استفانوس

 

ومعناه
" تاج "، ويشتهر استفانوس بأنه أول شهيد في الكنيسة المسيحية، فقد افتتح
عصر البطولة في احتمال الاضطهاد حتى الموت، كما أنه جدير بأن يسمى " المدافع
الأول عن المسيحية " حيث أن دفاعه هو الذي أودى به إلى الموت شهيداً (حوالي
36 أو 37 م)
.

 

1- ماضيه الشخصي: يدل اسمه وعلاقته بالكنيسة في أورشليم (أع 6: 3) على أنه
كان هيلينيا، أي يهودياً ذا ثقافة يونانية، فهو ينتمي إلى اليهود الذين يقطنون
خارج فلسطين، والذين يتميزون عن اليهود الفلسطينيين المحافظين، بنظرتهم الأوسع
للحياة بسبب ثقافتهم الأكثر تحرراً، ومع ذلك كانوا يهوداً يغلب عليهم الطابع اليهودي
الأصيل، فهم يهود لا غش فيهم، وهكذا كان استفانوس
.

 

لا
نعلم شيئاً عن تجديد استفانوس، وإن كان ثمة تقليد يقول إنه كان من ضمن السبعين (لو
10: 1) . كما أن استفانوس بحياته وعمله، كان علامة بارزة على فترة التحول في
الكنيسة المسيحية الأولى، كما ارتبط اسمه أيضاً بالانطلاقة الجديدة الهامة داخل
الكنيسة نفسها إذ كان واحداً من السبعة (أع 6: 1) الذين أوكلت إليهم إدارة شئون
المساعدات في الكنيسة، وهي الخدمة التي تأسست بها خدمة الشمامسة، فقد تم اختيار
السبعة الرجال – وجميعهم من الهيلينيين – بمناسبة شكوى المسيحيين الهيلينيين في
الكنيسة من المسيحيين العبرانيين بسبب اغفال أراملهم عند توزيع الصدقات
.

 

2- شخصيته ونشاطه: كان استفانوس على رأس القائمة، وكان مبرزا جدا بينهم،
وكانت جميع الشروط المطلوبة لذلك العمل متوفرة فيه (أع 6: 3)، ويصفه الوحي، بأنه
كان رجلاً " مملوا من الإيمان والروح القدس " (أع 6: 5) بمعني أنه كان
ذا إيمان قوى وروحانية عميقة، ولم يتقيد نشاطه بحدود عمله . ومع أنه لم يذكر شيء
عن كيفية قيامه بواجبات عمله، مع أنه ولا شك قد قام بها بكل إخلاص، فإن الكتاب
يسجل لنا أهمية استفانوس كمبشر وشاهد للمسيح، وهو ما أعطاه تلك المكانة التي تميز
بها في تاريخ الكنيسة (أع 22: 20) . وهذا في حد ذاته ليس أمراً مدهشاً لأنه كان
على كل مسيحي في الكنيسة الأولي أن يكون كارزاً شاهداً للمسيح . وقد اشتغل السبعة
منذ البداية بالعمل الروحي، كما اشتغل الشمامسة – فيما بعد – بما هو أكثر من مجرد
تنظيم الأعمال الخيرية . لكن استفانوس كان مؤهلاً تأهيلاً خاصاً لهذا العمل العظيم،
إذ أعطاه الروح القدس مواهب رسولية، لا في الكرازة فحسب، بل في عمل المعجزات (أع 6:
8) . ولقد فاق بعض الرسل في آرائه الحرة عن الناموس والعادات اليهودية، بسبب
تفكيره العميق وفهمه الأفضل لجوهر المسيحية
.

 

3- تعليمه: حطم استفانوس القيود اليهودية التي كان الرسل الآخرون مازالوا
مقيدين بها، إذ علم ان الهيكل وناموس موسى سينتهيان، وأن المسيحية ستحل محل
اليهودية (أع 6: 14) . ومن الممكن أن تنسب هذه الآراء المتحررة لاستفانوس إلى
الثقافة الهيلينية، ولكنها قطعاً ليست من أصل هيليني لأن مجرد نشرها، هو الذي
أدخله في جدال مع أعضاء المجامع الهيلينية في أورشليم، فمع أن الهيليني يغفى نفسه
من حفظ كل الإضافات الفريسية للناموس، إلا أنه كان دائماً ينظر إلى ناموس موسى
والهيكل بنفس النظرة العالية التي ينظر بها اليهودي الفلسطيني، حتى فيلو نفسه كان
يضع ناموس موسى في مكانة متميزة عن كل قوانين سائر الشعوب لأنه ناموس ثابت لا
يتزعزع في مستوى واحد مع نواميس الطبيعة . إن المصدر الحقيقي لآراء استفانوس الحرة
عن الناموس الموسوي والهيكل، كان تعليم المسيح نفسه، فقد أظهر استفانوس فهماً
ناضجاً لا يضارعه فيه سوى الرسول بولس في زمن لاحق . إن كلمات السميح فيما يتعلق
بالهيكل (يو 4: 20 – 24، مر 13: 2) لم تجعل استفانوس يرى أن عبادة الله الحقيقية
غير محددة بالهيكل فحسب، بل فتحت عينيه ليرى أنها مجرد عبادة شكلية طقسية أبعد ما
تكون عن كونها عبادة حقيقية (مر 7: 6)، كما رأى في كلمات المسيح (يو 2: 19) إشارة
إلى الهيكل الجديد الذي سيأخذ مكان القديم . كما أن مفهومه للطبيعة الانتقالية
للناموس الموسوي، يمكن أن يرجع إلى تعليم المسيح بخصوص السبت وفرائض التطهير
وعادات اليهود في ذلك العصر (مت 5: 20)، والبر الذي يفضل بر الكتبة والفريسيين (مت
9: 16)
.

هل تبحث عن  م الأباء إكليمنضس الأسكندرى أقوال إكليمنضس الأسكندرى 08

 

وكما
دخل المسيح في جدال مع الفريسيين والكتبة بسبب هذه الآراء الحرة، واستخدمت كلمته
عن الهيكل موضوعاً لاتهامه عند محاكمته، هكذا الحال أيضاً مع استفانوس، فهو لم
تردد في أن يكرز وينادى بارائه واختار المجامع الهيلينية لهذا الغرض، وسرعان ما
دخل في صراع معهم، ولكن كما يقول الوحي، إن خصومه " لم يقدروا أن يقاوموا
الحكمة (أي الفهم والمعرفة المقنعة) والروح (أي الجدية والروحانية العميقة) الذي
كان يتكلم به " (أع 6: 10، مت 10: 19 و 20)، وإذ وجدوا أنفسهم مغلوبين، لجأوا
إلى الأسلوب الدنيء بإعلان أنه مجدف وهرطوقي، مستخدمين نفس الوسائل الدنيئة التي
لجأ إليها أعداء المسيح بإغراء شهود كذبة، وبإثارة الشعب ضده، كما لجأوا إلى
الكتبة والشيوخ وأعضاء السنهدريم، وبهذه الطريقة قدموه للمحاكمة
.

 

4- المحاكمة أمام السنهدريم: كان الاتهام مزدوجاً: اتهام شخصي بأنه تفوه
بكلمات تجديف ضد موسى مما يجعله مجدفاً على الله، واتهام ضد تعليمه إذ اتهموه بأنه
ينادي بآراء ثورية متطرفة فيما يتعلق بالهيكل والناموس (انظر مر 14: 58، 13: 2، 15:
29) . وعوائد موسى (أع 6: 14) هي الفرائض التي ميزت اليهود وقد أخذوها عن موسى .
وعندما أشار استفانوس إلى هذا الموضع وهذه العوائد، فهموا كلامه على أنه يعني دمار
الهيكل وتغيير الناموس، وبذلك يكون هدف المسيحية، ليس هدم الديانة اليهودية فحسب،
بل وهدم وجودهم القومي
.

 

كان
الاتهام الشخصي ضد استفانوس اتهاماً باطلاً لا أساس له، فلم يكن ثمة تجديف من جانب
استفانوس، إلا بتحريف كلماته . كما كان الاتهام الموجه إلى تعليمه باطلاً وصادقاً
في نفس الوقت . كان باطلاً لأنهم ادعوا كذباً أنه طعن في المصدر الإلهي للهيكل
وللناموس الموسوي . وكان حقيقياً لأنه أدرك أن الهيكل والناموس لهما طبيعة مؤقتة
وهدف مؤقت، فقد كان هذا المفهوم هو السمة الواضحة لتعليمه . وكما قال بيلاطس بحق:
"
لا أجد علة في هذا الإنسان "، وهكذا – كما يخبرنا الوحي الإلهي
– لم يجد قضاة استفانوس فيه علة، بل هم " وجميع الجالسين في المجمع رأوا وجهه
كأنه وجه ملاك " (أع 6: 15، 2 كو 3: 18) . لقد حاز استفانوس علامة الرضى
الإلهي، كما حدث مع موسى (خر 34: 29 – 35)
.

 

ومن
الحقائق الهامة، أن استفانوس لم يحاكم أمام السنهدريم على أنه ناصري مع أن ذلك كان
السبب الحقيقي لمحاكمته، كما أنه في دفاعه أمام السنهدريم لم يذكر اسم يسوع إلا في
نهايته، إلا أنه كان في الحقيقة دفاعاً عظيماً عن الإيمان بالمسيح
.

 

5- دفاعه أمام السنهدريم: ارتعب المجمع من البراءة والقداسة الواضحتين على
وجه استفانوس، إلا أن سؤال رئيس الكهنة: " أترى هذه الأمور هكذا هي؟ "
قطع هذا الصمت وانتزع من استفانوس هذه المرافعة البارعة في عمقها وجديتها
وروحانيتها الأصيلة . لم تكن دفاعاً عن الذات بقدر ما كانت دفاعاً عن القضية التي
يمثلها استفانوس
.

 

بدأ
بذكر رب المجد، وانتهى برؤية هذا المجد نفسه . لقد كان الدفاع تمجيداً عجيباً
لقضية الناصري المتواضع . تضمن حديثه بياناً بأهم معالم التاريخ اليهودي في الماضي،
ولكن من وجهة النظر إليه في الحاضر، ففسر تلميذ المسيح المملوء بالروح، الحقائق
القديمة . لقد كان ذلك – في الحقيقة فلسفة لتاريخ وديانة إسرائيل، فأهم ما يميز
حديثه هو فلسفته لهذا التاريخ من وجهة النظر المسيحية، فقد ذكرَّهم
في مرافعته – بصورة تلو
الصورة من إبراهيم إلى موسى، ويستعرض في الحديث – بأسلوب قوي – استمرارية الوحي
الإلهي الذي بلغ ذروته وغايته في يسوع الناصري، (كما ذكر المسيح في مت 5: 17)،
مبينا الاتفاق الواضح بين العهدين القديم والجديد . ولا شك في أنه لمس عواطفهم
بعباراته الوقورة ومشاعره الرقيقة في حديثه عن تاريخهم المقدس، كما أنه خاطب
ارادتهم بتصوير موسى رمزاً للناموس لبيان العلاقة الأساسية للخطة الإلهية والسلوك
البشري . وكان هدف استفانوس أن يوضح لمستمعيه المعنى الحقيقي للتاريخ اليهودي
والناموس اليهودي بالإشارة إلى الوقت الحاضر بمفهوم أوسع، ليعدلوا سلوكهم بحسبه .
وهكذا يمكن أن تحملهم معرفتهم الصحيحة للتاريخ اليهودي والديانة اليهودية، إلى أن
يرفعوا عنه الاتهام كمجدف وكمعلم مضلل
.

هل تبحث عن  م الأباء أثناسيوس الرسولى أقوال أثناسيوس الرسولى 30

 

وكما
كان الاتهام الموجه ضده مزدوجاً، كان دفاعه مزدوجاً أيضاً:

 

دفاع شخصي: كان مرمى كلامه كله هو تفنيد الاتهام بالتجديف على الله
واحتقار الناموس، فحديثه اللطيف وعباراته الرقيقة في توجهه إلي المجلس وقوله
" أبينا

"
، " جنسنا
" (أع 7: 2 و 19) وهكذا يربط نفسه بسامعيه، وإعلانه عن عظمة يهوه " إله
المجد "، الذي بدأ به حديثه، وعن قيادة العناية الإلهية للآباء (7: 8 و 10)
واعترافه بأحكام العهد القديم كأمر إلهي (عدد 8) وإشارته إلى المصدر الإلهي
للناموس، وإدانته من لم يحفظوه (عدد 53)، وفي ختام حديثه أعلن بوضوح احترامه ليس
فقط للتاريخ الماضي للجنس اليهودي، بل أيضاً لكل الكتب المقدسة وأحكامها، وبين بكل
جلاء أن اتهامه بالتجديف لا أساس له، فالخلاف بينه وبين خصومه لا يرجع إلى عدم
تقواه أو طيشه، بل إلى سبب آخر يشرحه في الجزء الثاني من دفاعه
.

 

دفاعه عن تعليمه: إن الخلاف الجوهري بين استفانوس وخصومه – كما يتضح من
نغمة حديثه ومرماه – يكمن في أنه حكم على تاريخ العهد القديم من وجهة النظر
النبوية، كما يينها يسوع نفسه، بينما كان خصومه مقيدين بحرفية الناموس، وهو ما كان
يميز الفكر اليهودي في ذلك العصر . وتتضح أهمية هذا الاختلاف من الحقيقة التي يدور
حولها دفاع استفانوس، ويؤيدها التاريخ الماضي، وهي أن تطور الإعلان الإلهي، وتطور
الأمة اليهودية لا يسيران معاً بل يسيران في خطين منفرجين بسبب النزعة إلى العصيان
العنيد من جانب آبائهم، ومن ثم لم يكن هو العاصي بل كانوا هم العصاة ضد الإعلان
الإلهي . وهكذا بطريقة بارعة حول استفانوس الاتهام بمناقضة الناموس وموسى الموجه
ضده، إلى اتهام سامعيه بعصيان الإعلان الإلهي، كما فعل آباؤهم في الماضي، وبهذه الصورة
يكون حديث استفانوس دفاعاً عظيماً عن قضية المسيحية التي يمثلها . كما بين بوضوح
أن الديانة الجديدة كانت التطور الذي رتبه الله للعهد القديم، وليست معارضة أو
مناقضة له
.

 

ويمكن
تلخيص النقط الأساسية في دفاعه، في الآتي:

 

1- إعلان الله نفسه لإسرائيل في إعلان عهده وإرادته، لم يكن مقيداً بمكان
مقدس واحد، كما أنه لم يعط لشخص واحد (موسى) بل بدأ من قبل موسى بزمن طويل، ومن
قبل الهيكل أيضاً بزمن طويل، فهو إعلان تدريجي، وكما بدأ من قبل موسى، فإن موسى
أيضاً لم يكمله كما هو واضح من قوله: " نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من
اخوتكم له تسمعون " (أع 7: 2 و 37)
.

 

2- إن اليهود الذين لهم أعطيت هذه الإعلانات، لم يكونوا شاكرين في كل
مراحل تاريخهم، بل كانوا أيضاً بطيء الإيمان والفهم لأنهم " لم يكونوا طائعين
" (عد 39 و 53) فقد قاوموا خطة الله ومقاصده مقاومة عنيدة، كما قاوموا عمل
الله من خلالهم . لقد ابتعد آباؤهم عن موسى في نفس اللحظة التي كان يتلقي فيها
الإعلان العظيم، وبدلاً من إطاعة الأقوال الحية (عدد 38) التي أعطاهم إياها،
تحولوا إلى عبادة الأوثان التي عاقبهم عليها الرب بالسبي البابلي (أعداد 39 – 43)،
وقتلوا الأنبياء الذين احتجوا على الطقسية الميتة للعبادة في الهيكل، وطالبوهم
بعبادة روحية حقيقية كما كان الأمر في خيمة الاجتماع (أعداد 44 و 50 و 52) . لقد
كان العصيان هو الطابع المميز للأمة في كل تاريخها، فبالرغم من الإعلان الإلهي
ظلوا قساة عنيدين، وبلغوا الذروة في الجريمة الرهيبة التي اقترفوها هم في الجيل
الحاضر، جريمة قتل " البار " الذي سبق أن أنبأ بمجيئه الأنبياء . لقد
رفضوا يسوع الناصري، وبذلك لم يقضوا على وجودهم القومي فحسب، بل قضوا أيضاً على
العبادة في الهيكل والسير بمقتضى الناموس (7: 52، 6: 14) . ومع أن استفانوس لم
ينطق باسم " يسوع " في حديثه، ولم يذكره إلا في صلاته وهو يسلم الروح،
إلا أن سامعيه لم تفتهم الإشارة إليه خلال الحديث كله، وإدراك المطابقات المقصودة،
مثل يوسف وموسى، كرموز للمسيا، لكنهم رفضوهما واحتقروهما وأساءوا معاملتهما (أع 7:
9 و 27 و 39) قبل أن يرتفع كل منهما ليكون حاكماً ومنقذاً، هكذا رفضوا يسوع أيضاً
.

هل تبحث عن  ئلة مسيحية إطلاق اللحية عند وفاة أحد الأقارب ب

 

بلغ
حديثه ذروته في الأعداد 51 – 53، إذ أنهي استفانوس مرافعته، وتحول إلى سامعيه،
وأصبح المتهم مدعياً، إذ اتهمهم علانية وبكل جلاء بخطية مقاومة الروح القدس،
وبجريمة قتل الأنبياء " والبار " وبالعصيان المستمر للناموس . لقد بلغت
هذه الكلمات القمة – مع أنها لعلها لم تكن ختام الحديث – في التعنيف القاطع، كما
أنها كانت نبوية فيما يتعلق بتأثيرها على سامعيه وعليه أيضاً
.

 

لم
يكن لصراحة استفانوس إلا نتيجة واحدة، فقد كانوا متحيزين حانقين، فجعلتهم حججه
المفحمة المبنية على أسفارهم المقدسة، في شدة الغضب، فأوقفوا الحديث بصياحهم
وهياجهم، ولكن استفانوس الممتلئ بالحماسة والإلهام، رأى مجد الله الذي ذكره في
بداية حديثه (7: 2) ومجد يسوع الذي دافع عن قضيته ببسالة (55) . وقف استفانوس هنا
واخترق بنظره إلى السماء، وقد تلاشت كل حدود الزمن ومحدوديات الإنسان، وكانت لحظة
من أروع اللحظات في تاريخ إسرائيل
.

 

6- استشهاده: في تلك اللحظة الرهيبة، نطق بكلمات تعبر عن أروع شهادة خالدة
نطق بها إنسان عن الرب يسوع المسيح: " ها أنا أنظر السماوات مفتوحة وابن
الإنسان (المكان الوحيد الذي يذكر فيه هذا اللقب إنسان آخر غير يسوع المسيح)
قائماً عن يمين الله " (56) . وهنا لم يستطع الجمهور أن يكبح جماح غضبه فوقعت
الكارثة، فبالرغم من القانون الروماني، أخذوا استفانوس – وبدون انتظار الحكم عليه
– وفي وسط المشهد المضطرب، رجموه حتى الموت، وهو القصاص الذي قرره الناموس للمجدف (تث
17: 7، لا 24: 14 – 16) . ولقد تغاضت السلطات الرومانية عن هذه المحاكمة العرفية
إذا لم يكن للواقعة أهمية سياسية . ومما يستلفت النظر، أن الأشكال الشرعية
اليهودية قد روعيت، لكي تضفي على العنف صورة الشرعية، فأخذوا استفانوس إلى خارج
المدينة (لا 24: 14، لو 4: 29) وألقى الشهود أول حجر عليه (تث 17: 7) بعد أن خلعوا
ثيابهم ووضعوها عند قدمي شاب يقال له شاول (أع 7: 58)، الذي دعي بعد ذلك ببولس،
وكان في الثلاثين من عمره . ويبدو أنه كان مسئولاً عن الإجراءات
.

 

مات
استفانوس كما عاش، شاهداً أميناً لسيده الذي اعترف به حتى في اللحظة التي كانت الحجارة
فيها تنهال عليه كالسيل – داعيا باسمه بصوت عال:
" أيها
الرب يسوع اقبل روحي " (أع 7: 59، لو 23: 46) وظهرت روحه النبيلة عندما بذل
آخر جهد في أن يجثو على ركبتيه ويصرخ بصوت عظيم: " يارب لا تقم لهم هذه
الخطية " (أع
7:
60
، لو 23: 34)
" وإذ قال هذا رقد " (60)
.

 

إن
الأثر الذي تركه موت استفانوس كان أعظم مما تركته حياته، فمع أنه كان بداية أول
اضطهاد عنيف للمسيحيين، فإن موت أول شهيد مسيحي أدى إلى إحراز نصر كبير، ألا وهو
تجديد شاول الطرسوسي، فرؤية المسيح المقام والممجد، التي رآها استفانوس وهو يموت،
قدمت المسيحية لشاول الطرسوسي في ضوء جديد، بإزالة أكبر عثرة في المصلوب من أمامه
.

 

هذا
الإعلان المؤيد بشخصية استفانوس الرائعة، وشهادة حياته التقية، والشجاعة النبيلة
التي أبداها في موته العظيم الرائع، وفوق الكل صلاته عند موته، كل هذه وقعت على
نفس شاول الأمين بقوة لا يمكن مقاومتها، ولا بد أنها أدت إلى ما حدث في الطريق إلى
دمشق . ويمكن أن يقال بحق، إن استفانوس كان رائداً – أمام بولس – في إدراك حقيقة
أن المسيحية تمثل نظاماً جديداً للأمور، وأنها ستحل حتماً محل النظام القديم،
وبذلك كان تعليمه انذاراً بأعظم جدل ثار في القرن المسيحي الأول، الجدل بين
اليهودية والمسيحية، والذي بلغ الذروة في مجمع أورشليم الذي أدي إلى استقلال
الكنيسة المسيحية وتخليصها من قيود وأغلال الناموسية اليهودية
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي