بنتس

 

1- موقعها وتضاريسها: كانت بنتس ولاية هامة في الشمالي
الغربي من شبه جزيرة أسيا الصغرى، على ساحل البحر الأسود، وقد اطلق عليها اسم
" بنتس " لوقوعها على " بحر بنتس " (ومعناها " البحر
") الذي كان يطلق على البحر الاسود.

وكانت
بنتس أصلاً تنحصر بين نهر الهالز غرباً إلى حدود " كولكيس " شرقاً.
وكانت حدودها الجنوبية تتاخم غلاطية وكبدوكية وأرمينية. وأهم الأنهار التي كانت
تشقها علاوة على نهر الهالز هي أنهار إيريس وليكوس وترمودون. وكان منظر الأقليم
رائعاً رغم ضيقه، إذ كان يتكون من سهل ساحلي ضيق تحدق به من الجنوب سلسلة مهيبة من
الجبال الشامخة الموازية لساحل البحر، تخترقها بعض الانهار التي تشق طريقها من
الهضاب الداخلية إلى البحر. وكانت الوديان التي تضيق وتتسع في المواقع المختلفة شديدة
الخصوبة وافرة الإِنتاج مثلما كانت أيضاً السهول الداخلية في " تشيليو كومون
وفانارويا " على سبيل المثال. وكانت سفوح الجبال مغطاة بغابات كثيفة من أشجار
الزان والصنوبر والبلوط من مختلف الأنواع، ولابدأن الامطار التي كست تلك السفوح
بهذه الغابات الكثيفة كانت اغزر مما هي عليه الان.

2- تاريخها القديم: تبزع أول أضواء من التاريخ
المبكر لبنتس من وراء الظلام الدامس، كما تبرز قمم جبالها الشامخة من وسط الضباب
الكثيف الذي يغطي الساحل، فنلمح في هذه الأضواء الخافتة نوعا من الثقافة الأشورية
في سينوب وأميزوس، قد ترجع إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ثم يعقب ذلك سيادة
الحثيين على اسيا الصغرى. وهناك من الأدلة المتزايدة مايثبت أن الحثيين قد احتلوا
بعض المواقع الهامة في بنتس، وشيدوا الروابي الركامية التي كثيرا ما تقع عليها
عيون السائحين، كما نقروا القبور الصخرية في سفوح الجبال، وتركوا طابعهم على صفحات
ذلك التاريخ القديم. وكان موطن " الأمازونيات " (أي الكاهنات المحاربات
عند الحثيين) يقع على ضفتي الترمودون، ومازالت الجبال التي ترتفع خلف " ترم
" تسمي " سلسلة الأمازون "، ومازالت الأساطير تروى عن الشجاعة
الفائقة لنساء تلك المنطقة في العصر الحاضر.

وعندما
اضمحلت قوة الحثيين وانكمشت مملكتهم في حوالي عام 1000ق.م.، بدأت تزحف على بنتس
جماعات من المغامرين اليونانيين قادمين من الغرب في سفن تمخر عباب البحر الأسود،
سعياً وراء أرض يفتحونها ويستعمرونها ويستغلونها. ومازالت رأس " ياسون "
التي تفصل مابين طربيزون ومارسوان، تحتفظ لنا بذكريات " الأرجونوتس (أي
المغامرين) والجزة الذهبية ". وقد خرجت من ميليتس أعظم المدن الايونية أسراب
وراء أسراب من المستعمرين عن طريق البوسفور وعلى إمتداد الساحل الجنوبي للبحر
الأسود، فاحتلوا سينوب، أبعد نقطة شمالاً في أسيا الصغرى، وأفضل مرفا للسفن وأمنع
موقع. وكانت سينوب أصلاً إحدى بلاد بافلاجونيا، ولكن كان لها سياسيا وتجاريا علاقات
وثيقة مع مدن بنتس، وقد اضطر المستوطنون في سينوب تحت ضغط زحف غيرهم من القادمين
من اثينا ذاتها إلى الهجرة شرقاً وتأسيس مدينة " أميزوس " وهي سمسون
الحالية وكانت على الداوم مدينة تجارية هامة. ثم قامت جماعة أخرى من شينوب بتأسيس
ميناء طربيزون التي وصل بالقرب منها زينوفون والعشرة الآلاف الذين كانوا معه إلى
البحر مرة أخرى بعد أن عجم عود الدولة الفارسية، واكتشف ضعفها في " كوناكسا
". ومن أهم المدن الداخلية " أمازيا " المدينة الفاتنة في وادي نهر
إيريس، وفيها ولد " استرابو " في القرن الأول قبل الميلاد. وإلى استرابو
عالم الجغرافيا يرجع الفضل في ما نعرفه عن بنتس في أيامها الغابرة. وكانت مدينة
" زيل " التي بنيت فوق " ربوة سميراميس " مقراً لمعبد "
أنايتيس "، حيث كانت تقدم الذبائح في مهرجانات بهيجة، لا تفوقها مهرجانات
أخرى في غيرها من الأماكن. كما كانت " كومانا " بالقرب من توكات الحديثة
مدينة شهيرة بعبادتها للآلهة " ما ". وقد تاصلت الثقافة اليونانية
تدريجياً في المدن الساحلية، ولكنها امتزجت بعادات وتقاليد السكان الأصليين، فعانت
تطوراً واضحاً.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 10

3- تاريخها منذ العصر الفارسي: كان تاريخ بنتس على
وجه العموم جزءاً من تاريخ المقاطعات المجاورة وبخاصة بيثينية ومملكة برغامس.
وعندما بسط الفرس نفوذهم على أسيا الصغرى بعد القضاء على مملكة ليديا في 546 ق.م.،
خضعت بنتس نوعاً ما للامبراطورية العظيمة، وأصبح يحكمها ولاة من قبل الفرس.
واشتهرت بين هؤلاء الولاة، أسماء أريو بارزانس ومثرادتس وفارناسس وقد استطاعت هذه
الأسرة من الولاة، الاستقلال بالبلاد في 363 ق. م.، كما استطاعوا صيانة هذا
الاستقلال في عصر المقدونيين. وعندما بدأت قوة روما في الظهور، اتجهت في فتوحاتها
نحو الشرق، فزحفت إلى شرقي البحر المتوسط وإلى شبة جزيرة أسيا الصغرى.

وقد
تبنى مثرادتس الخامس في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد سياسة الانحياز إلى
الرومان، فساعد روما في حربها الأخيرة ضد قرطجنة
(149 146 ق. م.). وعندما ثار أرستينكوس ملك برغامس،
ساعد مثرادتس الجمهورية الرومانية على اخماد الثورة، وهكذا رسخت أقدام روما
نهائياً في أسيا الصغرى وبخاصة بعد أن أوصى أتالوس بمملكته لروما. وكانت مكافأة
مثرادتس هي فريجية. وحيث أنه كان قد استولى على المنطقة الداخلية الشاسعة في
غلاطية، أصبح سلطان بنتس يمتد إلى كل أسيا الصغرى وأصبحت بنتس قوة يحسب لها حساب.
واغتيل مثرادتس الخامس في سينوب في 120 ق.م. وظهرت وصيته الأرجح أنها كانت مزورة بأن
يخلفه على العرش زوجته لاوديس وابناه أوباتور وكريستوس.

وقد
بدأ أوبانور مترادتس الذي ولد في سينوب في 136 ق. م. وهو مازال حدثاً أعظم فصل في
تاريخ بنتس، والذي انتهي بمأساتها أيضاً. فقد هرب من بلاط أمه، وعاش طريداً فى
المنطقة الداخلية الوعرة، ثم عاد أخيراً ليستولي على سينوب، ثم خلع أمه عن العرش
وقتل أخاه، وبدأ فى تنفيذ برنامج أبيه في التوسع، ورسم له استراتيجية بعيدة النظر،
فبدأ أولا في تأمين الساحل الشمالي لبلاده على البحر الأسود، فشدد قبضته على
المجتمعات الساحلية والدروب الحيوية للمواصلات، ومن تلك الأقاليم جمع المال
والرجال، وكان حليفه الرئيسي هو صهره دكران أو تيجرانس ملك أرمينية. ثم اندفع
مثرادتس جنوباً إلى بافلاجونيا وكبدوكية حيث وجد نفسه وجهًا لوجه أمام روما التي
وقفت في طريق زحفه غرباً إلى بثينية. وكانت الجمهورية الرومانية قد استولت على
برغامس في 133م ق.م. وفرضت سيطرتها على القسم الغربي من أسيا الصغري، وكانت هناك
ثلاثة جيوش رومانية في مواقع متفرقة في شبه الجزيرة عند نشوب الحرب في 88 ق.م.
فانقض مثرادتس عليها واحداً بعد الآخر، وقضى عليها وبسط نفوذه على كل أسيا الصغرى
وأعمل قتلاً في المهاجرين من الطليان والرومان، فقتل نحو 80.000 شخص، ونقل الحرب
إلى بحر ايجة، ولكنه انهزم على يد القائد المحنك العنيد " سولا
(Sulla)، فانقلبت أسيا على مثرادتس، فاضطر في 84 ق.م. إلى أن يعقد صلحاً
مع " سولا " نزولا على شروط" سولا"، الذي جرده من الأقاليم
التي كان قد فتحها. ولكن سولا ترك له حكم " بنتس " مما يدل على أن سولا
كان يدرك جيداً أن لقوة روما حدودا يجب أن يلتزمها. وإستغل مثرادتس العشر سنوات
التالية أحسن استغلال. وهاجم الرومان تخوم مثرادتس في 81 ق.م. في حرب صغيرة يمكن
أن نسميها الحرب المثرادتسية الثانية، واستطاع الملك بدون كبير معاناه أن يرد
هجمات مورينا " قائمقام سولا "، فقد تصر ف مثرادتس بحكمة في تحديد
نشاطاته، وأحكم قبضته على ساحل البحر الأسود، وجمع الأموال، وإختزن الأمدادات،
وعقد محالفات مجدية مع أساطيل القرصان.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى II Chronicles 04

وفي
74 ق.م. إعتزمت روما ضم بيثيينه، ورأي مثرادتس في ذلك هجوماً على جناحه، فأسرع
باحتلال بيثينية، وهكذا بدأت الحرب المثرادتسية الثالثة. وكان لوكولس
(Luecllus) على رأس
الجيش الروماني، فتحرك إلى بنتس عن طريق وادى ليكوس، وهزم مثرادتس، واضطره للفرار
إلى أرمينية في 71 ق.م. وبعد أن صرف لوكولس الشتاء في تنظيم إدارة أسيا،تقدم إلى
أرمينة فى (0 7 , 69 , 68 ق.م.,وكان تقدم البطيء المدروس عسيراً بسبب الحالة
النفسية لقواته ونفاذ صبر الشعب في الوطن. ثم انتقلت القيادة في 66 ق.م. إلى يد
بومبي أكبر أعداء قيصر وأعظم جنود عصره.

ولم
يجد بومبي صعوبة كبيرة في إنهاء الحرب لصالحه، فقد انهكت حروب مثرادتس ضد لوكولس،
قواه، فهرب من مملكته ولجأ إلى " كريميا "، وحاول أن يواصل الحرب من منفاه،
ولكن رعاياه في بنتس كان قد بلغ بهم الأعياء من الحروب مداه، فتمردوا عليه، ومات
الملك مقتولاً بسيف احد حراسه، وهو في الثامنة والستين من عمره. وهناك رواية بأنه
حاول عبثاً أن يقتل نفسه بالسم لأنه كان قد حصَّن نفسه ضد السموم بتعاطى جرعات
صغيرة منها للوقاية.

لقد
حارب ببسالة ضد القوة العالمية الصاعدة، ولكن لوكولس وبومبي تفوقا عليه، كما أنه
لم يستطع أن يحتفظ بولاء رعاياه إلى النهاية.

وبعد
إنتهاء الحرب، قام بومبي بتقسيم بنتس، فأعطى قسماً لديوتاروس ملك غلاطية، وأعاد
قسماً آخر لسيادة الكهنة أو حكام الولايات الذين كانوا يحكمونها قبل توحيد المملكة.
ولقد أثبتت سياسة " فرق تسد " التي اتبعها بومبي أنها سياسة ناجحة إلى
حد بعيد، فلم تقم مقاومة عسكرية كبيرة بعد هزيمة مثرادتس العظيم. ومنذ 64 ق.م.
صارت بنتس جزءاً من ولاية غلاطية كبدوكية. ولقد حدثت تغيرات كثيرة قليلة الأهمية
في النظم السياسية والحدود الجغرافية منذ ذلك العهد حتى نهاية الامبراطورية
الرومانية.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر دانيال شهادة دانيال ببيراءة سوسنة ة

لقد
إحتفظت المنطقة بالكثير من طبيعتها الأصلية، فهي منطقة نائية شبه منعزلة، لم
تتغلغل فيها الثقافتان اليونانية والرومانية بعمق، فظلت المدن منفصلة عن الداخل،
وظل الحكم شبه اقطاعي.

3- المسيحية في بنتس: لقد كان بيلاطس الوالي من قبل
الرومان على اليهودية الذي حاكم الرب يسوع المسيح وأسلمه للصلب، بنطياً أي من
ولاية بنتس. كما أن بنتس نفسها تذكر لأول مرة في العهد الجديد في الأصحاح الثاني
من سفر الأعمال، حيث كان بعض الساكنين في أورشليم من أهل بنتس، بين الذين سمعوا
كرازة الرسل بإِلأنجيل في يوم الخمسين (أ ع 2: 9)، وكانت بنتس وقتئذ ولاية رومانية
. وكان أكيلا وبريسكلا صديقا الرسول بولس أصلاً من بنتس. كما يوجه الرسول بطرس
رسالته الأولي إلى: " المتغربين من شتات بنتس " مع ذكر أربع مقاطعات
أسيوية أخرى.

وتربط
التقاليد المحلية بين الرسولين أندراوس وتداوس والعمل الكرازي في تلك المنطقة،
فيقال أنهما سارا على شريان المواصلات الرئيسي المؤدى من قيصرية إلى سينوب.

كما
أن بليني حاكم بيثنية وبنتس (111 113 م) وجد أعداداً كبيرة من المسيحيين في دائرة
حكمه ويؤكد سير وليم رمزي أن رسالتي بليني (رقم 96، 97) إلى الامبراطور تراجان
بصدد معاملة المسيحيين الذين تحت ولايته، انما تعبران عن حالة المسيحيين في أميزوس.

وعندما
انقسمت الامبراطورية الرومانية، وقعت بنتس تحت حكم الامبراطورية الشرقية المعروفة
باسم الامبراطورية البيزنطية. وقد شاركت بنتس الامبراطورية البيزنطية في مصيرها
المنقلب، حتى كانت سنة 1204 م حين أسس فرع من الأسرة البيزنطية المالكة، دولة
منفصلة في بنتس، كانت عاصمتها طربيزون، حيث احتفظ بيت كومنيني العظيم محتمياً في
المنطقة المحصورة بين البحر والجبل بسلطانه إلى ما بعد سقوط القسطنطينية. ولكن في
1461 م استولى السلطان التركى محمد الفاتح على طربيزون. ومنذ ذلك الوقت أصبحت بنتس
بالخليط من سكانها من أتراك وأرمن ويونانيين وأقليات من أجناس أخرى جزءا من
الامبراطورية العثمانية.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي