بلاد
العرب

 

شبه
الجزيرة العربية

 

أولاً
– في العهد القديم:

كلمة
" عرب " تعني في اللغات السامية " القفر أو البادية
" .

(أ) جغرافية شبه الجزيرة العربية:

تمتد
شبه الجزيرة العربية من البحر الأحمر غرباً إلى خليج عمان والخليج الفارسي شرقاً،
ومن بحر العرب (بالمحيط الهندي) جنوباً إلى صحراء سورية شمالاً . ويسمى الساحل
المحصور بين البحر الأحمر وسلسلة الجبال شرقية " بتهامة " ثم يليه شرقاً
" الحجاز " لأنه يحجز السهول الساحلية عن الصحراء في الداخل . ثم توجد
بعد الحجاز شرقا " نجد " يليها " الاحساء " شرقاً ثم الخليج
الفارسي وخليج عمان
.

وتتكون
شبه الجزيرة العربية من كتلة ضخمة من الصخور المتبلورة التي تشكل سلسلة من الجبال
في الغرب، ترتفع إلى نحو 3000 متر في بعض المواقع، تليها سلسلة من تكوينات أقل
ارتفاعاً تنحدر نحو الشرق . وفي المرتفعات الغربية، وبخاصة في الركن الجنوبي
الغربي من شبه الجزيرة، حيث يزيد متوسط الأمطار عن 500 مم في بعض الأجزاء، ظهرت
منذ القديم حياة زراعية مستقرة، لتوفر المياه للري، فازدهرت الممالك العربية
القديمة فيما يُعرف الآن " باليمن " . وكانت عواصم ثلاث من هذه الممالك
هي: " قرناوة " (عاصمة المعينين)، و " مأرب " (عاصمة سبا –
ارجع إلى " سبا " في موضعها من المجلد الرابع)، و " تيماء " (ارجع
اليها في موضعها من المجلد الثاني)، تقع على السفوح الشرقية لسلسلة الجبال الغربية،
على مجاري مياه تنحدر نحو الشمال الغربي من هضبة حضرموت
.

وتمتد
مساحات منبسطة من الأرض (يبلغ متوسط سقوط الأمطار عليها من 100 إلى 250 مم) شمالاً
على امتداد سلسلة الجبال الغربية، وكذلك على امتداد السواحل الشرقية، مما ساعد على
وجود نوع من الحياة المستقرة . أما باقي شبه الجزيرة العربية فيكاد يكون صحراء
جرداء عديمة الأمطار تقريباً، والحياة فيها قاصرة على الواحات حيث توجد الينابيع
والآبار

.

وتتسع
هذه المناطق الصحراوية في الجنوب مكونة ما يسمى " بالربع الخالي "، وهو
أكبر منطقة رملية في العالم . كما توجد في الشمال " صحراء النفود " وهي
أقل اتساعاً من الربع الخالي . وتوجد الواحات في نقط متفرقة، كانت هي التي حددت
مسار طرق القوافل، لإمكان تزودها بالماء . وفي الأجزاء المحيطة بالصحراء الوسطى،
تنمو المراعي على مياه الأمطار القليلة، وبخاصة في المنطقة الشمالية المحصورة بين
خليج العقبة وبلاد النهرين (الرافدين)، حيث قامت بعض المدن الكبيرة مثل "
البتراء " (سالع – ارجع إليها في موضعها من المجلد الرابع)، و " تدمر
" أي " بالميرا " (ارجع إليها في موضعها من المجلد الثاني)، و
" دمشق " (ارجع إليها في موضعها من المجلد الثالث)
.

(ب) الاكتشافات:

كان
من أوائل المستكشفين في شبه الجزيرة العربية، المستشرق الدانمركي " كارستن
نيابور

" (Carsten Niebuhr )
الذي زار اليمن في 1763 م . كما
أعاد ج . ل . بوركهارد
(j . l . Burckhardt ) اكتشاف
" البتراء " في الشمال في 1812 . ثم تركز الاهتمام على الجنوب، عندما
نشر " ج . ر . ولشتد
" ( J.R. Wellsted ) في 1837
أول نقوش عربية، أثارت اهتمام علماء أوروبا، حتى فك رموزها " و . جسينيوس
" (W. Gesenuis ) و
" روديجر

" ( E . Rodiger )
في 1841، وعرفت هذه النقوش "
بالنقوش الحميرية " نسبة إلى المملكة التي حكمت الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة
في القرون الأخيرة قبل الميلاد، فاعتبر المؤرخون المتأخرون أنها مصدر هذه النقوش،
بينما هي ترجع – في الحقيقة – إلى الممالك الأقدم عهداً من الحميرين . وقد اكتُشف
بعد ذلك الآلاف من هذه النقوش نتيجة جهود الكثيرين من العلماء . وفي 1937 / 1938
اكتشف مس " ج . كاتون سومبسون
" (G . Caton Thompson ) معبداً
لإله القمر " سن

" ( Syn )
في " الحريدة " في حضر موت . وبعد
الحرب العالمية الثانية نقَّب العلماء الأمريكيون في تيماء وما جاورها (1950 /
1951)، وفي مأرب حيث كشفوا عن معبد إله القمر عند السبائيين (1952)
.

ومن
أهم النقوش التي تم العثور عليها، " حجر تيماء " الذي يحمل نقوشاً
أرامية ترجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وقد عثر عليه " هوبر
" (Huber ) في
1883
.

(ج) تاريخ بلاد العرب وحضاراتها:

عاش
البدو، سكان الصحاري، آلاف السنين دون أن يطرأ عليهم تغيير يُذكر، فلم تظهر
المراكز الحضارية التاريخية إلا في الطرف الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية،
وفي المنطقة الشمالية المتاخمة لسورية
.

ففي
الألف الثانية قبل الميلاد، ارتحلت قبائل تتكلم لغة سامية من الشمال الى اليمين
وعدن واستوطنوا هناك، ومنهم ظهرت ممالك سبأ ومعين (ويظن أنهم هم " المعونيون
" – انظر مثلاً قض 10: 12) وكتبان وحضرموت (تك 10: 26) . وكان السبب الأول في
نجاحهم هو موقعهم على طرق التجارة، من موطن تجارة اللبان والأطياب على السواحل
الجنوبية، وبلاد أثيوبيا وشرقي أفريقية، إلى بلاد الحضارة في الشمال
.

وكانت
أول هذه الممالك في الظهور هو مملكة " سبأ "، كما يُستدل على ذلك من
النقوش التي ترجع إلى القرن الثامن قبل الميلاد، والتي تدل على أنها كانت دولة
محكمة التنظيم تحت حاكم جمع بين وظيفته كحاكم، ووظائف كهنوتية . وقد دفعت هذه
الدولة الجزية لسرجون وسنحاريب ملكي أشور . وحوالي 400 ق . م . برزت مملكة "
معين " المجاورة لها، واستولت على الكثير من أملاك سبأ . وفي القرن الرابع
قبل الميلاد ظهرت مملكة " كتبان " . وفي الربع الأخير من الألف الأخيرة
قبل الميلاد، بدأت نجوم سبأ ومعين وكتبان وحضرموت في الأفول، وبرزت مكانها دولة
" الحميريين " . وكانت مملكة سبأ – في أوج عظمتها – قد امتد سلطانها إلى
شمالي بلاد العرب، فقد وجدت نقوش بكتابتهم على شواطئ الخليج الفارسي وبلاد بين
النهرين (في أور وأرك) . كما أن النقوش بالحروف الأبجدية التي استخدمها اللحيانيون
والثموديون والصفاتيون، تبين امتداد نفوذهم إلى الشمال، كما انتقل تأثيرهم إلى
إثيوبيا وشرقي أفريقية
.

أما
في الشمال، فكان هناك اتصال بين القبائل البدوية فيه، وبين الحضارات المستقرة في
بلاد النهرين وسورية . وفي الفترات المبكرة من منتصف العصر البرونزي، استقرت
جماعات عديدة في شرقي الأردن، ثم أعقبت ذلك فترة من الركود من حوالي 900 إلى 1300
ق . م . إلى أن تزايد الاستيطان فيها في القرن الثالث عشر قبل الميلاد
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد إنجيل متى القمص متى المسكين 28

ويظهر
الاسم " العرب " لأول مرة في حوليات " شلمنأسر الثالث "، إذ
حارب ضده أحد قوادهم في موقعة " قرقر " (في 853 ق . م .) ثم يتوالى
ذكرهم بعد ذلك في النقوش اشورية بوصفهم البدو ركاب الجمال، ويصورون على هذه الصورة
في رسومات قصر أشور بانيبال في نينوى . وقد ورد في أحد تواريخ بلاد النهرين أن ملك
بابل " نبونيداس " (556 – 539 ق . م .) ذهب إلى تيماء في شمالي شبه
الجزيرة العربية، ومكث هناك نحو عشر سنوات، كان ابنه بيلشاصر (دانيال 5) يحكم في
أثنائها نيابة عنه في بابل
.

وفي
أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، كانت مملكة العرب النبطيين (الأنباط) الذين كانوا
يتكلمون الأرامية، قد بدأت في الظهور في عاصمتها الحصينة " سالع " (البتراء)
. وقد ازدهرت كدولة تجارية في القرن الثاني قبل الميلاد حتى العصر الروماني . وفي
الجنوب ظهرت مملكة اللحيانيين في " دِدان " . وفي القرن الأول قبل
الميلاد برزت دولة عربية – كانت الأرامية هي لغتها الرسمية – في " بالميرا
" (تدمر)، وأخذت في الازدهار حتى حلت محل " البتراء " كدولة "
تجارية "، بل أصبحت منافساً خطيراً لروما نفسها
.

(د) الإشارات إلى العرب في العهد القديم:

قلما
يذكر العرب بهذا الاسم في العهد القديم الذي استخدم الأسماء القبلية للعديد منهم .
ففي قائمة الأمم في الأصحاح العاشر من سفر التكوين، نجد عدداً من أسماء القبائل
العربية في الجنوب من نسل كوش ويقطان (وهو قحطان جد العرب القحطانية) . كما يذكر
سفر التكوين عدداً من أسماء القبائل العربية في الشمال من نسل إبراهيم من هاجر
وقطورة (تك 25)، كما يذكر بعضهم من نسل عيسو (تك 36) كما يذكر القوافل التجارية
للإسماعيليين والمديانيين في قصة يوسف، فقد باعه أخوته لأولئك التجار (تك 37: 25 –
36)
.

وفي
أيام الملك شاول – أول ملوك إسرائيل – عمل بنو رأوبين " حرباً مع الهاجريين
فسقطوا بأيديهم وسكنوا في خيامهم " (1 أخ 5: 10 و 19 و 20 – انظر أيضاً مز 83:
6 و 7) . ويذكر بين رجال داود " أوبيل الإسماعيلي " الذي كان على الجمال،
و " يازيز الهاجري " الذي كان على الغنم (1 أخ 27: 30 و 31)
.

وقد
اشتهر الكثيرون من أهل المشرق (العرب) بالحكمة وجاء في سفر باروخ الأبوكريفى: "
بنو هاجر المبتغون للتعقل في الأرض " (با 3: 23) . ولا ننسى أن عوص (في بلاد
العرب) كانت موطناً لأيوب، وأن صاحبيه " بلدد الشوحي، وأليفاز التيماني
" ينتسبان إلى قبائل عربية . والأصحاحان الأخيران من سفر الأمثال يحتويان على
أقوال " أجور بن متقية مسَّا " و " لموئيل ملك مسَّا "، في
شمالي جزيرة العرب من نسل اسماعيل (تك 25: 14)
.

وفي
زمن سليمان بن داود الملك، اتسعت دائرته التجارية وأصبحت له علاقات قوية مع العرب
وبخاصة في مينائه في " عصيون جابر " (أيلة أو " أيلات ") على
خليج العقبة . كما زارته ملكة سبأ (1 مل 9: 26 – 10: 13، 2 أخ 8: 17 – 9: 12) .
كما جاءه ملوك العرب بالهدايا (1 مل 10: 15، 1 أخ 9: 14)
.

وفي
القرن التاسع قبل الميلاد جاء " العربان " بهداياهم إلى يهوشافاط ملك
يهوذا (2 أخ 17: 11) . ولكن ابنه يهورام تعرض لهجوم الفلسطنيين والعرب الذين
" أخذوا كل الأموال الموجودة في بيت الملك مع بنية ونسائه أيضاً، ولم يبق له
ابن إلا يهو آحاز (أو أخزيا) أصغر بنيه " (2 أخ 21: 16 و 17)
.

وفي
القرن الثامن قبل الميلاد استطاع الملك " عزيا " أن يعكس الموقف، ويسترد
" أيلة " (عصيون جابر) ليهوذا (2 مل 14: 21 و 22)
.

ومع
أن الممالك التي ظهرت في جنوبي الجزيرة العربية كانت لها بعض العلاقات مع اسرائيل (مثل
زيارة ملكة سبأ لسليمان، انظر أيضاً يؤ 3: 8)، إلا أن أكثر علاقات إسرائيل بالعرب
كانت مع القبائل البدوية في الشمال . ففي زمن حزقيا الملك، كانت هذه القبائل
معروفة جيداً (اش 13: 20، 21: 13)، بل إن البعض منهم خدموا كمرتزقة في الدفاع عن
أورشليم ضد سنحاريب (كما جاء في النقوش الأشورية) . وكانت قيدار أبرز القبائل
العربية في ذلك الوقت (إش 21: 16) . ويتنبأ عن زحف الأشوريين عليهم (اش 21: 13 – 17)
. كما سجل ملوك أشور: تغلث فلاسر الثالث وسرجون وسنحاريب حروبهم وانتصاراتهم على
العرب في شمالي الجزيرة العربية، وأخذ الجزية منهم
.

وفي
أيام أشور بانيبال ملك أشور (669 – 627 ق . م) قام العرب (قيدار وممالك حاصور)
بغارات على فلسطين وسورية، ولكن ردهم عنها أشور بانيبال
.

ويشير
إليهم إرميا النبي بالقول: " مقصوصي الشعر مستديراً " كما تبدو صورهم في
النقوش البابلية، وكما وصفهم هيروديت . ويتنبأ ارميا عن نبوخذ نصر ملك بابل (605 –
562 ق . م) " لقيدار " (إرميا 9: 26، 25: 23 و 24، 49: 30 – 32) . وقد
اكتشفت مؤخراً أجزاء من سجلات بابلية عن هذه الغزوات . ويذكر حزقيال النبي دِدان
والعرب وكل رؤساء قيدار، وتجار شبا ورعمة وعلاقتهم بصور (حز 27: 20 – 22)
.

وفي
أيام الامبراطورية الفارسية، أخضع كورش شمالي جزيرة العرب لحكمه، وكان بين جيوشه
التي استولت على بابل في 539 ق . م . جنود من العرب (كما يذكر " زينوفون
") . وقد سجل داريوس الأول (على صخرة " بهستون ") اسم بلاد العرب
بين الولايات الفارسية . وكان العرب يشكلون فرقة راكبي الجمال في الحملة التي
نظمها " اجزر كسيس " (" احشويروش " سفر أستير) ضد بلاد اليونان
.

ويبدو
أتجاه العرب للاستقرار وتأسيس مراكز تجارية، في موقف " جشم العربي "،
الذي حاول مع حلفائه: " سنبلط الحوروني وطوبيا العبد العموني "، أن
يحولوا دون بناء أسوار أورشليم في أيام نحميا بعد العودة من السبي البابلي (نح 2: 19،
6: 10)، فالأرجح أن مقاومتهم لنحميا كانت راجعة إلى خشيتهم من أن تصبح أورشليم
مركزاً تجارياً منافساً
.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر حكمة سليمان 03

وفي
القرن الرابع قبل الميلاد، كان الأنباط أقوى القبائل العربية في شمالي شبه الجزيرة
العربية، وظلوا كذلك إلى القرن الأول الميلادي . ويذكر التاريخ أنهم ساعدوا في
الدفاع عن غزة عند زحف الاسكندر الأكبر عليها، ولكنه استولى على المناطق الشمالية
من شبه الجزيرة العربية . ويقول " بوليبيوس
" Polybius ) إن
العرب ساعدوا أنطيوكس الثالث في الاستيلاء على فلسطين من يد البطالمة في 198 ق . م
. (انظر دانيال 11: 15 و 16)
.

وتشير
كلمة " عرب " في سفر المكابيين – في الأغلب – إلى الأنباط (1 مل 5: 25 و
39) . وقد ساعدوا – في بعض الأحيان – المكابيين في كفاحهم للاستقلال، ولكنهم في
أوقات أخرى انضموا إلى السلوقيين (انظر 1 مك 5: 39، 12: 31) . وأول الملوك
المعروفين من ملوك الأنباط، هو " أرتاس " (الحارث) الأول الذي رفض أن
يبسط حمايته على " ياسون " رئيس الكهنة الهارب في 169 ق . م . (2 مك 5: 8)
. وفي 145 قطع زبديئيل الأمير العربي رأس " اسكندر بالاس " الذي اعتلى
عرش السلوقيين لمدة خمس سنوات (1 مك 11: 16 و 17)، ولكن أيملكوئيل العربي ربَّى
أنطوكس بن اسكندر بالاس (1 مك 11: 39 و 40) الذي أصبح أنطيوكس السادس
.

وكثيراً
ما حارب الأنباط – بعد ذلك – الحكام المكابيين، ففي 90 ق . م . هزم الملك النبطي
" أوبيداس " الأول اسكنريانيوس في جدرة في جلعاد عندما حاول اسكندر
الاستيلاء على منطقة عربية . وفي عهد أرتاس الثالث (87 – 62 ق . م .) بلغت مملكة
النبطيين أوج عظمتها، فأجبر " أرتاس " اسكنريانيوس على أن يتخلى له عن
موآب وجلعاد، كما استولى على دمشق، وتدخل في شؤون اليهود بمساعدته لهركانس الثاني
ضد أخيه أرستوبولس الثاني . وقد قاوم النباطيون تدخل روما في فلسطين في أيام
" بومبي " القائد الروماني الشهير، ولكن " سكاوروس
" ( Scaurus ) القائد
الروماني استطاع أن يحاصر " أرتاس " في عاصمته " البتراء "،
ويضطره إلى دفع الجزية للرومان . وفي 31 ق . م . كانت لهيرودس الكبير معارك كثيرة
مع الأنباط حتى تمكن من هزيمتهم أخيراً
.

(ه) العرب وبلادهم في زمن العهد الجديد:

 كان " أرتاس الرابع " (9 ق . م . إلى 40 م) هو ملك الأنباط
في النصف الأول من القرن الأول الميلادي . وقد تزوج هيرودس أنتيباس من أبنه "
أرتاس "، ولكنه طلقها بعد ذلك ليتزوج من هيروديا (مت 14: 3) . ولهذا السبب،
علاوة على التنازع على الحدود بين وملكيهما، هاجم أرتاس هيرودس أنتيباس وهزمه
.

وقال
الرب يسوع للكتبة والفريسيين إن ملكة التيمن (أي اليمن، وهي ملكة سبأ) ستقوم في
الدين مع هذا الجيل وتدينه لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهوذا
أعظم من سليمان ههنا " (مت 12: 42، لو 11: 31)
.

والأرجح
أن " العرب " الذين سمعوا بطرس الرسول وهو يتكلم في يوم الخمسين في
أورشليم، كانوا يهوداً جاءوا من بلاد الأنباط إلى أورشليم بمناسبة العيد (أع 2: 11)
.

ويقول
الرسول بولس إنه بعد تجديده وهو في طريقة إلى دمشق، انطلق منها إلى " العربية
" . ويرجح كثيرون من العلماء أن ما يقصده الرسول بولس " بالعربية "
إنما هي بلاد الأنباط إلى الجنوب من دمشق، ولعله ذهب إلى " البتراء "
العاصمة الأرجوانية . ولا يذكر سبب ذهابه إليها، فلعله أراد أن يختلى هناك مع الله،
لكن يرى البعض أنه ذهب إليها ليكرز لأولئك القوم بالإنجيل، حيث أنه يقدم لذلك
بالقول: " لما سر الله … أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم … انطلقت
إلى العربية " (غل 1: 15 – 17)، ليتمم الغرض الذي دعاه الله لأجله
.

ويقول
أيضاً إنه في دمشق كان والي الحارث الملك، يحرس أبواب المدينة لإلقاء القبض على
بولس، والأرجح أن ذلك حدث بناء على طلب زعماء اليهود، ولكن الرسول استطاع أن ينجو
بالنزول من طاقة في زنبيل من السور (2 كو 12: 32 و 33)
.

ويقول
أيضاً في المقارنة بين عهد الناموس وعهد النعمة، إن " أحدهما من جبل سيناء
الوالد للعبودية الذي هو هاجر، لأن هاجر جبل سيناء في العربية " (غل 4: 24 و
25)، فقد كانت سيناء تعتبر امتداداً للصحراء العربية، بل إن صحراء مصر الشرقية –
بين النيل والبحر الأحمر – كانت تسمى " صحراء العرب
" .

وفي
النصف الثاني من القرن الأول، استولى الرومان شيئاً فشيئاً – على المناطق التي كان
يحكمها الأنباط، فأجبروا " ماليكوس الثاني " ملك الأنباط (40 – 70 م)
على التخلي عن دمشق، كما أجبروه على أن يمد الرومان بجنود من العرب لمساعدتهم في
القضاء على الثورة اليهودية في 67 م . (كما يذكر يوسيفوس)، وهي الثورة التي انتهت
بتدمير أورشليم والهيكل، وتشتيت اليهود في 70 م
.

(و) الديانات عند العرب قديماً:

(1) الوثنية: كانت ديانة غالبية العرب خليطاً من
اعتقاد غامض بوجود إله أعلى مع صور عديدة من الأصنام الحجرية، وبخاصة بين قبائل
الإسماعيليين العدنانيين، الذين كانت منهم قبيلة قريش . ويبدو أن أساس عبادة
الأصنام الحجرية، هو أن العائلة التي كانت تجبر على مغادرة مقرها الأصلي في
المنطقة المقدسة حول مكة، كانت تأخذ معها حجراً كتذكار للوطن، وسرعان ما تحول هذا
الحجر إلى صنم يتمسح به ويرِّبت عليه كل إنسان قبل خروجه في قافلة، أو حال عودته
من رحلته، وقبل ذهابه إلى منزله وأسرته . وكان أهم هذه الأصنام: " اللات
والعزُة ومناة " التي كانت تتعبد لها ثقيف في الطائف، والأوس والخزرج في يثرب
(المدينة)، وقريش في مكة . كما كان لقريش صنم كبير اسمه " هُبَل " في
الكعبة في مكة، كما كان بها العديد من الأصنام الأخرى . وكانوا يعتبرونها إلهة من
الإناث ويسمونها " بنات الله "، " فاللات " هي مؤنث "
إله " أي " إلهة
" .

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر صموئيل الأول 13

 وجاء في التقاليد البابلية أن عرب قيدار كانوا يعبدون " الماء
"، ولعل هذا يرجع في الأساس إلى تكريمهم لبعض الآبار المقدسة مثل "
مزمزم " في مكة، علاوة على أهمية آبار الماء في الصحراء
.

وكان
لليمن أيضا معبوداتها . ومما يستلفت النظر أن كلمتي " صنم ووثن " ليستا
من أصل عربي، إذ يبدو أن عبادة الأصنام انتقلت إلى العرب من الخارج . فالعرب الذين
عبدوا هذه الأصنام كانوا يعتقدون بوجود إله أعلى . كما سبق القول – وما هذه
الأصنام إلا وسيلة للتقرب إليه . وكما قال " رينان ": " إن الصحراء
تشجع على التوحيد، فهي لا تتسع لوجود العديد من الآلهة، مثلما حدث في السهول
الخصبة كثيفة السكان، كما حدث في الهند مثلاً
.

(2) الحج إلى الكعبة والأسواق: رغم وجود الكثير من
المعابد في البلاد، فإن المركز الرئيسي كان في مكة حيث توجد " الكعبة "
التي
اعتقدوا
أن إبراهيم وإسماعيل قد قاما ببنائها . وكانت القبائل تتنافس على حراسة الكعبة،
وقد توالى على حراستها قبائل جرهم ثم قضاعة ثم قريش . وكانت هذه القبائل أشبه بسبط
لاوي عند العبرانيين . وكانت العبادة تأخذ شكل الطواف حولها، وتقديم الذبائح .
وكان يلزم الحج إليها سنوياً . وكان يصاحب ذلك إقامة الأسواق، فتنشط التجارة .
وكان أهم هذه الأسواق سوق " عكاظ " على بعد مسيرة ثلاثة أيام إلى الشرق
من مكة، وعلى مسيرة يوم واحد إلى الغرب من الطائف . ولم تكن هذه السوق قاصرة على
التجارة، بل كانت تُسوَّى فيها المنازعات والديون والثارات، والمباريات الشعرية .
وكان يتم ذلك في الأشهر الحرم التي كان يحرم فيها القتال
.

(3) اليهودية: انتشرت " اليهودية " في
الجزيرة العربية وبخاصة في الحجاز، وقد بدأت بهجرة بعض العائلات اليهودية، هروباً
من حالة الاضطراب السياسي في وطنهم . فغزو نبوخذ نصر ليهوذا، ثم غزوا السلوقيين،
ثم حكم الرومان وبخاصة في أيام بومبي وفسبسيان وأسرته وهادريان، كل ذلك دفع الكثيرين
من اليهود إلى الهروب الى الصحراء التي جاء منها آباؤهم الأولون . وإليها أيضاً
جاء الرسول بولس بعد تجديده (غل 1: 17) . وقد استقرت قبيلتان من القبائل المهاجرة،
هما بنو النضير وقريظة، في يثرب (المدينة)، وتمتعوا في البداية بالاستقلال، ولكنهم
أصبحوا فيما بعد تابعين للأوس والخزرج، إلى أن قُضى عليهم في أوائل القرن السابع
الميلادي

.

ولقد
لقىِ يهود خيبر نفس المصير . وقد اعتنق اليهودية العديد من القبائل العربية مثل
حمير وكندة من نسل قحطان وكانت حمير في الجنوب، وكندة في وسط الجزيرة العربية .
وقد دخلت اليهودية إلى اليمن قبيل القرن الثالث الميلادى على الأرجح، ولكنها لم
تصل إلى أوج قوتها إلا بعد القرن الثالث عندما أصبح أميرها " ذو نواس "
شديد التعصب لليهودية، حتى إنه هاجم الأوس والخزرج في يثرب ليحرر اليهود من بني
النضير وقريظة من نيرهم . كما أوقع بالمسيحيين في نجران – إلى الشمال الشرقي من
اليمن – اضطهاداً عنيفاً، مما جلب عليه نقمة إمبراطور بيزنطة ونجاشي الحبشة، فكان
في ذلك القضاء على مملكته وأسرته
.

(4) المسيحية: يقال إن الرسول برثلماوس هو الذي حمل
الإنجيل إلى بلاد العرب . وكان أحد ملوك " جرهم " في بداية القرن الثاني
الميلادي، يدعى " عبد المسيح " بل يقال إنه كان في الكعبة تمثال للعذراء
تحمل ابنها . وقد أرسل الإمبراطور المسيحي " قسطنس " (337 – 350) الأسقف
توفيلس إلى جنوبي بلاد العرب لكي يرفع الاضطهاد عن المسيحيين هناك، وقد نجحت
سفارته، وبُنيت كنائس في ظفار وعدن وعلى سواحل الخليج الفارسي . وكانت معظم
القبائل اليمنية في ذلك الوقت تعبد الأصنام، ولكننا نجد بعد ذلك أن ملك الحبشة يصف
نفسه – في النقوش التي وجدت في أكسيوم – بأنه ملك الحميريين . ولا شك في أن ذلك
كان عاملاً في انتشار المسيحية، فكانت هناك أسقفية مركزها " نجران "
التي كان يحكمها " الحارث بن كعب " . وعلى هؤلاء المسيحيين أثار "
ذو نواس " – في تعصبه لليهودية – الاضطهاد الشديد، فألقى بكل المسيحيين الذين
تمسكوا بإيمانهم، في أخدود يشتعل بالنيران، ووصلت أخبار هذه الوحشية إلى
الامبراطور جيستنيان الأول، إما عن طريق بعض الناجين، أو عن طريق ملك الحيرة
اللخمي . فطلب جستنيان – إما مباشرة، أو عن طريق الإسكندرية – معاونة ملك أكسيوم (الحبشة)،
وكانت النتيجة أن غزا ملك الحبشة اليمن، وقضى على الأسرة الحميرية المالكة، وأصبحت
المسيحية هي الديانة السائدة في جنوبي الجزيرة العربية . ثم جاء الفرس بعد ذلك،
وطردوا الأحباش . وفي أيامهم سمحوا بالحرية الدينية للمسيحية واليهودية والوثنية .
وظل الحال هكذا إلى ظهور الإسلام
.

وقد
اعتنق الكثيرون من ملوك الحيرة المسيحية – رغم خضوعهم للنفوذ الفارسي الزرادشتي –
فقد اعتزل " النعمان الأول " – الذي ملك في نهاية القرن الرابع وبداية
القرن الخامس – العالم وتنسك، ربما بتأثير سمعان العمودي . ويبدو أن الملك "
المنذر الثاني " – في منتصف القرن السادس – تأثر بعض الوقت بالبدعة الأوطاخية
. كما اعتنق " النعمان الخامس " المسيحية . ولكن كان أكثر انتشار
وازدهار للمسيحية بين العرب، في أقرب المناطق الى الإمبراطورية البيزنطية، وهي
مملكة " الغساسنة "، وإن كان يبدو أن هذا لم يتحقق تماماً إلا بعد
اهتداء قسطنطين . وإلى ذلك العهد، ترجع الأديرة المتعددة التي لا تزال أطلالها
شاهدة على ذلك
.

كما
أن قبيلة تغلب القوية – من القبائل الإسماعيلية، والتي كانت تستوطن بلاد النهرين –
اعتنقت المسيحية . كما أن بعض بطون قبيلة قضاعة (من القحطانيين) اعتنقوا المسيحية،
مثل " كلب " في الحوف
.

(5) الصابئون والأحناف: كان هناك أيضاً غير ما سبق،
" الصابئون " ويبدو أنهم كانوا من المسيحيين الغنوسيين . ويظن البعض أن
الاسم مشتق من كلمة " صبغة " الأرامية والتي تعني " المعمودية
"، وذلك لكثرة اغتسالهم، وقد خُفِّفت " الغين " وأُبدلت بالهمزة .
ولذلك يربط البعض بينهم وبين يوحنا المعمدان
.

أما
" الأحناف " فهم المفكرون الذين اعتزلوا عبادة الأصنام وآمنوا بالإله
الواحد، وأخذوا يبحثون عن الحق في العقائد المختلفة
.

وظل
الحال على ذلك في الجزيرة العربية إلى أن سادها الإسلام في أوائل القرن السابع
الميلادي

.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي