامته محض إفتراء؟ وإن كان ذلك كذلك فهل شاركهم الله كذبهم بأن أيدهم بالآيات الباهرات ومواهب الروح القدس. ألم يكن من المنطقى أن يتخلى الله عنهم ولا يمدهم بالآيات البينات التى هى برهان الرسولية.

 من يحتمل هذه الأقوال التى تحمل فى طياتها إتهام صريح لله بأنه صانع أكبر خدعة فى التاريخ بأن ألقى شبه المسيح على غيره ليصلب عوضا عنه أو أن الذى قدمه للصلب كان مجرد خيال أو شبح ذى جسد أثيرى أى روح, ولو صدق هؤلاء هل نثق بعد ذلك فى الله؟ لأنه ما أدرانا بعد تلك الخدعة التى تعرضت لها البشرية أن العالم لم يتعرض لخدع مماثلة.

 إن الطعن فى حقيقة صلب المسيح التاريخية هو طعن فى كل وقائع وحقائق التاريخ. لأن واقعة صلب المسيح بلغت من التواتر حدا جعلها أكثر الوقائع ثبوتا فى التاريخ والطعن فيها هو طعن وتكذيب لكل وقائع التاريخ المحققة.

 

 والسؤال الذى يطرح نفسه هو من أين استقى الغنوسيين آرائهم؟

 المحقق أنهم لم يستقوا هذه الروايات المتناقضة من مصادر لها صفة تاريخية بل جاءت نتاج تصورات خاصة من خلال إستنارات ذاتية مزعومة من خلال الإتصال بالأرواح التى تكتب وتتكلم من خلالهم أو من خلال وسطاء روحيين.

 وجدير بالذكر أن خرافة إلقاء الشبه على الغير هى من الخرافات التى يرددها أنصار مذهب تحضير الأرواح حتى وقتنا هذا.

 والمعروف أن الغنوسيين كانوا يمارسون الإتصال بالأرواح وتحضيرها ومنهم استقوا تعاليمهم عن الجسد الأثيرى أو الخيالى وإلقاء الشبه على الغير وغير ذلك من الأفكار الغنوسية التى ما زالت تتردد حتى اليوم فى مؤلفات دعاة مذهب تحضير الأرواح وعلى رأسهم داعية الأرواحية على عبد الجليل راضى فى مؤلفه ” المسيح قادم ” الذى يعلن فيه هذه الآراء فضلا عن نبوات الأرواح بقرب ظهور المسيح الحقيقى حسب تصوره الذى يكسر الصليب ويبطل الكتاب المقدس وكافة العقائد المسيحية.

 أى أنه جاء فى الواقع بإعلانات شيطانية عن قرب ظهور المسيح الدجال الذى سينتحل اسم المسيح الحقيقى وصفته ليضل لو أمكن المختارين أيضا.








[1]









الفخر الرازى ” مفاتيح الغيب ” أو التفسير الكبير مجلد 6 دار الفكر بيروت ص 100- 106

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي