بولس
– فكره اللاهوتى

 

أولا
اعداده:

لقد
اعدت العناية الالهية بولس اول مفكر لاهوتى مسيحى عظيم لخدمته في الكرازة بالانجيل
للامم. ويحكم ولادته كمواطن روماني كان له وضعه الاجتماعى والمدني الخاص. وما كان
يتردد فى الافادة من امتيازات وضعه كمواطن روماني كلما دعت الحاجة إلي ذلك (أع 22:
25 28). وتظهر في كتابة درايته الواسعة بالقانون الروماني والنظم الرومانية،فهي
تحوى العديد من الامثلة القوية المستمدة من هذه الدراية.

1- طرسوس: ولد بولس في طرسوس وهي مدينة تتحدث اللغة اليونانية ومشهورة
بفكرها ومفكريها، وعاش صباه هناك مما كان له اثره فى اتقانه اليونانية، واتصاله
بالثقافة اليونانية، كما اتاحت له فرصة التعرف على حياة الحضر، ولعلها اعطته
الانطباعات الاولى عن فساد الوثنية الاخلاقي الذى وصفه فى الاصحاح الاول من رسالته
إلي رومية.

وقد
ولد " عبرانيا من العبرانيين " أي من سلالة عبرانية خالصة. وقد حفظ
والده برغم اقامتهم في مدينة تتكلم اليونانية عادات الوطن الام بالقراءة في العهد
القديم العبري، واستخدم اللغة الارامية في الحديث (في 3: 5). ولما كان والده
فريسبا (أع 23:
6، 26:
5)
فقد تربى منذ طفولته على احترام الشريعة المكتوبة والمقروءة، ومراعاة
الشعائر الخارجية الصارمة لطقوس الفريسين.

2- اورشليم: كان النظام الصارم فى مثل هذا المنزل تاثير قوي على شخصية
بولس، فاعده للمزيد من التعليم المتقدم بعد ان صار " ابنا للشريعة ".
وكانت النية منعقدة على اعداد بولس ليصير معلما لليهود، ولذلك فقد ارسلوه إلي
اورشليم ليتعلم على يد اعظم معلمى اليهود غمالائيل الذي كان يتسم بالتسامح وسعة
الافق وحرية الفكر. ومن غير المعروف بالتحديد فى اى سن ذهب بولس إلي اورشليم او كم
من الوقت قضى فى تعليمه هناك. وعلى أي حال، فمن المؤكد انه اكتسب شهرة عظيمة كدارس
للشريعة وكمغتصب غيور على الفريسية.

وفي
دفاع بولس امام اغريباس يؤكد ان سيرة حياته كانت امرا معروفا لدى الجميع وان
مواطنيه يمكنهم ان شاءوا ان يشهدوا لموقفه كفريسى (أع 26: 4 5، غل 1: 13 14).
واقامة بولس ودراسته فى اورشليم امر لا ينكره او يشك فيه الا من ينكر سفر الاعمال.
ومن غير الممكن الجزم بما اذا كان بولس قد تعرف شخصيا على السيد المسيح خلال خدمته
على الارض، ويشتط البعض في تفسير ما جاء فى كورنثوس الثانية: " ان كنا قد
عرفنا المسيح حسب الجسد " (2كو 5: 16) على انه دليل على معرفة بولس السابقة
بالمسيح حسب الجسد، ولكن هذا العدد قابل لتفسيرات عديدة ولا يمكن ان يكون دليلا
على ما يزعمون.

3- المضطهد: لو كان بولس قد تقابل مع المسيح قبل الصلب، فمن الغريب
الايشير إلي ذلك في رسائله. ولعله كان قد عاد إلي طرسوس (كما يرى البعض) وظل هناك
طيلة خدمة المسيح. على أي حال، يحتمل انه كان موجودا فى اورشليم فى اثناء
المناقشات التى دارت بسبب تعليم استفانوس، وربما كان احد الذين لم يقدروا ان
يقاوموا "الحكمة والروح " الذي كان يتكلم به الشهيد. على أي حال فان
بولس كان حارسا لثياب الذين رجموا استفانوس، ولم يكن مجرد موافق على قتل استفانوس
بل بالحرى كان راضيا من كل قلبه عن ذلك.

وفى
نفس يوم رجم استفانوس، بدا عمله الهدام، " فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل
البيوت، وبجر رجالا ونساء ويسلمهم إلي السجن " (أع 8: 3)، وايقن تماما ان
الطريق الوحيد للقضاء على العقيدة الجديدة هو القضاء التام على المؤمنين بها.

واذ
لم يكتف بهدم كنيسة اورشليم، اصبح الاداة الرسمية للسنهدريم فى استكمال العمل خارج
البلاد، فذهب إلي دمشق لمواصلة قتل المسيحيين. ويبدو من حماسه فى مواصلة هذا الامر
انه لم يعان مطلقا من تانيب الضمير على مقتل استفانوس، بل يبدو فى الواقع انه كان
مستريح الضمير تماما حتى امسك به الرب (أع 26: 9، 1تي 1: 13)
.

ويبدو
ان كل ما عرفه بولس من التعاليم المسيحية والدعوى المسيحية بان يسوع الناصري هو
المسيا، وكل ما شاهده وعاينه من ثبات المسيحيين حتى الموت فى الاضطهاد، كل ذلك زاد
معارضته وجعله اكثر تصميما على ابادة المسيحيين.

ثانيا:
– تجديده:

لقد
تغير مسار حياة هذا المضطهد عندما اقترب من دمشق. ويذكر سفر الاعمال ثلاث روايات
عن تجديده. وقد حاول النقد العدائي ان يضخم بعض التناقضات الظاهرية بين هذه
الروايات الثلاث، الا ان هناك اجماع بين العلماء على صحة هذه الرويات الثلاث،
فجميعها تذكر النور، والصوت الذي يقول: " شاول، شاول، لماذا تضطهدنى؟ "،
واجابته: " من انت ياسيد؟ "، وبواب المسيح: "أنايسوع الذي أنت
تضطهده ". واذ غشيت عينا شاول من " بهاء ذلك النور " وارتعد من
رؤية يسوع مقاما وممجدا، قال: " يارب ماذا تريد ان افعل ". وكان خضوعه
ليسوع كسيد ورب خضوعا فوريا وكاملا. فاقتادوه عاجزا مسكينا إلي دمشق، ووجد فى بيت
يهوذا ملاذا " وكان ثلاثة ايام لا يبصر، فلم ياكل ولم يشرب ". وكل ما
نعرفه عما حدث خلال تلك الايام الثلاثه هو قول الرب لحنانيا: " لانه هوذا
يصلي

".

ولايحتاج
الامر إلي بذل الكثير من الجهد فى التخيل، لادراك انه خاض صراعا عنيفا من التبكيت
على الخطية، كما يحدث كثيرا عند تجديد النفوس العظيمة. لقد عرف بولس الرب المقام
معرفة شخصية، واكتشف انه كان يضطهده في اشخاص المؤمنين به. فتغيرت مفاهيمه تغيرا
جذريا. وفى تلك الفترة من التبكيت العميق مر في اختبار يبدو انه هو الذي يصفه
جزئيا فى الاصحاح السابع من رسالته إلي رومية (7 25). وقد علمه هذا الاختبار
الحقائق الاساسية في فكره اللاهوتي.

لقد
ولد فكره اللاهوتي، واكتمل في اختبار تجديده، وبدلا من ان يصبح شيئا متميزا
ومستقلا عن ديانته، صار هو جوهر الديانة، وأصبح بالنسبة له عقيدة وحياة.

لقد
بذلت محاولات مختلفه لانكار حقيقة التجديد المعجزي الذي حدث لبولس. فقد عرى إلي
عاصفة رعدية عنيفة، بينما كان يشعر بغصة الالم والندم على مقتل استفانوس فخيل اليه
انه راى الرب فى النور الباهر الذي اعمى عينيه، كما خيل اليه انه سمع صوته في
الرعد. وعزاه البعض الاخر إلي ضربة شمس اصابت بولس فافقدته الوعي. فاصبح ضحية
الهلوسة التى خيل اليه فيها ان يسوع ظهر له. كما زعم البعض الاخر ايضا ان الامر
كله كان وهما، وان بولس راى يسوع فى غيبة او غفوة نعاس.

وهذه
التفسيرات العقلانية وما شابهها تواجه صعوبة مزدوجة، اولا انها لاتجد في سفر
الاعمال او رسائل بولس ما يبررها، وثانيا انها مثل باقي محاولات تفسير الاحداث
الخارقة للطبيعة باسباب طبيعية، فتبالغ فى تصوير سذاجة الانسان واستعداده للتصديق
بامور غير حقيقية.

قد
انتهت فترة عدم ابصار بولس وحيرته عندما جاءه حنانيا ووضع يديه عليه، فاستعاد بصره،
كما انه انتقل من الظلام الروحي إلي النور الروحي، وامتلا من الروح القدس، وعرف
الرسالة التي عليه القيام بها، واعتمد واصبح عضوا فى كنيسة المسيح. (أع 9: 10 19،
22: 12 16)
.

ثالثا:
تعليمه:

1- المسيح: في الحال جعل بولس يكرز فى مجامع اليهود
بالمسيح " ان هذا هو ابن الله " (أ ع 9: 20 انظر: مت 16: 16 و 17، يو 6:
69، 1 يو 4: 15)، " ويحير اليهود الساكنين فى دمشق محققا ان هذا هو المسيح
" (أع 9: 22 انظر: لو 24). ان معرفة بولس العميقة بنصوص العهد القديم، التى
اكتسبها من خلال تلمذه على غمالائيل والتي استنارت الان بالروح القدس، قد جعلت منه
خصما مرهوبا في المناقشة. وكما حدث مع استفانوس، اثار بولس بحجته غضب اليهود، الا
ان بولس نجا بحياته ليواصل عمل استفانوس ويوسع تعليمه.

وليس
من الاهمية بمكان ان نحدد متى اقام بولس فى الجزيرة العربية، وهل كان ذلك قبل اول
او بعد كرازته فى دمشق.

اما
الامر ذو الاهمية القصوى فهو انه في كرازته بان يسوع هو ابن الله، قد ارتفع في
شهادته إلي ابعاد اعمق واسمى من كل ماشهد به الرسل من قبل. فحقيقة ان يسوع هو ابن
الله هي حقيقة شاملة يستتبعها حقيقة ان للمسيح كل الصفات الالهية، وانه يجب ان
يعبد ويطاع باعتباره الله. ومن هذه الحقيقة الاساسية نرى الفكر اللاهوتي العميق
والشامل لبولس عن المسيح الذي يبلغ ذروته في العبارات الرائعة التي سجلها فى
الرسائل التي كتبها وهو فى السجن (في 2: 5 11 مع: يو 5: 17 18، كو 1: 15 23 مع: يو
1، أف 1: 20 23)
.

وفى
الحقيقة فانه منذ لحظة تجديده لم تساور بولس مطلقا أي شكوك من جهة الوهية المسيح،
ومع ذلك فهناك من ينكر ذلك ويقول ان بولس لم يؤكد بطريقة مباشرة مطلقا الوهية
المسيح.

وفى
هذا يقول ه. ل. جورج فى كتاب له " انه يقول عنه كما راينا " الها مباركا
إلي الابد " (رو 9: 5). ولا يوجد تفسير اخر ممكن لهذه الاية.

ونفس
هذا التعبير عن الوهية المسيح يتكرر بصور مختلفة كما في (2 تس 1: 12، تي 2: 13).
ونرى نفس الدرجة من الوضوح في القول " فان فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا
" (كو 2: 9 مع كو 1: 19). وبنفس الدرجة ايضا ما جاء ان المسيح يسوع " اذ
كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله " (في 2: 6). ومهما كان
المعنى الذي نفهمه من كلمة " صورة " فانها تؤكد لاهوت المسيح صراحة.
ويستخدم الرسول بولس العبارات التي قيلت عن " يهوه " فى العهد القديم فى
الاشارة إلي الرب يسوع (رو 10: 12 13، 1 كو 1: 2، 1
كو 2: 16، في 2: 10 11). وهو
يؤكد ان عبارات العهد القديم لا تنطبق على الرب فقط بل يستخدمها للاب ايضا،
فالكلمات التى يقتبسها عن الرب يسوع " لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في
السماء ومن على الارض ومن تحت الارض، ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد
الله الاب " (في 2: 10 11) هي نفسها الكلمات التي يستخدمها في الاشارة إلي
الاب " لانه مكتوب انا حي يقول الرب انه لي ستجثو كل ركبة وكل لسان سيحمد
الله " (رو 14: 11). فالمسيح في الاب والاب في المسيح، فلا عجب ان نستخدم نفس
العبارات في الاشار ة اليهما، فيمكننا ان نخطيء إلي المسيح كما نخطيء إلي الله
(1كو 8: 12)، ونجرب المسيح كما نجرب الله (1 كو 10: 9)، كما ان يوم يهوه (الرب)
اصبح يوم ربنا يسوع المسيح (1كو 1: 8)، وكرسي قضاء الله (رو 14: 10 12) هو كرسي
قضاء المسيح (2كو 5: 10)، وملكوت الله (رو 14: 17) هو ملكوت المسيح (أف 5: 5)،
وكنيسة الله (1 كو 10: 32) هى كنيسة المسيح (رو 6: 16)، وروح الله (رو 8: 9) هو
روح المسيح (كو 2: 11).. حقا لا يهم ان كنا نعبر عن ايماننا الذي يطلبه الله منا
بانه ايمان بالله او ايمان بالمسيح، لان الايمان بالمسيح هو نفسه الايمان بالله
وليس شيئا اخر، لان الله كان في المسيح " مصالحا العالم لنفسه " (2كو 5:
19، يو 14: 5 9) ومن ياتي إلي المسيح ياتى إلي الله.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم صلاة يعقوب ب

2- الروح: نال بولس " قوة " عند تجديده،
مثل القوة التي نالها الرسل في يوم الخمسين (أع 1: 8، لو 24: 49)، فصار بذلك مؤهلا
ان يصير شاهدا مقتدرا للرب يسوع المسيح ورسالته، ومنحته هذه القوة كل ما يحتاجه من
مؤهلات ومواهب فائقة لكى يؤدي خدمته كرسول للامم (غل 2: 7 10)، الا ان بولس لا
يؤكد العمل المعجزي للروح بقدر تاكيده عمل الروح في التقديس وبنيان كنيسة الله.

ولا
بد انه كان يؤمن مثل كل اليهود مستقيمي الراي باقنومية ولاهوت الروح، وكلا الامرين
واضحان في العهد القديم بصورة تتفق مع تلك المرحلة لكن ليس بنفس الكمال الموجود في
كتابات العهد الجديد.

وفي
كل الاجيال فان الروح هو " الاقنوم المنفذ في اللاهوت "، ويبرز بوضوح في
تدبير العهد الجديد لتحقيق خير الكنيسة ونموها الروحي. وكوعد المسيح ذاته، تولى
الروح تدبير امور الكنيسة بعد صعود المسيح، كالممثل الدائم لله، ويسمى روح المسيح
لانه يمنح بركات الخلاص للمؤمنين (رو 8: 9، يو 3: 34)
.

وبولس
الرسول هو اكثر كتاب العهد الجديد ادراكا لطبيعة وحضور وعمل الروح. واقنومية
والوهية الروح امر مسلم به عند بولس ولا يحتاج إلي برهان. وقد احس بولس من خلال
يقينه القوي ان هذه الحقائق الناطقة لا تحتاج إلي اثبات. اما عن اقنومية الروح،
فان المعرفة
( كو 2: 10 11)، والمشيئة (1 كو
12: 11) والقصد والاهتمامات (رو 8: 27)، والمحبة والشعور (رو 15: 30، أف 4: 30)
كلها تنسب للروح. كما ان عمله في منح بركات الفداء للمؤمنين يتضمن اقنوميته. وهو
الباراقليط المعزي (المعين) في كل الاوقات وبكل الطرق.

وهو
يقود المؤمنين في كل شئون حياتهم متى انقادوا له (أع 16: 6 و 7، رو 8: 14 انظر
ايضا: يو 14: 16 18، 15: 26 و 27، 16: 13). ويعلم معلمى الكنيسة (اكو 2: 13)،
ويحدد مجالات العمل (أع 13: 2)، ويشفع فينا بانات لا ينطق بها (رو 8: 26)، ويصرخ
فينا " يا ابا الاب " (غل 4: 6)
.

هل
يمكن استخدام مثل هذه اللغة فى الاشارة إلي مجرد قوة او تاثير؟!! بالقطع لا، فان
هذه الايات والعديد غيرها تدفعنا إلي الراي القائل بان بولس كان مقتنعا تماما
باقنومية الروح ويود ان يقتنع بذلك من يكتب لهم.

وايمانه
بالوهية الروح على نفس المستوى من الوضوح، ففي سفر الاعمال (28: 25 27) ينسب للروح
القدس الكلام المنسوب في سفر اشعياء إلي الملك رب الجنود (اش 6: 8 10، 6: 5)
والروح يماثل المسيح في الجوهر والغابة والقوة (2 كو 3: 17)
.

ومند
مولد الكنيسة نجد ان الوهية الروح امر معروف، تعلم وتنادي به الكنيسة، فبطرس يؤكد
ان حنانيا قد كذب على الروح القدس، وبهذا فهو لم يكذب " على الناس بل على
الله " (أع 5: 3 4)
.

ولسنا
في حاجة إلي الاستشهاد بالكثير من الفصول لاثبات ان هذه العقيدة كانت تتخلل كل
تعليم بولس، والكثير من الفصول التى تعلم باقنومية الروح تتضمن ان للروح كل صفات
الالوهية، مثل كونه كلي الوجود (1 كو 12:
13، رو 8: 9 11)، كلي القدرة (رو 8: 11، تى 3: 5)، كلي العلم (1 كو 2:
10 11)، كما تنسب اليه لقوة التجديد (رو 8: 2، 1كو 6: 11، تي 3: 5 انظر ايضا يو 3:
5 و 6 و 8)
.

وفى
كل تعليم بولس، نجد ان مساواة الروح بالاب والابن: اما مؤكدة او مفترضة دون حاجة
إلي برهان (أف 2: 18، 2 كو 13: 14) وفي نفس الوقت فهو متميز عنهما. ومن الملاحظ
انه فى الكثير من الشواهد السابقة يفترض بولس عقيدة الثالوث وان كان لم يذكر صيغة
رسمية لها، فمن الواضح انها تشكل اساس فكره اللاهوتي. ويسيطر ايمانه الثالوث على
مفهومه عن خطة الله العظيمة لفداء الانسان من الخطية.

3- الاتحاد الروحاني: من خلال تجربته الشخصية
وبارشاد الروح، امن بولس بشده بتعليم الاتحاد الروحاني غير المنظور، تلك العلاقة
الروحية الابدية السرية الوثيقة الحقة مع المسيح بفعل روح المسيح في وقت التجديد،
حيث يتحقق حلول متبادل بين المسيح والنفس التي احياها.

فالمسيح
يحل في المؤمن (رو 8: 9 11 انظر ايضا: يو 3: 34، أف 3: 17، كو 1: 27، يو 14: 23)،
والمؤمن كائن فى المسيح (1 كو 1: 30، 2 كو 5: 17)، ومع انه اتحاد بين اشخاص، الا
انه ليس اتحادا شخصيا لان المؤمنين لايكونون شخصا واحدا مع المسيح، بل جسدا سريا
واحدا، والمسيح هو راس الجسد في السلطان والنفوذ (ا كو 12: 12 27)
.

هذا
الاتحاد اتحاد روحي حيث يملا الروح الواحد كلا من الراس والاعضاء (رو 8: 9، اكو 6:
17)، كما انه اتحاد حقيقي " لاننا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه " (أف 5:
30) وهو اتحاد " وثيق " (اكو 3: 10 و 11، أف 2: 20 22، 5: 23)، وسري (2كو
6: 16، غل 2: 20، 3: 27، أف 5: 32، كو 2: 12)، وابدي (رو 8: 38 و 35)
.

وبالاختصار
فانه اتحاد حيوي يشارك المؤمنون من خلاله في كل الامتيازات التى ضمنها لهم موت
المسيح وقيامته، وفي كل استحقاقات اعماله كفادي البشر، كما يشاركونه في مجده
العتيد (رو 6: 1 10)
.

ويستتبع
ذلك ان يتم خلاص الانسان من الجانب الالهي من خلال الاتحاد بالمسيح فقط، هذا
الاتحاد الذى يتم بعمل الروح وحفظه، وذلك بالكلمة، وبالايمان من جانب الانسان (أف
2: 8، 3: 17 مع يو
3:
2
13).

وانه
لامر بالغ الاهمية من الناحية العملية ان النجاح الاعجازى الذي احرزه بولس كرسول
وكارز، وراع، ومدبر، وقائد، انما ينسب إلي وعيه الدائم باقنومية الروح القدس
وحضوره الدائم، وثقته الوطيدة في معونة الروح. وقد اجريت الابحاث عن مدى ايمان
المسيحيين بالروح، فكشفت عن ميل لديهم ربما عن غير وعي إلي الاعتقاد بان الروح اقل
في الجوهر من الاب والابن، وللاشتراك في الاعمال الروحية دون الاعتماد الواعي على
الروح بل وحتى دون محاولة طلب معونته. ولم يكن " الايمان بالروح القدس "
مجرد جزء من الفكر اللاهوتي عند بولس فحسب، بل كان مبدا حياته الروحية والسر
الحقيقي في قوته من نحو الله ومن نحر البشر.

4- الخلاص: يعرض بولس فى رسالتيه إلي رومية وغلاطية تعليم الخلاص. فالناس
يحتاجون بالضرورة إلي الخلاص، وذلك بسبب الخطية.

(1) الحاجة والخطية: لم تكن الخطية في فكر بولس
اللاهوتي نتيجة لظروف غير مواتية، او نقص في التعليم او بسبب أي نقص او خلل في
عملية التطور، كما انها ليست تراث اسلاف متوحشين يمكن القضاء عله بمزيد من الثقافة.
فكل هذه التفسيرات قاصرة وعاجزة عن تعليل سيادة الخطية وسيطرتها وبشاعتها اخلاقيا.

ويستخدم
بولس كلمات كثيرة للتعبير عن رايه في طبيعتها الحقيقية، وكل كلمة من هذه الكلمات
تتضمن الفشل في بلوغ النموذج الالهي.

والخطية
في راي بولس هي " ان تخطىء الهدف، هي عمل شرير، هي التعدي والحيدان عن
الاستقامة، وارتكاب الخطا من نحو الله او الانسان، وعدم التقوى وعدم النقاء،
والفجور والعصيان والتمرد والخطا
"..

وفى
رسالته إلي رومية (1: 18 3: 20) يدين اليهود والامم على الخطية، فكل العالم قد
اخطا، واصبح العالم " مذنبا " او " تحت قصاص من الله " (رو 3:
19).

والذنب
معناه " التعرض للوقوع تحت عقوبة القانون "، وهذا التعريف بناء على
القانون البشري كاف، لانه برغم تعرض المذنبين للعقاب الا انهم كثيرا ما ينجون من
العقوبة، اما في الحكم الالهي فانه لا ذنب بلا عقاب، ولذلك فان مفهوم الخطية فى
الفكر اللاهوتي عند بولس هي " حتمية الوقوع تحت عقاب القانون، واجرة الخطية
هى الموت ". اما ان يخطىء الانسان ولا يعاقب فذلك تشويه لعداله الله (رو 1:
18).

هل تبحث عن  م التاريخ كنيسة الكاثوليك تاريخ الكنيسة الغربية 53

اما
بولس فانه يرى ان الناس مذنبون وفاسدون، عبيد تحت سلطة الخطية، فالانسان الطبيعي
عبد للخطية (رو 6: 17 و 19 و 20، 7: 16)، ضحية لعواطف دنسة، مذنب، عاجز، فاسد، في
حاجة إلي مخلص. وينسب بولس هذه الحالة من الفساد والذنب إلي ادم " بانسان
واحد دخلت الخطية إلي العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس
اذا اخطا الجميع ". وهذه الكلمات تؤكد فقط حقيقة خطية الانسان، ولكنها لا
تحدد اذا ما كان ادم هو السبب كمثال، او السبب الشرعي لشمولية الخطية والموت، ولكن
الامر الواضح الجلي هو ان ادم كان سبب الخطية بنفس معنى ان المسيح هو " سبب
البر " (كما يقول هودج في تعليقة على رؤ5: 11 10 انظر: يو 12: 32)
.

(2) الاداة اى الانجيل: ان الوسيلة لخلاص البشر من
هذه الحالة هي " انجيل الله " الذي وعد به من خلال انبياء تدبير العهد
القديم، واعلنه لنا من خلال رسل العهد الجديد. هذا الانجيل جزء من الاخبار الفائقة
عن تجسد ابن الله، وارساله إلي هذا العالم لخلاص الخطاة، وقد جاء ليؤسس جنسا جديدا،
" صار ادم الاخير روحا محييا " (اكو 15: 45 انظر ايضا يو 5: 21، يو 6: 36،
يو 6: 39 و40و54و57). هذا الانجيل عن " ربنا يسوع المسيح " هو الوسيلة
التي يباشر الله من خلالها قوة الخلاص، فهو " قوة الله للخلاص " وهو
ملائم تماما لاتمام قصد الله، ولايقدر احد ان يقاومه متى عمل فيه روح الله، وقد
تاكد قول بولس ان " انجيل المسيح قوة الله للخلاص " من خلال خبرة تسعة
عشرة قرنا وكل محاولة لاستبدال قصة الصليب البسيطة باي شيء اخر لخلاص الانسان قد
باءت بالفشل.

(3) الاسلوب أي التبرير: ان البر الالهي هو الوسيلة
المعلنة في الانجيل لخلاص البشر. وهو يعلن بر الله من ايمان إلي ايمان كما هو
مكتوب " اما البار فبالايمان يحيا "، وقد كان معنى كلمة " البر
" هنا موضوع جدل كبير. فبولس حسب راي البعض يقصد ان الانجيل يعلن عدل الله
وبره (رو 3: 5و25و26)، فيزعمون انه يريد ان يقول انه لا يستحي بالانجيل لانه يعلن
عدل الله، لكن اخبار العدالة التي تدين، ليست اخبارا سارة للخطاة.

ويقول
البعض الاخر ان " بر الله " يعنى الفضيلة الاصيلة التى تحصل عليها
الانسان بجهده بالارتباط مع عمل الروح القدس في النفس. ولا يمكن ان يكون بولس قد
قصد ذلك لتيقنه من انه " ليس ساكن.. في جسدى شىء صالح " (رو 7: 18)، وكل
راي يجعل هذا البر بشريا في مجموعة او في جزء منه، انما يناقض كل تعليم بولس (رو 3:
20 و 28، انظر ايضا: يو 5: 46، مت 20: 28)
.

وقد
تعلم بولس عند تجديده ان اعظم المحاولات التي يبذلها الانسان لخلاص نفسه عقيمة،
ومن خلال تجربته الشخصية قال في رسالته إلي تيطس: " لا باعمال في بر (أي افضل
ما يستطيعه الانسان). عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني
وتجديد الروح القدس " (تي 3: 5). والانسان الذي خاض صراعا مكثفا ومريرا لينال
الخلاص باعماله حتى ظن ان له حياة، وفجاة وجد نفسه محكوما عليه بالموت كما حدث
لبولس فى طريقه إلي دمشق لهو الجدير بان يتكلم بكل سلطان وقوة عن نوع البر الذي
يخلص حقا، وينسب هذا البر إلي الله لانه هو الذي دبره وهو الذي يمنحه (رو 1: 17، 3:
21و 22)
.

هذا
البر ليس هو العدل ولكنه الشيء الذي يتطلبه العدل (رو 4: 6و11، 2 كو 5: 21، في 3: 9)
هذا البر هو فى المسيح (رو 10: 4، 1 كو 1: 30، 2 كو 5: 21، في 3: 9 انظر ايضا: مت
5: 17). ومضمونه هو طاعة المسيح الكاملة سلبا وايجابا.

وهذا
البر قد رسمه ودبره واعلنه الله، واعطاه لنا متوجا اياه، وهو يشمل كل احسانات الله
في المسيح لخلاص الخطاة.

وهو
يوفي كل متطلبات الشريعة وعدل الله، واعمق احتياجات الانسان، وقد اعده الله في
ابنه الوحيد، وهو لا يقدمه للبشر فى الانجيل فحسب، بل ويعطيه لهم، فالمسيح وبره
هما عطية الله العظمى للبشر (رو 5: 8، انظر ايضا يو 3: 16، يو 6: 32 و 33)
.

وهو
الاساس الراسخ لتبرير الانسان امام الله (رو 3: 21 24، 14: 1 8، 10: 1 10، نظر
ايضا مت 3: 9، 5: 17، 10: 32، لو 12: 8)
.

لم
يستخدم بولس الفعل " يبرر " بمعنى " يجعله بارا " بل استخدمه
بمعنى " يعلن انه بار " فهو لفظ قضائي يقصد به ما يعلنه القاضي ان
الانسان بار او مطابق للقانون. ويمكن ان يكون هذا الاعلان على اساس البر الشخصي
الذاتي او البر المكتسب او باسلوب بولس " بر الناموس " او " بر
الايمان

".

ولايمكن
ان يتبرر انسان على اساس البر الشخصي الذاتي اذ اخطا الجميع. اما عن البر المكتسب
فان المؤمنين يتبررون اذ يحسبون انفسهم بر المسيح (2كو 5: 18 و 19)
.

(4) الوسيلة: الايمان: يؤكد بولس على ان الايمان هو
الوسيلة الوحيدة لضمان نوال بر المسيح " الذي قدمه لنا كفارة بالايمان بدمه
" (رو 3: 25)
.

وهذا
الايمان اكبر من مجرد التصديق بشهادة انجيل المسيح، انه الثقة واليقين الشخصي، او
بالاحرى الوثوق في المسيح وتسليم النفس تسليما لا رجوع فيه، مع التاكد ضمنيا من
انه سيخلصنا.

والمسيح
هو موضوع الايمان المباشر، اما الله فهو الموضوع النهائي للايمان. فنحن نتصل بالاب
من خلال الابن " ان الله كان فى المسيح مصالحا العالم لنفسه " (2 كو 5: 19)
.

" لذلك فان الايمان هو الذي يجعلنا واحدا مع
المسيح. فيحدث تبادل، فتوضع خطايانا عليه، ويحسب بره لنا " فالمؤمن يعتبر
واحدا مع المسيح، اذ قد مات مع المسيح وقام معه، وفي المسيح دفع عقوبة الناموس،
وفي المسيح اوفي مطالب الناموس تماما، فلذلك بالايمان ينال بر المسيح الذي يبرره
امام الله " (كلوج في رسائل بولس)
.

(5) التقديس: ان الفكر اللاهوتي عند بولس لا يعتبر
الانسان المذنب مبررا، مغفور الخطية ومقبولا عند الله فحسب، لكن الخاطىء يصبح
قديسا او مقدسا (رو 5:
1).

وهذه
الكلمة التقديس تستخدم احيانا بالمعنى الطقسي، لكن عند استعمالها للتعبير عن
المؤمنين فانها تعني النقاء او الطهارة الادبية (اكو 1: 2 مع اكو 6: 11)، ليس فقط
بالتكريس لله بل بانسكاب النعمة التي تحررهم من سلطان وفساد الخطية، وتجددهم في
المعرفة والبر والقداسة الحقيقية (أف 4: 24، كو 3: 10). ان التبرير عملية تتم مرة
واحدة فقط، اما التقديس فعلمية مستمرة تبدا متزامنة مع التجديد، وتنتهى برقاد
المؤمن. بالتجديد تولد الخليقة الجديدة، ورغم كونها كاملة في كل جوانبها الا انها
صغيرة وضعيفة. وبالتقديس تنمو في جميع نواحيها وتكتسب قوة ونشاطا وتتقدم إلي
الانسان الكامل، إلي قياس قامة ملء المسيح " (أف 4: 13، في 1: 6)
.

ويعتبر
التقديس امتيازا وواجبا، وهو باعتباره امتيازا كان موضوعا للنبوة (حز 36: 25 27)،
والصلاة (يو 17: 17)، لقد صلى المسيح ليتقدس المؤمنون. اما باعتبار التقديس واجبا،
فهذا عمل الانسان (2كو 7: 1) ليس لانه قادر ان يبلغ كمال القداسة بل لانه يقدر ان
يستخدم الوسائط المتاحة له واثقا في نعمة الله ان تعمل فيه. " تمموا خلاصكم
بخوف ورعدة، لان الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة " (فى
2: 12و13)
.

فى
عملية التقديس يخضع الذهن للاستنارة المتزايدة بالكلمة وروح الحق (أف 1: 17 و 18)،
وتتطابق مشيئة الانسان مع مشيئة الله (رو 12: 1 2)، وتزداد المحبة لله وللانسان (غل
5: 22، أف 1: 4، 4: 2 و 15، 5: 2، اتس 3: 12، 4: 9، 2 تس 3: 5)، ويضعف تاثير
العالم بينما تقوى المباديء والممارسات المقدسة (غل 6: 14)، وينمو الايمان فيصير
اكثر حيوية وقوة كلما اكتسب فهما اعمق واوضح واشمل للحق كما هو فى يسوع (رو 1: 8،
2كو 10: 15، كو 2: 5 7، 1 تس 1: 8، 1 تس 3: 2 و 5 و 6 و 7 و 10، 2 تس 1: 3)،
ويزداد الرجاء توهجا بتوقيع " الحياة الابدية التي وعد بها الله المنزه عن
الكذب قبل الازمنة الازلية " (تيطس 1: 2)
.

ويشمل
عمل التقديس الانسان كله، وينسب إلي كل اقانيم الثالوث. فنجد بولس يضرع إلي الله
ليقدس اهل تسالونيكى بالتمام (اتس 4: 3، 5: 23)، وفي موضع اخر ينسب عمل التقديس
إلي يسوع المسيح (أف 5: 26 و 27، يتطس 2: 14)، كما ينسبه ايضا للروح القدس (اكو 6:
11، 2 تس 2:
13).

وللجسد
نصيب فى هذا التقديس لانه هيكل الروح القدس (اكو 6: 19)، وعضو في المسيح (اكو 6: 15).
ومن صميم طبيعة تقديس الانسان كله ان يخضع الجسد بالضرورة لقيادة النفس التي تقدست،
وان يستخدم لخدمة الله ومجده (رو 6: 3، 12: 1)
.

ويعلن
بولس ان الجسد سيقام في مجد (اكو 15: 43و44) وان الله " سيغير شكل جسد (طبيعة
الجسد الفاني) تواضعا (المؤقت) ليكون على صورة جسد مجده (الابدي) (وسيتم هذا) بحسب
عمل استطاعته (الالهية) ان يخضع لنفسه كل شيء ". (في 3:
21) وهكذا
تتحقق النهاية المجيدة لعملية التقديس. واي شيء مفرح وبهيج وكله تفاؤل للمسيحيين
مثل هذه الصورة التى يرسمها بولس لرجاء المؤمن؟

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر يشوع 04

ولما
كان التقديس امرا واجبا، لذلك كان لزاما على الانسان ان يتعاون مع الروح في ذلك،
اولا بممارسة الايمان، باعتباره وسيلة تبريرنا (رو 5: 1) واتحادنا بالمسيح (كو 2: 7
و 12)، والعامل الداخلي في تقديسنا (أع 15: 9، 26: 18)، لانه يثمر خضوعا تاما
لتعليم المسيح الذى هو اساس القداسة (أع 20: 32، رو 6: 7 و 18، 15: 4). ويرى في
حياة المسيح المتجسد مثالا وحافزا له (اكو 11: 1)، يسعى إلي شركته وعونه في الصلاة
(أف 6: 18، في 4: 6 و 7)، ويدرك كل احداث العناية الالهية التي تستهدف صالح
الانسان روحيا، وخيره الابدي (رو 8: 28)
.

وان
كان المؤمنون لا تنقصهم النعمة، الا انهم غير مكملين، وبالرغم من ان الخطية قد
نزلت عن عرشها، الا انها لم تبطل نهائيا، ومازالت تبذل كل حيلة لاستعادة سلطانها.
وتلك الحرب مريرة لا تنتهي، ويصفها بولس فى الاصحاح السابع من رسالته إلي رومية
بصورة حية، حتى انك لتلمح فيها تجربة الشخصية. ولعل كل مسيحى فى حاجة إلي ان يتعلم
عمليا فى وقت من الاوقات عدم جدوى محاولته قهر الخطية اعتمادا على قوته الذاتية.
واذا حاول أي مسيحي ان يصير قديسا يحفظه الشريعة معتمدا على قوته الذاتية، فانه
سرعان ما يدرك عمليا وبعمق معنى ما ورد في الرسالة إلي رومية (7: 14 25)
.

ان
تقديسنا مثل تبريرنا هو في ربنا يسوع المسيح وبروحة القدوس. وقد تحقق بولس من ذلك
فقال: " اشكر الله بيسوع المسيح ربنا " (رو 7: 25) وحتى بعد انتصاره
بالرب يسوع يقول: " اذا انا نفسي بذهني اخدم ناموس الله، ولكن بالجسد ناموس
الخطية " (رو 7: 25)
.

وما
تعلمه بولس بالخبرة، وبالاعلان ايضا، قد حرره بالفعل من المخالب الخانقة لحرفيه
الناموس، واقنعه ان " غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن
" (رو 10: 4)، وجعله الرسول الكارز بالمخلص " حيث ليس يوناني
ويهودي، ختان وغرلة، بربري، سكيثي، عبد، حر " (كو 3: 11). فكل هؤلاء وجدوا
نفس الترحيب والقبول، كما وجدوا سد كل حاجة روحية، ورابطة اخوية حية جديدة، تمحو
كل الاحقاد والفوارق الناشئة بسبب الجنس او التعليم او المستوى الاجتماعي او
الديني.

6- الفداء:

يحمل
الفداء احيانا معنى النجاة او الخلاص الذي حققه موت المسيح من غضب الله اللقدوس
عقابا للانسان، ومن الجزاء العادل للخطية (رو 3:
24، أف 1: 7، كو 1: 14).

والفداء
بتميزه عن التبرير والتقديس لا يشير إلي النجاة في الماضي، بل إلي الخلاص النهائي
في المستقبل، الخلاص من كل شر، هذا الخلاص الذي سيتم بمجىء المسيح ثانية، وهذا هو
المعنى المقصود في (اكو 1: 30)، حيث يذكر الفداء كاخر حلقة في سلسلة امتيازات
الاتحاد بالمسيح.

والروح
القدس يعطي كعربون للميراث الكامل، وسكناه فينا يؤكد حقيقة مركزنا فيه، وهو ضمان
لخلاصنا النهائي (أف 1: 14، 4: 3)
.

ويرسم
بولس صورة حية " ليوم الفداء " في رسالته إلي رومية (رو 8: 18 25). لان
الالام ستنتهى والمجد يستعلن، فالخليقة كلها الحية وغير الحية تتطلع إلي ذلك اليوم
بشوق وحماس واصرار. وحينئذ لا يستعلن ابناء الله فحسب، بل وبنوتهم ايضا وكل
امتيازاتهم حين يقوم جسد كل مؤمن ويلاقي الفادي. وحيئذ سيبطل انين الخليقة اذ تتحرر
من كل ضعف وفساد وانحلال، وتستعيد مجدها العتيد. وان كانت الخليقة قد لعنت بسبب
الانسان، فانها بالتاكيد ستشاركه فى الفداء.

وما
من احد يعلم إلي أي مدى تاثرت الارض نفسها بالخطية، لكن بولس كان يعتقد جليا انها
ستشارك فى النهاية بطريقة ما في استعلان المجد الذى سيستعلن عند ظهور الفادي، حين
ينمحي كل اثر لسلطان الخطية والاثم.

7- الكفارة:

ان
مبدا الكفارة لهو احد اسس الفكر اللاهوتي عند بولس، ففى رسالته إلي رومية (3: 25)
يدعو المسيح " كفارة " او ذبيحة كفارية " بالايمان بدمه "،
فاعداء الله قد تصالحوا معه بموت ابنه، والذين تصالحوا معه، يخلصون بحياته (رو 5:
10)
كما اننا به نلنا المصالحة (رو 5: 11).

وفى
رسالته الثانية إلي كورنثوس (5: 18 20) استخدم بولس حجتين ليبرهن لنا ان الله قد
قبلنا في نعمته. اولا: لا يحسب الله للبشر خطاياهم، وثانيا: انه وضع كلمة (تعليم)
المصالحة في نفوس الكارزين بالانجيل.

وفى
رسالته إلي افسس (2: 16) نجد الكلمة المترجمة " يصالح " تعني المصالحة
الكاملة، هي نفس الكلمة المستخدمة في الرسالة إلي كولوسي
(1: 20 22).

وهناك
سلسلة اخرى من الشواهد تؤكد قيمة دم المسيح (وحياته المسكوبة). ففي سفر الاعمال (20:
28) نجد ان دمه هو ثمن شراء الكنيسة، كما ان الكفارة بالدم (رو 3: 25). والرحمة
الالهية لا تعنى عدم المبالاة بناموس الله. ونقرا فى الرسالة إلي افسس (1: 7)، وان
الذين كانوا بعيدين صاروا قريبين بدم المسيح (أف 2: 13)
.

وبدراسة
هذه الايات واخرى كثيرة مشابهة لها، يتاكد لنا تعليم الكفارة يتحلل كل تعليم بولس،
وان هذه الكفارة كانت ضرورية ليس فقط بسبب خطية الانسان، لكن ايضا بسبب طبيعة الله
ذاته، فعدالة الله حتمت عليه ان يدبر طريقا يستطيع من خلاله بتبرير الاشرار ان
يرضى طبيعته وناموسه.

ثم
ان بولس يعلم بكل يقين ان المسيح يخلص البشرية ليس بمثاله، ولا بتعليمه، ولا
بتاثيره الاخلاقي لكنبذبيحته: "المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب " (اكو
15: 3)، وكيف اذ يمكن تفسير السلطان الهائل للتعليم الرسولي والكرازة في كل الاجيال
منذ ذلك الوقت حتى الان ان لم يكن على اساس ذبيحة المسيح التى قدمها نيابة عن
البشر (يو 10: 15، 15: 3، 1: 29)
.

8- الكنيسة:

ان
تعليم بولس عن الكنيسة على جانب كبير من الاهمية العملية، وقد كان للقادة
المسيحيين الاوائل نظرة رفيعة عن الكنيسة، وكانت تعاليمهم تدعو إلي احترام ذلك
المجتمع الذي يطلق عليه فى رسالة تيموثاوس الاولى (3: 15) " بيت الله "
او " عائلة الله "، كنيسة الله الحى، عمود الحق (لاعلانه) وقاعدته (او
دعامته) للحفاظ عليه.

وكانت
الكنيسة في تنظيمها الاولى ممثلة للديموقراطية (أع 6: 3 6، 15: 22). والمسيح هو
راس الكنيسة التي هى جسده، وهو مصدر كل سلطة وكل قوة روحية (أف 1: 22 و 23، 5: 23،
كو 1: 18 24). وبالكنيسة تعرف حكمة الله، وفى الكنيسة يتمجد الله (أف 3: 10 و 21)،
وهي عائلة وبيت الله (أف 2: 19 22)، والمسيح هو حجر الزاوية، ويمدها بالخدام (أف 4:
11 و 12)، وهي موضوع محبته فقد بذل نفسه لاجلها (أف 5: 25)، والمسيح يريد ان
يحضرها لنفسه كنيسة بلا عيب. (أف 5: 26 و 27)
.

والكنيسة
هى مجتمع الله الخاص، لنشر الحق المتعلق بالخلاص، وهي ليست مرادفة للملكوت، لكنها
تمهد الطريق له، يمكن اعتبارها بحق جيش جنود الملكوت الذي يرسلهم الملك للمناداة
بغفرانه وسلامة للعصاة وهى تستهدف الاصلاح بالتجديد بالكرازة ببشارة ابن الله
الابدية.

ان
اهم علاقة بين بولس والكنيسة هي الخدمة التي اداها لها بتوضيحه انجيل ابن الله،
والتعليم المختص بالكنيسة.

ويرفض
بعض النقاد كتابات بولس ويوحنا، بل وكل اصحاب الرسائل تقريبا، فيما يطلقون عليه
" حركة العودة ليسوع ". ومثل هذا الاسلوب النقدي المدمر لكل خطة الوحي،
فهو يقيم معيارا غير موضوعي، يعني ببساطة فى التحليل النهائي " ان ما لا يتفق
وفلسفتي عن الدين ليس وحيا
".

وباتباع
هذا الاسلوب، فانه حتى كلمات المسيح تخضع لنفس المعيار لتحديد ما هو صحيح وما هو
غير صحيح حسب مزاعمهم!
.

وفى
الحقيقة ان تطور التعليم في كتابات بولس واصحاب الرسائل الاخرين، هو جزء لا يتجزا
من تقدم التعليم الذي هو الاختبار النهائي والشامل للاشراف الالهي، الذى يطلق عليه
اسم " وحي الكتب المقدسة "، والمسيح ذاته قال انه ما جاء الا "
ليكمل

".

وهذا
الاكمال الذي يظهر بوضوح ويتجلى فى تجسد رسالة الاخبار الطيبة انما يسري في كل
" الكتاب المقدس "، بداية من بذرة الانجيل في سفر التكوين إلي الاسرار
التي في سفر الرؤيا.

فى
البدء كان الوحي برعما من وعد، كان برعما مغلقا يشبه برعم الوردة، الذي لا يسفر
سوى عن لمحة باهتة من الجمال، ونفحة من الرائحة الذكية الكامنة في الداخل. وكان
الإعلان في الوعد. وفي زمان البرية تفتح برعم الإعلان متمثلا في إعلان عناية الله
التى بدت في صور متحركة. ثم جاء الإعلان بالنبوة عندما قام إصحاب المزامير
والأسفار التاريخية والحكم والأمثال ورجال الدولة، والأنبياء، بالمقارنة والمناقشة
والشرح. وبذلك بدأت الوردة تتفتح شيئا فشيئا لتسفر عن جمالها.

وفي
المسيح جاء الإعلان في شخصه، فلقد مثل في نفسه المثل الأعلى للمسيحي _ في كل ما
كانت تزمر إليه الطقوس في خيمة الاختماع والهيكل. ثم يزداد الإعلان وضوحا في سفر
الأعمال والرسائل، وذلك من خلال الكرازة شفاها وبالرسائل، حتى نبلغ الذروة في
الرسالة إلي العبرانيين وسائر كتابات بولس ويوحنا.

وأخيرا،
فإن الذي ما كان إلا برعما من وعد في البداية، قد صار زهرة الإنجيل اليانعة
المكتملة التفتح.

وإنما
يواصل بولس تعليم المعمدان حين أشار إلي يسوع قائلا: " هو ذا حمل الله "
ويواصل تعليم ربنا نفسه حين يقول بعد أن اشترك في خروف الفصح: " هذا هو جسدي
" معلنا بذلك الكفارة البديلة عن البشر، وهو ما يوضحه بولس تماما في رسائله.

والأن،
فإن استمرار هذا التعليم طوال فترة زمنية تقرب من ألفي عام، من خلال ستة وستين
سفرا، كتبها نحو أربعين كاتبا مختلفا، في بلدان متفرقة، مستخدمين لغات متبانية،
هذا الاستمرار لا يمكن تعليله إلا من خلال قوة عليا قادرة، ولا يمكن أن تكون تلك
القوة العليا القادرة في مثل هذه الأحوال، إلا القوة الإلهية.

ولذلك
فإن تعليم بولس للكنيسة، الذي أسهم به من خلال رسائله العظيمة، يعتبر من أهم
البراهين القاطعة لإثبات أن الكتاب المقدس " موحى به من الله
".

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي