بر
– تبرير

 

والكلمة
في العبرية هي " صدق " وفي اليونانية " ديكايوسيس ". وفي
الناحية الشرعية تستخدم للدلالة على إعلان الإنسان مستقيماً أو باراً. وتستخدم
كلمة " ديكايون " اليونانية، وفي الكتاب المقدس بمعناها القانوني.
وسنرجع أولاً في دراسة الموضوع إلى كتابات الرسول بولس حيث تكتسب معناها الكلاسيكي،
ثم ننتقل من كتابات الرسول بولس إلى سائر أسفار العهد الجديد ومنه إلى العهد
القديم.

أولاً
– كتابات الرسول بولس:

ويستند
التبرير – كما جاء في رسائل الرسول بولس – على افتراض الاتي:

1- عمومية الخطية: فجميع الناس لم يولدوا بالخطية
فحسب (أ ف 2: 3) بل لقد ارتكبوا معاصي فعليه كثيرة توقعهم تحت طائلة الدينونة،
ويثبت الرسول بولس هذا بالاستشهاد بآيات من العهد القديم (رو 3: 9 – 18)، وكذلك من
الاختبار العام في كل الأمم (رو 1: 18 – 32) واليهود أيضاً (رو 2: 17 – 28، 3: 9)
.

2- كمال ناموس الله: يتكلم بولس عن كمال ناموس الله
ولزوم حفظه تماماً، لو أريد الحصول على التبرير بواسطته، وهو الأمر المستحيل (رو 3:
10). أما الفكر الحديث الذي ينظر إلى الله باعتباره قاضياً طيباً بطبيعته، غير
متزمت، والقداسة الكاملة أمامه ليست أمراً مستحيلا، فلم يكن هذا فكر بولس أطلاقا.
لو أطاع أحد الناموس طاعة كاملة حقاً، فلا يمكن أن يعتبره الله مذنباً (رو 2: 13)،
ولكن مثل هذه الطاعة لم توجد أبداً. ولم ير بولس في ذلك مشكلة بالنسبة للناموس،
" لأنه لو أعطى ناموس قادر أن يحيي لكان بالحقيقة البر بالناموس. لكن الكتاب
أغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون " (غل
3: 21، 22). ولايعنى ماذكر في غلاطية (3: 19) من أن الناموس أعطي " مرتبا
بملائكة " أنه لم يعط بواسطة الله أيضاً. ويمكن أن يحسب الناموس – بمعنى من
المعاني بين أركان العالم (غل 4: 3) لأنه عنصر ضروري لتنظيم شئون العالم، ولكن ليس
معنى هذا انه ليس مقدساً عادلاً وصالحاً (رو7: 12). وقد زيد بسبب التعديات (غل 3: 19)،
فلقد خلق الإنسان حر الإرادة عرضة للخطأ مما يستلزم وجود الناموس. ووصايا الناموس
السامية الرفيعة جعلت الخطية تبدو خاطئة جداً (رو 7: 13)
.

3- حياة الفادي المخلص وعمله وموته: من الأمور الجوهرية في فكر الرسول
بولس " أن المسيح مات لأجل خطايانا حسب الكتب " (اكو 15: 3) وأنه "
مات في الوقت المعين لأجل الفجار " (رو 5: 6)، وأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح
لأجلنا "، وأننا " متبررون بدمه " (رو 5: 8، 9)، " ونخلص به
من الغضب " (5: 9)، و " لأننا ونحن أعداء صولحنا مع الله بموت ابنه
" (5: 10)، " متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي
قدمه الله كفارة " (3: 24، 25)، فليس ثمة مصالحة ولا تبرير إلا بالمسيح
ولأجله.

أ
اختبار بولس الخاص: لايمكن أن نسقط اختبار بولس من حسابنا. لقد عاش بولس بحسب
الوصية كما وجدها في العهد القديم، فهو لم يحفظ الناموس ظاهرياً فحسب، بل كان
غيوراً عليه فكان " من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم " (في 3: 6).
ولكن ما كان يثقل عليه هو كيف يمكنه أن يقف بمثل هذه البراءة الضئيلة أمام كمال
الله المطلق. ولسنا نعلم إلى أي مدى هزت هذه الشكوك بولس، ولكن يبدو مستحيلاً أن
نتخيل مشهد التغيير الذي حدث بالقرب من دمشق، في حالة مثل هذا الإنسان المستقيم
المتقد غيرة، دون أفتراض إعداد نفسي، ودون أفتراض أن الشكوك قد ساورته حول ما إذا
كان إتمامه للناموس جعله أهلا لأن يقف أمام الله.

ولم
يكن من سبيل أمامه رجل كبولس – تعلم أن يكون فريسياً – للتغلب على هذه الشكوك سوى
الكفاح المتجدد من أجل بره الذاتي الظاهر في غيرته المتقدة التي دفعته للسفر إلى
دمشق لمطاردة المسيحيين، حتى في وهج شمس الظهيرة. لقد هدم التحول الذي حدث له في
رحلته إلى دمشق، فلسفته في الحياة ويقينية الخلاص بأعمال الناموس التي لا يمكن أن
تُؤدى على نحو كامل وبضمير صالح أبدا.

ولقد
كان استعلان المسيح الممجد له وتوكيده أنه المسيا " مسيح " الله الذي
كان بولس يضطهده، هو ما حطم اتكال بولس على بره الذاتي، البر الذي أدى به إلى هذه
النتائج المروعة. ومع أن هذا كان أختباراً فردياً لبولس، إلا أنه أصبح ذا دلالات
شاملة. فلقد أثبت هذا لبولس أن هناك عجزاً متاصلاً في الناموس بسبب الجسد أي بسبب
طبيعة الإِنسان الخاطئة جسدياً ونفسياً وروحياً. فالإنسان يظل خاطئاً متى عمل على
أساس هذا المستوى المتواضع وأن الناموس كان يفتقر إلى قوة وإنارة " الابن
" الذي رغم أنه أرسل " في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في
الجسد " (رو 8: 3) وذلك لكي يتم حكم الناموس في الذين في المسيح يسلكون ليس
حسب الجسد بل حسب الروح (عدد 4)
.

كان
هذا هو مجد البر الجديد المعلن، فلو كان الناموس قادراً أن يحيى، لما كان المسيح
قد جاء، " ولكان بالحقيقة البر بالناموس " (غل 3: 21)، ولكن الحقائق
تظهر أن الناموس – سواء الطبيعي المكتوب في قلوب الجميع أو المعطى لموسى – لم يكن
قادراً على ذلك (رو 1: 18، 3: 19) لذلك يستد كل فم ويصمت كل إنسان أمام الله. فعلى
أساس حفظ الناموس – وهو ما يدعوه الإِنسان العصري بالمباديء الأخلاقية – قد تحطم
أملنا في الخلاص. لقد نطق الناموس بحكم اللغة علينا (غل 3: 10)، لذلك فهو لا
يستطيع أن يقودنا إلى البر والحياة، بل لم يكن هذا هو هدفه الأسمي، لقد كان
الناموس مؤدبنا (أو معلمنا القائد) إلى المسيح لكى نتبرر بالإِيمان (غل 3: 24)،
وما جعل بولس يختلف عن سائر رفقائه هو أن أختباره الخاص المرير – نتيجة استعلان
المسيح له – قد قاده إلى هذه الحقائق.

ب-
القيامة بالارتباط مع الموت: ذكرنا آنفاً أن أساس التبرير – عند بولس هو عمل
المسيح، ويعنى هذا على وجه الخصوص موته قرباناً وذبيحة لله، هذا الموت الذي رأى
الرسل كما يقول ريتشل أن فيه قد تجلت كل قوة فدائه ولكن لايمكن فصل موت المسيح عن
قيامته، تلك القيامة التي أتت بهم أولاً إلى معرفة القيمة العظمى لموته للخلاص،
كما أنها ثبَّت نهائياً إيماننهم بيسوع كابن الله. وكمايقول ريتشل أيضاً: "
إن الخلاص الموضوعي الذي ارتبط بموت المسيح الكفاري، قد أكدته القيامة، وأكدت
نسبته إلى المسيح المقام " فهو " الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل
تبريرنا " (رو 4: 25)، ولكن يجب أن يؤخذ هذا التعبير بمعناه الحرفي الضيق،
كما لو أن بولس قصد أن يفرق بين غفران الخطايا بموت المسيح، والتبرير بقيامته، لأن
كلاً من الغفران والتبرير مترادفان (رو 4: 6 8)، ولكن القيامة هي التي أعطت
المؤمنين الضمان واليقين في المسيح (أ ع 17: 31)، وبالقيامة صعد المسيح وجلس عن
يمين عظمة الله حيث يشفع في شعبه (رو 8 34)، وشفاعته هذه مؤسسة على موته، فهو حمل
الله المذبوح في مشورات الله منذ تأسيس العالم (رو 13: 8)
.

ويقول
" ويس ": إن يقينية تمجيد المسيح بالقيامة من الأموات هي التي جعلت بولس
يؤمن كل الإِيمان بالقيمة الخلاصية لموت المسيح، وليس العكس. لذلك فان اليقين بأن
الله لايمكن أن يأتى بنا إلى دينونة، يرجع أولاً إلى موت المسيح، وبالأكثر إلى
قيامته وإرتفاعه وجلوسه عن يمين الله (رو 8: 34)، لأن القيامة تثبت أول كل شيء أن
موته كان موت وسيط الخلاص الذي فدانا من الدينونة …. لقد تمت الكفارة موضوعياً
بموت المسيح، ولكن تخصيص فاعليتها للتبرير، لا يمكن إلا إذا آمنا بالقيمة الخلاصية
لموته، ويمكننا أن نصل إلى الإيمان بهذا، لأنه قد وضع عليه ختم القيامة.

ج
– الإِيمان وليس الأعمال هو وسيلة التبرير: أن وسيلة أو شرط التبرير هو الإِيمان (رو
3: 22، 25،26،28) الذي يستند إلى نعمة الله الخالصة، ولذلك فالإِيمان نفسه هو عطية
الله (أ ف 2: 8)
.

وكون
الايمان واسطة التبرير الوحيدة، ليس اعتباطا، ولكن لأن الإِيمان هو موقف إستجابة
النفس وقبولها، فهو بطبيعة الحال، الطريق الوحيد للبركة اللإِلهية. إن هبات الله
ليست ضد نواميس النفس التي صنعها الله، ولكنها تتفق مع تلك النواميس، وتأتي من
خلالها. إن الايمان هو اليد الممدودة للواهب الإِلهي، الذي مع أنه يرسل المطر دون
موافتنا، لكنه لا يعطى الخلاص إلا بناء على إستجابة روحية صادقة. وليس الإِيمان هو
مجرد الاعتقاد بصحة الوقائع التاريخية رغم أن هذا لازم ضمناً فيما يختص بموت
المسيح الكفاري (رو 3: 25) وقيامته (رو 10: 9) لكن الإِيمان هو قبول قلبي حقيقى
للعطية (عدد 10)، وهو لذلك قادر أن يحقق لنا السلام مع الله (رو 5: 1)
.

أما
موضوع هذا الإِيمان فهو الرب يسوع المسيح (رو 3: 22،24) الذي به وحده نحصل على
عطية البر ونملك في الحياة (رو 5: 17)، لا عن طريق القديسين ولا الملائكة، ولا
العقائد ولا الكنيسة، ولكن يسوع وحده، وليس معنى هذا بلاشك استبعاد الله الآب
كموضوع الإِيمان، إذ أن عمل الفداء الذي أكمله المسيح هو نفسه عمل الله (2 كو 5: 19)
الذي بين محبته لنا بهذه الطريقة (رو 5: 8)
.

إن
الإِيمان بالله الواحد الوحيد مفترض ضمناً فى كل حال (1 كو 8: 6)، ولكن من عادة
الرسول أن يعزو موضوع التوبة إلى الله والإِيمان إلى المسيح (أ ع 20: 21). ولكن
وحدة الله الآب والمسيح الابن في عمل الخلاص هي أعظم برهان على لاهوت الابن،
كحقيقة موضوعية واختبار داخلي في المؤمن.

ولأن
التبرير هو بالايمان، فهو ليس بالأعمال أو المحبة ولا بكليهما معا. فلا يمكن أن
يكون التبرير بالأعمال لأنها ناقصة في كمها ونوعها وزمانها. كما أنه لا يمكن
قبلوها على أي حال إلا إذا كانت صادرة عن قلب متجدد بالإِيمان كما يستحيل أن يكون
التبرير بالمحبة إذ إنها لا توجد إلا متى سكبها الروح القدس في القلب (رو 5: 5)،
لذلك فالشرط الأساسي الذي لا غنى عنه مطلقاً للقبول أمام الله، هو الإِيمان، وليس
معني هذا أن المحبة ليست تاج الفضائل المسيحية، لأنها هي كذلك في الحقيقة (1كو 13:
13)، ولكنه يعني أن الأساس هو الإيمان ولا يمكن أن ندس المحبة كشرط جزئي للتبرير،
بالأستشهاد بالعبارة التي تذكر عادة لهذا الغرض " الإِيمان العامل بالمحبة
" (غل 5: 6) فإن الرسول يتحدث هنا عن الذين هم فعلاً " في المسيح "،
وليس سواهم، وهو يوجه هذه الكلمات إلى المؤمنين الغلاطيين الذين أدخلوا كثيراً من
الطقوس الناموسية: " لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإِيمان العامل
بالمحبة "، فالحديث هنا هو لمؤمنين، بينما التبرير يرتبط أساساً بالخاطىء فى
علاقته بالله والمسيح. وفي نفس الوقت تتضمن هذه العبارة القوية الروحية الهائلة
الكامنة في الإِيمان. ويقول لوثر في مقدمته لرسالة رومية: " إن الايمان عمل
إلهي فينا وهو يغيرنا ويجددنا في الله كما جاء في إنجيل يوحنا: " الذين ولدوا
ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله " وهذا ينهي علاقتنا
بآدم الاول ويجعلنا خليقة جديدة في القلب وفي الإِرادة وفي الفكر وفي كل قوانا. إن
الإِيمان شيء حي نشيط يثمر أفعالاً صالحة
".

هل تبحث عن  بدع وهرطقات بدع حديثة انبثاق الروح القدس س

د-
ليست المعمودية أيضاً شرطاً للخلاص: فليست الأعمال الصالحة والمحبة وحدها لا
يعتبران من شروط أو وسائط تبرير الخاطىء، بل المعمودية أيضاً، إذ نتعلم من الرسول
بولس أن دور المعمودية ليس التبرير بل التطهير، وهو ما يعني رمزياً أن المعمودية
تشير إلي غسل الخطية والختم على ذلك والدخول إلى الحياة الجديدة بعملية الدفن
والقيامة، وهي حادثة لا يمكن أن ينساها المؤمن المعتمد ولا الشهود.

ويقول
" ويس ": " إن المعمودية تفترض مسبقاً وجود الإِيمان بالمسيح الذي
تعترف به الكنيسة رباَّ، ذلك الإِيمان الذي يجعل المؤمن متحداً بالمسيح اتحاداً
وثيقاً يستبعد كل اتكال على سواه، حيث أصبح للمسيح كل الحق في أن يكر س المؤمن له
ذاته، بناء على عمل الفداء، إذ بذل هو نفسه لأجلنا على الصليب ". وثمة
تعبيرات قوية عن أهمية المعمودية ولكن يجب إلا نخطىء فهم المقصود منها، بل يجب أن
نفسرها فى ضوء المباديء المسيحية الأساسية كديانة روحية سامية لا سحر فيها لا
وسائط مادية. فالمعمودية تشير إلى الأنفصال التام عن الحياة العتيقة بالتجديد السابق
للمعمودية بالإِيمان بالمسيح، ذلك التجديد الذي تختمه وتعلنه معمودية المؤمن كذروة
تكريس النفس للمسيح، وكثيراً ما كانت المعمودية اختباراً نفسياً عميقاً للمتعمدين،
ولكن بينما ينسب التبرير إلى الإِيمان فإنه لاينسب أبداً اللمعبودية.

ه
– عناصر التبرير: عناصر التبرير اثنان:

1- غفران الخطايا (رو 4: 5 8، انظر أ ع 13: 38، 39)
ويرتبط بهذا الغفران السلام والمصالحة (رو 5: 1،109، 10: 11)
.

2- إعلان المؤمن باراً (رو 3: 21 30، 4: 2 9، 22، 5:
1، 9 11 و 16 21)
.

ويقول
" شميد " بحق إن بولس (ويعقوب أيضاً) يستخدم دائما كلمة "ديكايون
" بمعنى اعتبار الإِنسان باراًّ، وإعلان ذلك، ومعاملته على هذا الاعتبار حسب
قياس الناموس (رو 2: 13، 3: 20) وحسب النعمة أيضاً. وكلمة " ديكايون "
كلمة قانونية، ويذهب " جوديت " إلى أبعد من ذلك قائلاً: " إن تلك
الكلمة لم تستخدم قط في اليونانية للتعبير عن صيرورة الإِنسان باراًّ بل اعتباره
باراً، وهو الأمر الواضح في كون أن الفاجر هو الذي يُبَرر (رو 4: 5)، وأن التبرير
" يحسب " للإِنسان، وهذا لا يعنى جعل الإِنسان أو صيرورته باراًّ. وعكس
كلمة " يبرر " ليس أن " يصير خاطئاً " بل أن " يتهم
" أو "يشتكى " أو " يدين " (رو 8: 33، 34)، وعكس "
التبرير " هو "الدينونة " (رو 5: 18)
.

وبالإِضافة
إلى ذلك فإن التبرير ليس هو غرس حياة جديدة أو قداسة جديدة تحسب براًّ، بل إن ما
يحسب براًّ هو الإِيمان (رو 4: 5، في 3: 9). فما ينظر إليه الله حينما يبرر، ليس
هو البر الذي قد منحه أو يمنحه للإِنسان، ولكنه ينظر إلى الكفارة التي عملها هو في
المسيح. ومن أصدق الأقوال التي تبدو وكأنها متناقضة: " إنه إذا لم يتبع ذلك
حياة بارة، فالتبرير إذاً لم يحدث "، رغم أن التبرير ذاته هو من أجل المسيح
فقط، وبالإِيمان وحده.

ويقول
" ستيفنز " إن التبرير " حالة شرعية " أكثر منها " أدبية
"، وإن الكلمة تحمل طابع المفهوم القانوني أكثر من المفهوم الأخلاقي.

و
– التبرير يتعلق بالفرد: أخيراً ثمة سؤال عما إذا كان التبرير كما يتحدث عنه
الرسول بولس هو للمؤمن الفرد أو للمجتمع أو للجماعة المسيحية. ويؤيد " ريتشل
" و " صاندى هيدلام " الرأى الأخير، بينما يؤيد " ويس "
الرأى الأول، وبولس يشير حقيقة إلى " كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أ
ع 20: 28، انظر أيضاً أف 5: 25)، كما يستخدم ضمير الجمع " لنا " للدلالة
على من قبلوا الفداء، ولكن من الواضح أيضاً أن الإيمان اختيار فردى، وأمر هو قبل
كل شيء بين الإِنسان وآلهة، وبعدما يتحد الإِنسان بالمسيح بالإِيمان، يمكنه أن
يكون في شركة روحية مع رفقائه من المؤمنين. لذلك فإن موضوع التبرير في المقام
الأول هو الإِنسان الفرد، ثم في المقام الثاني الجماعة المسيحية كنتيجة لذلك.
وبالإِضافة إلى ذلك، فإن التبرير ليس لأعضاء الكنائس المطهرين المقدسين بل للفجار (رو
4: 5)
.

أما
بخصوص الخلاف حول المعمودية الذي أثاره " صاندى هيدلام "، فيجب أن نقول
إن بولس يرى دائماً أن المعمودية في الجماعة المسيحية هي بين المؤمنين وللمؤمنين،
وأن المعمودية بالنسبة للمعتمدين ليست هي " التبرير "، بل هي الدفن
والقيامة مع المسيح (رو 6: 3، 4)، وأن بر الله قد ظهر، ليس بالمعمودية، بل
بالإِيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون (رو 3: 23)، " متبررين
مجاناً، ليس بالمعمودية، بل بالفداء الذي بيسوع المسيح " (رو 3: 24)
.

وللمعمودية
عند بولس معنى روحى كرمز ظاهر لاتحادنا مع المسيح في موته وقيامته، ولذلك فمن
المستحيل، ومن غير اللائق اجراؤها لغير المؤمنين حقيقة بالمسيح، الذين لم يتحدوا
بالإِيمان به ولابجماعته.

ثانيا
_ كتابات العهد الجديد الاخرى:

بعد
أن تأملنا فيما جاء برسائل الرسول بولس عن التبرير، لنلق الان نظرة على ما جاء في
أسفار العهد الجديد الأخرى:

من
الشائع في ما يسمى " باللاهوت الحديث " أو " اللاهوت النقدي "
أن بولس وليس المسيح هو مؤسس المسيحية كما نعرفها الآن، وأن العقائد الخاصة بلاهوت
المسيح والكفارة والتبرير هي من فكر بولس وليست من فكر المسيح.

ويبدو
في هذا القول شيء من الصحة، فلقد كان جزءاً من اتضاع المسيح وأسلوبه التعليمي، أن
يعيش ويعلم ويتصرف حسب ظروف الزمان والمكان اللذين عاش فيها بالجسد، في بلاد
فلسطين (حوالي 30م)، وأن يتمم عمله هو. وليس عمل تلاميذه، وأن يحيا حياة المحبة
والنور، وأن يموت من أجل خطايا العالم، ثم يعود إلى الآب ويرسل الروح القدس ليرشد
أتباعه إلى جميع الحق، لذلك لم يكن ممكناً أن يعلن المسيح كل العقائد المسيحية،
فقد كان ذلك سابقاً لأوانه (يو 16: 12)، وغير صائب من الناحية التعليمية، إن لم
يكن عديم الجدوى. فيجب أن يكون " أولاً نباتاً ثم سنبلاً ثم قمحاً ملآن في
السنبل " (مرقس 4: 28). لقد كان ذلك مستحيلاً أيضاً منطقياً وروحياً، لأن
المسيحية لم تكن مجموعة من تعاليم المسيح، بل ديانة نابعة من حياة المسيح وموته
وقيامته وصعوده وشفاعته وعمل الروح القدس في تلاميذه وفي العالم من خلال حياة
المسيح وموته وقيامته..

والسؤال
الوحيد الذي يمكن أن يثار هنا هو: هل كان الرسل مخلصين لروح تعاليم المسيح
ومحتواها الأدبي والديني؟ وفي موضوع التبرير بخاصة نحن لا نبحث عن تعليم للمسيح،
لأن ما يميز موضوع التبرير هو أن محوره هو المسيح الممجد الذي صار وسيط الخلاص
بموته وقيامته، فهل تعليم بولس يتفق والحقائق القوية الواضحة المذكورة من قبل عن
المسيح، وهل كانت تلك التعاليم هي النتيجة الحتمية لشهادة المسيح عن نفسه؟

لنق
نظرة على الأناجيل الثلاثة الأولي:

1- الأناجيل الثلاثة الاولي: إنه لأمر عار من الصحة
كما يقول " هارناك " في كتابه " ما هي المسيحية " أن نقول: "
ان كل رسالة يسوع يمكن إجمالها في موضوعين: الله كالآب، والنفس الإِنسانية التي
يمكن أن تسمو إلى شرف الأتحاد به "، لأن ذلك يتجاهل قسماً جوهرياً من رسالة
المسيح، ونعني به أن الخلاص يرتبط تماماً بشخص المسيح (انظر مت 10: 37 39، 16: 24 27)
.

إن
اعتراف الإِنسان بالمسيح (وليس بالله الآب فحسب) هو الذي يجعل المسيح يعترف به في
السماء (مت 10: 32) وستكون الدينونة بحسب موقفنا منه ممثلاً في موقفنا من أخوته
الأصاغر (مت 25: 35 46)، فلم يكد يعرف على حقيقته كابن الله الحي، حتى ابتدأ يكشف
عن لزوم موته وقيامته (مت 16: 21). وفي الليلة التي أسلم فيها للصلب، بَّين المسيح
أهمية موته، وخلد هذا الدرس في العشاء الرباني (مرقس 14: 24). وقد عزز ذلك بعد
قيامته (لو 24: 26)
.

إن
بولس نفسه لم يكن ليستطيع أن يعبر عن حقيقة الكفارة بموت المسيح بأقوى مما جاء في
إنجيل متى (20: 28، 26: 28). وعلى هذا الأساس هل كان يمكن أن يأخذ التعليم المسيحي
عن الخلاص مساراً آخر غير الذي أخذه فعلاً؟
!

فالمسيح
نفسه يغفر خطايا الناس ولا يحيلهم إلى الآب ليغفر لهم (مت 9: 2 6)، وهو يعتبر أن
جميع الناس يفتقرون إلى هذا الغفران (مت 6: 12). بينما لم يكن قد آن الأوان
لإِعلان ما علمَّ به بولس عن البر، مهدَّ له يسوع سلبياً عندما طوَّب "
المساكين بالروح " (مت 5: 3)، وطلب أيضاً الكمال والنقاوة القلبية (مت 5: 6،
8، 20، 48). وإيجابياً، فى دعوته لجميع المتعبين والمثقلين بخطاياهم أن يأتوا إليه
هو كواهب الراحة، وما جاء في رومية (5: 1) ليس إلا صدى لهذا القول.

لقد
جاء المسيح من أجل هؤلاء الذين جلب الناموس عليهم الدينونة، كما جاء من أجل بولس،
لقد جاء لكي يشفي ويخلص (مرقس 2: 17، مت 9: 13، لو 15: 7)، لقد جاء إلى الخطاة ومن
أجل الخطاة (لو 15: 2، 7: 39، 19: 7، مت 11: 19) تماماً كما أدرك ذلك بولس، فلم
يكن الطريق لخلاصهم هو حفظ الناموس بصورة أفضل، بل صلاة الثقة المعترفة بالخطية (لو
18: 13)، التي هي مرادفة للإِيمان. فالقلب المتضع والجوع للبر يعنيان الإِيمان (مت
5: 3، 6) أما من يأتى بنفسه وبكبريائه وأعماله، فهو أبعد ما يكون عن ملكوت السموات
(مت 18: 3،4، مرقس 10: 14). وليس الدخول للملكوت، فحسب هو الذي بالنعمة، بل أن المكافأة
النهائية ذاتها هي أيضاً بالنعمة (مت 19: 30). ونجد في إنجيل متى (20: 1 6) مثلاً
مطابقاً تماماً لروح كتابات بولس. وما الوعد بالفردوس للص التائب (لو 23: 43) إلا
إشارة مشبقة لما أعلنه الرسول بولس. فلقد كانت الرسالة في البداية: " توبوا
وآمنوا بالإِنجيل " (مرقس 1: 15)، وكان موضوع الإِنجيل أو البشارة هو المسيح
الذي أراد أن يجمع الشعب لا إلى الآب مباشرة بل إلى نفسه (مت 23: 37) وكل هذا يعني
أن التبرير هو بالإِيمان به هو، الله الظاهر في الجسد (مت 16: 13 16). وهو
الإِيمان به، الذي يتحدث عنه في انجيل لوقا (18: 8) متسائلاً: " ولكن متى جاء
ابن الإِنسان، ألعله يجد الإِيمان على الارض "؟ كما أنه يمتدح الإِيمان به (مت
8: 10) ولاشك أن " ايهملز " على صواب في قوله: " إن شهادة يسوع عن
نفسه هي أساس شهادة بولس عنه، وليس العكس كما يزعمون
".

هل تبحث عن  مريم العذراء ظهور مريم العذراء فلوريدا – الولايات المتحدة ة

2- كتابات يوحنا: والتبرير بالايمان ليس أقل وضوحاً
في إنجيل يوحنا عنه في الأناجيل الثلاثة الأخرى، بل بالحرى نراه أجلى بياناً (يو 3:
14 16) ففيه نجد أن الحياة الأبدية هي البركة المضمونة الأكيدة، ولكنها فقط لمن لا
دينونة عليه (يو 3: 36)، كما ان البنوية الجديدة، إنما هي نتيجة مباشرة للإِيمان
به (يو 1: 12)
.

ولا
تختلف رسائل يوحنا عن رسائل بولس إلا في ألفاظها، وليس في مادتها أو معانيها، فعمل
يسوع الكفاري مازال هو الأساس في رسائل يوحنا، فلا يمكن تصور أن يسلك في النور
الذين هم تحت دينونة وبلا إيمان.ويبدو أن الاعتراف بالخطايا الذي يؤدي إلى غفرانها،
إنما هو الإيمان الذي يأتي بالتبرير الذي يجلب السلام على أساس عمل المسيح (ايو ا:
9، 10، 2: 1،2). وكل هذا نابع من محبة الله (ا يو 3: 1) الذي " اُرسل ابنه
كفارة لخطايانا " (ايو 4: 10)، وهو نفس مايقوله الرسول بولس (أ ف 2: 7، تي 3:
4)
.

3- رسالة بطرس الرسول الأولي والرسالة إلي
العبرانيين: يقول " سيبرج": إن العقيدة البوليسية للتبرير، لا توجد في
كتابات أي كاتب آخر في العهد الجديد ". وهذا صحيح فقط إذا شددنا على كلمة
" عقيدة "، فإن بولس قد عالج الأمر بطريقة علمية تماماً، أما الآخرون
فقد افترضوا مقدماً حقيقة التبرير بالإِيمان، ولكنهم لم يشرحوها كتعليم، فيقول
بطرس: " توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح " (أ ع 2: 38)،
ولابد أن يسبق هذه التوبة الإِيمان بالمسيح الذي وأن كنا لا نراه الآن، لكن نؤمن
به فنبتهج بفرح لا ينطق به ومجيد (ا بط 1: 8)، نائلين غاية إيماننا خلاص النفوس أي
نفوسنا (بط ا: 9
 )، وهذا الخلاص إنما هو " بدم كريم كما من
حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" (1 بطا 1: 19)، الذي به وحده نؤمن بالله (ا
بط 1: 21). أما التعبير المألوف لنا: " تعال إلى المسيح "، الذي يعني
ببساطة ليكن لك الإِيمان بالمسيح لتنال التبرير والخلاص، فهو مأخوذ عن القول: "
إذ تأتون إليه " (ا بط 2: 4)
.

وتتناول
الرسالة إلى العبرانيين أموراً أخرى، ولكنها لا تهمل موضوع الإِيمان بل بالحرى
تحثنا " أن نتقدم بقلب صادق في يقين الإِيمان " (عب 10: 22) الذي تعتبره
الرسالة أساس الديانة الصادقة والفكر الصحيح والتصرف السليم (ص 11)
.

ولا
يجد كاتب الرسالة إلى العبرانيين نصحاً أجدى من توجيه أنظارنا إلى رئيس الإِيمان
ومكمله يسوع (12: 2)، وهذا التوجيه مطابق تماما لروح بولس، الذي يتلخص انجيله
للتبرير بالإِيمان في العبرانيين (4: 16)
.

4- رسالة يعقوب: يظن البعض أن ما جاء في رسالة
يعقوب (2: 14 26) هو لطمة مباشرة موجهة إلى بولس، ولكن النظرة الفاحصة المتعمقة في
هذه الرسالة ذات الأهمية العظمى، تكشف لنا أن التناقض بين يعقوب وبولس هو تناقض
ظاهري وليس حقيقياً:

أ
يستخدم يعقوب كلمة " إيمان " بمعنى الإيمان العقلي بالله، وبخاصة
بوحدانية الله (2: 19)، بينما يستخدم بولس نفس الكلمة للتعبير عن الإِيمان بالمسيح
مخلصاً. إن الإِيمان بالنسبة لبولس، يعنى أمتلاك قوة حياة المسيح ابن الله، ولذلك
فهو لا يعرف إيماناً لا يثمر أعمالاً صالحة تتفق معه. " فكل ما ليس من
الإِيمان هو خطية " (رو 14: 23). أما الإِيمان الذي يتحدث عنه يعقوب فهو مجرد
تبعية الإِنسان للمسيح (2: 1)، أو هو المعرفة النظرية بالله الواحد (2: 19)
.

ب
– يستخدم بعقوب كلمة " أعمال " للدلالة على السلوك الأدبي العملي راجعاً
بها إلى ما قبل الناموسية والفريسية، إلى الأنبياءالعهد القديم، بينما يستخدمها
الرسول بولس للدلالة على عمل جدير بالمكافأة.

ج
– ومع ذلك فهناك رؤية أعمق فى رسالة يعقوب، حيث نجد الإِيمان يشكل لب المسيحية (1:
3، 6، 2: 1، 5: 15)
.

د-
ويربط بولس بدوره مثل يعقوب بين المسيحية والأعمال الصالحة كثمر للإِيمان (ا تس 1:
3، غل 5: 6، ا كو 13: 2، رو 2: 6 و 7)
.

ه
– تقوم وجهة نظر يعقوب على حفظ المسيحية العملية الحقة التي لا تكتفي بمجرد الكلام
(2: 15، 16) ولكنها تظهر نفسها بالأعمال. ولا يحاول يعقوب أن يبين كبولس كيف يتخلص
الناس من الذنب ويصبحون مسيحيين، ولكنه يبين لنا كيف يثبتون صدق اعترافهم بقبولهم
الإِيمان. وهو لا يكتب إلى مؤمنين فحسب كما كتب بولس ولكنه كتب إليهم باعتبارهم "
مسيحيين " (" يا أخوتي " 2: 14) مبررين ومقيمين في دائرة "
إيمان ربنا يسوع المسيح " (2: 1)، بينما كان بولس يرى جميع الناس يهوداً
وأمماً، يرتعدون في ذنوبهم أمام العدل الإِلهي، سائلين: "كيف يكون لنا سلام
مع الله؟ وكما يقول " بيشلاج ": " ليس ثمه صراع موضوعي بين تعليم
بولس وتعليم يعقوب، فكلا التعليمين يسيران معاً جنباً إلى جنب، ولا خلاف بينهما
"، ويؤكد أيضاً " أن يعقوب كان يؤمن كسائر الرسل بأن كل من يؤمن بالمسيح،
ينال غفران الخطايا " (أ ع 2: 38، 3: 19، 10: 43)، وأن يعقوب لم يعارض فكر
بولس من جهة التبرير بالنعمة بالإِيمان، ولكنه شدد فقط على أن الأعمال الصالحة
يلزم أن تتبع الإِيمان.

والفارق
الرئيسى إن لم يكن الوحيد بين رسالة يعقوب ورسائل بولس لاهوتياً هو أن يعقوب لم
يركز في رسالته على صليب المسيح كمحور حديثه، بينما كان موضوع الكفارة أساسياً في
جميع رسائل بولس.

ثالثا
العهد القديم:

لقد
استند كل كتاَّب العهد الجديد على ما جاء بالعهد القديم، لذلك لا يمكن أن تكون
هناك أي ثغرة أو تعارض بين العهدين، ولكنهم أدركوا أن العهد القديم كان الفجر
الباكر، بينما عاشوا هم في ضوء النهار الساطع.

لقد
" آمن إبراهيم بالله فحسب له براً " (تك 15: 6، رو 4: 3). ومن لا يحفظ
جميع وصايا الناموس في كل حين، يقع تحت لعنة الناموس والدينونة (تث 27: 26، غل 3: 10،
انظر أيضاً مز 14، 143: 2، رو 3: 20 انظر أيضاً رو 3: 9 20 وما بها من إشارات إلى
العهد القديم). ولقد شدد الأنبياء على ضرورة أعمال البر العملي: " ماذا يطلبه
منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك؟
" (ميخا 6: 8)، فليس ثمة موقف أو خدمات دينية يمكن أن تحل محل
استقامة الحياة. وليس معنى هذا أن كتبة العهد القديم قد فهموا أن الناس يبررون
بأعمالهم الصالحة فحسب، بل كان معلوماً لديهم أن رحمة الله ومحبته هما أساس
التبرير، وأن نعمة الله الغافرة تغمر الروح المنسحق والقلب المنكسر، فأثامهم قد
حملها " عبد الرب " الذي يبرر كثيرين (مز 103: 8 13، 85: 10، إش 57: 15،
53: 11.. الخ)
.

رابعاً
المرحلة التالية:

1- الأباء الرسوليون وأباء الكنيسة الأولى: ومن
المؤسف أن نعترف بأن الشهادة بعد الرسل مباشرة (شهادة الآباء الرسوليين) لم تصل
إلى الذرى التي وصل اليها بولس الرسول أو حتى إلى المستويات الأدنى منها. وتوجد
شواهد في كتابات الأولين تذكرنا ببولس، ولكننا نحس باختلاف الجو تماما. لقد نظروا
إلى المسيحية كناموس جديد أكثر منها بشارة نعمة الله. ولايسعنا هنا الدخول في
تفاصيل أسباب ذلك، بل يكفي أن نقول إن العالم المسيحى الأممي لم يدرك تماماً
أساسيات إنجيل النعمة، ولم تكن كتابات العهد الجديد قد تغلغلت بعد في وعي الكنيسة
إلى حد أن تسود على تفكيرها. ونجد في إحدى كتابات " أكليمندس الروماني "
(97 م) هذه العبارة الرائعة: " لذلك فكلهم (أى إبراهيم وجميع القديسين
الأوائل)

تمجدوا وتعظموا ليس بأنفسهم أو بأعمالهم أو بالبر الذي صنعوه، بل بمشيئته
(مشيئة الله)، نحن أيضاً قد دعينا هكذا بمشيئة الله في المسيح يسوع، لا لنتبرر
بأنفسنا أو بحكمتنا أو بفهمنا أو بتقوانا أو بأعمال عملناها حسب قداسة قلوبنا، بل
الإِيمان الذي به يبرر الله القدير جميع الناس من البدء، له المجد إلى الأبد أمين
".

ولكن
رسالة أكليمندس ككل، ليست على نفس هذا المستوى، إذ أنه يعود فيساوى بين الإِيمان
وفضائل أخرى من حيث الأهمية، فيجعل مثلاً كرم الضيافة والتقوى في لوط من الفضائل
التي خلصته. كما يجمع في موضع ثان بين كرم الضيافة والإِيمان كفضيلتين على نفس
المستوى في قصة راحاب. وفي موضع آخر، يقول إن غفران الخطايا يتم نتيجة لحفظ
الوصايا والمحبة.

ويتحدث
إغناطيوس (حوالي 110 115 م) في أحد المواضع عن يسوع المسيح مائتا لأجلنا، وأننا
بالإِيمان بموته ننجو من الموت. أما الأمور التي تخلص في رأيه فهي المحبة والسلام
وطاعة الأساقفة والمسيح الساكن فينا. ورغم ذلك فإن له قولاً رائعاً: " لايخفى
عليكم شيء من هذا، إن كنتم كاملين في إيمانكم ومحبتكم من نحو يسوع المسيح، فإن
هذين عما بداءة الحياة وختامها، الإِيمان هو البداءة، والمحبة هي الخاتمة،
والاثنان معاً هما الله، وتأتي في أثرهما جميع الأمور الأخرى حتى تبلغ الكمال
الحقيقي

".

وفي
الكتاب الأبوكريفي المنسوب لبرنابا (وتاريخه غير معروف على وجه التحديد)، نجد أن
موت المسيح مؤسس على الصليب، لذلك فإن من يجعلون رجاءهم في المسيح، سيحيون إلى
الأبد. ورغم ذلك يذكر إنه حتى المؤمنون غير مبررين بعد، لأن سلسلة كاملة من أعمال
النور ينبغى تأديتها، مع تجنب أعمال الظلمة.

ونجد
أن رؤيا راعى هرماس، والموعظة القديمة (وهي رسالة أكليمندس الثانية) أكثر تمسكاً
بالأديبات. ومهما كان في تلك الرسائل من مدح للإِيمان، فإننا نجد فيها بداءة موضوع
الاستحقاق الشخصي . وتدوي نفس النغمة الناموسية في ذلك المخطوط الصغير الذي وجده
" برينيوس " في 1873 م. ونشره في القسطنطينة في ديسمبر
1883، والمسمى " تعليم الرسل الاثني عشر ". وقد أمتد هذا
الاتجاه الكاثوليكي حتى أكتمل تقريباً في عصر ترتليان (200م) وكبيريان (250م)، ثم
استمر حتى اصطدم " بأوغسطينوس " أسقف " هيبو " (396 م)، الذي
حاول بقدر ما أستطاع أن يوجد بأسلوبه الرائع بين أفكار بولس عن الخطية والنعمة
والتبرير، وبين الناموسية الكاثوليكية. وقد سار في أحد كتبه على نهج بولس، مما جعل
المصلحين يرحبون به ترحيباً حاراً، رغم أنه احتفظ بالكثير من العناصر الكاثوليكية،
ومنها أنه في التبرير تندمج الرغبة الملحة والإِرادة الصالحة، وإن التبرير ينمو،
وإن استحقاقاتنا يجب أن تكون في الحسبان رغم أنها استحقاقات الله، وأن الإِيمان هو
تصديق كل مايقوله الله " والكنيسة ". وبالرغم من هذا فإننا نجد أحياناً
نظرة أعمق للإِيمان كما نجد توكيداً لدور الأعمال بطريقة كاثوليكية.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ل لوكيوس 2

ولم
يتلخص أوغسطينوس تماماً من التراث الكاثوليكي، ليستطيع أن يفسر فكر بولس تفسيراً
مجرداً من كل تأثير. لقد صنع أوغسطينوس جسراً يمكننا عن طريقة أما أن نعود إلى
بولس، أو نسير نحو " توما الأكويني ". ولا شك في أن هارناك مصيب في قوله
إن أوغسطينوس قد عرف من ناحية النهضة الاخيرة في الكنيسة الأولى التي اعتنقت مبدأ
" الإِيمان وحده يخلص "، ومن الناحية الأخرى، أخرس هو هذا المبدأ لمدة
ألف عام. وهكذا نجد أن هذا اللاهوتي الكاثوليكي الذي وقف أقرب ما يكون من مبدا
التبرير بالإِيمان وحده، هو الذي هزمه أيضاً، فقد كان لإِساءة فهمه لعبارة بولس
" الإِيمان العامل بالمحبة " نتائج خطيرة.

2- مجمع ترنت: وتظهر هذه النتائج الخطيرة، بكل وضوح
في قرارات مجمع ترنت (الدورة السادسة، في 1547 م)، ففيها نجد التبلور الواضح
والنهائي،لما تطورت إليه الأمور في العصور الوسطى، فيما يختص بوجهة النظر
الكاثوليكية:

أ
التبرير هو تحول من الحالة الطبيعية إلى حالة النعمة، حيث النعمة الحافظة المنهضة
المعينة، ويتعاون الإِنسان بدوره مع ذلك فيهيء نفسه للتبرير، ورغم أن الدعوة
الأولى تسبق أي أستحقاق.

ب
الإِيمان هو أحد عناصر التبرير، " فالذين قبلوا الإِيمان بالخبر، يقتربون إلى
الله بإرادتهم الحرة، مؤمنين بأن كل ما أعلنه الله ووعد به، هو حق ويقين ".
ولا ذكر هنا للإِيمان كثقة حية في مخلص شخصي. وكانت رحمة الله بين الحقائق التي
كانوا يؤمنون بها، وكيف أنه يريد أن يبرر الخاطىء في المسيح.

ج
– هذا الإِيمان يولد حباً للمسيح وكراهية للخطية، وهذان أيضاً عنصران من عناصر
عملية التبرير.

د-
وهنا يأتى التبرير ذاته، " وهو ليس غفراناً مجرداً للخطايا، ولكنه أيضاً
تقديس وتجديد للإِنسان الباطن من خلال القبول الاختياري للنعمة والمواهب
".

ه
– لكن يلزم أن يحدث هذا التجديد خلال المعمودية التي تمنح وتختم على نعم الخلاص
والغفران والتطهير والإِيمان والرجاء والمحبة، للبالغين المستعدين لذلك.

و
– إن ما يحفظ التبرير هو طاعة الوصايا، وصالح الأعمال التي تعزره أيضاً.

ز
– في حالة فقدان التبرير – الذي يمكن أن يُفقد ليس بسبب خطية يمكن أن تغفر، ولكن
بسبب خطية مميته، وبسبب عدم إيمان يمكن استرداده بسر التوبة المقدس.

ح
– من الضروري للحصول على التبرير وللحفاظ عليه أو لاسترداده، الإِيمان بهذه
العقائد التي وضعها المجمع والتي سوف يضعها.

3- لوثر: أظهرت الدراسات الحديثة لكتابات لوثر
الأولي، أنه توصل منذ ابتداء دراستة الجادة للمسائل الدينية، إلى وجهة نظر الرسول
بولس من جهة التبرير بالإِيمان وحده. فالإِيمان هو الأتكال على رحمه الله في
المسيح، والتبرير هو إعلان الإِنسان باراًّ من أجل المسيح، وتتبع ذلك حياة البر
الحقيقي.

كانت
هذه هي عقيدة لوثر كمعلم ديني، من بدء حياته إلى ختامها. ويقول لوفس: " لقد
كانت عقيدة لوثر تعتمد على هذه المعادلات: يبرر = يغفر، نعمة = رحمة الله المجانية،
الإِيمان = الأتكال على رحمة الله، كضوابط لحكمه على ذاته، ومن ثم نظرته إلى
المسيحية. ويردف لوفس بالقول: " إن تعبير لوثر " يحسب باراًّ " يجب
ألا يؤخذ مرادفاً للتعبير " يجعل باراًّ " لأن لوثر حينما يذكر "
التبرير دون استحقاق " بمعنى " الغفران "، فإنه يعني في نفس الوقت
بداية الحياة الجديدة، فقد كان رأيه الثابت في المسيحية، والذي إزداد رسوخاً بمرور
الزمن، أن التبرير بدون استحقاق = القيامة (الولادة الثانية) = التقديس " ولا
حاجة بنا إلى الخوض أكثر من ذلك في تعليم لوثر الذي أعاد اكتشاف الديانة المسيحية.
ومن يريد الاستزادة يستطيع الرجوع إلى كتب تاريخ العقيدة.

وقد
أنتقلت تلك العقيدة من عقائد العهد الجديد، من لوثر والمصلحين الآخرين، إلى
الكنائس البروتستنتية دون تعديل جوهري، وظلت العقيدة المعترف بها حتى الآن.

ونجد
في المادة الحادية عشرة من المواد التسع والثلاثين من " قانون إيمان كنيسة
إنجلترا " مايلى:

" إننا نحسب أبراراً أمام الله على حساب استحقاق
ربنا ومخلصنا يسوع المسيح بالإِيمان وحده، وليس على أساس أعمالنا نحن أو استحقاقنا،
ولذلك فإن تبريرنا بالإِيمان وحده هو عقيدة صحيحة ومليئة بالتعزية
".

وقد
اتهم معارضو " وسلي " في وقت من الأوقات هذا المصلح بأنه قد تخلى عن
عقيدة التبرير بالإِيمان وبخاصة حينما كتب مذكراته الشهيرة في 1770 م، ولكن كان
هذا راجعاً إلى سوء فهم جذري لمذكرته، لأن "وسلي " ظل متمسكاً بإصرار
إلى النهاية، بالفكر الكتابي الخاص بالتبرير كما أعلنه الرسول بولس.

4- معنى ذلك للإِنسان العصرى: وأخيراً هل توجد ثمة
رسالة في مفهوم التبرير بالإِيمان في العهد الجديد للإِنسان العصرى، أم أنها كما
اعتقد لاجارد
"
أصبحت عقيدة ميتة في الكنائس البروتستنتية، كما مات التعليم القديم
بعقيدة التثليث والكفارة؟
"

يقرر
" هول " بعد بحث تاريخي بارع أن هناك مبدأين متجانسين تماماً مع الفكر
الحديث الذي يؤيد هذا التعليم، وهما: أولا ً عقيدة قدسية (حرمة) وأهمية الشخصية
الانسانية، " الأنا " التي تقف وجهاً لوجه أمام الله مسئولة أمامه وحده.
وثانياً إحياء فكر عصر الإصلاح عن الله العامل في كل شيء. وتعد مسألة التبرير
مسألة حيوية بالنسبة لكل من يشعر بأهمية هذين المبدأين. والمقياس الذي ينبغي على
المرء أن يقيس نفسه ازاءه، هو الله المطلق. ومن ذا الذي ينبغي على المرء أن يقيس
نفسه ازاءه، وهو الله المطلق. ومن ذا الذي يستطيع أن يثبت أمامه في المحاكمة؟ ليس
بسبب عمل معين، بل بكل " الأنا " ودوافعها. تلك هي اللعنة التي حاقت
بالإِنسان، إن " الأنا " هي وسيلته للإِرادة بها يستطيع أن يطلب الله،
وهي نفسها بكل ما فيها من عناد وحب للذات، التي تتسم كل إرادته، ولذلك يصدق ما
قاله المصلحون من أن " الإِنسان فاسد بجملته، ولايمكن إلا أن يصيبه اليأس
حينما يشرق عليه جلال الله " . إذاً فليس هناك حل آخر سوى الإِيمان بأن الله
ذاته الذي يقضي على خداعنا لأنفسنا، هو الذي يرفعنا بنعمته الفائقة لنحيا به
وأمامه. ولقد أصاب لوثر في قوله: " إننا لا نستطيع أن نجد لنا سنداً سوى في
عمل النعمة الإِلهي، الذي يجعلنا خليقة جديدة في المسيح بالإِيمان بالحب الإِلهي
والقوة الإِلهية العاملة فينا ولأجلنا
".

ويقول
" هول " في إحدى كتاباته: " إنه لا يمكن لمن أختبر التبرير كتغيير
داخلي، أن تضلله اللامبالاة الأدبية، فإنه يدرك انه قد أصبح أمامه مثال أدبي أشد
وأقوى من الأخلاقيات العالمية
".

وهذا
الموقف الجديد تجاه الله المبني على التبرير بالإِيمان يفرض علينا أن نكون على
الدوام في
خدمة الله والإِنسان، والتبشير بهذا التعليم هو جزء من الإِنجيل الأبدي، وطالما أن
على الإِنسان الخاطيء أن يتعامل مع الله كلي القداسة، فسيظل اختبار بولس ولوثر
ووسلي، هو الاختبار اللازم للجنس البشري.

خامساً
الخلاصة في تعليم التبرير في كلمة الله:

1- إن التبرير – سواء في العهد القديم أو في العهد
الجديد هو عمل الله، فالله هو الذي فكر ودبر وتمم خلاص الإِنسان، وهو عمل كامل قد
تم مرة واحدة وإلى الأبد (رو 5: 6 18)
.

2- التبرير عمل شرعي (أو قضائي) من أعمال الله،
فالله يعلن أن الخاطىء أو الفاجر قد أصبح باراً في عينى الله (رو 5: 8)
.

3- أساس التبرير هو كفارة المسيح، فالله يبرر
الخاطىء من أجل المسيح، فبدون كفارة المسيح النيابية، لم يكن الله ليغفر للخاطيء
كل خطاياه دون أن يتعارض ذلك مع عدله (رو 3: 24 26)
.

4- التبرير أمر موضوعي شامل، ففى الإِنجيل يمنح
الله غفران الخطايا لكل العالم بناء على عمل المسيح (يوحنا 3: 16)، والتبرير
الشخصي أو الذاتي مستحيل بدون التبرير الموضوعى الشامل.

5- التبرير هو غفران الخطايا، فالله لا يحسب على
الإِنسان خطاياه بل يغفرها له ويطلقه حراً، لأن المسيح قد حمل كل خطايانا في جسده
على الخشبة (رو 4: 7، 8، ا بط 2: 24)
.

6- التبرير هو الإِعفاء من العقاب، فالمؤمن المبرر
قد تحرر من مطالب الناموس ومن كل دينونة نتجت عن تعديه على الناموس (رو 3: 25، 7: 6).
إنه أكثر من مجرد العفو عن الخطية، إنه إعلان من الله بذلك. فالخاطىء مع أنه مذنب قد
تحرر من نتائج ذنبه وخطيته.

7- التبرير هو مصالحة الخاطىء مع الله، فالتبرير
بالإِيمان يرد للخاطىء علاقته الشخصية بالله كالآب. إن مجرد العفو عن خطية لا
يساوي أكثر من إخراج مجرم من قاعة المحكمة (للتأجيل)، لكن التبرير يعني أن لله
ينظر إلى الخاطىء وكأنه لم يخطىء أبداً، فقد أصبح له ابنا (لو 15: 1 24، غل 3: 6،
2 كو 5: 19، 20)
.

8- التبرير هو أن يخلع الله بره على الانسان، فحيث
أن الخاطىء لا بر له في ذاته يمكن أن يتبرر به أمام محكمة الله الروحية، فإن
الخلاص الذي صنعه المسيح بموته وقيامته، يخلع على المؤمن ثوب بر المسيح وكأنه بره
هو (رو 3: 25، 26، 2 كو 5: 19، 20)
.

9- التبرير ينفي الخلاص بالأعمال، فالكتاب المقدس
لا يعلمنا فقط أن الإِنسان يتبرر بدون أعمال، بل يشجب خلط تبرير الله بالأعمال (رو
10: 2،3، غل 3: 10 14، 5: 4)
.

10- التبرير يفترض أساساً نعمة الله الشاملة،
فبالنعمة برر الله الإِنسان، وليس لأي استحقاق للإِنسان أمام الله (أ ف 1: 1 4)،
فالله يحب ولذلك يقدم التبرير لجميع الناس على حد سواء (يو 3: 16)
.

11- التبرير هو الإِيمان، وكون التبرير بالإِيمان،
والإِيمان وحده، لا ينفى نعمة الله أو عمل المسيح، فالتبرير بالنعمة من أجل المسيح
بالإِنجيل، معناه التبرير بالإِيمان وحده مع استبعاد الأعمال تماماً، فالإِيمان
وحده هو وسيلة الحصول على التبرير، هي اليد التي تمتد لتأخذ من الله هبته المجانية،
ولا مكان للأعمال في ذلك (رو 3: 28، أ ف 2: 8 10)
.

12- التبرير منحة النعمة بالانجيل، فمع أن الله هو
الذي يبرر الإِنسان، فإنه يقدم تبريره بواسطة كلمة الإِنجيل بأمر صريح قاطع (رو 10:
5 12)
.

13- التبرير تتبعه الأعمال الصالحة وحياة الإِيمان،
فمع أن الأعمال الصالحة ليست شرطاً للتبرير، إلا أن التبرير بالإِيمان يمنح المؤمن
قوة الروح القدس، ليحيا حياة الأعمال الصالحة (يع 2: 14، 15، رو 6: 1 6)
.

14- التبرير هو النقطة المركزية في التعليم المسيحي،
تعليم الله، فموت المسيح وقيامته، والخطية والكلمة، والناموس، والإِنجيل جميعها
ترتبط بتعليم التبرير، وبهذا المعنى الواسع فإن عبارة " التبرير بالإِيمان
" تلخص كل عمل الله لأجل خلاص الإِنسان.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي