اختيار

 

والمقصود
بالاختيار هنا هو اختيار الله لفرد أو لجماعة من بين جمهور كثير لغرض محدد أو مصير
معين حسب مشيئة الله. والكلمة الرئيسية المستخدمة في العهد القديم للدلالة على
الاختيار هي الفعل العبري (بَحَر) وهو يؤدي معنى الانتخاب المدروس لشخص أو لشيء من
بين أشخاص عديدين أو أشياء كثيرة بعد دراسة وتدقيق، مثل انتخاب داود للحجارة
لمقلاعة من بين حجارة الوادي (1صم 40: 17)، واختيار مكان ملجأ للإقامة فيه (تث 16:
23)، واختيار زوجة (تك2: 6)، واختيار الخير لا الشر (إش 15: 7و16)، والحياة لا
الموت (تث 19: 30و20)، وعبادة الأوثان (يش22: 24). فالكلمة تحمل معنى التفضيل
المحدد للشخص أو الشيء المختار (انظر مثلاَ إش 29: 1
).

والكلمة
اليونانية المقابلة سواء في الترجمة السبعينية للعهد القديم، أو في أسفار العهد
الجديد هي كلمة "إكليجوماي
" (eklegomai ) بمعنى
"اختيار" كما تستخدم كلمة "إكليكتوس
" (eklektos ) بمعنى
"مختار
".

أولاً
الاختيار في العهد القديم: كان إيمان إسرائيل يرتكز على اعتقادهم بأنهم شعب الله
المختار، وقد تم اختيارهم في واقعتين مرتبطين ومتكاملتين:

(أ)في اختيار الله لإبراهيم ونسله، بدعوة إبراهيم للخروج من أور
الكلدانيين إلى أرض كنعان حيث قطع عهداً أبدياً معه ومع نسله، واعداً إياه بأن
تتبارك فيه جميع قبائل الأرض(تك31: 11 7: 12، تك 15، 17، 15: 22 18، نح 7: 9، إش8:
41و9
).

(ب) في اختياره لنسل إبراهيم وفدائهم من العبودية في مصر، وإخراجهم
منها بقيادة موسى، مجدداً معهم في سيناء عهده لإبراهيم، وإدخالهم إلى أرض الموعد
ليستوطنوها (خر6: 3، تث21: 6 23، مز105
).

وتوصف
هاتان الواقعتان، بأنهما "دعوة" أي نطق ملكي به دعا الله،
"إبراهيم" في الحالة الأولى، و"نسل إبراهيم" في الحالة
الثانية، للاعتراف به إلهاً لهم، وليعيشوا كشعب خاص له(إش 2: 51، هو1: 11). وكان
الإسرائلييون يرجعون بأبصارهم إلى هاتين الحادثتين كأساس وجودهم كأمة (انظر إش 1: 43،
أع17: 13
).

ويتضح
لنا معنى اختيار إسرائيل من الحقائق الآتية:

(1)-كان منبع هذا الاختيار هو محبة الله القديرة
الحرة، ويبرز هذا المعنى في قول موسى: " ليس من كونكم أكثر من سائر الشعوب
التصق الرب بكم واختاركم … بل من محبة الرب إياكم"(تث7: 7و8، 5: 23). فلم
يختر الرب بني إسرائيل لأنهم كانوا يستحقون هذا الفضل، بل لقد كانوا في الواقع على
النقيض من ذلك تماماً، فلم يكونوا من أكبر الشعوب أو من أبّرهم، بل كانوا ضعافاً
وعصاة (تث7: 7، 4: 9 6). لقد كانت محبة الله لإسرائيل محبة تلقائية مجانية بغض
النظر عن نقائصهم، وبدون أي سبب سوى مسرة مشيئة الله، فقد كان فرح الرب ومسرته في
أن يُحسن إليهم (تث63: 28، 19: 30)، لا لسبب إلا لأنه شاء ذلك.

ومن
الحق أن نقول إنه عندما أنقذهم من أرض مصر، إنما كان يحفظ عهده مع آبائهم (تث8: 7)،
وكانت طبيعة الله تستلزم اتمام الوعد لأنه أمين على الدوام لمواعيده (انظر العدد
19: 23، 2تي13: 2)، ولكن علينا أن نذكر أن قطعه لهذا العهد إنما صدر أساساً عن
محبته المجانية دون أي استحقاق من جانبهم، لأن الآباء أنفسهم لم يكونوا سوى خطاة
كسائر الناس، فقد اختار الله إبراهيم أول من قطع معه العهد من وسط عبادة الأوثان
(يش2: 24و3)، وهنا يتجلى لنا أن علة الاختيار لم تكن في الإنسان بل في الله.

والله
هو الملك المطلق في كونه، ومحبته قادرة على كل شيء، ولذلك أثبت اختياره لإسرائيل
بإنقاذها بيد شديدة من عبودية قاهرة (تث8: 7) ومن حالة اليأس (حز3: 16 6). ويشيد
المرنم بعظمة الله فوق جميع الآلهة، التي ظهرت في إخراج شعبه المختار من العبودية
إلى أرض الموعد (مز 4: 135 12
).

(2) كانت الغاية من اختيار إسرائيل هي بركة وخلاص الشعب من خلال فضل الله
لهم ليكونوا شعباً خاصاً له(مز12: 33)، ثم إعلان مجد الله من خلال تسبيحهم له
وإشادتهم بفضله (إش 20: 43و21، انظر مز 13: 79، 1: 96 10)، والشهادة عن العظائم
التي صنعها (إش 10: 43 12، 8: 44)، فاختيار إسرائيل شعباً مقدساً أي مخصصاً له
(تث6: 7، لا26: 20)، فقد اتخذهم ميراثاً له (تث20: 4، 9: 32 12)، وملكاً خاصاً له
(خر5: 19، مز4: 135)، مع وعده لهم بالحماية والفلاح (تث1: 28 14)، والسكنى معهم
(لا11: 26و12)، فالاختيار جعل منهم شعباً خاصاً له، وهو إلهاً لهم في عهد معهم
ليكونوا في شركة معه. واصبح من حقهم كشعبه المختار أن يتمتعوا بحضوره الظاهر في
وسطهم، وأن ينالوا العطايا الصالحة الكثيرة التي وعد أن يغدقها عليهم، فكان
اختياره لهم بركة، بل أساس كل البركات. ومن هنا عبَّر الأنبياء عن الرجاء في أن
الله سيرد شعبه ويأتي بهم إلى أورشليم بعد السبي ويباركهم، بالقول بأن الله
"سيختار" مرة أخرى إسرائيل وأورشليم (إش 1: 14، زك17: 1، 12: 2 مع 2: 3
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حظيرة ة

(3) كانت الالتزامات الدينية والأخلاقية التي نتجت عن اختيار إسرائيل،
بعيدة المدى، إذ كان الاختيار وعلاقة العهد التي قامت على أساسه والتي امتاز بها
إسرائيل عن سائر الأمم، دافعاَ قوياً للشكر والتسبيح (مز19: 147و20)، ولحفظ
الناموس بأمانة (لا 4: 18و5)، والعزم على عدم مشابهة الأمم غير المختارين في عبادة
الأوثان وارتكاب الشرور (لا18: 2و3، 22: 20و23، تث 1: 14و2، حز5: 20 7 … الخ).
كما أن الاختيار أعطى إسرائيل أساساً راسخاً للرجاء والاتكال على الله في أوقات
الشدة والضيق (انظر إش 8: 41 14، 1: 44و2، حجي 23: 2، مز 4: 106و5)، ولكن
الإسرائيليين المارقين توهموا أن اختيارهم كأمة، يبيح لهم احتقار غيرهم من الأمم،
وأنهم يستطيعون أن يعتمدوا على حماية الله ومعاملته التفضيلية لهم مهما كانت
حياتهم وسلوكهم (انظر ميخا11: 3، إرميا 12: 5). وبناء على هذا الوهم وبخاصة الزعم
بأن أورشليم لا يمكن أن تنتهك لأنها مدينة الله ضلل الأنبياء الكذبة الشعب في
الأيام السابقة للسبي (إرميا 1: 7 15، 9: 23 14، حزقيال13)، رغم أن الاختيار كما
أعلن الله بوضوح من البداية (لا14: 26 45، تث15: 28 26) كان يتضمن دينونة صارمة
على الخطايا القومية (عاموس 2: 3) وقد أثبت السبي أن إنذارات الله لم تكن عبثاً.

(4) اختار الله من وسط الشعب المختار أفراداً لمهام معينة لإتمام قصد الله
في اختيار الأمة، أي لاستمتاع إسرائيل ببركة الله، وأخيراً بركة العالم. فاختار
الله موسى (مز23: 106)، وهارون (مز26: 105)، والكهنة (تث5: 18)، والأنبياء (انظر
إرميا 5: 1)، والملوك (1صم24: 10، 2صم21: 6، 1أخ 25: 28)، وعبد الرب في نبوة
إشعياء ("مختاري" (إش 5: 50و6)، ويموت لأجل خطاياهم (إش53)، ويأتي للأمم
بالنور (إش1: 42 7، 6: 49). واستخدام الرب لأشور، ونبوخذنصر "عبدي"،
كسياط لتأديب شعبه (إش18: 7 20، 5: 10 7، إرميا 9: 25، 6: 27، 10: 43)، كما اختار
كورش الملك الأممي ليُحسن إلى الشعب المختار (إش4: 45
).

(5) امتنعت بركات الاختيار بسبب العصيان وعدم الإيمان. فعندما وجد الأنبياء
الرياء متفشياً في الأمة، أعلنوا أن الله سيرفض الأشرار من شعبه (إرميا 30: 6، 29:
7). وأنبأ إشعياء أن بقية أمينة فقط هي التي ستبقى لتستمتع بالعصر الذهبي الذي
سيعقب الدينونة المحتومة على إسرائيل (إش 20: 1022، 3: 4، 6: 27، 31: 37و32). وإذ
عاش إرميا وحزقيال في زمن تلك الدينونة، تطلعا إلى يوم فيه يرد الرب شعبه، ويجدد
من أبقى عليه من شعبه، ويعطي لكل واحد منهم قلباً جديداً فلا يعودون إلى نقض عهده
(إرميا 31: 3133، 39: 3241، حز19: 11و20، 22: 3628
).

وكانت
هذه النبوات بتركيزها على التقوى الشخصية تشير إلى فردية الاختيار (انظر مز 4: 65)،
ووضعت الأساس للتمييز بين الاختيار لامتياز معين، والاختيار للحياة. فبينما اختار
الله كل الأمة ليكون لهم امتياز الحياة تحت ظلال العهد، فإنه اختار البعض منهم
ليرثوا بركات الشركة معه التي أتاحها لهم العهد، بينما حُرم الباقون من هذه
البركات لعدم الإيمان (انظر رومية 5: 11و20
).

ثانياً
في العهد الجديد: يعلن العهد الجديد امتداد مواعيد عهد الله لتشمل الأمم وانتقال
امتيازات العهد إلى كل من صار بالإيمان بالمسيح، النسل الحقيقي لإبراهيم (مت43: 21،
رو9: 418، 6: 9و7، غل14: 3و29، 16: 6، أف 11: 213، 6: 313). قطعت الأغصان الطبيعية
من زيتونة الله (الشعب المختار نسل الآباء) لعدم الإيمان، وطُعمت فيها أغصان برية
بدلاً منها (رو16: 1124). لقد رُفض إسرائيل لعدم الإيمان، وأصبحت الآن الكنيسة المكونة
من يهود وأمم هي شعب الله المختار، في وسط هذا العالم، لتعبده وتخدمه وتعلن إنجيله
لكل العالم.

ويقدم
لنا العهد الجديد الاختيار في الصور الآتية:

(1) يسوع هو مختار الله الذي به سرَّ الآب (لو35: 9) حيث أن كلمة الحبيب هي
"إكليلجمينوس
" (eklelegmenos)، وترد في إنجيل الحياة: " ابني الذي اخترته". كما أن
الرؤساء سخروا منه قائلين: " خلص آخرين فليخلص نفسه إن كان هو المسيح مختار
الله" (لو35: 23). كما يتكلم الرسول بولس عن المسيح بأنه حجر الزاوية
"المختار من الله كريم". ونجد في هذا صدى لِما جاء في إشعياء: "
هأنذا أوْسس في صهيون حجراً حجر امتحان حجر زاوية كريماً أساساً مؤسسأً" (إش
16: 28)، في إشارة واضحة إلى مركزه المتميز الفريد لمسرة الآب به.

(2) تشير كلمة المختارين (في صيغة الجمع) إلى كنيسة الله، شعب الله المختار،
فالمؤمنين "جنس مختار"(1بط9: 2، اقتباساً عن إشعياء 20: 43، انظر أيضاً
2يو13)، لهم حق وامتياز الاقتراب
إلى الله، وعليهم مسئولية
تسبيحه وإعلان إنجيله للعالم، والحفاظ بأمانة على حقه، وهو الامتياز الذي كان
لإسرائيل قبلاًُ إذ "استؤمنوا على أقوال الله" (رو2: 3). وكما حدث مع
إسرائيل قديماُ، هكذا الآن أيضاً يعظَّم الله رحمته باختيار أشخاص عاديين ضعفاء
لهذه الخدمة بالغة الأهمية (1كو 27: 1و28، يع 5: 2 انظر تث 7: 7، 6: 9). وكما حدث
قديماً، خلق اختيار الله ودعوته الكريمة شعباً شعبه لم يكن له وجود كشعب من قبل
(1بط 10: 2، رو25: 9و26، هوشع 10: 1، 23: 2
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب باصر 2

ويشير
الرب يسوع المسيح في الأناجيل الثلاثة الأولى إلى "المختارين" (إكليكتوا
(eklektoi) في
أحاديث عن أواخر الأيام، فهم المقبولون عند الله الآن وإلى الأبد لأنهم استجابوا
لدعوة الإنجيل ولبوا الدعوة إلى العرس، وتخلوا عن ثياب البر الذاتي ولبسوا ثياب
العرس التي قدمها لهم صاحب العرس، أي أنهم اتكلوا على رحمة الله (مت14: 22) فالله
سينصفهم (لو7: 18) ويحفظهم في وسط الضيقة القادمة (مرقس 20: 13و22) لأنهم موضوع
رعايته الخاصة.

(3) كما استخدمت نفس الكلمة "اختار" (اكليجوماي) في اختيار الرب
يسوع للرسل (لو16: 6، أع 24: 1، 15: 9)، وكذلك في اختيار الكنيسة للشمامسة (أع 5: 6)،
واختيار الكنيسة ليهوذا الملقب برسابا وسيلا (أع 22: 15و25) وهو اختيار لخدمة خاصة
من بين جماعة المختارين، أي المؤمنين. وكما حدث في العهد القديم، فإنه عندما اختار
المسيح الاثنى عشر ليكونوا رسلاً، اختارهم من وسط العالم ليستمتعوا بالخلاص (انظر
يوحنا 16: 15و19) ما عدا حالة يهوذا الاسخريوطي (انظر يوحنا 18: 13
).

ثالثاً
الاستخدام اللاهوتي للكلمة في العهد الجديد: نجد في رسائل بولس أعمق معاني
الاختيار (انظر بخاصة رو 28: 8 36: 11، أف 3: 1 14، 1تس2: 21 10، 2 تس13: 2و14، 2
تي 9: 1و10)، فيقدم لنا الرسول بولس الاختيار الإلهي على أساس أنه من النعمة
وسلطان الله المطلق، وأنه اختيار أزلي للأفراد من الخطاة ليخلصوا ويُمجَدوا في
المسيح وبواسطته.

(1)فالاختيار هو اختيار النعمة" (رو5: 11،
انظر أيضاً 2تي9: 1و10)، كما أنه فضل بلا مقابل، غير مبني على أي استحقاق من جنس
ساقط ليس له أي حق عند الله سوى الغضب (رو18: 1). ولم يختر الله خطاة للخلاص فحسب،
(انظر رومية 5: 4، 6: 5 8، أف 1: 2 9)، بل اختارهم بصورة تعظم نعمته إزاء شرهم
الفادح، فقد أغلق على الجميع معاً اليهود والأمم في العصيان وعدم الإيمان، ليظهروا
على طبيعتهم الحقيقية كخطاء، ويعترفوا صراحة بعدم أمانتهم، قبل أن يغدق عليهم
رحمته (رو30: 11 32 الأمم 30: 9، 20: 10، واليهود 19: 10و21، 11: 11و25و26 وكلمة
"هكذا" في العدد السادس والعشرين تعني "بدخول الأمم"). وهكذا
تبين نتيجة الاختيار عمق غنى النعمة التي لا يسير لها غور.

(2) الاختيار هو اختيار مطلق: من الله صاحب السيادة
المطلقة بناء على مسرة مشيئة الله وحدة (أف 5: 1و9)، وليس بناء على أعمال الإنسان التي
تمت أو المنتظرة مطلقاً (رو11: 9)، ولا بناء على مجهودات أو مساع من الإنسان لنوال
رضي الله (رو15: 9 18)، فلا طائل من كل هذه المجهودات والمساعي، فمهما بذل الخطاة،
ومهما سعوا وجروا، فإنهم يظلون خطاة في عداوة لله (رو7: 8و8)، والله، في كامل
حريته المطلقة، يعامل بعض الخطاة بما يستحقون، فيتركهم لقساوة قلوبهم (رو18: 9، 7:
11 10، انظر أيضاً 28: 1، 1تس15: 2و16) لهلاك أنفسهم (رو21: 9و22)، لكنه يختار
آخرين ليكونوا "آنية رحمة" يغدق عليهم "غنى مجده" (رو 7: 9 23).
وليس في هذا أي ظلم، لأن الخالق غير مدين بالرحمة لأي إنسان، وله كل الحق أن يفعل
ما يشاء بخلائقه العصاة (رو 9ك 7-13) وكان واضحاً منذ البداية أن ليس كل نسل
إسرائيل هم إسرائلييون (رو6: 9). والإسرائلييون الذين تمتعوا حقيقة بالخلاص
الموعود للشعب المختار لم يكونوا سوى "بقية حسب اختيار النعمة" (رو5: 11،
27: 9 29). وكما يقرر الرسول بولس، تظل الحقيقة قائمة، وهي أن اختيار الله المطلق
السلطان، هو الذي يفسر لنا لماذا عندما يكرز بالإنجيل، لا يستجيب له سوى البعض.
أمَّا عدم إيمان الآخرين فلا يحتاج إلى إيضاح أو تفسير، لأنه ليس في قدرة أي خاطئ يُترك
لذاته أن يؤمن من نفسه (1كو14: 2). لكن ظاهرة الإيمان ذاته في حاجة إلى تفسير،
ويقول الرسول بولس إن الله بروحه القدوس يعمل في الشخص المختار ليؤمن، وعندما يصبح
لدى الشخص إيمان حقيقي عامل بالمسيح، فهذا دليل على أن اختياره حقيقي (1تس4: 1 6،
تي1: 1، انظر أيضاً أع 48: 13
).

(3) الاختيار اختيار أزلي: فقد اختارنا الله في
المسيح "قبل تأسيس العالم" (أف 4: 1، 2تس13: 2، 2تي9: 1)، وكان هذا
الاختيار تعييناً سابقاً (أف 5: 1و11)، وجزءاً من قصد الله الأزلي (أف 9: 1)،
ومعرفة سابقة في المحبة، بها قرر الله أن يخلص الذين "سبق فعرفهم"(رو29:
8و30، انظر أيضاً 1بط2: 1
).

وفيما
يتعلق باختيار الأمة في العهد القديم، كان اختيار الله معادلاً للدعوة، ولكن عندما
يتكلم الرسول بولس عن اختيار الفرد للخلاص، يميز بين الاختيار والدعوة، ويتحدث عن
دعوة الله (ويعني بها الدعوة للإيمان، التي تقتضي استجابة) كمرحلة في اتمام قصد
المحبة الأزلي(رو30: 8، 23: 9و24، 2تس 13: 2و14، 2تي9: 1). ويؤكد الرسول بولس
تأكيداً حازماً أن الاختيار اختيار أزلي أبدي، ليتيقن المؤمنون أنه اختيار لا يمكن
أن يعتريه تغيير، ولا يمكن لأي حادث في الزمان أن يهز تصميم الله على خلاصهم.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر المكابيين الثانى 02

(4) الاختيار هو اختيار أفراد خطاة ليخلصوا "في
المسيح وبواسطة المسيح"، فالاختيار هو اختيار "في المسيح" (انظر أف
1: 4)، ابن الله المتجسد، الذي كان ظهوره في الجسد على مسرح التاريخ، وموته
الكفاري، في خطة الله ومشوراته الأزلية (1بط20: 1،أع 23: 2
).

والاختيار
في المسيح، يعني أولاً أن غاية الاختيار هي أن يحمل مختارة صورة المسيح وان
يقاسموه مجده(رو29: 8 مع 17: 5، 2تس14: 2). وقد اختارهم الله للقداسة (أي مشابهة
المسيح في سلوكهم) في هذه الحياة (أف 4: 1)، وللمجد (أي مشابهة المسيح في كل
كيانهم انظر 2كو 18: 3، في 21: 3) في الأبدية
.

كما
أن الاختيار في المسيح يعني ثانياً فداء المختارين من ذنب الخطية ووصمتها، بواسطة
المسيح بموته الكفاري وعطية روحه (أف 25: 5 27، 2تس13: 2، انظر أيضاً 1بط 1: 2).
كما قال المسيح بنفسه إن الآب قد أعطاه عدداً معيناً من الأشخاص ليخلصهم، وتكفل هو
بعمل كل ما يلزم للإتيان بهم إلى المجد الأبدي (يو37: 6 45، 14: 10 16و27 30، 2: 17:
2و6و9 11و24
).

والاختيار
في المسيح يعني ثالثاُ أن السبيل لنوال بركات الاختيار هو الاتحاد بالمسيح، اتحاده
بهم شكلاً باعتباره آدم الأخير، واتحاده بهم اتحاداً حيوياً كمعطى الحياة، بسكنى
روحه القدوس، واتحادهم به بالإيمان.

رابعاً
أهمية الاختيار للمؤمن: يرى الرسول بولس في معرفة المؤمن لاختياره، ثلاثة أمور
هامة:

(1) فهو يثبت له أن خلاصة من البداية إلى النهاية هو
من الله، ثمرة رحمة الله الحكيمة. فالفداء الذي له في المسيح وحده والذي يقبله
بالإيمان وحده، لا مصدر له إلا النعمة وحدها، وليس بناء على شيء في الإنسان فهو
"اختيار النعمة" (رو5: 11)، وكل بركة روحية إنما تتدفق من اختيار الله
(أف 3: 15)، لذلك فإن معرفة المؤمن لاختياره، تجعله أن لا يفتخر إلا بالرب، وبالرب
وحده (1كو31: 1)، وأن يعطيه كل المجد الذي هو له وحده (رو36: 11)، وأن الغاية
القصوى للاختيار، هي مدح مجد الله (أف 6: 1و12و14). والتأمل في الاختيار لابد أن
يدفع الخطاة المفديين بالنعمة، لأن يرفعوا على الدوام تسابيح الحمد والشكر للرب
كما فعل الرسول بولس (رومية 33: 11و34، أف 3: 1 6، 1 تس 2: 1و3، 2تس13: 2و14). فما
أعلنه الله لنا عن الاختيار، هو عند الرسول بولس ليس موضوعاً للجدال بل موضوعاً
للشكر والعبادة.

(2) الاختيار يؤكد للمؤمن أمانه الأبدي، ويزيل كل
أساس للخوف والقلق والكآبة
‎. فالمؤمن يقيم في النعمة الآن، وسيظل مقيماً فيها
إلى الأبد (رو1: 5)، ولا يمكن لشيء أن ينال من مكانته كإنسان قد تبرر بالإيمان
(رو33: 8و34)، فلا يمكن لشيء أن يفصله عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا(رو35:
8 39)، ولا يمكن للمؤمن أن يكون أكثر أمناً واطمئناناً مما هو عليه الآن، لأنه
فعلاً في أمان مطلق لا أمان بعده. فهي معرفة ثمينة، ولذلك يجب على المؤمن أن يتيقن
أن اختياره حقيقة راسخة (انظر 2بط 10: 1
).

(3) الاختيار يحفز المؤمن للسلوك باستقامة، بعيداً
عن استباحة الشر (انظر أف 5: 5و6) أو الاستكبار (انظر رومية 19: 11 22)، فإن معرفة
الإنسان لاختياره وما يترتب عليه من امتيازات، لهي أعظم حافز للمحبة والتواضع
والفرح والتكريس والشكر الدائم (كو12: 3 17
).

خامساً
الخلاصة: (1) إن تعليم الاختيار ينفي تماماً كل النظريات عن الخلاص الشامل لجميع
الناس، فنفس الكلمة تعني الانتخاب من بين الكثيرين، فلا معنى له إذا كان اختياراً
للجميع، كما يتضح ذلك من عبارة "من العالم" فيما يتعلق بهذا الاختيار
(يو19: 15، 6: 17، أع 14: 15، غل4: 1، انظر أيضاً كو13: 1، 1بط 9: 2، رؤ9: 5، 9: 7و14،
3: 14و4). كما أن المختارين هم خراف المسيح (يو3: 10 5و11و1416)، بينما الآخرون
ليسوا من خرافة (يو26: 10)، وقد كتب المختارون في سفر الحياة (دانيال 1: 12، لو20:
10، عب23: 12)، بينما الآخرون ليست أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة (رؤ 8: 13، 8: 17،
انظر أيضاً 43: 8و47، 39: 12، 2تس3: 2، 1بط 8: 2، يهوذا4
).

(2) علينا أن نلاحظ بعض المباديء في التعليم عن
الاختيار: (أ) يجب أن لا نذهب إلى أبعد مما تأخذنا إليه كلمة الله، فهناك أسرار
تحيط بموضوع الاختيار لا يمكن أن ندركها تماماً أو نسير غورها. (ب) من واجبنا أن
نكرز بالإنجيل بقوة الروح القدس للجميع (مت18: 28 20، أع 8: 1، 1كو 1: 2 5)، والله
يعلم الذين هم له (2تي 19: 2). (ج) تعليم الاختيار يعطى لشعب الله رجاء وعزاء، فهو
ليس تعليماً للفزع واليأس. والرسول بطرس يحرضنا أن نجعل دعوتنا واختيارنا ثابتين
(2بط10: 1)، أمام ضمائرنا وأمام الآخرين.

وإذا
تمسكنا بهذه المبادئ في توازن سليم، فإننا نتجنب المغالاة والتطرف اللذين كثيراً
ما يكتنفان هذا الحق المجيد
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي