بحر
الاحمر

 

وهو
بحر سوف (خر 10: 19 … الخ) ويسمي في مواضع كثيرة " البحر " فقط (خر 14: 2
و 9 و 16 و 21 و 31، 15: 1 و 4 و 8 و 19 و 21
….).

1- الاسم: لقد أثار الاسم العبري " يمّ – سوف " الكثير من الجدل
حوله، فكلمة " يمّ " هي الكلمة التي تطلق على " البحر " أو أي
مجتمع للمياه. وإذا أطلقت بدون وصف أو اضافه، فقد تعني البحر المتوسط أو البحر
الميت أو البحر الاحمر او بحر الجليل، بل قد تدل في بعض المواضع على نهر النيل أو
نهر الفرات

….

وكلمة
" سوف " تعني " الحلفاء " وهي شجيرات تكثر في المناطق السفلي
من النيل، والأطراف العليا (الشمالية) من البحر الأحمر. وقد خبأت أم موسى، السفط
الذي وضعت فيه ابنها الرضيع " بين الحلفاء " (خر 2: 3 و 5). وحيث أن
كلمة " سوف " لاتعني " أحمر "، كما أن لون الحلفاء ليس أحمر،
إختلفت الآراء حول سبب تسمية البحر الأحمر بهذا الاسم، فزعم البعض بأنه " سمي
بالأحمر " بالنسبة لمظهر الجبال التي تكتنفه من الغرب. وزعم البعض الآخر أنه
سمي هكذا بالنسبة للون المياه الناتج عن وجود الشعاب المرجانية الحمراء وغيرها من
الأعشاب البحرية. ويرجع البعض أن الاسم نشأ أصلاً من اللون النحاسي الذي يتميز به
سكان شبه الجزيرة العربية المتاخة له من الشرق.

والاسم
" يم سوف " (بحر سوف) وإن كان يطلق علي كل البحر، فإنه كان يطلق بصفة
خاصة على الجزء الشمالي، الذي لايذكر في الكتاب المقدس سواه بما فيه خليج العقبة
وخليج السويس اللذان يضمان بينهما شبه جزيرة سيناء.

2- وصفه: يبلغ طول البحر الأحمر من مضيق باب المندب
بالقرب من عدن، حتي رأس محمد – في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة سيناء – نحو 1,200
ميل، ويمتد كل من خليجي العقبة والسويس نحو 200 ميل أخري إلى الشمال. ومن العجيب
أنه رغم أنه لاتصب فيه أنهار بالمرة، ورغم شدة تبخر المياه من سطحه، فإن درجة
ملوحته لا تزيد كثيراً عن درجة ملوحة المحيط، مما يدل على أن مياه المحيط تتدفق
إليه باستمرار عن طريق باب المندب، وفي نفس الوقت تتسرب منه المياه الأكثر ملوحة
في الطبقات السفلى، إلى المحيط. ويبلغ أقصى عمق فيه نحو 1,200 قامة (القامة = 6
أقدام). ولانخفاض مستوي سطح الأرض في العصور الجيولوجية الحديثة، كان خليج السويس
– قبلاً – يمتد في الأرض المنخفضة التي تفصله عن البحيرات المرة، على مسافة 15 أو
20 ميلاً، والتي تشقها الآن قناة السويس، التي لم يكن في الأرض التي شقت فيها
مايزيد ارتفاعه عن 30 قدما. وفي العصور التاريخية القديمة كان خليج السويس يمتد حتى
الاسماعلية على بحيرة التسماح. وترتفع الأرض إلى الشمال من بحيرة التمساح إلى نحو
خمسين قدماً وظلت زمناً طويلاً ممراً للانتقال مابين أفريقية وأسيا. وحدث في أحد
العصور الجيولوجية (العصر الترتياري أي الثلاثي الأوسط والمتأخر) أن الأرض بلغت من
الإِنخفاض حداً جعل مياه البحر تغمر هذا الجزء أيضاً، فاتصل البحران المتوسط
والأحمر عندما غمرت المياه منطقة واسعة امتدت إلى كل سطح مصر السفلي.

3- الاشارات إليه في العهد القديم: يرتبط البحر
الاحمر بتاريخ بني إسرائيل لعبورهم ذلك البحر، كما يسجله الأصحاح الرابع عشر من
سفر الخروج، كما توجد بعض الاشارات القليلة إليه في العصور التإليه لذلك، فنقرأ أن
الملك سليمان عمل " سفناً في عصيون جابر التي بجانب أيله على شاطيء بحر سوف
في أرض أدوم " (1 مل 9: 26) وهي علي الطرف الشمالي لخليج العقبة، الفرع
الشرقي للبحر الاحمر. وقد أرسل الملك حيرام – ملك صور –نوتية لهذه السفن، "
عارفين بالبحر، فأتوا إلى أوفير وأخذوا من هناك ذهباً " (امل 9: 27 و 28)
.

ونقرأ
أن الملك يهوشفاط عمل " سفن ترشيش لك تذهب إلى أوفير لأجل الذهب، فلم تذهب
لأن السفن تكسرت في عصيون جابر " (ا مل 22: 48، 2 أخ 20: 36 و 37)، وقد يكون
اسم " ترشيش " هنا إشارة إلى نمط معين من السفن، أو أنها كانت مكاناً ما
في جزائر الهند الشرقية، وهو الارجح، حيث أن الملك سليمان كانت له " سفن
ترشيش تأتي مرة كل ثلاث سنوات ….. حاملة ذهباً وفضة وعاجاً وقروداً وطواويس
" (ا مل 10: 22) وهي جميعها من متاجر الهند.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ش شخصيّة ة

ولقد
ضاعت " أيلة " من إسرائيل عندما نجحت ثورة أدوم في زمن الملك يورام (2
مل 8: 20) ثم استردها ابنه عزريا لمدة وجيزة (2 مل 14: 22)، ولكن في زمن الملك
آحاز استولى عليها الأراميون (أو بالحري الأدوميون) وطردوا منها الإِسرائليين نهائياً.

4- عبور بني إسرائيل: لم يثبت إلا في العصور
الحديثة أن خليج السويس كان يمتد شمالاً لمسافة ثلاثين ميلاً حتي موقع مدينة
الاسماعلية، وكان يظن أن مدينة فيثوم القديمة كانت في موقع مدينة السويس علي رأس
الخليج، ولكن لايوجد عند السويس مسطح من المياه الضحلة، يكفي لأن تفتح فيه الرياح
الشرقية – كما جاء في سفر الخروج (14: 21) – طريقاً ذا إتساع كاف يسمح بعبور كل
ذلك الجيش الجرار في ليلة واحدة، ثم لو أن بني إسرائيل كانوا إلى الجنوب من
البحيرات المرة، ولم يكن الخليج وقتئذ ممتداً إليها، لما كان هناك ما يدعو لإِجراء
المعجزة وشق المياه، فقد كان المجال متسعاً أمامهم وأمام جيش فرعون للدوران حول
الطرف الشمالي للخليج، والوصول إلى الجانب الشرقي، بينما المياه في جنوبي السويس
أعمق من أن تستطيع الرياح أن تفتح فيها طريقاً، لكن مع امتداد مياه الخليج إلى
البحيرات المرة وبحيرة التمساح – وهو ما أوضحناه فيما سبق – فإن كل الوقائع
المذكورة في القصة تنسجم تماماً مع الأحوال الطبيعية الموجودة، مما يؤيد هذه
الوقائع إلى أبعد الحدود ويجعلها حقيقة تابتة أكيدة.

 

لقد
كان بنو إسرائيل في رعمسيس (خر 12: 37) في أرض جاسان، وهو مكان لم يحدد تماماً بعد،
ولكنه لا يمكن بأي حال أن يبعد كثيراً عن موقع مدينه الزقازيق على الترعة التي تصل
ما بين النيل والبحيرات المرة، وبعد مسيرة يوم واحد شرقاً على امتداد وادي طميلات،
الذي ترويه هذه الترعة، جاءو إلى سكوت، التي يحتمل أنها كانت على الحدود الفاصلة
بين قارتي أفريقية وأسيا، وإن كان " نافيل " قد أثبت بكشوفه في 1883م،
أن في هذا المكان كانت تقع مدينة فيثوم، إحدى مدينتي المخازن التي سخر فرعون بني
إسرائيل في بنائهما (خر 1: 11)، فقد اكتشف نافيل الكثير من الحفر التي كان يخزن
فيها القمح في أيام رمسيس الثاني كما جاء في سفر الخروج، والأجزاء السفلي من
جدرانها مبنية باللبن المصنوع من الطين والتبن، والأجزاء المتوسطة مبنية باللبن
المصنوع من الطين والقش، أما الأجزاء العليا فمن اللبن المصنوع من الطين فقط بدون
تبن أو قش (خر 5: 6 – 18). وبعد مسيرة يوم آخر جاءوا إلى " إيثام " في
طرف البرية (خر 13: 2، العدد 33: 6). والأرجح أنها كانت قريبة من موقع مدينة
الإسماعيلية الحالية على رأس بحيرة التمساح. وكانت الطريق الطبيعية من هذا الموقع
إلى فلسطين، هي طريق القوافل التي كانت تمر خلال منخفض في المنطقة السابق الإِشارة
إليها، والتي ترتفع نحو خمسين قدماً فوق سطح البحر. وكانت إيثام على بعد نحو
ثلاثين ميلاً إلى الجنوب الشرقي من صوعن أو تانيس مقر فرعون في ذلك الوقت ومنها
كان يراقب تحركات الإِسرائليين، فلو أنهم ساروا في الطريق المباشر إلى أرض فلسطين،
لكان في الإِمكان القيام بحركة سريعة لتطويقهم في برية إيثام، ولكن بأمر إلهي (خر
14: 2) تحول موسى إلى الجنوب على الجانب الغربي من إمتداد البحر الأحمر، ونزل أمام
فم الحيروث بين مجدل والبحر (خر 14: 2، العدد 33: 5 – 7) ولقد كان هذا التحول في
خط سير بني إسرائيل، مبعث الرضي في قلب فرعون،فقد رأي أنهم
" مرتبكون في الأرض، قد استغلق عليهم القفر "،
وبدلاً من القيام بحركة تطويق، أصبح من السهل عليه مهاجمتهم من الخلف وإدراكهم
" وهم نازلون عند البحر عند فم الحيروث " وتحديد هذا الموقع في غاية
الأهمية لفهم باقي القصة.

لقد
ذكر في العدد الثاني من الأصحاح الرابع عشر من سفر الخروج، أن " فم الحيروث
بين مجدل والبحر أمام بعل صفون ". ومع أن كلمة
" مجدل"
تعني أصلاً " برج مراقبه "، لكن من غير المحتمل أن يكون هذا هو معناها
المقصود هنا، وإلا كان بنو إسرائيل يسيرون بأقدامهم نحو أحد الحصون المصرية، لهذا
فالأرجح أن " مجدل " هي قمة الجبل التي تشبه البرج، في الطرف الشمالي
لجبل جنيفه الذي يسير موازياً للبحيرات المرة وعلى مسافة قصيرة من شاطئها الغربي،
ويمكن أيضاً أن " بعل صفون " كان أحد قمم الجبال على حدود برية فاران
المقابلة للشلوفة في منتصف الطريق بين البحيرات المرة والسويس. وفي جو المنطقة
الصافي، يمكن رؤية هذه السلسلة من الجبال بوضوح من أي موقع فيما بين الاسماعلية
والسويس. ويبدو أنه لا يوجد اعتراض جدي على هذا الرأي، حيث لا يجمع العلماء على
رأي واحد فيما يختص بموقعه، ويبدو من معني الاسم " بعل صفون " أنه كان
أحد مراكز عبادة البعل، ومن الطبيعي أنه كان جبلاً. ويقول بروجز إنه جبل كاسيوس
على الشاطيء الشمالي من مصر، أما نافيل فيجمع بينه وبين جبل طوسوم إلى الشرق من
بحيرة التمساح حيث يوجد مزار – حتي العصر الحالي – يؤمه عدد كبير من الحجاج في
الرابع عشر من يوليو من كل عام، ولكن ليس ثمة سبب يربط بين هذا المزار وأي معبد
كنعاني. أما داوسن فيجعل موقعه مع موقع فم الحيروث الذي حددناه، ولكنه يضعه بجانب
الجزء الجنوبي الضيق من البحيرات المرة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر عوبديا القمص تيموثاوس ميلاد د

وعلي
أي حال، من الطبيعي أن يكون هذا الموقع هو المكان الذي نزل به بنو إسرائيل، وليس
ثمه صعوبة – كما
يزعم نافيل – في مرورهم بين جبل جنيفة والبحيرات
المرة، لأن الجبل لا ينحدر فجاة إلى البحيرة، ولكنه يترك مسافة كافية لمرور
القوافل، وفي حماية الجبل من ناحية، والبحيرة من الناحية الأخرى، من أي حركة من
فرعون لتطويقهم، ويعطل جيشه عن مضايقة الإِسرائليين، وتحت هذه الحماية، وجد بنو
إسرائيل سهلاً متسعاً يستطيعون أن ينتشروا فيه وينصبون خيامهم، وإذا افترضنا أنهم
قد وصلوا جنوباً حتى الشلوفة، فاننا نجد أن كل الظروف تلائم كل ما جاء بالقصة، فقد
أمر الرب موسى أن يقول لبني إسرائيل أن يرحلوا، فإن البحر سينشق أمامهم، ويعبر فيه
بنو إسرائيل على اليابسة، وعندما مد موسى يده – بناء على أمر الرب – على البحر
" أجري الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل، وجعل البحر يابسه وانشق الماء،
فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة، والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم.
وتبعهم المصريون ودخلوا وراءهم. جميع خيل فرعون ومركباته وفرسانه إلى وسط البحر
" (خر 14: 21 – 30). وعندما أصبح بنو إسرائيل في أمان على الشاطيء
الآخر، " رجع الماء وغطي مركبات وفرسان جميع جيش فرعون
".

وفي
ترنيمة موسى عقب ذلك، والتي يصف فيها ما حدث، يقول: " بريح أنفك تراكمت المياه
" (خر 15: 8)، ثم يقول في العدد العاشر: " نفخت بريحك فغطاهم البحر
". وهكذا يتكرر ثلاث مرات، القول بأن الرب قد استخدم الريح لشق طريق في
المياه. وقدر ة الريح على ازاحة المياه من الممر الذي يصل بين خليج السويس
والبحيرات المرة – على أساس أن عمقه لم يكن يتجاوز بضعة اقدام – قد ثبتت تماماً من
واقع المشاهدات الحديثة، فيقول " الميجور جنرال تولك " من الجيش
البريطاني، بأنه قد شهد بنفسه كيف أزاحت الرياح المياه حتي انخفض مستوي سطحها
مسافة ستة اقدام حتي جنحت السفن الصغيرة على القاع الموحل. ويقول تقرير لشركة قناة
السويس أن الفرق بين أقصى ارتفاع وأدنى ارتفاع للماء في القناة هو عشرة أقدام وسبع
بوصات، وذلك بفعل الريح حيث أن حركة المد والجزر لا تاثير لها على ا لبحر الأحمر.
ويلاحظ بقوة، تأثير الريح على ازاحة المياه في بحيرة " ايري " في
الولايات المتحدة الامريكية، حيث أنه بناء على تقرير من إدارة مجاري المياه
العميقة في 1896 (ص 165، 168)، يحدث كثيراً أن الريح الشديدة من الجنوب الغربي
تخفض مستوي سطح الماء عند " توليدو " في ولاية أوهايو على الطرف الغربي
من البحيرة إلى ما يزيد عن سبعة أقدام، وفي نفس الوقت ترفع مستوي سطح الماء عند
" بافلو" علي الطرف الشرقي، بنفس المقدار، بينما التغير في اتجاه الريح
في أثناء مرور الاعصار الواحد، يعكس الأوضاع، أي أن التغير في مستوي سطح الماء في
الموقع الواحد يبلغ نحو أربعة عشر قدماً في خلال يوم واحد. ولا شك أن الأمر يستلزم
اعصاراً أقل شدة ليكشف قاع المجري الضحل الذي يفترض أنه كان يفصل في ذلك الوقت بين
مصر وشبه جزيرة سيناء.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 06

ولقد
ثارت اعتراضات كثيرة على هذه النظرية لايسعنا إلا تناولها بإيجاز:

أ يقول البعض إن بني إسرائيل كانت تعترضهم عقبة
لايمكن تخطيها، وذلك في تقدمهم فوق شواطىء شديدة الانحدار على كلا الجانبين.

والحقيقة
هي أنه لم تكن ثمة شواطىء شديدة الانحدار، بل كان هناك ممر قليل الانحدار يؤدى إلى
المنخفض، ويقابله على الجانب الآخر طريق صاعد في يسر.

ب
– كثرت التعليقات على العبارة: " والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم "
(خر 14: 22)
.

ولكن
عندما ندرس الإستخدام البلاغي لكلمة " سور "، نجد أنه ليس ثمة مشكلة، إذ
نقرأ في سفر الأمثال (18: 11): " ثروة الغني مدينته الحصينة، ومثل سور عالي
في تصوره "، وفي إشعياء (26: 1) أن الله " يجعل الخلاص أسواراً ومترسة
"، ثم في ناحوم (3: 8) يقول عن " نومصر " إن حصنها هو " البحر
ومن البحر سورها "، فالمياه المحيطة بها كانت كسور لها يحيمها. فالمياه لم
تترك الفرصة أمام فرعون للقيام بحركة لتطويق بني إسرائيل واعتراض طريقهم. ويجب في
مثل هذه الأسإليب الشعرية المجازية، ألا تؤخذ الكلمات بمعناها الحرفي بل بالمعنى
المجازي، كما في عبارة " تجمدت اللجج في قلب البحر " (خر 15: 8)
.

ج-
كما يقولون إن الريح الشرقية ليست هو الاتجاه الصحيح لتحقيق الهدف المطلوب.
والواقع هو أن الريح الشرقية، لا سواها، هي التي استطاعت إزاحة المياه من ذلك
المجري، أما الريح الشمالية فإنها تدفع مياه البحيرات المرة إلى الجنوب مما يزيد
من عمق المياه في الممر الضيق في طرف خليج السويس، فالريح الشرقية وحدها هي التي
كانت تستطيع تحقيق الهدف المنشود.

د-
يقولون إن هذا التفسير يستبعد الجانب المعجزي في الحادثة. ولكن يجب ملاحظة أنه
لايكاد يذكر شيء عن المعجزة في القصة ذاتها، بل هي سرد للأحداث كما وقعت، مع ترك
الجانب المعجزي لاستخلاصه من طبيعة الاحداث نفسها، وهذا النمط من المعجزات هو ما
يسمية "روبنسون

" "
معجزة الواسطة " أي معجزة نري فيها يد الله تستخدم القوي
الطبيعية التي لايستطيع الإنسان التحكم فيها أو توجيهها. وإذا جرؤ أحد على القول
إنها كانت مجرد صدفة أن تهب الريح الشرقية في نفس اللحظة التي وصل فيها موسى إلى
مكان العبور، فالرد هو ان هذا التوافق الغريب في التوقيت لم يكن ممكناً أن يحدث
على هذه الصورة إلا بتداخل إلهي، فلم يكن هناك مكتب أرصاد جوية للتنبؤ بقرب هبوب
العاصفة، ولايتعرض البحر الأحمر كحركة منتظمه للمد والجزر، ولكنها معجزة النبوة
التي جرؤ موسى معها على التقدم بجحافله إلى المكان المناسب في الوقت المناسب،
والتدخل الإِلهي فيما حدث، أمر لايجدي فيه التخمين وهو لا يحتاج إلى دليل. قد يكون
انشقاق البحر أمراً مقرراً من قبل لمسار قوي الطبيعة التي لا يعلمها إلا الله وحده،
وفى هذه الحالة يظهر التدخل الإلهي في توجيه الأدوات البشرية لقيادة الشعب إلى حيث
يستطيعون الإِفادة من الفرصة التي أتاحتها قوي الطبيعة التي ليس في قدرة الإنسان
أن يحركها كيفما أو وقتما يشاء.

بقي
أن نقول كلمة هامة بخصوص هذا التطابق الكامل بين القصة الكتابية، وبين الأحوال
الطبيعية المعقدة المتصلة بها والتي لم تستجلِ غوامضها إلا الأبحاث الحديثة،
فأصبحت القصة حقيقة راسخة وطيدة لاتحتاج إلى دليل، فليس في مقدور إنسان أن يخترع
قصة بمثل هذه الدقة والتطابق مع كل هذه الأحوال والظروف المعقدة، فهي ليست قصة
مبهمة يمكن أن تنطبق علي الكثير من الظروف، بل هناك مكان واحد في كل العالم،
ومجموعة واحدة من الظروف في كل التاريخ، تنطبق عليها كل تفاصيل القصة. إن في هذا
دليل علمي ليس هناك ما يعلو عنه، فالقصة واقعة حقيقية وليست من نسج الخيال أو من
نتاج أوهام الميثولوجيا أو من تلفيقات الأساطير.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي