جزية

 

اولا
مقدمة:

(1) ملاحظات عامة: يعتبر النظام الضريبي بصورته
الحالية نظاما حديثا نسبيا، باعتباره ضرائب مفروضة من الحكومة على الثروة في
إشكالها المختلفة سواء اكانت ثابتة او منقولة، ارضا زراعية او رؤوس مإشية او ارباح
صناعية او مهنية او تجارية، فهذا النظام وليد التطور الاجتماعي، غير ان جذوره
قديمة جدا.

ولما
كانت الثروات في القديم ملكا مشتركا بين العشيرة او القبيلة كلها، فلم تكن ثمة ضرورة
لفرض الضرائب عليها. ولكن ظهور الملكية الفردية، استلزم فرض الضريبة او الجزية على
بعض الممتلكات من اجل الصالح العام، الامر الذي يمثل اساس نظام فرض الضرائب او
الجزية.

وبتقدم
المدنية وما صاحبها من استقرار وزراعة منتظمة ونظم سياسية مستقرة ممثلة فى الحاكم،
تطلب ذلك بالقطع فرض الضرائب المنتظمة. ونجد عبر التاريخ انه كلما زاد تعقد
الادارة الحكومية، ازداد معها عبء الضرائب المفروضة على الشعب. وفي الحقيقة ارتبط
تاريخ فرض الضرائب بتاريخ المدنية.

(1) موضوعات البحث: بمتابعة تاريخ الجزية في الكتاب المقدس، نلاحظ مسارين
لتطور نظام الجزية، وذلك في:

(أ) العهد الذى كانت فيه اسرائيل مستقلة.

(ب) العهد الذى خضعت فيه اسرائيل لحكم الدول المختلفة.

وسنقصر
بحثنا هنا على الجوانب المدنية للموضوع، تاركين قضايا نظام الضرائب المتعلقة بنشاة
وتطور التشريعات الكهنوتية.

ثانيا
الضرائب في اسرائيل في عهد الحكم الذاتي: من النظرة الاولى في الكتاب المقدس نجد
انه لم يكن لنظام الضرائب وجود عند اسلاف العبرانيين:

(1) في المرحلة المبكرة: لم يكن لدى العبرانيين الرحل كما في كل المجتمعات
البدائية نظام ضريبي، فلم يكونوا في حاجة اليه، وكانت الهدايا تقدم اختياريا من
الضعفاء إلي الاقوياء طلبا للحماية او لغيرها من الامتيازات (تك 32: 13 21، 33: 10،
43: 11 و 12). وبعد قيام المملكة صارت الهدايا امرا مفروضا، واصبحت تمثل الدخل
الرسمي في خزانة المملكة (1 صم 10: 27، امل 4: 21، 10: 25). وتطورت عادة تقديم
الهدايا الاختيارية إلي فرض تقديم الجزية اجباريا (2 مل 16: 8، 17: 4)
.

واول
إشارة إلي الجزية في الكتاب المقدس هي عندما هزم بنو اسرائيل الكنعانيين وجعلوا
منهم عبيدا تحت الجزية (يش 16: 10، 17: 13، قض 1: 28 35). وهكذا نجد الجذور
الرئيسية لما اصبح فيما بعد نظام فرض الضرائب او الجزية، في التقاليد التي كانت
مرعية قديما من تقديم الهدايا الاختيارية للسادة والحكام، ثم في الجزية التي كان
يفرضها الغزاة على الشعوب المهزومة.

(2) تحت حكم الكهنة والقضاة: كانت الضريبة الثابتة الوحيدة المفروضة على
الشعب في زمن الحكم الثيوقراطي هي " فضة الكفارة " (خر 30: 11 16). وكان
لها طابع شبه مدنى. وكانت عبارة عن جزية مقدارها نصف الشاقل، تقدمة للرب عن كل ذكر
اجتاز إلي المعدودين من ابن عشرين سنة فصاعدا، مخصصة لخدمة خيمة الاجتماع. ويبدو وقد
فرضتها السلطات لخدمة بيت الرب انها كانت مقبولة من الشعب في العصور التي ازدهرت
فيها الامانة في حفظ احكام " يهوه " (2 أخ 24: 4 14، نح 10: 32 وقد
اتخذت هذه التقدمة هنا شكل التبرع، فتراوحت قيمتها بين نصف الشاقل وثلثه)
.

وقد
خصصت هذه الجزية في العصور اللاحقة لخدمة الهيكل، وكان اليهود يدفعونها وهم بعيدون
عن الهيكل في ايام الشتات. ويحدثنا يوسيفوس في تاريخه عن المبالغ الضخمة التي دخلت
خزانة الهيكل من هذا المصدر، وقد استمر تحصيلها حتى زمن الرب يسوع المسيح (مت 17: 24).
ومما هو جدير بالملاحظة ان الرب يسوع دفع هذه الجزية باجراء معجزة من اعظم
المعجزات، فكان باعتباره مؤسس ورئيس الهيكل الجديد، غير خاضع للجزية، الا انه لئلا
يعثرهم دفع الدرهمين.

اما
في فترة حكم القضاة، فقد استشرت الفوضى، حتى انه لم تظهر في تلك الفترة خصائص نظام
مستقر، وكانت الهدايا على حد معرفتنا هي المصدر الوحيد للاموال العامة. واذا
اعتبرنا ما قام به جدعون مثالا للسياسة العامة التي كانت متبعة في تلك الفترة، فان
القضاة لم يكونوا ياخذون اكثر من نصيب واحد من غنائم الحرب (قض 8: 24). وتؤكد
القصة عن قصد حقيقة ان جدعون قد طلب بنفسه ان يعطوه الغنائم وقد استجابوا له عن
طيب خاطر.

(3) تحت حكم الملوك: وكما هو متوقع صار فرض الجزية اكثر وضوحا عند انتقال
الحكم من ايدي القضاة إلي الملوك، فبرجوعنا إلي سفر صموئيل الاول (8: 10 18) نجد
كلمات التحذير التي وجهها صموئيل إلي الشعب عندما طلبوا منه ان يقيم لهم ملكا يقضي
لهم كسائر الشعوب، وكان التحذير مبنيا على سلوك الملوك المعروف عموما، وهو ما تحقق
فيما بعد.

ويعطينا
هذا الاصحاح قائمة تكاد تكون كاملة بالامتيازات الملوكية. فبجانب الخدمات العامة
والخاصة، كان الملك ياخذ اجود الحقول والكروم والزيتون.. الخ، إلي جانب عشر الزروع
والكروم والموإشي. وما اوجزه صموئيل هنا، وما تحقق بصورة اقوى في تصرفات ملوك
اسرائيل، هو ان الملك ياخذ كل احتياجاته العامة والخاصة. من جهد وموارد شعبه لانه
لم تكن في ذلك الزمن المبكر من حكم الملوك، قوانين دستورية تنظم صرف الموارد
العامة وقيمة الجزية، فكان الملك ياخذ كل ما يستطيع اخذه، ولم يكن للشعب جيلة الا
ان يطيعوا.. لقد كان الصراع الطويل حول الحقوق الدستورية، يدور اساسا حول موضوع
الضرائب.

ويتضح
من قصة بني بليعال الذين رفضوا تقديم هدايا لشاول، ان التعبير عن الولاء للملك
الجديد، كان يتم بتقديم الهدايا. ويعتبر رفض تقديم الهدايا عملا من اعمال الخيانة
العظمى، وهذا ما يوضحه كاتب السفر بصمت شاول " فكان كاصم " (1 صم 10: 27،
انظر 2 أخ 17: 5)
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ز زُبدة 1

ومن
الواضح ان كلمة " هدية " قد اتسع مفهومها جدا فيما بعد، فصار الاعفاء من
الجزية هو هدية لمن يقتل جليات، اذ كان يعنيه الملك غنى جزيلا ويعطيه ابنته ويجعل
بيت ابيه حرا في اسرائيل (1 صم 17: 25)
.

وفي
عصر داود، امتلات الخزانة العامة نتيجة لسلسلة انتصاراته المستمرة في الحروب (2 صم
8: 2 و 7 و 8) ولم تعد هناك شكوى من زيادة الجزية على الشعب. واذا كان الغرض من
التعداد الذي اجراه داود، متعلقا بالجزية، لفهمنا سر ضربة الرب للشعب، وان كان
الامر يحوطه الغموض (2 صم 24: 2 4). وقد اعتاد داود ان يقدس الغنائم للرب، فامتلات
خزانة الهيكل (2 صم 8: 11 و 12)
.

وقد
ورث سليمان بلا شك الاموال العامة التي خلفها ابوه (ا أخ 27: 25 31) كما اضاف
اليها، لحبه المتزايد للترف ومظاهر الابهة. وفي نفس الوقت اتاح له توقف الحروب، ان
ينمي موارده الداخلية ليحقق طموحاته، " وكان سليمان متسلطا على جميع الممالك
من النهر إلي ارض فلسطين وإلي تخوم مصر " (امل 4: 21). ونقرا عن دخله من
الذهب وغيره (امل 10: 14 و 28، انظر ايضا 2 مل 3: 4). وكانت الممالك الاخرى تقدم
له الهدايا والجزية (1 مل 10: 23 25). كما كانت ادارته المالية منتظمة للغاية، فقد
كان لسليمان " اثنا عشر وكيلا على جميع اسرائيل يمتارون للملك وبيته، كان على
الواحد ان يمتار شهرا في السنة (1 مل 4: 7 19)
.

وفي
عهد سليمان كذلك ولاول مرة على حد معرفتنا يتم تسخير ثلاثين الف رجل من اسرائيل (1
مل 5: 13 17)
.

وفي
نهاية حكم سليمان اصبح عبء الجزية ثقيلا جدا حتى ان كل جماعة اسرائيل طلبت من
رحبعام ابنه ان يخفف من النير الثقيل الذي جعله سليمان عليهم (1 مل 12: 3 و 4 و 9
و 10) وذلك كشرط لولائهم لرحبعام. ولكن الجواب الاحمق القاسي الذي اجابهم به
رحبعام تاركا مشورة الشيوخ كان سببا في انقسام الملكية، حتى انه " لم يتبع
بيت داود الا سبط يهوذا وحده " (1 مل 12: 13 20)
.

وفى
الفترة اللاحقة نجد ان تحذيرات الانبياء تضمنت الشكوى من ثقل الجزية التي فرضها
الملوك على الشعب، فيتكلم عاموس عن الذين "يدوسون المسكين وياخذون هدية قمح
" (عا 5: 11، 2: 6 8). كما يشير إلي عادة الملك في اخذ " اول جزاز العشب
" (عاموس 7: 1). اما إشعياء فيتحدث عن اكل الرؤساء للكروم، وسلبهم للبائس (إش
3: 14). ويهاجم " ميخا " بشدة الرؤساء الذين " ياكلون لحم شعبي
" (مي 3: 1 4
).

وتكفينا
هذه الايات لنعرف انه في خلال الايام الاخيرة للمملكة كان بنو اسرائيل يعانون من
جراء جشع الملوك وظلمهم.

ثالثا
اسرائيل تحت حكم الغزاة:

(1) تحت حكم إشور وبابل: بدا في ايام حكم " منحيم " الذي جاء بعد
يربعام الثاني ملك اسرائيل الغزو الإشوري بقيادة الملك " تغلث فلاسر الثالث
" (يذكره الكتاب المقدس باسم فول 2 مل 15:
19). وقد
ذكر الكتاب المقدس عن " منحيم " علاوة على سروره العامة انه اعطى "
لفول " الف وزنة من الفضة.. ليثبت المملكة في يده. ووضع منحيم (هذه) الفضة (جزية)
على اسرائيل على جميع جبابرة الباس ليدفع لملك إشور، خمسين شاقل فضة على كل رجل
" (2 مل 15: 19 و 20) وهكذا سلب الشعب ثروته.

وبعد
ذلك ارسل احاز ملك يهوذا هدية إلي نفس الملك (تغلث فلاسر الثالث). وقد ابتدع احاز
وسيلة جديدة " فاخذ احاز الفضة والذهب الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت
الملك وارسلها إلي ملك إشور هدية " (2 مل 16: 8). وقد اتبع هذان الملكان منحيم
واحاز اسلوبين مبتكرين للحصول على المال كما ذكرنا انفا.

اما
" هوشع " ملك اسرائيل، الذي كان معاصرا لاحاز فقد " صعد عليه
شلمناسر ملك إشور، فصار له هوشع عبدا ودفع له الجزية.. ولم يؤد جزية إلي ملك إشور
فحسب كل سنة فقبض عليه ملك إشور واوثقه في السجن " (2 مل 17: 3 و 4)
.

وفي
زمن لاحق اسر " فرعون نخو " ملك مصر، لذلك " يهو احاز بن يوشيا
" و " غرم الارض بمئة وزنة من الفضة ووزنة من الذهب " (2 مل 23: 31
33). كما ان يهوياقيم الملك الذي كان دمية في يد فرعون " دفع الفضة والذهب
لفرعون الا انه قوم الارض لدفع الفضة بامر فرعون.. فطالب (يهوياقيم) شعب الارض
بالفضة والذهب ليدفع لفرعون نخو " (2 مل 23: 35). ويتضح من الاية الاخيرة
التي تقول: " قوم الارض لدفع الفضة بامر فرعون، كل واحد حسب تقويمه "،
انه كان هناك نظام الشرائح او التدرج في قيمة الجزية المدفوعة. وقد وقع الملك
التعس يهوياقيم في يد نبوخذنصر ملك بابل " فكان له يهوياقيم عبدا ثلاث سنين
" (2 مل 24: 1 7)
.

ويبدو
ان نبوخذنصر لم يفرض الجزية خاصة، او على الاقل لم يرد ذكر هذا الامر ولكنه "
اتي.. ببعض انية ببيت الرب إلي بابل وجعلها في هيكله في بابل " (2 أخ 36: 7)
تعويضا عن مصاريف الغزو.

(2) تحت حكم فارس: في شكوي كتبها بعض الرؤساء من اعداء اليهود الذين في عبر
النهر ضد سكان يهوذا واورشليم، وقدموها إلي " ارتحشتا" الملك نقرا هذه
العبارة: " انه اذا بنيت هذه المدينة واكملت اسوارها لا يؤدون جزية ولا خراجا
ولا خفارة.. ونحن نعلم الملك انه اذا بنيت هذه المدينة واكملت اسوارها لا يكون لك
عند ذلك نصيب في عبر النهر " (عز 4: 7 24)
.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر المزامير ليتك تقتل الأشرار يا الله ه

وقد
ورد في هذه الرسالة ثلاث كلمات تعبر عن ثلاثة انواع من الضرائب التي كانت تحبى في
ايام حكم الفرس، وهي: جزية، خراج، خفارة:

(أ) الجزية ويقصد بها غالبا الضريبة على الممتلكات مثل الحقول والكروم
(عز 4: 13 و 20) وتسمى ايضا " خراج الملك " (نح 5: 4)
.

(ب) الخراج وهو الضرائب على البضائع والمنقولات (عز 4: 13 و 20، 7: 24).

(ج) الخفارة ويقصد بها الضريبة على المرور على الطرق أي انها المكوس
بالمفهوم الحديث (عز 4: 13 و 20، 7: 24)
.

وتختلف
هذه الكلمات في الإشورية عنها في العبرية، فهناك فى العبرية:

 كلمة
" ماس " بمعنى التسخير (تث 20: 11، 1 مل 5: 13) وقد ترجمت في العربية
بعبارة " تحت الجزية " ويقصد بها العمل الجبري بلا اجر (يش 16: 10، 17:
13، قض 1: 28 و 30 و 33 و 35، إش 10: 1.. الخ).

 و
" ماسا " بمعنى ثقل او حمل (2 أخ 17: 11)
.

 و
" مكس " بمعنى مقياس او عدد او نصيب وترجمت في العربية بكلمة زكاة (عدد
31: 25 و 41)
.

ومن
الواضح ان حكام الامبراطورية الفارسية قد فرضوا نفس انواع الضرائب المبإشرة وغير
المبإشرة التي كانت تفرض في اماكن اخرى.

وقد
اوقف ارتحشستا الملك العمل في اعادة بناء اورشليم استجابة لرسالة عماله الرسميين
في فلسطين (عز 4: 21) خشية امتناع قادة اليهود عن دفع الضرائب، وقد استؤنف العمل
مرة اخرى في السنة الثانية من حكم داريوس بناء على المرسوم الذي اصدره الملك كورش
بان يعطي لشيوخ اليهود العاملين في بناء بيت الله من مال الملك من جزية عبر النهر
حتى يكملوا العمل بدون تاخير. وبجانب الهدايا الجزيلة التي اعطاها لهم ارتحشتا
الملك، امر باعفاء جميع الكهنة واللاويين وخدام بيت الله من جميع انواع الضرائب (عز
7: 24)
.

وقد
حدث في ايام نحميا امر خطير، اذ ثقلت جزية الملك على الشعب حتى اضطر افراد الشعب
إلي الافتراض بالربا مع رهن بيوتهم وكرومهم ليتمكنوا من دفع الجزية، مما ادى إلي
وقوعهم فريسة في ايدي المرابين من بني جنسهم، وبلغ بهم الامر ان اضطروا إلي بيع
ابنائهم وبناتهم عبيدا (نح 5: 1 13). وعلاوة على الجزية التي كانوا يدفعونها للملك،
اخذ منهم الولاة " خبزا وخمرا فضلا عن اربعين شاقلا من الفضة " سنويا (نح
5: 14 و 15). وفي الصلاة التي رفعها بنو اسرائيل في يوم الصوم، صرخ الشعب من ثقل
الجزية عليهم حتى انهم قالوا عن انفسهم انهم قد صاروا عبيدا في ارضهم (نح 9: 36 و
37)
.

(3) تحت حكم البطالمة والسلوقيين: حكم البطالمة فلسطين فعليا في الفترة ما
بين 301 218 ق.م. ويبدو انهم لم يبالغوا في طلب الجزية (وكانت الجزية المفروضة على
اليهود عشرين من الفضة، ولم تكن مبلغا كبيرا انذاك)، الا ان اسلوب الجباية الذي
اتبعوه او على الاقل ارسوا قواعده متمثلا في اسناد تحصيل الجزية إلي من يلتزم
باعلى قدر منها، استحدث نظاما ظل متبعا طيلة العصور التالية، وكان سببا في الكثير
من معاناة الشعب وتذمرهم، والدليل على ذلك نجده في قصة " يوسف العشار اليهودي
" الذي كان مشرفا عاما على جباية الجزية في فلسطين لمدة نحو ثلاث وعشرين سنة
في اثناء حكم " بطليموس يورجيتوس " وكان سببا في سلسلة طويلة من الماسي
ذكرها يوسيفوس في تاريخه.

وكان
استيلاء " انطيوكس " الكبير على فلسطين في 202 ق.م. مصدر راحة كبيرة
للشعب اليهودي الذي وقف في مهب العواصف بين القوات المتطاحنة. ويذكر يوسيفوس ان
" انطيوكس الكبير " قدم لليهود عطايا جزيلة من المال، واعفاهم من الجزية
لمدة ثلاث سنوات، ثم انقص الضريبة المفروضة عليهم بمقدار الثلث بصفة دائمة.

اما
الملوك السلوقيون فقد كانوا قساة في جباية الجزية، ويتضح ذلك من رسالة "
ديمتريوس " إلي اليهود حين اراد ان يخطب ودهم في كفاحه من اجل العرش ضد
" اسكندر بالاس " حاكم سميرنا، الذي ادعي انه الحاكم الشرعي للعرش
السلوقي (امك 10: 26 30، 11: 34 و 35، 13: 39، انظر ايضا 11: 28). ففي هذا الخطاب
وعد ديمتريوس اليهود باعفائهم من: أ الجزية. ب مكس الملح (ضريبة الملح). ج مكس
الاكاليل (اكاليل من الذهب او ما يعادلها). د جزية ثلث الزروع. ه ضريبة نصف ثمار
الشجر (امك 10: 29 و 30)
.

ويبدو
ان الامر كان بالغ القسوة، الا انه لا ينقصنا الدليل على احتمال حدوثه.

وفي
ايام الملك " سلوقس الرابع " (187 176 ق.م.) احس اليهود لاول مرة بطريق
غير مبإشر لكن بشدة بضغط الرومان، اذ ان هذا الحاكم سىء السمعة كان عليه ان يدفع
جزية " للرومان، وان يجد له وسائل لإشباع جشعه وشهواته، لذلك كان عنيفا في
سلب رعاياه (2 مك 3)
.

(2) تحت حكم الرومان: كانت الجزية في الايام الاولى من حكم هيرودس، تدفع
للملك بواسطة موظفين معينين بمعرفته. وقد اثبت هذا النظام نجاحه في ايام هيرودس
الكبير على الاقل ولكن كان قد انتهى العمل به قبل كتابة أي سفر من اسفار العهد
الجديد.

هل تبحث عن  م الأباء أثناسيوس الرسولى أقوال أثناسيوس الرسولى 12

وبعد
خلع ارخيلاوس (في العام السادس الميلادي) بناء على طلب اليهود، ادمجت اليهودية في
الامبراطورية الرومانية، وخضعت لحكم " ولاة " كانوا مسئولين عن ادراة
الشؤون المالية، رغم ان رؤساء الريع ظلوا يجمعون الضرائب الداخلية. وهذه الحقيقة
تفسر لنا كل ما يتعلق " بالجزية " و " العشارين " في العهد
الجديد.

وتجدر
بنا ملاحظة حقيقة كثيرا ما تغيب عن الاذهان وهى انه في زمن حكم الاباطرة كانت
الضرائب المبإشرة تجمع من خلال جهاز من الموظفين الرسميين، اما العوائد والمكوس
التي كانت تفرض على الصادرات والواردات، وعلى بضائع التجار الذين يعبرون البلاد،
فكانت تباع بالمزاد لمن يعرض اعلى الاثمان، وكان يطلق على هؤلاء المزايدين اسم
" العشارين ". وبوضوح هذا الأمر في أذهاننا , نخلص إلي أن:

أ
الجزية التي كانت تجمع من اليهودية كانت تذهب مبإشرة إلي خزينة القيصر (مت 22: 17،
مر 12: 14، لو 20: 22)
.

ب
كانت هذه الضرائب باهظة جدا.

وهاتان
الحقيقتان توضحان لماذا كان السؤال الذى وجه إلي ربنا سؤالا محرجا جدا، فقد مس
امرا دينيا وماليا في نفس الوقت.

وفي
العام السابع بعد الميلاد بعد تعيين " كوبونيوس " واليا على سوريا، اوفد
هذا الولي، " كيرينيوس " إلي اليهودية للقيام بعمل اكتتاب لجمع الضرائب،
كان هو السبب في قيام الثورة الدامية التي تزعمها يهوذا الجليلي (أع 5: 37)
.

وكان
هذا الاكتتاب هو الذى ادى إلي القضاء على الدولة اليهودية نهائيا، لان مقاومتهم
العنيفة لروما والتي اندلعت انذاك، لم تهدا حتى اطفاتها دماء اليهود التى اريقت في
70 م.

ولندرس
الان بعض الامور المرتبطة بكلمة " عشار ": يطلق لفظ "العشار "
بصفة عامة على درجات عديدة من الموظفين الذين يعملون في مجال تحصيل العوائد، ثم
اتسع معنى الكلمة من العشار او ملتزم الجباية في الاقليم، ليشمل صغار الموظفين
المحليين. ويذكر العهد الجديد ان العشارين كانوا يجلسون في مكان الجباية، يفحصون
البضائع ويجمعون المكوس التى كانت تفرض على الطرق والجسور (مت 9: 9). وكانت هذه
الضرائب تجمع في فلسطين في قيصرية وكفر ناحوم واريحا (كما يقول يوسيفوس). وكانت
الاموال التي تجبى في كفر ناحوم تذهب إلي خزينة "هيرودس انتيباس ". اما
في اريحا فكان يوجد رئيس للعشارين. والارجح ان معظم العشارين الذين ذكرهم العهد
الجديد، كانوا يخضعون لرجال اعلى منهم سلطة.

كان
العشار في عصور العهد الجديد شخصا مكروها من جميع الناس، لاسباب واضحة، فالناس
بطبيعتهم يكرهون دفع الضرائب، ومن ثم فهم يكرهون جباتها. وكان العشار يمثل القوة
الرومانية الغإشمة المكروهة، ويمارس سلطانها على الناس. كما ان طريقة معاملته
للناس في جباية الجزية كانت طريقة فظة، وكان يقدر الجزية تقديرا جزافيا مستبدا.
كما ان احتكاكه بمواضع الوجع في الناس، ممثلة في قوت عيالهم، مع عدم رغبة الناس في
دفع الجزية بطبيعة الحال، واعتبارهم الجزية امرا خاطئا من الناحية الدينية فيه
خيانة لله، وعبئا ثقيلا من الناحية المدنية، تجمعت كل هذه الاسباب وجعلت شخصية
العشار بغيضة عند الناس، واعتبروه خائنا ومرتدا عن الدين. كان العشار يدفع مبلغا
محددا من الضرائب ويحتفظ لنفسه بكل ما استطاع ان يجمعه اكثر من الضريبة المفروضة
عليه، اذ لم تكن هناك قيمة محددة للضريبة، لذلك ارتبط اسم العشار بالظلم، وقد
تجمعت فيه صفات الظلم والخيانة والابتزاز مما جعله مكروها من الناس.

ويوضح
لنا العهد الجديد المواقف التي جاء فيها ذكر العشارين ووصفهم العام ومكانتهم في
فكر وعمل يسوع، ورجاءهم الجديد في الانجيل. والمرات العديدة التي يتحدث فيها الرب
عنهم، تلقي ضوءا شديدا عليهم:

(1) من خلال ضرب الامثلة بهم وبعلاقتهم بالناس، يشير الرب في نقد كريم إلي
انه لم يرتفع مستوى محبة الناس وغفرانهم للاخرين، فليسوا بافضل من العشارين (مت 5:
46 و 47)
.

(2) يستخدم الرب كلمة " العشار " ليصف الانسان الذي يخطى بعناد
ولا يسمع من الكنيسة (مت 18: 17)
.

(3) كما يستخدم الرب كلمة " العشار
" بالمعنى العام في وصف ادانة الراي العام له " محب للعشارين والخطاة
"، وفي نفس الوقت يقبل هذا الوصف منهم برضى وسرور (مت 11: 19، لو 7: 34)
.

(4) والاهم من كل هذا، هو ان الرب يسوع استخدم " العشار " كما
استخدم " السامري " في مثل الفريسي والعشار موضحا ان الموقف الذي يمثله
العشار انما هو الموقف المقبول لدى الله (لو 18: 9)
.

وقد
زاد من قوة هذا المثل، قول الرب الذي كرره مرارا من ان استعداد العشارين وغيرهم من
الخطاة للتوبة، يجعلهم يسبقون اصحاب البر الذاتي الراضين عن انفسهم، إلي ملكوت
الله (مت 21: 31 و 32، لو 3: 12، 7: 29، 15: 1)
.

واختيار
الرب للاوي متى العشار ليكون تلميذا له (مت 10: 3)، وتجديد زكا (لو 19: 8 و 9) الذي
يقول عنه انه " هو ايضا ابن ابراهيم "، هاتان الحادثتان تبرران الموقف
المتميز الذي وقفه ربنا المبارك من هذه الطبقة المحتقرة، فهو لم يتغاض عن اخطائهم
وجرائمهم، كما انه لم يقر حكم العامة عليهم بانهم طبقة منبوذة لا شركة لهم مع
اخبار الناس، وبلا رجاء في العالم، لان الرب يسوع يعلم بانه ليس احد بلا رجاء الا
الذي يرفض رسول الرجاء رفضا باتا.

وجدير
بنا ان نختم هذا البحث عن الجزية التى كانت سبب مرائر كثيرة على مر التاريخ بالتامل
في الرب الذي قال للمنبوذين والعشارين والخطاة: " لان ابن الانسان قد جاء لكي
يطلب ويخلص ما قد هلك " (لو 19: 10)
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي