بيت
قيصر

 

" يسلم عليكم جميع القديسين ولا سيما الذين من بيت
قيصر

"
(في 4: 22).
وهذا ما كتبه الرسول بولس في رسالته إلى كنيسة فيلبي، وقد كتبها في رومية قرب
نهاية فترة سجنه الأول في سنة 61م على الأرجح.

وتقدم
لنا هذه الكلمات معلومات هامة عن تطور انتشار الإنجيل في رومية. ويلزمنا أولاً أن
نسأل: ما هو المقصود بقوله " بيت قيصر "؟ ومتى عرفنا ذلك، يبرز أمامنا
سؤال آخر هو: كيف وصل الإنجيل إلى بيت قيصر؟ وكيف أمكن أن الإنجيل الذي تغلغل في
البدء في الطبقات الفقيرة في الإمبراطورية كيف أمكن أن يشق طريقه إلى عقر دار
القياصرة؟

(1) ماهو " بيت قيصر " على وجه التحديد؟ إن عبارة "بيت قيصر
" تعنى كل الاشخاص عبيداً وأحراراً الذين تتكون منهم حاشية الامبراطور في
قصره على التل البلاتيني فى رومية. وكان العبيد في البيت الامبراطورى يشكلون جيشاً
كبيراً. وفي ذلك العصر كان الكثيرون، يمتلك الواحد منهم مئات العبيد، فما بالك
بعدد العبيد في قصر الامبراطور! وفي ذلك الوقت أيضاً كانت روما والبلاط
الامبراطوري يعجان بالأسيويين، الذين كان الكثير منهم من اليهود، وكان معظمهم من
العبيد الأرقاء أو من العاملين في البلاط القيصري. ولا يمكن أن ننسي " بوبيا
" (Poppaea) عشيقة
نيرون الفاجرة، فقد كانت دخيلة على اليهودية، وظلت تدافع بنجاح عن قضية اليهود
أمام الامبراطور.

وقد
شغل اولئك الناس كل ما يمكن تخيلة من مهام ووظائف وحرف، فكان منهم الخدم والطباخون
والبستانيون، وسائقو العربات، والبوابون والحالون والسعاة والكتبة، والمعلمون،
وامناء المكتبات، والنجارون والمهندسون.. الخ. وبكل تأكيد لم يكونوا جميعهم عبيداً
أرقاء، بل كان بينهم عدد ضخم من الأجرار. فبيت قيصر كان يضم كل من في قصره من أحقر
عبد إلى أعظم رجال البلاط ونعرف الكثير عن تكوين هذا البيت وخصائصه، أكثر مما نعرف
عن أي جانب آخر من جوانب الحياة الاجتماعية في رومية. ويقول ليتفوت في تعليقه على
الرسالة إلى فيلبي: "في روما ذاتها إذا أخذنا بهذه النقوش لرأينا أن بيت
" أوغسطس " لم يكن جزءاً صغيراً من مجموع السكان بل بالحري كان الشعب
جميعه في خدمة الامبراطور، سواء أكانوا عبيداً أم أحرار، في إيطاليا أو في سائر
الأقاليم ". وقد شملت قائمة الوظائف التي كان يشغلها أعضاء البيت القيصري
أعمالاً مختلفة مثل حارسي خزائن الثياب، وحارسي خزائن الصحاف والأطباق، ومن
يتذوقون الطعام والشراب قبل تقديمهما للامبراطور.. وكان كل فريق يشكل فئه مستقلة
من الخدم عليهم رئيس منهم.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر أيوب دك وودورد د

وكان
الأنتساب لبيت قيصر، يضمن حتى لأدني العبيد امتيازات جوهرية وحصانات قوية، ويضفي
عليهم أهمية اجتماعية خاصة، ويخلع على أي عضور فيه شرفاً عظيماً مهما كان العمل
وضيعا في ذاته. وهو أمر تؤيده النقوش التي تسجل كل ذلك بدقة وحرص.

(2)كيف دخل الإنجيل إلى بيت قيصر؟ وهنا يواجهنا
سؤال هام: كيف شق الإنجيل طريقه إلى " بيت قيصر "؟

ونود
أن نؤكد باديء ذىء بدء أن الإنجيل كان معروفاً ولابد، في داخل القصر قبل وصول بولس
إلى رومية، فبين ذلك العدد الضخم من حاشية الامبراطور، كان هناك يهود كثيرون. وكان
كل اليهود في ذلك العصر يتطلعون بشوق إلى مجيء المسيا، ومن ثم كانوا على استعداد
للاستماع للإنجيل. وحالما وصل الإنجيل إلى رومية، كرز به في كل المجامع اليهودية
الكثيرة هناك، ولم يفت اعضاء بيت قيصر أن يستمعوا إلى قصة يسوع المسيح وصلبه
وقيامته. والأقرار بحقيقة معرفة أهل رومية بالإنجيل، يدفعنا إلى الأقرار بحقيقة
أخرى، هى أن الإنجيل كان معروفاً لابد داخل قصر القيصر.

(3)تقدم الإنجيل في القصر: حين وصل بولس إلى رومية،
اعطي دفعة قوية للكرازة بالإنجيل. ورغم قيود بولس إذ كان سجيناً مربوطاً بسلاسل
حديدية إلى حارسه ليلاً ونهاراً أمكنه أن يكون " كارزاً بملكوت الله معلماً
بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع " (أع 28: 31). وهكذا وصل الإنجيل
مرة أخرى إلى أهل " بيت قيصر
".

وفور
وصول بولس إلى رومية اتصل " بوجوه اليهود " (أع 28: 17) والأرجح أنهم
كانوا رؤساء المجامع اليهودية في رومية، وجاء الكثيرون منهم إليه في محل اقامته،
وتباحثوا معه وقد طلبوا منه أن يسمعوا منه عن أفكاره فيما يختص برجاء إسرائيل (عدد
22). إذ كان من الطبيعى أن يرغب كل اليهود المقيمين في رومية، أن يجتنوا المعرفة
من رجل مقتدر ذي شخصية قوية مثل بولس. وكان المجتمع اليهودي منذ عدة سنوات بجيش
الأمل في مجيء المسيا، كما أن الإشاعات المتواترة عن بعض المسحاء الكذبة، جعلت
اليهود في وضع استثارة وتشوق دائمين، مما أدي في وقت من الأوقات إلى احداث شغب إذ
كان رجاؤهم قوياً في ظهوره السريع. وقد مهد ذلك الطريق لوصول الإنجيل الذي نادى به
بولس إلى جميع اليهود في رومية، ولا يمكننا استثناء اليهود، الذين كانوا في خدمة
الامبراطور، من ذلك.

هل تبحث عن  هوت طقسى أعياد الكنيسة القبطية بشارة يواقيم بميلاد العذراء ء

(1) حارس بولس في سجنه يحمل الإنجيل: بالإضافة إلى ما سبق، كان بولس يعايش
يومياً الجنود المكلفين بحراسته ويتحدث إليهم، وهم بدورهم نقلوا الإنجيل إلى بقية
الفرقة العسكرية. ولما كان قسم من الحرس الامبراطوري يقيم في ثكنات التل البلاتيني،
الملحقة بقصر الامبراطور، وقد اتاح ذلك قناة أخرى للاتصال بين الإنجيل وبين
المقيمين في بيت قيصر، فلا عجب إذاً، إذا وجد مسيحيون داخل بيت قيصر.

(2) افتراض ليتفوت: وهو افتراض فيه ما يستلفت النظر إلى أبعد حد، فإن
ليتفوت بمراجعته الاسماء التى ارسل إليها بولس التحية والسلام في الأصحاح السادس
عشر من الرسالة إلى رومية، ومقارنتها باسماء وجدها في نقوش الآثار أو في أطلال
القبور لأشخاص عاشوا فى تلك العصور والكثيرون منهم من عبيد الامبراطور أو عنقائه وجد
أن الكثير من الاسماء المذكورة في ذلك الأصحاح، هي اسماء الأشخاص من بيت قيصر.
وكان من بين أهل بيت قيصر بالضرورة أناس من أرفع الطبقات، فقد قبل الكثيرون من
علية القوم، الإنجيل والدليل على ذلك تبديه حقائق عديدة، مثل إعدام تيطس فلافيوس
كليمنس، وهو رجل من طبقة القناصل وابن عم الامبراطور. وكذلك نفى " فلافيا
دومنيلا " زوجة فلافيوس كليمنس بأمر الامبراطور دومتيان غير عابىء بقرابتها
القوية له، إذ كانت ابنة اخته، وقد شاركتها ابنتها في هذا النفي. وكانت التهمة
التي وجهت اليهم، هى انكار الإلهة والميل إلى العوائد اليهودية. وواضح انها
اتهامات غامضة بل ومتناقضة، واغلب الظن أن هؤلاء الثلاثة وكانوا من الطبقة الأولى
من أقارب الامبراطور كانوا مسيحيين.

(3) اهل ارستوبولوس وأهل نركيسوس: يعلق سير وليم رمزى على افتراض ليتفوت،
قائلا: " انه (ليتفوت) محق إلى أبعد الحدود في افتراضه أن كل عبيد ارستوبولوس
(ابن هيرودس الكبير)، وعبيد نركيسوس (عتيق كلوديوس والاثير عنده) كانوا جميعا من
أهل بيت قيصر، وقد اصبح أفراد عائلتين منهم مسيحيين: " سلموا على الذين هم من
أهل ارستوبولس.. سلموا على الذين هم من أهل نركيسوس الكائنين في الرب " (رو
16: 10 و 11)
.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 14

ومما
يدعو للعجب حقاً، أنه في وسط مجتمع فاسد منحل، مثل بلاط "نيرون "، عاش
" قديسون، اناس مسيحيون، حفظوا ثيابهم طاهرة ولم يتدنسوا بالعالم رغم وجودهم
في هذه البيئة الساقطة والتجارب القاسية التي لا تتوقف.. لقد عرفوا الإنجيل
وأطاعوه وأحبوه وعاشوا حياتهم بقلوب تفيض حباً وولاء للمسيح، في وسط قصر نيرون
قيصر.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي