إيمان

 

أولا
– العهد القديم:

1 – إيمان وأمانة: إنهما كلمتان كثيرتا الورود في
الكتاب المقدس، فهما ترتبطان بالعلاقة بين الله والإنسان، وتدلان على أمرين
متلازمين، لأن إيمان الإنسان يتجاوب مع أمانة الله ويستند إليها، كما إن الإيمان
من جانب الإنسان يجب أن يؤدي إلى أمانتة لله، وفكرة الإيمان يمكن أن تنتقل من موقف
ذاتي، موقف الثقة، إلى

" الإيمان " الذي أعلنه الله موضوعيا بالعمل
والكلمة والآيات، حتى يمكن الركون إليه والثقة فيه، ويشتق من أصل الكلمة، الكلمات:
" أمين، مؤمن، يؤمن .. " ويتكرر الفعل " يؤمن " في الكتاب
المقدس أكثر من الاسم، ويؤكد الكتاب المقدس أن الإيمان هو من عمل الله أساساً، وأن
الله – في الحقيقة – هو الذي يريد أن يدخل في علاقة مع الناس، وأنه قد اثبت لهم
أنه جدير بثقتهم، وهو ما يعطي للإيمان الكتابي صفته المميزة، والإيمان في العهد
القديم يبدو أمراً ضروريا، ولكن ليس في الصورة الكاملة التي يبدو بها في العهد
الجديد " في المسيح
" .

2 – أصول الكلمات في العبرية: توجد ثلاث كلمات
رئيسية في العهد القديم للتعبير عن هذه المعاني، كما توجد كلمات أخرى مشتقة من هذه
الثلاث، والكلمات هي:

أ
– " أمان " وهي مشتقة من اصل معناه " ثبات " أو " رسوخ
"، ومن هنا تأتي فكرة " الثقة " و " الاستقرار " وهو
المعنى البارز في العهد القديم، وكلمة " آمين " التي تستخدم كثيرا في
العهدين القديم والجديد، تبين التوكيد الواثق المرتبط بالفعل، وقد يستخدم الفعل –
في صيغته الانعكاسية – لله نفسه (تث 7: 9
 ، أو عبيده (عدد 12: 7)، ويمكن أن يمتد استخدامه إلى الشهود (إش 8:
2، ارميا 42: 5)، وإلى مدينة (إش 21 و 26)، كما يمكن استخدامه عن الشهادة (مز 19: 8)،
والمواعيد (2 أخ 1: 9) وقد يستخدم دون أن يكون له مفهوم أدبي كما وصفت به "
ضربات عظيمة راسخة " (تث 28: 59)، كما يستخدم في صيغيه الإيجابية بمعنى "
يؤمن " أو " يثق " أو " يتكل " وقد يكون ذلك في صورته
المطلقة (مز 116: 10)، أو بمعنى " يصدق
" (خر 4: 5)، وقد يأتي بعده حرف الجر " الباء
" سواء للتعبير عن الإيمان بالله (تك 15: 6، إش 43: 10)، أو بالنسبة للناس

(خر 4: 1، 19: 9)، أو للأشياء مثل الأقوال أو
الرسائل (1 مل 10: 7، مز 106: 12)، وهي – سواء مع حروف الجر أو بغيرها – تحمل نفس
المعنى، وتترجم في السبعينية بكلمة " يؤمن " للفعل، " وأمين "
للصفة

.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ ألم 1

ويشتق
من كلمة " أمان " اسمان يستعملان في العهد القديم هما: " إيميت
" و

" ايميوناه "، وهما أقرب إلى الصيغة السلبية،
أي إعطاء مفهوم " الأمانة " أكثر من الصيغة الإيجابية بمعنى " يؤمن
" لذلك تترجمان في السبيعينية بكلمة " الحق " 119 مرة، وبكلمة
" إيمان " 26 مرة فقط . وقد يستخدمان في الإشارة إلى أمانة الله (مز 25:
10، 36: 5)، أو أمانة عبيده (يش 24: 14، 1 صم 26: 23)، ويبدو أنه ليس ثمة فرق بين
الكلمتين فهما يرتفعان إلى مستوى الكلمة العبرية " صدق " أي " بر
"، والكلمة " هد " أي " رحمة " أو " عهد محبة
" وهي جميعها كلمات بالغة الأهمية في العهد القديم وبخاصة في سفر المزامير
.

ب
– " بشه " وتستخدم في العهد القديم ستين مرة بمعنى غير ديني، وسبعا
وخمسين مرة بمعنى ديني، ولها مكانة خاصة في سفر المزامير لما تنقله من معنى التعبد،
فتذكر في سفر المزامير 37 مرة، وهي تؤدي معنى الطمأنينة، وقد تكون طمأنينة كاذبة (قض
18: 7 و 27 – حيث توصف بها مدينة غافلة عن الخطر)، أو بمعنى " يتكل "
ولو اتكالا كاذبا على قوة الإنسان (إرميا 17: 5)، أو على الأصنام (مز 115: 8)،
ولكنها في معناها الإيجابي تعبر عن الموقف من نحو الله، عندما يثق المؤمن أنه ألهه
(مز 31: 14) وكلمة " بشه " كاسم تحمل معنى الأمان والطمأنينة، وكما
رأينا قد تعبر عن طمأنينة صادقة أو كاذبة، أما الفعل فيترجم عادة في السبيعينة
بمعنى " يتكل " أو " يؤمل
" .

ج
– " همه " ومعناها " يلجأ " أو " يحتمي " وتستعمل
في العهد القديم في مرماها الديني في أغلب الأحوال (مز 7: 1) وهي كثيرة الاستخدام
في سفر المزامير حيث يبرز معناها التعبدي
.

د
– توجد جملة كلمات أخرى تحمل فكرة " الإيمان " " والأمانة "
في العهد القديم وبخاصة التي تعبر عن الرجاء، مثل " بوكال " بمعنى
" يصبر أو يرجو " ولكن أهمها هي كلمة " همد " بمعنى "
رحمة " (كما سبق القول) لأنها تدل على علاقة الله بالإنسان وعلاقة إنسان
بإنسان تحت العهد الذي كان يشكل لب ديانة إسرائيل، والذي قدم لهم أوسع الفرص
للتعبير عن أمانتهم وإيمانهم
.

ثانيا
– الكلمة في اليونانية:

تترجم
الكلمة في العهد الجديد عن الكلمة اليونانية " بيستيس " ومشتقاتها:

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى 35

1 – وهي تدل على معاني الحق والصدق والأصالة، وهي
شديدة الارتباط ايضا بمفهوم الأمانة، كما أنها تعني " الثقة والاتكال "
في الغالبية العظمى من الآيات . ويمكننا اقتباس العديد من الفصول الكتابية لإيضاح
هذه الحقيقة، ولكن يكفينا في هذا المقام أن نلفت النظر إلى الطريقة التي استخدم
بها الرب يسوع هذه الكلمة، فمن بين نحو عشرين فصلا كتابيا في الاناجيل الأربعة،
يستخدم فيها الرب يسوع كلمة

" بيستيس "، لا نجد سوى فصل كتابي واحد،
تستخدم فيه هذه الكلمة للدلالة على معنى الأمانة والصدق، في العبارة: " الحق
والرحمة والإيمان " (مت 23: 23)، أما في باقي الفصول، فإن المعنى المقصود هو
" الثقة " و " الاتكال "، وينطبق هذا أيضاً على معظم كتابات
الرسل، فمن سياق النص نجد أن كلمة " الإيمان " إنما تعبير عن معاني
" الثقة والاتكال
" .

2 – الإيمان بمعنى العقيدة: هناك معنى آخر لكلمة
" بيستيس: يمكننا أن نراه في عدد قليل من الفصول، وهذا المعنى " العقيدة
" أي الحق أو مجموعة الحقائق التي أؤتمنا عليها أو التي تبرر إيماننا وثقتنا،
وأهم هذه الأجزاء الكتابية التي توضح هذا المعنى، هو الجزء الوارد في رسالة يعقوب (2:
14 – 26)، ومع أن هذا الجزء أضحى مثار حيرة وبلبلة عند الكثيرين، حيث يرون أنه
يمثل تناقضا ظاهريا مع تعاليم الرسول بولس، إلا أن هذه العقدة تنحل وتتلاشى عندما
ندرك أن الكاتب – في هذا الفصل من يعقوب – إنما يتحدث عن " الإيمان "
بمعنى " العقيدة " أي المعتقدات القوية التي نؤمن بها، ويتجلى هذا بوضوح
في العدد التاسع عشر، حيث يبين المعنى المقصود بكلمة " الإيمان " هنا،
إذ يقول: " أنت تؤمن أن الله واحد " فقد كانت هذه العبارة هي كلمات
الشهادة التي ينطق بها كل يهودي أرثوذكسي أي قويم الرأي (" الشمه "،
انظر تث 6: 4) والتي قد تؤخذ على أنها جواز المرور إلى الخلاص، ولذلك يؤكد الرسول
يعقوب بطلان العقيدة بدون الحياة العاملة، بينما يؤكد الرسول بولس أهمية الثقة
والاتكال للحصول على الحياة والسلام (انظر يهوذا 3)
.

3 – تفسير فصل كتابي هام: إنه لمن الأهمية بمكان أن
نعرف أن الآية المذكورة في الرسالة إلى العبرانيين (11: 1) لا تشكل استثناء من
القاعدة السابقة، ألا وهي أن كلمة " الإيمان: تعني – عادة – " الثقة
والاتكال "، وفي ضوء احدث الأبحاث في أسلوب اللغة اليونانية الذي استخدمه
كتَّاب العهد الجديد، يمكننا أن نقرأ هذه الآية على هذه الصورة: " وأما
الإيمان فهو الثقة (أو ضمان) بما يرجى، والإيقان (أو البرهان القاطع) بأمور لا ترى
" . ويفهم البعض هذا النص على أن الإيمان – في نظر الكاتب – يمثل بديهة غامضة
أو بصيرة خارقة لمعرفة أمور العالم الروحي لكن هذا الأصحاح يبين بكل جلاء أن
الإيمان الممثل في حياة إبراهيم وموسى وراحاب .. لم يكن سوى الاتكال على إله هو
أهل لكل ثقة وجدير بالاعتماد الكلي عليه، لقد مكنت تلك الثقة وهذا الاتكال أولئك
المؤمنين من مواجهة المستقبل، وكأنه حاضر أمامهم، وما لا يرى كأنه منظور لأعينهم،
وبالإجمال فإننا نحن نرى بين التعبير الكتابي " وأما الإيمان فهو الثقة
"، وبين القول المأثور: " وأما المعرفة فهي القوة "، تواكباً
واتساقاً

.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر المكابيين الثانى 05

4 – ملاحظات: لعله من المفيد الآن أن نعرف شيئا عن
تاريخ استخدام الكلمة اليونانية " بيستيس "، ففي الترجمة السبيعنية،
تحمل هذه الكلمة – عادة – الجانب السلبي من المعنى، ألا وهو معنى " الأمانة
" " والإيمان الصالح "، في حين نجد أنه ليس من النادر أن تحمل هذه
الكلمة الجانب الإيجابي، وهو معنى " الثقة والاتكال " في اللغة
اليونانية الكلاسيكية، أما في اللغة اليونانية التي كانت شائعة في العصر المسيحي (والمعروفة
باسم كوينه ")، فإن الجانب الإيجابي من المنعى كان هو المعنى السائد على كل
الألسنة، وكأن اللغة اليونانية قد هيأت نفسها – في الوقت المناسب – لكي تنقل أقوال
ذاك الذي كانت رسالته العظمى هي الدعوة إلى الثقة والاتكال، وما برح تلاميذه من
بعده يحملون مشعل هذه الرسالة وينشرونها بألسنتهم وأقلامهم . وهكذا أصبحت كلمة
" الإيمان " بمعناها الإيجابي هي شعار المسيحية الأعظم وكلمة سرها
.

5 – الخلاصة: وختاما نود أن نوجه عناية القارئ إلى
أهمية تلك المكانة التي يتبوأها " الإيمان " في المسيحية، ودلالاتها
العميقة، فالإيمان في معناه الصحيح هو الثقة والاتكال – بكل بساطة – على كلمة الله
وقوته ومحبته، فهو يكيف الإنسان ويجعله متأهبا للتعامل مع الإله الحي المحب،
ولاختبار قوة أعماله فهو الجدير بكل ثقة واعتماد، فالإيمان في طبيعته هو الحالة و
الوحيدة التي تمكن الإنسان من أن يفتح يديه ليأخذ من الله، ومن ثم فالإنسان لا
يقدم شيئا، بينما هو يأخذ وينال كل شئ، وعليه فالإيمان هو الموقف الذي يتخذه
ليتمتع بالاتحاد بالمسيح، وهكذا يصبح الإيمان هو وسيلتنا الوحيدة للتمتع بغفران
الله وتبريره وتطهيره، ولاختبار حياته وسلامه ومجده
.

ولئن
كانت المعاني السابقة لكلمة " الإيمان " هي المعاني السائدة في الكتاب
المقدس، فإننا نلاحظ أنها تطابق نفس معاني هذه الكلمة في حياتنا اليومية .
فالإيمان – في حياتنا اليومية – يعني " الثقة والاتكال " أكثر من أي شئ
آخر . ولا غرو فكلمات الكتاب المقدس هي نبراس حياتنا اليومية
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي