الأردن
– وادي الأردن

 

1- خصائصه الطبيعية: يحتل وادي الأردن في جزئه الأدني منخفضاً واضحاً في
سطح الأرض، يصل الى أقصى عمقه في البحر الميت الذي يبلغ عمق سطحه نحو 1300 قدم وعمق
قاعه نحو 2600 قدم تحت مستوى سطح البحر أما جزء الحوض الذي يقع تحت مستوى سطح
البحر فيبلغ نحو 100 ميل طولاً وبين 10 – 15 ميلاً عرضاً عند القاع، ويصل إلى ضعفي
أو ثلاثة أضعاف هذه المسافة بين قمم الجبال والهضاب المحيطة به على كلا الجانبين .
ولقد كان هذا المنخفض في عصور ما قبل التاريخ، في العصر الجليدي، مليئاً بالمياه
لارتفاع يصل إلى 1400 قدم، ولكنها اختفت تدريجياً نتيجة للبخر بعد أن سادت الظروف
المناخية الحالية . وعلى ارتفاع نحو
650 من الأقدام، فوق سطح البحر الميت، تكونت طبقة
ممتدة جداً من المواد الرسوبية التي وإن بدت متقطعة على امتداد شواطئ البحر الميت،
إلا أنها تمتد متصلة فوق قاع الوادي الذي يدعي " الغور " بامتداد الشمال
.

ويبلغ
سمك هذه الرواسب من 100 – 200 قدم، وهي تتكون من مواد جاءت بها إلى الوادي،
الروافد الجبلية المنحدرة من كل جانب حيث تقف المياه عند هذا المستوى المرتفع .
ومن الطبيعي أن تنحدر هذه الرواسب تدريجياً من جوانب النهر نحو الوسط فتترك المواد
الغليظة بالقرب من الجوانب
 ، بينما تتزايد المواد الراسبة مقابل مصبات الروافد الكبرى . وبعد
أن كان الترسيب مستمراً في البداية فوق كل الغور أو الوادي إلا أنه خف بعدئذ بسبب
نهر الأردن وروافده، أما الأردن نفسه فقد شق له مجرى في وسط الرواسب الرخوة بعمق
يبلغ حوالي 100 قدم، من بحيرة الجليل حتى البحر الميت لمسافة تبلغ – في خط مستقيم
– نحو 70 ميلاً وقد كان هذا المجرى في البداية ضيقاً، ولكنه أخذ في الاتساع
المستمر بسبب جريان المياه التي تتعرج من جانب إلى جانب وهي تحفر في ضفافه التي
تتداعى في النهر وتندفع إلى البحر الميت . ويدعى هذا الوادي الضيق " بالزور
" ويبلغ اتساع " الزور " في الوقت الحاضر نحو نصف الميل في المتوسط،
ويشغل معظمه السهل الرسوبي الذي يمتد من ضفتي النهر إلى سفوح الجروف الرسوبية على
كلا الجانبين . وتغطي هذا السهل الشجيرات والحلفاء حتى ليتعذر عملياً اختراقه إلا
للوحوش المفترسة التي استوطنته من أقدم العصور، مثل الأسود والنمور والخنازير
البرية، كما تدل على ذلك الشواهد الكتابية . وعند حلول أشهر الربيع عندما تذوب
الثلوج فوق جبل حرمون، وتنفجر السحب فتسكب فجأة سيولاً من المياه تغمر مجاري النهر،
من هضبة جلعاد وجبال السامرة، فيفيض الأردن إلى شطوطه، أي أنه يغمر بمياهه هذا
السهل الرسوبي فيطرد الوحوش لتجتاح الأماكن المجاورة لفترة وجيزة
.

 

لقد
تعرض قاع هذه البحيرة القديمة للتفتت بسبب جريان مياه الروافد التي تأتي من كلا
الجانبين، وقد شقت لها مجاري عبر الغور بعمق يصل إلى نفس عمق الزور، ونتيجة لذلك
فإن الطرق المؤدية للوادي تسير بمحازاة سفوح الجبال على كلا الجانبين حتى تتفادي
الهبوط المفاجئ في مجاري الروافد التي تبلغ أقصى عمقها بالقرب من مصباتها . كما أن
هناك نتيجة طبيعية أخرى لهذه الخصائص الطبيعية، وهي أنه لا يمكن القيام بالزراعة
مالم تنقل المياه من المستويات العليا لمجاري الأنها ر، لري المسطحات المستوية
للغور . وهناك الكثير من بقايا هذه القنوات التي استخدمت للري في العصور السالفة،
وأصبحت الآن اطلالاً غير مستخدمة . ويقدر " مريل " ان هناك نحو 200 ميل
مربع من وادي الأردن، والتي يشبه سطحها المستوي سطح الفيافي التي يغطيها الكلا،
خالية من الأحجار ويمكن زراعتها في الوقت الحاضر حتى تصبح مثمرة كوادي النيل
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جرار ر

ولكن
منذ أقدم العصور كانت الزراعة في وادي الغور غير مستقرة بسبب غزوات قبائل البدو
الذين كانوا يغيرون عليها من وقت لآخر من المناطق الصحراوية في الشرق
.

 

2- وصف وادي الأردن: بفضل العمل المضني المتواصل من العلماء بيترى وفنسنت
وألبرايت في دراسة الأواني الفخارية بفلسطين، أمكن الآن فهم الحضارة القديمة لوادي
الأردن فهماً جيداً . ويقدم لنا الوصف التالي – بناء على المشاهدة من مكان قريب من
" مدن السهل " (مدن الدائرة) – صورة واضحة للتحركات الأولى لسكان هذا
الوادي، " فأول حضارة – لها اعتبارها – لهذه البلاد – ولا نقول أول من سكن
فيها – كانت في وادي الأردن، فمعظم الأماكن القديمة في هذا الاقليم كانت آهلة
بالسكان منذ العصر البرونزي، ولكن هجر معظمها منذ ذلك الحين . وفي الحقيقة – كما
سنرى – كان سكان وادي الأردن في الألف السنة الثالثة قبل الميلاد، أكثر منهم في أي
وقت آخر . وقد نزح السكان الأوائل إلى هذا الوادي، قبل أن يأتوا إلى سفوح حرمون
بوقت طويل، وهناك بنوا أول مدينة لهم حيث عاشوا وكافحوا
.

ويمكن
تتبع مسار تاريخ هذا الوادي بسهولة، وسواء أكان تاريخاً جيداً أو رديئاً، فلم يكن
هناك مفر من استمراره لأنه منذ دخول الإنسان إلى هذا الوادي كان لا بد أن يستمر
حتى النهاية
.

 

وتكشف
لنا الأواني الفخارية، أن شعب العصر البرونزي الأول، ومنذ بداية ذلك العصر، بل
ولربما منذ الجزء الأخير من الألف الرابعة قبل الميلاد، تدفقوا في هذا الوادي حتى
نهايته، ولهذا نجد على امتداد النهر صفاً من التلال مثل " تل النعامة " (وكما
يبدو لي ليست هي التي ذكرت في اللوحة الإسرائيلية لمرنبتاح)، كذلك " تل آبل
" (آبل بيت معكة – 1 مل 15: 20) " وتل الأوريمة " (كينيروت)
.

في
طرف البحيرة، بيت شان (بيسان الحديثة) على نهر الجلود، حيث تعلو مرتفعاتها لتحمي
الجانب الجنوبي لمفارق الطرق . لقد كانت في البداية أقل أهمية من " بيت يرة
" عند أسفل البحيرة، ولكنها سرعان ما سادت على المنطقة وظلت تسيطر على طرق
التجارة وعلى سهل يزرعيل ووادي الأردن الأدنى بعد أن طوى النسيان " بيت يره
" تماماً . أما الآن فلم تعد بيت يره وبيت شان سوى أكوام
.

 

انتشر
السكان من بيت شان وبامتداد الوادي في تجمعات صغيرة متشبثين بسفوح الجبال يحرسون
المواقع الهامة ويستخدمون مياه وادي الأردن الوفيرة، حتى نصل إلى " كيكار
" (أرض الدائرة العظيمة)، ذلك السهل الفسيح للأردن، الذي يبدأ بالقرب من
أريحا ويحتوي في دائرته البحر الميت والسهل جنوبه . وبالإضافة إلى نهر الأردن،
كانت " أرض الدائرة العظيمة " تروى من مجار وينابيع غزيرة مثل "
عين السلطان " عند أريحا، " ووادي القلت " (ويقول التقليد إنه نهر
كريث الذي اختبأ عنده إيليا) . وأسفل ذلك بقليل " عين جدي " غربي البحر
الميت، ووادي أرنون في الشرق . كذلك تتدفق المياة الغزيرة للأنهار الثلاثة
المنحدرة من جبال موآب ذات الأحجار الرملية الحمراء، من الطرف الأدنى للوادي عند
مدن الدائرة
.

هل تبحث عن  مريم العذراء التجسد الإلهى ودوام بتولية العذراء 03

 

3- أقسامه الثمانية: يمكن تقسيم الوادي – كما يقول كوندر – إلى ثمانية
أقسام:

 

أولاً
– الجزء الواقع بين بانياس والحولة حيث يبلغ اتساعه نحو خمسة أميال تحف به صخور
شديدة الانحدار يبلغ ارتفاعها نحو ألفي قدم على كلا الجانبين، تتخللها المستنقعات
الواسعة

.

 

ثانياً
– من الحولة إلى بحر الجليل حيث يسير المجرى بمحازاة التلال الشرقية، وعلى بعد نحو
أربعة أميال من سفوح التلال الغربية التي ترتفع نحو جبال " صفد "
العالية، والتي يصل ارتفاعها إلى 3500 قدم فوق سطح البحيرة
.

 

ثالثاً
– الجزء الممتد نحو 13 ميلاً من الطرف الجنوبي لبحر الجليل إلى المناطق المتاخمة
لبيسان، ويبلغ عرض الوادي في هذا الجزء نحو الميل ونصف الميل غربي النهر، ونحو
ثلاثة أميال شرقاً . وترتفع الصخور المنحدرة لهضبة " كوكب الهوا " في
الغرب إلى نحو
1800
قدم فوق سطح النهر .

 

رابعاً
– تقع المنطقة الرابعة جنوبي بيسان، وتتكون من سهل غربي الأردن ويبلغ نحو 12 ميلاً
طولاً وستة أميال عرضاً، حيث تمتد سلسلة التلال الشرقية مستقيمة . وتبعد سفوح
الجبال عن النهر بنحو ميلين
.

 

خامساً
– في الأماكن المتاخمة لبيسان، يبين المقطع المستعرض للسهل ثلاثة مستويات: الأول
هو المستوى الذي تقع فيه بيسان على عمق نحو 300 قدم تحت مستوى سطح البحر، ثم مستوى
الغور نفسه على عمق نحو 400 قدم من المستوى الأول بانحدار شديد، ثم يليه مستوى
الزور أو الخندق الضيق وعرضه نحو نصف إلى ربع الميل، وينخفض عن المستوى الثاني
بنحو 150 من الأقدام . ويمتد المستوى الأعلى غرباً حتى سفوح جلبوع حيث ينتهي
تماماً في الجنوب . أما في الشمال فإنه يرتفع تدريجياً نحو هضبة " كوكب
" ونحو النجود الغربية فوق بحر الجليل بنحو 1800 قدم فوق الأردن
.

 

وبعد
أن يترك النهر سهل بيسان يخترق وادياً ضيقاً يبلغ 12 ميلاً طولاً وميلين أو ثلاثة
عرضاً حيث ترتفع الأرض نحو الغرب، إلى حوالي 500 قدم فوق سطح البحر . ويمتليء سهل
بيسان بينابيع المياه العذبة، وبعضها ينابيع حارة، ولكن تياراً كبيراً من المياه
الملحة الدافئة يصب في وادي الملح في أقصى الشمال من هذا القسم الخامس
.

 

سادساً
– في القسم السادس، وهو اقليم " دامية "، يتسع الوادي إلى ثلاثة أميال
غرباً، وخمسة أميال شرقي الأردن، وهنا تبرز من ناحية الغرب صخرة " قرن سرطوبة
" العظيمة كالبرج الشامخ على ارتفاع 2400 قدم فوق النهر
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر صموئيل الأول 13

 

سابعاً
– بعبور جبل " قرن سرطوبة " نصل إلى القسم السابع، وهو واد متسع يمتد
بالقرب من فزئيل " إلى عش الغراب " شمالي أريحا، ويصل اتساع الغور نفسه
في هذه المنطقة إلى خمسة أميال غربي النهر، وإلى أكثر من ذلك في الشرق، وأما
الخندق الأدني أو " الزور " فهو أكثر اتساعاً هنا أيضاً، كما أنه ينفصل
عن الغور . ولقد اكتشف فريق المساحين ظاهرة جغرافية غريبة لهذا الأقليم، فإن فرعي
" الفرا " " والعوجة " الوفيري المياه، لا يصبان مباشرة في
الأردن بل ينحرفان جنوباً نحو الميل إلى الغرب منه، ثم يجرى كل منهما نحو ستة
أميال في موازاة النهر تقريباً، وهكذا نجد أن مصب " الفرا " في الحقيقة
يقع حيث يقع الوادي التالي كما في معظم الخرائط
.

 

ثامناً
– أما القسم الثامن والاخير فهو سهل أريحا الذي يبلغ مع حوضه المقابل (غور السسبان)
شرقي الأردن، أكثر من ثمانية أميال شمالاً وجنوباً، وأكثر من 14 ميلاً عرضاً،
والأردن في الوسط تقريباً، أما الزور فيبلغ هنا نحو الميل عرضاً على عمق نحو 200
قدم أسفل سهل الغور المتسع
.

 

4- المناخ، حيواناته ونباته: يعتبر مناخ وادي الأردن الأدنى أكثر من مداري،
وذلك بسبب انخفاضه عن مستوى البحر ففي شهور الصيف قلما تقل درجة الحرارة عن 100
فهرنهيت، حتى بالليل . ولكن في شهور الشتاء، يكون النهار حاراً ولكن تنخفض درجة
الحرارة ليلاً لتصل إلى 40 فهرنهيت.

 

أما
حيوانات هذا الجزء من وادي الأردن وحول البحر الميت – فكما يقول الأستاذ ترسترام –
هي نفسها التي تعيش الآن في إثيوبيا . فمن الحيوانات الثديية في هذا الأقليم، يوجد
34 نوعاً منها إثيوبية، 16 نوعاً هندية، رغم أنه لا يوجد الآن أي ارتباط بينه وبين
إثيوبيا أو الهند . كما أن الأسماك في الأردن تبدو متجانسة جداً مع كثير من
الأنواع التي تعيش في النيل وفي بحيرات وأنهار أفريقيا المدارية . كذلك هناك أنواع
كثيرة من الطيور التي تعيش في الحوض الأدني وحول البحر الميت تشابه تلك التي تعيش
في إثيوبيا والهند
.

 

وكذلك
فإن النبات لا يقل عن ذلك أهمية، فمن بين 162 نوعاً من النبات الموجودة في الركن
الجنوبي الغربي للبحر الميت نجد 135 نوعاً تشابه الأنواع الأفريقية . ويغطي نبات
البردي الذي تميزت به مصر زمناً طويلاً، عدة أفدنة من مستنقعات بحيرة الحولة، وهو
لا يوجد الآن في أفريقيا إلا في أعالي النيل، فيما وراء خط عرض 7 شمالاً . وأكثر
الأشجار والنباتات المعروفة في وادي الأردن هي نبات زيت الخروع والدفل السام الذي
ينمو بصفة خاصة حول أريحا، وأنواع عديدة من أشجار السنط، ونبات الكبر، وتفاح البحر
الميت وأشجار الغاب العربية، والبلوط، وأنواع من البامبو المزهر، والريحان المصري (ويظن
أنه هو بلسان جلعاد) ونبات " بوبيولس افراتيكا " (وهو نبات ينتشر في كل
جهات أسيا الوسطى، ولكنه لا يوجد غربي الأردن) وغير ذلك من النباتات المدارية
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي