الإسكندر
الأكبر

 

أ-
والده وطفولته: ولد فى عام 356 ق .م وهو ابن فيليب ملك مكدونية وأمه أوليمبياس
ابنة نيوبوطلموس ملك إيبروس . ومع أن الإسكندر لا يذكر بالاسم فى الأسفار
القانونية فى الكتاب المقدس، إلا أنه يشار إليه بصورة واضحة جدا فى سفر دانيال (8:
5و21) . أما سفر المكابيين الأول، وفى العدد الأول منه، فيذكر اسمه على أنه الملك
الذى قضى على الامبراطورية الفارسية، وأنه مؤسس الامبراطورية اليونانية لو لم يكن
فيليب هو والد الإسكندر، لما صار الإسكندر إلى ما صار إليه . لقد كان فيليب رهينة
مدة من الزمن في طيبة (اليونانية) وعرف وهو هناك أهمية التغييرات التى أدخلها
أبامنونداس فى النظم والفنون الحربية . ولا شك فى أن فيليب قد اكتسب الكثير من
أسرته التى تنتسب إلى هرقل، التى ارتبطت بعلاقات قوية مع رجال أثينا مع أمثال
أبقراط، كما تأثر فيليب شخصيا بأبامنونداس . كما يبدو أنه جمع إلى إعجابه بالفنون
الإغريقية، شيئا من الثقافة الهيلينيه والتقدير لأثينا باعتبارها أعظم مراكز تلك
الثقافة وأدى إعجابه بالفنون الحربية إلى تطبيق النظام العسكرى الطيبي على جنوده
من الفلاحين فى مكدونية، كما أثبت نظام
" الكتائب
" فى الجيش المكدوني أنه أقوى سلاح حتى ذلك الوقت . وقادته الحضارة اليونانية
– التى لبس قناعها- إلى التأكيد على نسبة الهيلينى حتى يصبح له الحق فى مجتمع هلاس
من ناحية، ومن الناحية الأخرى ليعين أرسطو مدرسا خاصا لابنه الإسكندر، وبمزيج من
العنف والدهاء وللظروف المواتية، تعين فيليب قائدا عاما للولايات الهيلينية، ثم
أثار هذه الولايات لتعلن الحرب ضد " الملك العظيم ". وفي كل هذه كان
يمهد الطريق لابنه الذي كان سيخلفه بعد القليل
.

ب-
إعداده للعمل: اهتم فيليب بإعداد ابنه للمستقبل، فالإسكندر وقد تتلمذ على أرسطو،
كان يمتلئ بمشاعر وأفكار إغريقية أكثر من والده، وقد بدأ مبكرا بالإشتغال بامور
الحكم والحرب، فبينما كان فيليب مشغولا بحصار بيزنطة، أرسل ابنه ليحل محل انيتباتر
فى إدارة البلاد، وكان عمر الإسكندر فى ذلك الوقت لا يتجاوز الستة عشر ربيعا .
وكان عليه وهو يشغل ذلك المنصب أن يعد حملة عسكرية ضد الليريكيين ولعلها كانت حملة
تأديبية . وبعد ذلك بعامين، وفى المعركة الفاصلة فى كايرونيا، قاد الإسكندر سلاح
فرسان مقاطعات مكدونية، " الرفاق"، بنجاح ومهارة فائقة، فكانت هى
المعركة التى حددت مصير المدن اليونانية المستقلة . وفى تلك المعركة، لم ينقذ حياة
أبيه فحسب، بل – ببراعته وشجاعته – أسهم كثيرا فى إحراز النصر
.

ج-
اعتلاه عرش اليونان: عندما كملت كل الخطط لغزو فارس، حتى أن جزءا من الجيش عبر
بالفعل الدردنيل، فى ذلك الوقت بالذات، قتل فيليب وعندما اطمأن الإسكندر على توليه
العرش خلفا لأبيه، وتقدم إلى كرونثوس حيث تثبت من حلوله محل أبيه كقائد لهلاس ضد
داريوس . وقبل أن يعبر إلى أسيا، كان عليه أولا أن يؤمن الحدود الشمالية ضد غزوات
محتملة من القبائل البربرية، فغزا تراقيا، وخلع الترباليين، ثم عبر الدنواب وهزم
الجيتائيين وفى أثناء غيابه فى تلك الأقاليم غير المعروفة عند كثيرين، انتشرت
إشاعة بأن الإسكندر فقد قتل، وشرع الطيبيون فى حركة للتحرر منة نير المكدونيين،
ولهذا عند عودته إلى اليونان انتقم نقمة رهيبة من طيبة، ليس فقط باعتبارها زعيمة
هذه الحركة بل باعتبارها ايضا أقوى الولايات اليونانية
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أسفار المكابيين 1

د-
حملته فى أسيا الصغرى: حالما أمن الإسكندر مؤخرته، جمع جيشه فى " بلا"
ليعبر الدردنيل لكى ينتقم لليونان من الفرس الذين كانوا سبب آلام كثيرة ومعاناة
لليونانيين على يد أجرزكسيس (أحشويرش) الذى قيل عنه: " هوذا ثلاثة ملوك أيضا
يقومون فى فارس والرابع يستغنى أوفر من جميعهم وحسب قوته بغناه يهيج الجميع على
مملكة اليونان " (دانيال 11: 2) ولإعجابه بقصيدة الإلياذة، نجد أنه عندما جاء
إلى موقع طروادة، كرم أخيلوس – الذى ادعى أنه أحد أسلافه – بتقديم ذبائح وألعاب
مختلفة . ولعل ذلك يرجع إلى طبيعته الرومانسية، كما أنها كانت سياسة حكيمة منه فقد
كان اليونانيون على استعداد لمصالحة من سلبهم حريتهم، إذا كان فى مقدوره إحياء
أبطال الإلياذة فى شخصه . ويجدر بنا ملاحظة مدى الدقة التى وصفت بها غزوة الإسكندر
فى نبوة دانيال (8: 5) . و من طروادة تقدم جنوبا حيث حدثت المواجهة بينه وبين
القوات الفارسية عند نهر جرانيكوس وقد أبدى الإسكندر الأكبر فى المعركة من الشجاعة
ما يشبه شجاعة أبطال هوميروس، كما أظهر برعته كقائد متمرس فى فنون الحرب، فولت
قوات فارس الأدبار بعد مذبحة رهيبة، وقبل أن يتوغل أكثر فى فارس، أكمل سيطرته على
أسيا الصغرى بسرعته الخاطفة وخططه المحكمة . وهنا أيضا أظهر الإسكندر معرفته
بحساسية الشعوب من نحو التفاؤل، فذهب إلى " جورديوم " وقطع العقدة التى
ترتكز عليها امبراطورية أسيا، كما تروى الأساطير
.

ه-
معركة أسوس واختراق سوريا إلى مصر: وما فعله الإسكندر رمزيا بقطع العقدة الجوردية،
كان لابد أن يتم في الواقع، فلم يكن هناك بد من حل مسألة السيادة على أسيا بالسيف،
فقد علم أن داريوس قد جمع جيشا جرار وأنه قادم للقائه، ومع أن العدو الفارسي كان
يقدر عدده بحوالي نصف مليون رجل، إلا أن الإسكندر أسرع للقائه . وكانت سرعة حركة
الإسكندر – كما رمز له في سفر دانيال بتيس المعز الذى " جاء من المغرب … ولم
يمس الأرض " (دانيال 8: 5) – إحدى مميزاته العظيمة . والتقى الجيشان فى سهل
أوس الصغير نسبيا حيث فقد الفارسيون ميزة عددهم الكبير، فانهزموا هزيمة ساحقة،وقتل
منهم عدد كبير، وكان داريوس نفسه قدوة لجيشه فى الهروب، وتعقب الإسكندر الجيش
المنهزم حتى قضى عليه تماما . ثم بدأ مسيرته جنوبا على امتداد ساحل سوريا متجها
إلى مصر، الدولة التى ألهبت خيال اليونانيين على الدوام . ومع أن مدنا كثيرة فتحت
أبوابها أمام هذا الظافر المنتصر، إلا أن صور وغزة لم تستسلما إلا بعد حصار طويل
نسبيا . ولعدم استسلام غزة ومقاومتها البالسة، صب الإسكندر عليها غضبه وأخذ قائدهم
العظيم " باتيس " وسحبه حيا خلف مركبته كما سحب أخيلوس هيكتر ميتا خلف
مركبته، ويجب أن نذكر هنا أن هذه الحادثة لم ترد فى كتابات " أريان"
الذى يعتبر أدق مؤرخى الإسكندر . ويقول يوسيفوس إنه بعد أن أخذ الإسكندر غزة ذهب
إلى أورشليم وتقابل مع " يدوع " رئيس الكهنة – الذى أراه نبوة دانيال
عنه، ولكن لم يذكر أحد من المؤرخين اليونانيين هذه الحادثة مما يجعلها موضع شك،
ومع ذلك فهى حادثة محتملة لأن تلميذ أرسطو، وهو يبحث عن المعرفة، وفى أثناء حصاره
لغزة، ذهب مع قوة صغيرة من جيشه إلى تلال اليهودية ليؤمن خضوع أورشليم له، فقد كان
لموقعها أهمية خاصة لاتصالاته، وفى نفس الوقت ليرى هذا الشعب الغريب الذى يعبد
إلها واحدا ولا توجد عنده أصنام
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م متان بعل ل

و-
تأسيس الإسكندرية وزيارة معبد آمون: عندما دخل الإسكندر مصر، خضعت البلاد كلها له
دون أدنى مقاومة . وقد دفعته حقيقة ورود اسم " فاروس " فى الأوديسا،
وأنه يستطيع أن يحكم مصر من شاطئ البحر، إلى تأسيس مدينة الإسكندرية على شريط
الأرض مقابل جزيرة " فاورس" الذى كان يفصل بين بحيرة مريوط والبحر
المتوسط . وتشكل هذه الجزيرة حاجزا طبيعيا جعل من الممكن إنشاء ميناء مزدوجا واسعا،
كما أن البحيرة تتصل بالنيل وبذلك تفتح الطريق للملاحة الداخلية . وكعادة الإسكندر،
كانت الرومانسية والسياسة تسيران جنبا إلى جنب، واصبحت المدينة التى أسسها عاصمة
للبطالسة وأكبر مدن العالم اليونانى . وفى أثناء قيامة بترتيب الحكم فى البلاد،
قضى بعض الوقت فى زيارة معبد " آمون رع " حيث تم تتويجه ابنا للإله آمون،
ولم يكن هذا – عند المصريين – يعنى أكثر من اعتباره ملكا شرعيا، لكنه ادعى أن هذا
اللقب يضفى عليه صفة إلهية كأى بطل من أبطال هوميروس . ومنذ ذلك الوقت ظهرت صورة
رأس الإسكندر على العملة متوجا بقرن كبش مثل آمون رع . وقد شدت هذه الواقعة خيال
الشرقيين حتى إنه دعى فيما بعد " إسكندر ذا القرنين " . ومن المستحيل أن
نعتقد أن كاتب سفر دانيال – فى مواجهة اللقب العامي للإسكندر ذى القرنين – كان
يستطيع أن يصف فارس- القوة التى هزمها الإسكندر – بكبش ذى قرنين (دانيال 8: 3و20)
إلا إذا كان السفر قد كتب قبل أن يذهب الإسكندر إلى مصر
.

ز-
المعركة الأخيرة مع داريوس: بعد أن انتهى الإسكندر من ترتيب أمور مصر بدأ يعد
العدة للمواجهة الأخيرة مع داريوس، وباطلا حاول داريوس أن يعرض على الإسكندر
اقتسام الإمبراطورية . ويقول الكتاب: " ورأيته وصل إلى جانب الكبش فاستشاط
عليه " (دانيال 8: 7) . ولم يقبل منه إلا التسليم المطلق، فلم يكن أمام
درايوس إلا أن يعد للصراع الأخير، فحشد جيشا جرارا أكثر من الجيش الذى كان معه فى
موقعه أسوس، وقبع فى السهل الواقع شرقي نهر دجلة، فأسرع الإسكندر للقائه، ورغم أن
السهل حول جوجاميلا كان موقعا ممتازا لحركة الجيش الفارسي الذى كان يتكون معظمه من
الفرسان، وكانت للفرس فرصة أفضل للاستفادة من عددهم الكبير بالمقارنة مع جيش
الإسكندر القليل، إلا أن النتيجة كانت هى نفس ما حدث فى أسوس، هزيمة ساحقة ومذبحة
كبرى . وكان من نتيجة هذا النصر استسلام الجزء الأكبر من إمبراطورية فارس
.

هل تبحث عن  ئلة مسيحية هل الله أمر بالسرقة والسلب ب

وبعد
عمل بعض الترتيبات اللازمة لحكم الأقاليم الجديدة، واصل الإسكندر زحفه وراء داريوس
الذى لجأ لحماية " بسوس " حاكم " بكتريا " (وهى الآن
أفغانستان وكازاخستان)، وأخيرا قتل بسوس داريوس لكى ينال رضى الإسكندر أو لعله
لفشله فى ذلك .ولكن
الإسكندر أسرع إلى احتلال بكتريا وسوجديانا،وقبض
على بسوس وقتله . وفى محاولة من الإسكندر للتمثل "بباكوس " تقدم لغزو
الهند وهزم كل من قابلهم فى طريقه حتى وصل إلى نهرر ستلج (الفرع الشرقى لنهر السند)،وهنا
رفض المحاربون المكدونيون مواصلة الزحف إلى ما وراء ذلك.

ح-
نهاية حياته: وهكذا اضطر الإسكندر إلى التخلى عن آماله فى غزو الشرق الأقصى، ورجع
إلى بابل التى أراد أن يجعلها العاصمة الكبرى لمبراطوريته، وشرع بكل طاقته الخارقة،
فى تنظيم أقطار الامبراطورية وليجعل من بابل عاصمة تليق به . وبينما هو منهمك فى
كل هذه، أصابته الملاريا التى اشتدت وطأتها عليه لإفراطه فى الأكل والشرب، فمات فى
الثالثة والثلاثين من عمره
.

ط-
أثره: لا يمكن النظر إلى الإسكندر كمجرد قائد حربى عظيم فحسب، فلو أنه كان هكذا،
لما ترك من الأثر فى تاريخ العالم أكثر مما ترك تيمورلنك أو أتيلا، ولكنه عندما
فتح أسيا، عمل على نشر الثقافة الهيلينية في ربوعها، فأسس مدنا يونانية كثيرة فى
كل مكان، كان لها حق الحكم الذاتى. وعن هذا الطريق انتشرت الثقافة الهيلينية
واللغة اليونانية فى الجنوب الغربي من أسيا حتى أن بعض الفلاسفة أتوا من شواطئ
الفرات ليعلموا فى مدارس أثينا . وعن طريق انتصارات الإسكندر صارت اللغة اليونانية
هى لغة الأدب والتجارة فى كل البلاد من شواطئ البحر المتوسط إلى ضفاف نهر دجلة .
ولقد كان لانتشار اللغة اليونانية أثر بالغ فى نشر الإنجيل، يستحيل علينا تقييمه
.

 

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي