برج
بابل

 

لا
يذكر في العهد القديم اسم " برج بابل "، وهو الاسم الذي يطلق على البرج
الذي بناه أهل العالم عند ارتحالهم شرقاً، حيث أقاموا في بقعة في أرض شنعار، وبنوا
لأنفسهم " مدينة وبرجاً رأسه بالسماء " (تك 11: 2 – 4)، وهو وصف يدل على
أنه كان عالياً جداً.

1- الصورة العامة لأبراج المعابد البابلية: لقد كان
هناك فرق كبير بين الأبراج أو القلاع الكنعانية والبرج العظيم في بابل، فلقد كان
البرج الكنعاني مجرد بناء مرتفع، يحتمل أنه لم يكن له شكل معين أو صورة معينة، بل
كان الأمر متوقفاً على إرادة البنَّاء وطبيعة الأرض التي أقيم عليها، أما برج بابل
فكان من طراز اختصت به بابل وأشور. وطبقاً لكل الروايات، وبناء على أطلال المباني
في تلك البلاد، كانت كل الأبراج البابلية مستطيلة الشكل متعددة الطبقات ولها في كل
جانب مصعد مائل يصل إلى القمة لأن الطقوس الدينية كانت تجرى فوقه، وكان يعلوه معبد
تحفظ به التماثيل والأشياء المقدسة.

2_ أسماؤها البابلية: كان لهذه الأبراج عند
البابلين اسم معين هو " زيجوراتو " وتعنى " قمة " أو أعلى
نقطة في جبل، وقد أطلقت هذه الكلمة على قمة" أوت – نابستيم " التي قدم
عليها نوح البابلي قرابينه عند خروجه من الفلك (السفينة) عندما انحسرت مياه
الطوفان إلى درجة كافية. كما يظن أنهم استخدموها كمراصد لدراسة نجوم السماء، وهو
أمر محتمل، ولكن حيث أنها لم تكن ذات ارتفاع عظيم جداً، فمن المحتمل أنه في الجو
الصافي في سهول بابل لم تكن هناك حاجة إلى الارتفاع فوق مستوى سطح الأرض لرصد
الأجرام السماوية.

3- أين كان برج بابل: اختلفت الآراء كثيراً حول
الموقع الجغرافي لبرج بابل، ومعظم الكتاب يتبعون في ذلك التقليد المتواتر نقلاً عن
العرب واليهود من أنه معبد " نبو " في مدينة " بورسيبا "
ويسمى الآن " برس نمرود " (تحريفاً عن برج نمرود)، ولكن هذا البناء –
رغم أهميته – لم يشر إليه البابليون مطلقاً على أنه برج بابل، لسبب وجيه هو أنه لا
يقع في بابل بل في بوسيبا، التي وإن كان قد أطلق عليها فيما بعد اسم " بابل
الثانية " لكنه لم يكن اسمها أصلاً. أما المبنى الذي يعتبر البابليون أنه
البرج العظيم لمدينتهم، فهو " أي – تيمين – أنا – كي " أي " معبد
أساس السماء والأرض "، وسماه نبوبولاسار ونبوخذراصر " زيجورات بابيلي
" أي " برج بابل " المعبد المشهور في كل العالم والمكرس لمردوخ
وزوجتة " زر – بانيتو "، أهم آلهة بابل.

4- موقعه في بابل: قام هذا البناء في القسم الجنوبي
من المدينة، على بعد قليل من الضفة اليمنى لنهر الفرات، ويقول فسباخ إن مكانه الآن
منخفض يوجد فيه الأساس الأصلي المستطيل من الطوب اللبن (غير المحروق)، وقد أطلق
عليه العرب اسم " الصحن " لأنه يشبه الصحن في شكله. ومازال الطوب
المحروق الذي استخدمه قدماء البابليين – الذين " كان لهم اللبن مكان الحجر،
وكان لهم الحمر مكان الطين " (تك 3: 11) – مازال هذا الطوب صالحاً للاستعمال
وله قيمة تجارية، ولهذا فقد رفع بكل ما فيه من آثار ثمينة. واستخدام – كما يقولون
– في ترميم القناة الهندية، ووصلت إلى السوق – على أي حال – بعض الاسطوانات
البيضاوية الشكل، فاقتنتها متاحف أوروبا وأمريكا.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد إنجيل متى تناقض حدث التجلى ى

5- وصف بابلي للبرج: كان " أي – تيمين – أنا –
كي " (حسب التسمية السومرية) يتكون من ست طبقات مبنية فوق مصطبة يعلو قمتها
معبد. وثمة لوح – بالغ الأهمية – يبدو أنه يصف هذا البرج بالتفصيل، وقع في يدي
جورج سميث في 1876. وجاء في هذا الوصف أنه كان يتكون من الفناء الخارجي، ويسمى
" الفناء الكبير "، كانت مساحته حسب تقدير جورج سميث 1.156 × 900 قدم
مربع، ثم فناء أصغر ثم " فناء أشتار وزاجاحا " مساحته 1053 × 450 قدماً
مربعاً، وكان في الفناء ست بوابات تؤدي إلى المعابد، وهى: (أ) البوابة الكبيرة، (ب)
بوابة الشمس المشرقة (في الشرق)، (ج) البوابة العظيمة، (د) بوابة التماثيل، (ه)
بوابة القنال، (و) بوابة منظر البرج.

6-المصطبة: بعد ذلك نجد فضاء أو مصطبة – كانت
محاطة بجدران – وكانت مربعة الشكل، طول ضلعها 3 " كيو " (ولا نعلم قيمة
الكيو) وكانت جوانبها تواجه الجهات الأصلية، وكان بجدرانها أربعة أبواب، باب في كل
جانب، كان يسمى باسم الجهة الموجود بها، وكان يقوم في وسط المصطبة بناء ضخم طول
ضلعه 10 " جار " (ويظن سميث أن " الجار " = 20 قدماً). ومن
سوء الحظ قد تهدم اسم المبني، ولذلك فنحن لا نعرف اسمه ولا الهدف منه.

7- المعابد والمقصورات: كانت توجد حول قاعدة البرج
معابد صغيرة مكرسة لآلهة بابل الكثيرين، فكان إلى الشرق ست عشرة مقصورة، كانت
أكبرها مخصصة لنبو وتاسميتو زوجته وكان يوجد إلى الشمال معبدان مخصصان لإي (أو آي)
ونوسكو. وإلى الجنوب كان يوجد معبد واحد للإلهين العظيمين آنو وبيل (إنليل؟). أما
إلى الغرب فكانت توجد المباني الرئيسية، وهى منزل ذو جناحين يتوسطهما فناء يبلغ
اتساعه 35 ذراعاً (أو 58 قدماً، حسب تقدير سميث). ولم يكن الجناحان متشابهين في
أبعادهما، فكانت مساحة أحدهما 100 × 20 ذراعاً مربعاً
(166 × 34 قدماً
مربعاً). ومساحة الثاني 100 × 65 ذراعاً وفي هذه المقصورات الغربية كان يوجد سرير
الإله والعرش الذهبي اللذان ذكرهما هيرودوت، مع أشياء أخري. ويقال إن السرير كان 9
× 4 أذرع مربعة.

8- البرج في مرحلته الأولى: كان يقف في المركز من
كل هذه المجموعات من المباني، البرج العظيم بطبقاته، الذي كان البابليون يسمونه
" برج بابل

"
(زيكورات
بابيلي)، وكانت كل طبقة أصغر من التي تحتها، ولكنها جميعها كانت مربعة، وكان طول
ضلع الطبقة الأولى 15 جاراً، وارتفاعها خمسة جارات ونصف الجار (300 قدم طولاً، 110
أقدام ارتفاعاً) ويبدو أنها كانت مزينة حسب العادة بارتداد مزدوج وهو ما يميز فن
العمارة البابلي الآشوري..

9- الطبقات الأخرى: كانت الطبقة الثانية 13 جاراً
طولاً، وثلاثة جارات ارتفاعاً
(260 قدماً طولاً، 60 قدماً ارتفاعاً). ويظن سميث أن
جوانبها كانت منحدرة (مائلة)، وكانت الطبقات الثالثة والرابعة والخامسة بارتفاع
واحد هو جار واحد (أو 20 قدماً)، وكانت أطوالها عشرة جارات، وثمانية جارات وثلث
الجار، وسبعة جارات على الترتيب. ولم تذكر أبعاد الطبقة السادسة، ولكن بمقارنتها
بباقي الطبقات، يمكن تقديرها بخمسة جارات ونصف مربعة (110 أقدام مربعة) وارتفاعها
جار واحد (20 قدماً)
.

10- المعبد فوق القمة: ويقوم فوق هذه ما يسميه سميث
بالطبقة السابعة، وهى المعبد الأعلى للإله بل مردوخ، وكان أربعة جارات طولاً،
وثلاثة جارات ونصف الجار عرضاً، وارتفاعه جارين ونصف الجار، ولا يذكر تمثال الإله،
ولكن المفروض أنه كان موضوعاً في هذا المعبد الأعلى. وكان الارتفاع الكلى للبرج –
فوق أساساته – خمسة عشر جاراً (أو 300 قدم)، أي أن ارتفاعه كان يعادل طول ضلع
قاعدته. ولا يمكن أن يقال عنه إنه كان بناء جميلاً، ولكن يحتمل أن أبعاده كانت
ترمز إلى أشياء معينه، ويحتمل أنه كان يشبه في مظهره (فيما الزخرفة) برج المعبد في
كالح (الذي يبدو في اللوحة التي اكتشفها لايارد في نينوي على شكل هرم مدرج فوق
قاعدة على شكل مصطبة)
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس س ساريد د

11- وصف هيرودوت: ويتفق وصف هيرودوت مع هذا الوصف
البابلي لهذا المعبد الشهير، حيث يقول هيرودوت إنه كان مربع الشكل، طول ضلعه
غلوتان (1213 قدماً)، وفي منتصفه قام برج مربع الشكل أيضاً، لطول ضلعه غلوة واحدة.
ولاشك أن هذا وصف للمصطبة التي كانت تشكل مع الطبقات الست والمعبد الذي كان يعلوها،
ثماني طبقات كما وصفها هيرودوت، ويقول أن السلم المؤدي إلى القمة كان يدور "
حول كل الأبراج من الخارج "، وهو تعبير يدل – على الأغلب – على أنه كان سلماً
حلزونياً، أي أن الصاعد عليه كان يدور حول المبنى سبع مرات للوصول إلى القمة ويقول
هيرودوت إنه كان في منتصف السلم مكان به مقاعد للاستراحة عليها. وكان فوق قمة
البرج الأعلى مقصورة كبيرة بها أريكة كبيرة مفروشة جيداً، وأمامها مائدة ذهبية،
ولم يكن بها أي تماثيل، ولم يكن يبيت بها إلا امرأة من مواطني المدينة يختارها
الإِله " حسبما يقول الكلدانيون كهنة هذا الإِله
".

وقد
ذكر أولئك الكهنة لهيرودوت أن ذلك الإله كثيراً أما كان يأتي إلي المقصورة ويستريح
على الأريكة، ولكن هيرودوت يرادف ذلك بالقول: " إنني لا أصدقهم ". وبعد
أن يذكر وجود مثل هذه في طيبة في مصر، وفي باترا في ليكائية، يتحدث عن مقصورة أخرى
أسفل الأولى، كان بها تمثال كبير لزيوس (بل – مرودخ) جالساً وأمامه مائدة وموطئ
تحت قدميه، جميعها من ذهب وتزن ما لا يقل عن 800 وزنة. وكان يوجد خارج هذه
المقصورة مذبح ذهبي للإِله، كما كان يوجد مذبح آخر تقدم عليه الحيوانات البالغة،
إذ كان المذبح الذهبي للحيوانات الرضيعة فقط. كما ذكر له الكلدانيون أنه يوجد
بمنطقة المبنى تمثال مصمت من الذهب ارتفاعه 12 ذراعاً، وكان داريوس هيستاسبس يشتهى
امتلاك هذا التمثال ولكنه لم يجرؤ على ذلك، لكن ابنه أجزر كسيس (أحشويرش) لم يكن
يبالي كثيراً بمشاعر الشعب أو الكهنة، فقتل الكاهن الذي حاول منعه من ذلك.

12- بناة البرج: لا يذكر الكتاب من هم الذين ارتحلوا
شرقا وبنوا المدينة والبرج، فالضمير لجمع الغائبين في
" ارتحالهم
" " وأنهم " يجعل من الممكن أن يكونوا أي شعب من الشعوب التي كانت
موجودة في ذلك الوقت. وحيث أن برج بابل يحمل في النقوش البابلية اسماً سومرياً
أكادياً، فيمكن افتراض أن بناة البرج كانوا من ذلك الشعب.

13- الأخبار عن تدميره: مما يسترعى الانتباه أنه لا
يذكر في سفر التكوين شيء عن الكف عن بناء البرج، ولو أنه ذكر أنهم كفوا عن بناء
المدينة (تك 11: 8). ويسجل بوكارت تقليداً يهودياً عن أن البرج قد انشق إلى
الأساسيات بنار سقطت عليه من السماء، والأرجح أنها رواية عما حدث للبرج في "
بابل الثانية " أي
" برس نمرود ". كما أن يوسابيوس
يسجل تقليداً آخر عن أنه قد انهار بفعل الرياح، فيقول: " ولكن لما بلغ عنان
السماء، ساعدت الرياح الآلهة وقلبت البرج على بٌناته، وبلبلت الآلهة ألسنتهم بعد
أن كان الجميع – إلى ذلك الوقت – يتكلمون لغة واحدة ". ويسمى المكان الذي بني
فيه البرج " بابل " بناء على بلبلة الألسنة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ع عكسة 1

14- معنى بابل: نعرف من سفر التكوين أنه قد دعي
اسمها " بابل " لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض "، فبابل تعنى
تشويش أو بلبلة، وهذا ولاشك بني على أساس اللفظة العبرية " بابل " بمعنى
" يشوش أو يخلط ". ولكن النقوش المسمارية العديدة تدلنا على أن "
بابل " ليست من " بالالو " (بمعنى يخلط) حيث أنه في البابلية يكتب
الاسم: " باب – إيلي " (أو " إيلاني " أي " باب الله
" (أو باب الآلهة) حسب اللغة الدارجة، مع ملاحظة أن الصيغة السومرية الأكادية
وهى " كا – دينجيرا " لها نفس المعنى. ومما تجدر ملاحظته هو أن إحدى
الصور التي يستخدمها نبوخذراصر هي " بابيلام " (بزيادة حرف الميم الذي
هو من مميزات اللغة البابلية)، علاوة على ورود " بابالام " كاسم مكان،
وربما كان هذا هو الاسم الأقدم بل لعله الاسم الأصلي، مع أن " بابالام "
قد تعني " المكان الذي يجمع معاً "، و " بابيلام " "
الجامع معاً

".

15- التدمير النهائي للبرج: إن الكف عن بناء المدينة
– عندما تبلبلت الألسنة – أمر طبيعي، فإن ارتحال العدد الأكبر من السكان جعل هذا
أمراً محتماً، ولكن عندما زاد عدد السكان مرة أخرى، استأنفوا بناء المدينة حتى
أصبحت بابل أعظم مدن العالم المعروف وقتئذ. وظل البرج – رغم ما قيل عن تدميره –
قائماً، وكلما أصابه التصدع بين الحين والحين، كان يقوم بترميمه ملك من ملوك بابل
الأقوياء. وقد شرع الإسكندر الأكبر وفيليب المقدوني في تطهير المنطقة لإعادة بناء
معبد بيلوس (بل – مردوخ) المرتبط به، وليس ثمة شك في أن يد الترميم كانت ستمتد
أيضاً إلى البرج، ولكن الموت المفاجئ للإسكندر وضعف الثاني عقلياً عن حكم
الإمبراطورية العظيمة، حالا دون ذلك، فظل البرج بلا ترميم. ولما كان عالياً جداً،
فإن ثلثه الأعلى سقط إلى الأرض، واحترق ثلثه الأوسط، وظل الثلث الأسفل حتى زمن
تدمير بابل نفسها.

16- لا تفكير في الوصول للسماء: لم يقصد البناءون أن
بينوا برجاً يصل إلى السماء حقيقة، ولكنهم أرادوا بناء برج مرتفع جداً، فهذا هو ما
تعنيه عبارة " رأسه بالسماء"، ومع أنه يمكن التسليم بأن البابليين ودوا
لو أن برجهم بلغ السماء، مع اعتبار الفكرة رمزاً لكبرياء بابل، وبخاصة لأنهم
اعتبروه " بيت أساس السماء والأرض "، ومع أنه الآن أصبح أكثر انخفاضاً
عن سائر أبراج بابل، فإن شهرته ستظل من أعظم أمجاد بابل. وقد كان مكرساً للآلهة
التي عبدوها وبخاصة لعبادة مردوخ (رمز التوحيد البابلي). وكانت بابل – المركز الذي
كانت تلتف حوله الأمم – مركزاً تجارياً عظيماً، وما أكثر اللغات التي ترددت في
منطقة البرج. وقد أدت بلبلة الألسنة إلى توهم اليهود بأن هواء بابل وبورسيبا يسبب
النسيان، ولذلك فهو ضار بتلاميذ الناموس إذ يجعلهم ينسونه، كما نسي بناة البرج
لغتهم، ولكن ذلك لم يمنع علماء اليهود في بابل من التفوق على نظرائهم في الأرض
المقدسة بل وفي أورشليم ذاتها.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي