سمعان الفريسي


«


فأجاب يسوع وقال له يا سمعان عندي شيء اقول لك، فقال قل يا معلم» (لو7: 40)


مقدمة

في قصة تصويرية رائعة أن شابين وفدا على خان في فلسطين، وكان المكان غاصاً بالوافدين، وطلب الشابان وهما يرتديان ثيابًا قروية بسيطة، من صاحب الخان مكانًا للاستضافة، ومع أنه لم يكن يوجد مكان، إلا أن صاحب الخان اقتادهما إلى غرفة صغيرة جميلة مرتبة ومزودة بموقد للاستدفاء، وبعض الحصر المطوية، وأدخلهما فيها، وهو يكرم وفادتهما على نحو عجيب، وإذ تعجب الاثنان من هذا الاكرام، قال أحدهما للرجل: هل من عادتك أن تأوي كل القادمين إليك. فأجاب: أجل ولا أذكر أني رفضت طارقًا!!.. وهل لم يسيء أحد استعمال ضيافتك هذه!! فقال صاحب الخان: الإنسان إنسان في كل مكان، ولقد وفد إلى الخان لصوص وقطاع طرق من البرية بصفة تجار مسالمين، ولكن رغيفًا زائدًا لا يهم كثيرًا، والله يتصرف في عباده!! وقال السائل: إني أتعجب لتصرفك هذا، وهل من سبب يدعوك إلى هذا المسلك الغريب!! وهنا طافت على وجه صاحب الخان غمامة محزنة، فقال: لقد ضاعت مني فرصة نادرة، وعزمت ألا تضيع مني مرة أخرى، وأخد يسرد القصة وهو يقول: كان ذلك منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا، ولم يكن الذنب ذنبي، ولكنه تاريخ لا أنساه، إذ أن الرومان أجروا تعدادًا عامًا للنفوس، وحدث ازدحام في بلادنا في كل مكان، ووفد إلى مدينتنا أناس من كل الطبقات، في تلك الليلة قدم شخص من الجليل يطلب الإيواء، وكانت معه إمرأته، تركب حمارًا، وقد ظهر عليهما التعب الشديد، لم يجد الخدم لهما مكانًا وطرودهما!! وضرب صاحب الخان على صدره وهو يصيح: رحماك ربي!! لم أدر شيئًا عما حدث وأضطر الاثنان أن يأويا إلى مزود البهائم، وكان الليل قاسيًا، وأنا لا أرضي أن يأوي سائق بغالي إلى مثل هذا المكان الحقير، وفي تلك الليلة وضعت المرأة طفلها!! وبعد أيام سفر الجليليان وطفلهما، ولم نسمع عنهما شيئًا ولكن اتضح بعدئذ أن هذا الطفل… هو مسيا ملكنا الذي تحدثت عنه الأنبياء!! آه لي!! أيولد هذا الطفل في مزودي؟ ما أعظم الفرصة التي أفلتت من يدي!! وهل تدهشان أني من ذلك العهد أعض أصابع الندم، وقد أكلني الحزن العميق وتوبيخ الضمير!! ثم قطع حديثه فجأة وسأل: ومن أين أنتما أيها السيدان!! فأجاب أحدهما من الجليل!! من وطنه!! أرجوكما أن تكلماه على لساني وتقولا له: إني لم أكن أدري أنه هو الذي ولد في مذودي، وإلا لأخليت الخان بأكمله له وحده، وأكد له أنه يمكن أن يعتبر الخان تحت أمره وأنا عبدك إذا جاء مرة أخرى!! ولا يمكن أن تضيع الفرصة مرة ثانية مني!! وابتسم أحد الضيفين وهو يقول: يا صاح لقد أضعت فرصتك الأولى… ولكنك نجحت في الثانية التي لم تفلت منك، فقال الرجل: ولكني متى حدث هذا…. قال: هذه الليلة، فقال: لا أفهم ماذا تقول!! وجاء الجواب: «لأني كنت غريبًا فآويتني…» وتفرس الرجل بإمعان في القائل، ووجد نورًا يشع من وجهه، وأدرك أنه وهو لا يدري أمام المسيا السيد مخلص العالم!! فصاح ربي ربي
!!

كنت أتساءل مرات كثيرة لماذا قبل المسيح ضيافة سمعان الفريسي.. ولكني رأيت قصة الرجل، وهي تصور مجيء المسيح إلى كل إنسان، فهو يعطي الجميع الفرصة الكاملة للتصرف الذي سيخلد إن كان خيرًا أو شرًا على حد سواء، ومن هذا المنطلق يمكن أن نتابع قصة سمعان الفريسي ومعاملته ليسوع المسيح
!!
 


سمعان الرجل الفريسي

كان سمعان كما نفهم من القصة الكتابية رجلاً فريسيًا تكمن في أعماقه عقائد الفريسيين ونزعاتهم، والفريسي قبل وبعد كل شيء، هو الإنسان المنعزل الذي تقوم فلسفة حياته على أساس الانعزال وعدم الاختلاط بغيره من الأجناس والشعوب، هذه هي الحياة المتأصلة فيه، وقد زادها تمكنًا ورسوخًا الاضطهادات الكثيرة الواقعة عليه، وذهابه إلى الغربة والسبي، والنظام الفريسي قد ولد أساسًا في السبي، وعاش في أيام المسيح خوفًا من تسرب العادات والنظم والتقاليد الأجنبية، وفي غياب الهيكل بعد تدميره، كان لابد لليهودي أن يلتف حول الناموس والشريعة، ومن هنا نشأ نظام الكتبة والناموسيين من جماعات الفريسيين، ومن هنا أيضًا نشأ الاجتهاد في تفسير الناموس والشريعة، وقد امتد هذا التفسير إلى أن الوصايا الإلهية تبلغ ستمائة وثلاثة عشرة وصية منها مائتان وثمان وأربعون إيجابية، أي أوامر، وثلثمائة وخمس وستون سلبية أي نواهي، وكان لابد في نطاق تطبيق هذه الوصايا أن يحملوا الناس أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل، وأن يهتموا إلى آخر الحدود بالمظاهر المختلفة لما يعتبرونه الطريقة السليمة للتدين، هذا هو الأصل التاريخي لحياة الفريسيين، وهو ما يفسر لنا حياة الفريسي بما فيها من إيجابيات أو سلبيات، ونحن نتفق مع الفريسي إبتداء في حياة العزلة التي تمنع الخلطة مع العالم ومن الواجب أن تكون لنا حياة لا تشاكل هذا الدهر، لكن هذه العزلة من الخطأ كما قال أحدهم أن نجعلها العلم الذي نرفعه فوق سارية حياتنا، نفخر به ونتباهي بين الناس، فيبدو في المظهر حتى في الثياب، فقد عرضوا عصائبهم وعظموا أهداب ثيابهم،… والمنعزل هو الشخص الذي لا يمكن أن يعيش وديعًا متواضعًا، بل على الأغلب يحس نوعًا من الكبرياء والتعالي يجعله يحتقر الآخرين، ولأجل ذلك فالفريسيون كانوا من النوع الشامخ الأنف، وقد تكون في أعماقه ذلك الإحساس بأنه وهو المالك للمعرفة التي لا يصل إليها غيره، سيفعل ما قيل إن ديوجين فعله إذ مر أمامه الإسكندر الأكبر وهو مسترخ في مكانه، ولم يترك من استرخائه، وتوقف الإسكندر، وهو يسأل، هل تريد ياديوجين شيئًا، فأجابك نعم… فسأله وماذا تريد!! قال: إن تتحول عن مكانك لأنك منعت الشمس من أن تصل إليّ بظلك!!.. وقال الإسكندر متعجبًا: لو لم أكن الإسكندر لوددت أن أكون ديوجين ويجيب ديوجين: لو لم أكن ديوجين لوددت أن أكون أي إنسان على الأرض إلا الإسكندر!! هذا النوع من الاستعلاء قاد الفريسي في صلاته إلى الله، أن يقول إنه ليس مثل باقي الناس الزناة والخاطفين، أو مثل العشار، والمنعزل المتكبر – وقد أمعن في التفسير والشرح، وانتهى إلى ما لا يمكن تطبيقه حتى ولو بالمشقة البالغة – سيصل إلى نوع من الازدواج أو الرياء، وقد صب المسيح سخطه على الرياء الفريسي، الذي عشر النعنع والشبت والكمون، وترك أثقل الناموس: بالرحمة والحق والإيمان، ومن الغريب أن ينشأ نوع من الانفصام الروحي «الشيزوفرينا» في الحياة الفريسية، وعلى الفريسي ألا يتزحزح عما يعلمه بشرط أن الأحمال الثقيلة العسرة الحمل، لا يحملها هو، بل يحملها غيره، وهو لهذا كله متعصب يندفع في تعصبه إلى العداء القاسي بغير حدود، وهو يتصور أن المنازعات ولو إلى الموت، هي نوع من الغيرة المقدسة التي يلزمه ألا يتخلى عنها حتى إلى الموت، وقد انذر بولس نفسه في مطلع الأمر لإبادة المسيحية تعصبًا وغيره وتحزبًا، وقد نشأ عن هذا كله صلابة القلب والقسوة، وبرود العطف والمحبة تجاه الآخرين
!!
 

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عُش ش


سمعان الفريسي وضيافة المسيح

ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا دعا سمعان المسيح إلى ضيافته؟ وما هي النوازع التي دفعته إلى ذلك؟ لقد اختلف الشراح في هذا السبيل، فبعضهم ذهب إلى أن الدعوة كانت من قبيل الاستعلاء وإرضاء للغرور والكبرياء، فسمعان رجل غني ربما كان يملك حديقة، وهو ظاهر الثراء، ويعتبر نفسه من عليه القوم، الذي يصرفون ببذخ على مظاهر الحياة، وهم يحبون الموائد والمتكآت الأولى، ولعل الأمر كله – وقد دعا بعض وجهاء القوم – لإرضاء الغرور الذاتي الذي يتولد عند كثيرين ممن لهم سعة اليد، وهو نوع من التعظيم الذاتي – دري به أصحابه أم لم يدروه – والناس الذين درجوا على مثل هذا الأسلوب، يسيرون في هذا الاتجاه إلى أبعاد عظيمة، وعندهم إن تعظيم الآخرين لهم وامتداحهم وتحياتهم، يهون أمامها أي بذل أو تضحية أو عطاء… على أن هناك رأيًا آخر يقول إن الدعوة كانت من قبيل العطف، على هذا الواعظ المتجول الذي يسير على قدميه من مدينة إلى أخرى، ومن قرية إلى قرية، وقد يكون من قبيل الإحسان والعطف دعوته لتناول الطعام، وربما كان هذا من خلال حفل أقيم لآخرين ولا مانع ترفقًا بهذا الواعظ الشعبي أن يكون من بين المدعوين، فإذا لم تراع معه قواعد الضيافة، فيكفيه أنه بين قوم محترمين يجلس مهم إلى نفس المائدة التي يجلسون إليها، ولن يجد أحد غضاضة في تجاهل بعض الأمور التي يلزم مراعاتها للضيف المكرم، كما ندعو من باب العطف والاحسان بعض الجائعين والمعوزين، والطعام كثير والمدعوون مهما كان سيتبقى بعد الشبع الكثير مما يفيض عنهم، وقد ذهب فريق ثالث إلى أن الدعوة كانت للتصيد، وقد بدا عداء الفريسيين للمسيح، ولا مانع من محاولة الايقاع به بأي وسيلة من الوسائل وفي ظاهر الأمر نجد أن فريسيًا شجاعًا لا يخشى أن يلومه الآخرون لدعوته المسيح، وفي الوقت عينه لا مانع من أخذه بتصرفات أو أقوال يمكن أن تكون حجة واضحة ضده، والرأي الأخير هو أن الدعوة كانت من قبيل الاستكشاف لهذه الشخصية الغريبة التي ظهرت على مسرح البلاد واختلف الناس في أمرها، فبعضهم آمن بالمسيح نبيًا قد ظهر في إسرائيل يصنع العجائب والمعجزات، وبعضهم لا يؤمن به قط، ويفسر أعماله المختلفة، بمختلف التفاسير، والحقيقة تحتاج إلى ميزان واختبار، ولا يمانع الفريسي، من أن يدعو السيد ليحسم الأمر ويقرر أي الآراء أولى بالأخذ واليقين، على أي حال مهما كانت الدوافع أو النزعات، فمن الواضح أو الثابت أن القصة إلى اليوم تتكرر، وأن المسيح يأتي ضيفًا علينا أجمعين، ويترك لنا الفرصة التي تحدد نوع الضيافة التي نقدمها لشخصه، كما حدث في ذلك البيت القديم وعلى الصورة التي أوردتها القصة على نحو ذلك النحو المثير
!!
 


سمعان والجواب على سؤاله الخفي

في عرف القوانين الوضيعة في كافة أنحاء العالم، أن الأفكار الداخلية للإنسان لا رقابة عليها، ولا تكون جريمة إذا كانت شرًا ما لم يفصح صاحبها عن مكنونها بتصرف عملي، ولا جواب عليها ما لم تخرج إلى مسرح الحياة بصورة ما، ولكن الأمر ليس هكذا مع المسيح، الذي يقرأ ما في داخل الإنساني، والذي يتجاوب مع الأفكار سلبًا أو إيجاباً، كما لو أنها تمت فعلاً على مسرح الحياة، والعبرة عنده بالفكر قبل العمل، وما العمل إلا ترجمة مكشوفة عما يكنه الفؤاد، وقصة سمعان كشفت عن صورتين: واحدة مخبؤة، والأخرى ظاهرة بينه، أما المخبؤة فقد كشف المسيح عما جرى في ذهن سمعان وأذهان الآخرين المدعوين، وقد كان يعوزها الشجاعة للظهور، والإنسان مرات كثيرة ما يقرر في سره من الأمور، ما يظن ألا حساب عليها، مادام الناس لا يدركونها أو يطلعون عليها، لكن المسيح يكشف المخبؤ والظاهر، ويري الاثنين، فلا ظاهر يخدعه عما يجري في السر، ولا سر يخفي عليه وراء الظاهر من الأعمال، وهو الذي قال عنه المرنم في المزمور المائة والتاسع والثلاثين: «فقلت إنما الظلمة تغشاني. فالليل يضي حولي. الظلمة أيضًا لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضيء كالظلمة هكذا النور» (مز 139: 11 و12)0

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يارح 2

فإذا تطلعنا إلى الحقيقة نجد أن المسيح دائماً يبحث عما هو في الخفاء. فماذا رأى المسيح في سمعان والمرأة من الخفيات، لقد رأى المسيح في المرأة إيمانًا لا يعرفه سمعان، لقد عاش سمعان يحكم على الظاهر في المرأة أنها امرأة خاطئة كما تعرفها المدينة كلها، ولكن سمعان لم ير شيئاً آخر في المرأة، ولم يره المتكأ ون معه، ولم تره المدينة بأكملها، ولكن المسيح رآه، لقد ضاقت المرأة بحياة الفساد التي تعيشها، وتحول الضيق كراهية ودموعًا، ولم تجد في المدينة كلها من يستطع أن يفهم أعماقها وتوبتها عن الماضي الملوث، إلا ذلك الضيف الذي وفد على المدينة، وهو يبدو في حنانه وحبه وحدبه ورفقه، صديقًا لمن لا صديق له، ومحبًا لمن يبدو مكروهًا من جميع الناس، لاشك أن المرأة رأت في وجهه شيئًا يغاير جميع الوجوه، ولاشك أنها استمعت إلى كلمات الحنان والحب والرحمة التي تحولت ينبوعًا دفقًا لنفسها الظمأي، ولاشك – وقد رأته يساعد البائس والأبرص والتعس والملوث – في أنه يمكن أن يفتح لها الباب الذي أوصده الجميع في وجهها، ولذلك سعت إليه بشجاعة عجيبة قال المسيح لها «إيمانك قد خلصك. إذهبي بسلام» (لو 7: 50) ولعله من أوجب الواجبات أن نذكر هنا أن المسيح تحدث عن إيمانها، كسبب خلاصها، والفرق بين هذا الإيمان وحبها، كالفرق بين السبب والنتيجة، وبين الأصل والثمر، فالإيمان والإيمان وحده، هو الذي خلصها، وليس قبله أو بعده أو إلى جواره شيء آخر، وهذا ظاهر من مثل المسيح عن المديونيين، أحدهما بخمسئة دينار والآخر بخمسين، وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعًا» وليس في القصة أكثر من الرحمة بالأثنين، مع إفلاسها، وحاجتهما إلى المسامحة، وجميعنا نبدو في الصورة على نفس المستوى، كثرت خطايانا أم قلت، وكلنا إلى الهلاك ذاهبون، لولا إحسانه ورحمته، ولولا إيماننا بهذا الإحسان والرحمة
!!

على أن هذا الإيمان يجد برهانه الصحيح في التصرف، والنتائج المترتبة عليه، وهنا لا يجوز لنا خلط السبب بالنتيجة فالمسيح وهو يتحدث عن الحب، إنما يتحدث عنه كبرهان على الإيمان وثمر ضروري له، وعلى قدر عمق الإيمان، يظهر الحب وينتج أثره، والإيمان هو الذي يكشف لنا عن حقيقة نفوسنا وخطايانا وبعدنا عن الله، وهو الذي يكشف لنا عن مدى الهوة التي وصلنا إليها، ويكشف لنا في الوقت ذاته عن غنى رحمة الله الواسعة التي تشمل حياتنا جميعًا، فإذا لم يحس الإنسان هذا أو أحس به إحساسًا ضعيفًا، فإن هذا مرجعه إلى عدم الإيمان أو ضعفه، أما الإيمان الصادق العميق، فهو الذي يحسب نفسه أسير حب الله وإحسانه ومراحمه، وهو أمام هذا الينبوع الدافق من الحب يفيض قلبه بالحب المتبادل مع إلهه
!!
 


سمعان والنتيجة الأخيرة

لقد قال المسيح للفريسيين وقادة الشعب: «الحق أقول لكم إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به وأما العشارون والزواني فآمنوا به. وأنتم إذ رأيتم لم تندموا أخيرًا لتؤمنوا به» (مت 21: 31،32).. ولعل قصة اليوم تتحدث إلينا بأفصح بيان عن كيف تنقلب الأوضاع، في هذه المرأة الخاطئة، التي تعرف المدينة بأكملها خطيتها، وهذا الفريسي الذي كان من أظهر الناس وأبرزهم في نفس المدينة، وكيف أخذت المرأة مقامها الذي حاول أن يهدره سرًا أو علنًا، وهو أحوج منها إلى رحمة الله تجاه الكثير من تصرفاته!!… منذ سنوات ليست بعيدة عاشت في شيلي في إمريكا اللاتينية فتاة اسمها «دونا مارتينا بانجور» وكانت من عائلة فقيرة، كثيرة الأولاد والبنات، وحاولت الفتاة أن تحصل على قوت يومها فلم تجد ذلك ميسورًا إلا بأن تخرج إلى الشوارع لترقص وتغني على الجيتار، وتقيم الحفلات في المناسبات، وكان طريقها معروفًا من البداءة بأنه يقود إلى المنزلق، وسقطت الفتاة سقوطًا شنيعًا، ونبذتها أسرتها، فأوغلت في طريق الإثم، وهي تنتقل من مكان إلى مكان، ومن رجل إلى رجل، وكانت الهاوية التي تتردي فيها بلا قرار!! على أن أحد الشمامسة بكنيسة مشيخية صغيرة في المدينة، أعطاها إنجيل يوحنا بغلاف جميل، وقد أغراها الغلاف على أن تقرأ، وبعد أن قرأت صاحت: إذا كان ما في هذا الكتاب صحيحًا فأنا إمرأة ضائعة!! وقادها هذا إلى أن تذهب إلى الكنيسة المشيخية الصغيرة هناك، ويبدو أنها كانت لا تعرف شيئًا عن العبادة أو الكنيسة، فهي تقف كما يقفون، وتجلس كما يجلسون، ولم يصدق الناس أنفسهم حين رأوها في الكنيسة، وكانوا ينظرون إليها بحذر وريبة، إلا أنها أصرت على نبذ الحياة القديمة وصرخت ذات مرة إلى الرب: «يارب أنت تعرف أنني أريد أن أخدمك.. عرفني الطريق» ولم يكن الطريق سهلاً ولاشك، بل كان ممتلئًا بالمتاعب والأشواك، درست في مدرسة هناك للسيدات اللواتي يجهزن لخدمة الله، وأخذت طريقها بشجاعة إلى الخدمة كأمرأة مكرمة محترمة، وعادت إلى بلدتها وهي تريد أن تتحدث عن نعمة الله التي أمسكت بها، واحتملت المزيد من الإهانات والاضطهادات التي لم تردها قط عن غيرتها وجهادها، وتحول الاحتقار احترامًا، وجاءت عائلات بأكملها للمسيح بسببها، وظلت على جهادها حتى رحلت عن عالمنا وهي تقول: «لقد تعبت كثيرًا، ولكني أذهب الآن إلى المسيح لأستريح»0

هل تبحث عن  هوت دستورى قوانين الكنيسة 16

ما أحوجنا إلى أن ندرك أن الله على الباب، وهو ينتظر منا أقل بادرة تعبر عن الأسى والألم والحزن على الخطية، ليعفو ويغفر ويردنا إلى سبل البر من أجل اسمه!!… وقف أمام أحد القضاة في مدينة نيويورك اثنان، الأول فتاة في العشرين من عمرها، وقد طعنت صديقة لها بسكين، وهي تقصد قتلها، وكان وجهها أمام القاضي صارمًا، لا تبدو عليه أي باردة من أسف أو توبة، وقال لها القاضي: يا ماري لقد كنت أود أن أسمع منك كلمة واحدة تعبر عن مدى أسفك أو حزنك، وكان من الممكن أن أحكم عليك حكمًا أخف، لكني أرسلك إلى السجن، بما لا يقل عن ثلاث سنوات ولا يزيد عن سبع!! وكانت القضية التالية لرجل أدين في جريمة ثم كان في السجن مثالاً الهدوء والطاعة، حتى لاحت له بادرة الهروب فهرب، وقبض عليه، وطلب من القاضي الكلام فأذن له فقال: يا سيدي القاضي أنا مجرم ولا أستحق الرحمة، وكل ما تحكم على به سأقبله كرجل!!، وقال القاضي: إن التقارير تشير إلى أنك كنت سجينًا نموذجيًا، وفي بيتك أيضًا أنت نموذجي!! إنها الحماقة التي جعلتك في لحظة ضعف تهرب من السجن، وتعيش في خوف من الرجوع إليه مرة أخرى!! أنت رجل ولست مجرمًا، وسأحكم عليك وأعاملك كرجل!! أنت حر من الآن! قال المسيح للمرأة الخاطئة شيئًا كهذا وهو يغفر خطاياها، ويعطيها فرصة أعظم للحياة، وعلى العكس من ذلك انقلبت النتيجة بالنسبة لسمعان، وليته ما استضاف السيد ليعامله بهذه المعاملة الحقيرة التي نسيت أصول الضيافة الصحيحة التي كنت تبدأ بالقبلة للدلالة على الترحيب، وتسارع إلى غسل القدمين، في بلاد امتلأت طرقاتها بالتراب، وتسكب العطر على الرأس فرحًا وحبًا بالضيف، وقد كشف السيد عن السر الذي كان غائرًا في الأعماق، وهو عدم وجود الإيمان والمحبة أو ضياع السبب والنتيجة على ما أشرنا سابقًا، أو كما يقول الكسندر هوايت إن الرجل ربما ندم على أنه استضاف الضيف، الذي لم يؤمن به نبيًا، وإلا لعرف أن المرأة التي تقبل قدميه هي امرأة خاطئة معروفة بخطيتها للمدينة كلها، كما أنه في الوقت عينه كان جاف المشاعر، وقد أضحت زيارة هذا الضيف ثقيلة عليه، ولم يكررها في المستقبل!! آه لو علم أنه أمام أعظم فرصة تتاح له في الحياة، وتتاح لكل بشري على وجه الإطلاق.. أن يدخل المسيح ضيفًا على قلوبنا وبيتنا وحياتنا ومجتمعاتنا، وآه لو علم أن زيارة عظيم أو كبير تعد فخر الأيام لكل إنسان يتشرف بها، فكم بالأحرى زيارة المسيح ملك الملوك ورب الأرباب.. دخلت الملكة فيكتو ريا ملكة الإنجليز بيت سيدة إنجليزية فقيرة، وجلست على مقعد، فأحاطته المرأة بشريط جميل اللون، وذات يوم دخل أحد ضيوفها ولم ينتبه وهم بأن يجلس على المقعد فإذا بها تصرخ في وجهه، وروع الرجل، واكتشف أن المرأة حرمت على أي إنسان آخر أن يجلس على هذا المقعد الذي شرفته الملكة فيكتو ريا بالجلوس عليه!! وأين فيكتوريا وملوك العالم كله من يسوع المسيح!!؟ في الحقيقة أنه إذا استبدت بنا الحيرة، ونحن نسأل: لماذا قبل المسيح هذه الضيافة، ولماذا لم يخرج من المكان في الحال عند المعاملة الشاذة!!؟ وهو كما نعلم لا يقبل الدخول إلا بناء على دعوة، إذ لا يرغب قط أن يدخل ضيفًا ثقيلاً على نفوسنا أو بيوتنا!!؟ نحن نسأل لماذا إذ قبل أن يكون ضيفًا على سمعان؟ وقبل كل شيء علينا أن نذكر أنه يقبل هذا مع كل واحد منا. ونحن إذ نستضيفه نحكم لنا أو علينا، والمنظر القديم الذي حدث في بيت سمعان يجري في كل العصور والأجيال، فهل نغلق الباب في وجهه!!؟ وهل نقبله ثم لا نعطيه الإكرام الواجب الجدير به. كما فعل سمعان الفريسي، فيحزن قلبه لمعاملتنا السيئة له!!؟ أم نكسر قارورة الطيب، – التي كانت تستخدم إغراء في خدمة الشيطان – لتتحول سكيبًا مقدسًا له وحده تعبيرًا عن عصارة حب صادق عميق يعيش معنا الأبدية كلها!! قال السيد المسيح لسمعان الفريسي: «عندي شيء أقول لك» وهو ما زال يقول هذا القول لكل واحد منا!! ترى ما هو الشيء الذي يريد أن يقوله لي ولك!!؟ هذا هو السؤال
!!
 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي