الخروج

 

أولاً
– المسار:

(1) نقطة البداية و الانطلاق: في الرابع عشر من شهر
أبيب (أوائل شهر ابريل) تجمع العبرانيون في "رعمسيس" (خر 37: 12، عدد 5:
33) حيث كان يقيم – على ما يبدو – فرعون عدوهم (خر 31: 12). أو لعل
"صوعن" كانت هي نقطة البداية (مز 12: 78و43). ويعتقد د.نافيل أن بلاط
الملك كان في بوبسطة (تك بسطة) وليس في صوعن، وأن المسار بدأ من مكان بالقرب من
الزقازيق الى وادي طميلات. وهو مسار يناسب تماماً أناساً يسوقون أمامهم قطعانهم
ومواشيهم. ومن جهة أخرى فإن ما يؤيد أن بداية المسار كانت من صوعن، أننا نقرأ أن
"طريق أرض الفلسطينيين" كانت قريبة (خر17: 13). هذه الطريقة التي لم
يهدهم الله اليها – "لئلا يندم الشعب إذا رأوا، ويرجعوا الى مصر" – كانت
تخرج عند "مجدل" وتمتد منها الى "دفنة" على بعد نحو خمسة عشر
ميلاً، كما كان يمتد فرع آخر من الطريق – وبنفس الطول تقريباً – الى صوعن، ولعل
الطريق من بوبسطة الى دفنة (نحو خمسين ميلاً) أقل احتمالاً من أن توصف بأنها
"قريية" . ومع أن البدو قد يقطع مسافة ثلاثين ميلاً في اليوم سيراً على
الأقدام، الا أنه عند ارتحاله بجماله وقطعانه ونسائه وأطفاله،يسير نحو ميلين فقط
في الساعة مما يقطع معه في اليوم نحو 12 – 15ميلاً، وليس من السهل نفترض أن
العبرانيين، بمواشيهم، أمكنهم أن يقطعوا أكثر من هذه المسافة في اليوم الواحد بدون
ماء.

(2) من رعمسيس الى سكوت: لا نعرف عدد الأيام التى
أستغرقتها الرحلة من رعمسيس إلى سكوت رغم الأنطباع العام بأن المراحل المذكورة في
الأصحاح الثالث و الثلاثين من سفر العدد ,تمثل كل منها رحلة يوم واحد. فإذا عدنا
إلى أول مكان نزلوا به (قبل عبور البحر الأحمر) نجد أن "سكوت" تقع – على
الأرجح – في القسم الأسفل من وادى طميلات حيث يتوفر الماء و العشب ,و الطريق
المباشر من صوعن تصل إلى "فاقوسة" (تل فاقوس حالياً) بعد مسيرة خمسة عشر
ميلاً في وسط أراض جيدة الري , وهناك طريق اخرى عبر الصحراء الى هيروبوليس نزولاً
الى الوادى ومنه الى سكوت, ولابد أنها نفس المسافة .لقد رحل العبرانيون "
بعجلة " أى على وجه السرعة , ولا شك أنهم كانوا يقطعون أطول مسافات ممكنة .
ولعل الشعب لم يكن مجتمعاً كله فى رعمسيس , بل كانوا متفرقين فى كل أنحاء جاسان
,مما يحتمل معه أنهم قد نزلوا إلى الوادى من بو بسطة وتجمعوا كلهم في سكوت
.

(3) من سكوت إلى إيثام: كانت المسيرة الثانية من
سكوت إلى إيثام (خر 20: 13عدد 6: 33)"في طرف البرية" التي تقع إلى الغرب
من البحيرات المرة , ليس بعيداً عن مياه النيل التي كانت تصب في تلك البحيرات
وتجعل مياهها بلا شك صالحة للشرب . ولعل موسى قصد أن يصل إلى صحراء شور بالدوران
حول رأس البحيرات , لكننا نقرأ أن الله أمره "أن يرجعوا " (إلى الجنوب
طبعاً) , وأن ينزلوا أمام " فم الحيروث " (أى فم البحيرات) بين مجدل و
البحر أمام بعل صفون … "فيقول فرعون عن بني إسرائيل هم مرتبكون في الأرض،
قد استغلق عليهم القفر" وأصبحوا محصورين بين البحيرات عن يسارهم و الجبال عن
يمينهم، إذ يبدو أن هذه المحلة (أو المعسكر) كانت الى الغرب من البحيرات، وعلى بعد
نحو عشرة أميال الى الشمال من السويس، وعلى بعد مسيرة يومين من إيثام حيث يصل طول
البحيرات المرة الى ثلاثين ميلاً. أو إذا كانت إيثام أبعد جنوباً عن رأس البحيرات،
تكون هذه المسافة قد قطعت – عن اضطرار – بمسيرة عشرين الى خمسة وعشرين ميلاً في
اليوم، حتى يمكن أن تشرب المواشي من البحيرات المملوءة ماء عذباً.

(4) عبور البحر: لم يذكر اسم البحر الذي عبره بنو
إسرائيل، في قصة العبور في الأصحاح الرابع عشر من سفر الخروج، الا أنه ورد في نشيد
موسى (خر 4: 15) حيث يذكر باسم "بحر سوف" وفي العبرية "يم
سوف" أي "بحر الغاب أو القصب"، وهو اسم لا يطلق على خليج السويس
فحسب (عدد 10: 33) بل على خليج العقبة أيضاً (تث 8: 2، 1مل 26: 9). كما نقرأ أن
الطريق التي سلكها بنو إسرائيل هي "طريق برية بحر سوف" (خر 18: 13). و
المفترض عموماً هو أن رأس خليج السويس – في زمن الخروج – كان أكثر امتداداً الى
الشمال مما هو عليه الآن، ولما كان المرجح أن أن البحيرات المرة كانت – في ذلك
العهد – تمتليء بمياه النيل العذبة التي كانت تتدفق إليها من وادي طميلات، فلا شك
أنها كانت تحمل معها الطمي حتى طمست تدريجياً فرع النيل الذي كان يغذي البحيرات
وذلك قبل 600ق.م. لعل النقطة التي عبروا منها كانت القناة الضيقة (بعرض ميلين تقريباً)
و التي كانت تمر فيها مياه البحيرات لتصب في البحر، أي على بعد نحو عشرة أميال الى
الشمال من السويس.

 وقد
انحسرت المياه بسبب "ريح شرقية شديدة كل الليل" (خر 21: 14) وهكذا انغلق
البحر (أو "البحيرة" حيث أن كلمة "يم" العبرية تعني بحراً أو
بحيرة)، "وتراكمت المياه،انتصبت المجاري كرابية. تجمدت اللجج في قلب
البحر" (خر 8: 15)، وما أن توقفت الريح حتى اندفعت المياه ثانية، بعد أن كان
الماء لبني إسرائيل – في أثناء عبورهم البحر
– "سوراً لهم
عن يمينهم وعن يسارهم" (خر 22: 14) أي أنه كان لهم حائطاً أو سياجاً يحميهم
من هجمات المصريين (انظر 1صم 16: 25 حيث كان رجال داود بمثابة سور لحماية رعاة
نابال ومواشية). ويمكن مشاهدة تأثير الريح على المياه الضحلة عند مصب نهر قيشون
حيث يكون – عند هبوب الريح غريبة – ضحلاً يمكن اجتيازه بالأقدام، ولكن عندما تسكن
الريح تغمره المياه و يتعذر عبوره. وفي 1882م شاهد سير الكسندر تولوك مياه بحيرة
المنزلة و هي تتراجع من ميل بفعل الرياح الشرقية.

وهكذا
كان جفاف البحر – كما جاء في الكتاب المقدس – ظاهرة طبيعية تماماً، حدثت بفعل
الريح – التي أرسلها الرب في الوقت المناسب – وقد عبر العبرانيون البحر في الصباح.

وبعد
مسيرة نحو خمسة عشر ميلاً وصلوا الى العيون التي تمد السويس بالمياه والتي تعرف
باسم "عين النبي" أو "عيون موسى"، ومن تلك البقعة بدأت رحلة
البرية في صحراء شور.

(5)آراء أخرى بالنسبة للطريق: هذا الرأي فيما يتعلق
بطريق العبور هو – عملياً – الرأي الذي يراه د.روبنسون، د.نافيل، سير وارين، سير
داوسون و آخرون ممن زاروا المنطقة.

أما
الرأي الذي قال به "بروجش
" (BRUGSH) من أن البحر الذي عبره بنو إسرائيل
كان بحيرة بالقرب من البلوزيوم، فلم يؤيده أحد لأنه يتعارض تماماً مع ما هو مدون
في الكتاب المقدس من "أن بني إسرائيل لم يتبعوا الطريق الساحلي الى فلسطين،
بل ساروا في برية البحر الأحمر.

وثمة
نظرية أخرى تقول أن المقصود بالبحر الأحمر هو " خليج العقبة " ولكن يكاد
معظم الكتَّاب النابهين يجمعون على رفض هذه النظرية، لأن المسافة من مصر إلى أيلة
(ايلات حالياً) على خليج العقبة تبلغ نحو مائتي ميل، ولم يكن في استطاعة بني
إسرائيل أن يقطعوا هذه المسافة على أربع مراحل، وبخاصة أن الطريق يخلو من موارد
الماء في فصل الربيع.

وطبقاً
لما أشرنا إليه تفصيلاً، ليس في المسار المذكور في البند الرابع بأعلاه، أي صعوبات
يمكن أن تنفي أو تضعف السمة التاريخية للقصة الكتابية
.

 

 

ثانياً:
التاريخ:

(1) الترتيب الزمني للعهد القديم: إن العبارات التي
يسجل بها سفرا الملوك فترات حكم الملوك من بعد موت سليمان حتى التاريخ المحدد
المعروف لسقوط السامرة في 722 ق.م. يجعل تاريخ بناء الهيكل في نحو 1000 ق.م. ولو أن
بعض العلماء الذين قبلوا القول المشكوك فيه بأن أخآب ملك إسرائيل هو نفسه "
أخابو " من سير لاي
(Ahabu of Sir lai) قد أنقصوا
هذه المدة بنحو ثلاثين سنة، إلا أن هذه النظرية تتعارض مع حقيقة أن " ياهو
" كان معاصراً لشلمنأصر الثاني ملك أشور. وحيث لا تتوفر لدينا بيانات تاريخية
عن ترتيب أزمنة ملوك العبرانيين سوى ما جاء في العهد القديم، كما ليس لدينا بيانات
أثرية مصرية كافية عن بني إسرائيل أو عن الخروج، فلابد أن نقبل ترتيب تواريخ العهد
القديم كما هي، أو تصبح هذه التواريخ مجهولة لنا
.

(2) تاريخ غزو فلسطين: يتضح من العديد من الأقوال
المتوفرة لدينا أن الكتَّاب العبرانيين كانوا يعتقدون أن غزو فلسطين بقيادة يشوع
قد تم في وقت مبكر من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وهو تاريخ يطابق تماماً نتائج
الدراسة الأثرية الحديثة عن تاريخ الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة (الأسرة الطيبية)
وهو ما سوف نتناوله فيما بعد كما يتفق مع القول بأن بني إسرائيل كان لهم وجود في
فلسطين في السنة الخامسة من حكم منفتاح خليفة رمسيس الثاني . ونقرأ في سفر الملوك
أن الهيكل بني " في السنة الأربع مئة والثمانين لخروج بني إسرائيل من أرض مصر
" (1 مل 6: 1)، وهذا يشير إلى غزو كنعان وليس إلى الخروج كما يتضح من بعض
الإشارات الأخرى (جاءت في الترجمة السبعينية " في السنة الأربعمائة والأربعين
"، لكن التفصيلات تثبت أن النص العبري هو الأفضل). كما نقرأ أن أول نصر
ليفتاح على بني عمون قد حدث بعد دخول بني إسرائيل بقيادة يشوع بثلاثمائة سنة (قض
11: 26). ويبلغ مجموع هذه الفترات كما نستجمعها من مختلف الفصول ثلاثمائة وستة
وعشرين عاماً، لكن لعل فترات الراحة مقدرة بأرقام تقريبية مما يعلل لوجود هذا
الفرق البسيط.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ر رافة ة

ويبدو
أن صموئيل قد قضي لإسرائيل مدة عشرين عاماً (1صم 7: 2)، ولعل شاول حكم لمدة عشرين
سنة أيضاً كما يقول يوسيفوس (لم تذكر مدة حكمة في سفر صموئيل)، وهكذا مرت مائة
وخمسة وسبعون عاماً بين انتصار يفتاح
وبناء الهيكل، فيكون إجمالي
هذه المدد نحو أربعمائة وخمس وسبعين سنة أو أكثر بعد بداية دخول الشعب بقيادة يشوع.

(3) تاريخ الخروج: إن الاعتقاد الشائع بأن كثرين من
القضاة كانوا متعاصرين، لا يتفق مع هذه الحقائق بل يتعارض في الواقع مع عشر عبارات
محددة مذكورة في سفر القضاة، كما نقرأ في سفر أعمال الرسل أنه كان هناك قضاة لمدة
أربعمائة وخمسين عاماً (أ ع 13: 19و20). وهذا التقدير التقريبي (الذي يتضمن حكم
صموئيل) يكاد يتفق مع مجموع الفترات المذكورة في أسفار العهد القديم والتي تبلغ
أربعمائة وخمس عشرة سنة أو أربعمائة وعشرين سنة . وقد أقام اليهود في البرية
أربعين سنة حسبما جاء في أسفار التوراة وغيرها من الأسفار (عا 5: 25، أ ع 7: 42) وعلى
ذلك يكون انتصار يشوع على الكنعانيين قد حدث في نحو 1480 ق.م. وطبقاً لأحدث
الأبحاث عن تاريخ الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة، والتي تعتمد على ما سجله ملوك
بابل المعاصرين لهم، يبدو أن فرعون الاضطهاد كان هو تحتمس الثالث عدو الأسيويين
اللدود وأن فرعون الخروج هو أمينوفيس الثاني أو تحتمس الرابع.

ولما
كان عمر موسى في وقت الخروج ثمانين عاماً، فلابد لأنه ولد عندما كان تحتمس الثالث
صغيراً، حين كانت لأخته " هتاسو " (حتشبسوت) هي الحاكمة وكانت تلقب
"ما كا رع"، وبذلك تكون هي " ابنة فرعون " التي تبنت موسى (خر
2: 5)، إذ لم يذكر اسم أي ملك في هذا الفصل، وإنما ذكر الملك بعد ذلك عندما "
كبر " موسى (خر 2: 15) حيث أن حتشبسوت ظلت في الحكم أكثر من عشرين سنة حتى
بلغ تحتمس الثالث سن الرشد
.

(4) آراء أخرى: وفيما يتعلق بهذا التاريخ، لابد أن
نلاحظ أن نظرية " لبسيوس " التي تبناها " بروجش " وكثيرون من
الكتَّاب الذين يؤيدونه لم تقبل من كل العلماء، فقد افترض " دي بنسن
(De
Bunsen)
أن الخروج حدث في أوائل عصر الأسرة الثامنة عشرة. وقال سير بيتر
ليباج رينوف
(Le Page Renouf): " لم
تكتشف بعد معلومات لتحديد الأزمنة التاريخية لمصر بدقة حتى فترة خروج العبرانيين
"، وكان صادقاً حينما كتب ذلك. ويفترض بروفسور " ج. لوبلان " أن
الخروج تم في عهد أمينوفيس الثالث وهو أيضاً من الأسرة الثامنة عشرة . ويقول
" لبسيوس " إن الخروج حدث عام 1314 ق.م. في السنة الخامسة عشرة لحكم
منفتاح من الأسرة التاسعة عشرة
.

(5) حسابات فلكية: إن التواريخ التقريبية التي وضعها
" بروجش " للأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، قريبة جداً من تلك
المستنبطة من تقارير وبيانات ملوك بابل المعاصرين لتلك الأحداث . أما التواريخ
التي استخلصها " مالر
" (Maller) اعتماداً على بعض الحسابات الفلكية
للفلكي الفرنسي " بيو
" (Biot)، فقد رفضها علماء المصريات الآخرون . ويقول " بروجش "
إنه بالنسبة لهذا الموضوع " فإن النقد العلمي لم يقل كلمته الأخيرة بعد
". ويقرر " رينوف " بأكثر تحديد أننا " لسوء الحظ لا نجد
شيئاً في الوثائق المصرية التي وصلتنا إلى الآن، يمكن أن نستخلص منه بالحسابات
الفلكية تاريخاً محدداً". ويبدو أن هذا الحكم له ما يبرره في الاكتشافات
الحديثة، لأن تواريخ " مالر " متأخرة بما يقرب من قرن كامل كما يبدو من
تواريخ البابليين. ويستند " بيو " في حساباته الفلكية على بعض الملحوظات
المسجلة عن شروق نجم الشعرى اليمانية قبيل الشمس مباشرة في سنوات معينة لملوك
مصريين معين . إلا أن نجم الشعرى اليمانية ليس على نفس مستوى مدار الكرة الأرضية،
وشروقه ليس ثابتا في تأخره، كما أن شروق الشمس يتأخر حاليا نحو دقيقتين ونصف
الدقيقة كل سنة، لكنه كان يتأخر في التاريخ القديم محل البحث، نحو اثنتي عشرة
دقيقة كل سنة، ولذلك لا يمكن استخدام دورة قدرها ألف وربعمائة وواحد وستون عاماً
بعملية جمع حسابي بسيطة . كما أن " بيو " افترض أن الملحوظات الفلكية
المصرية كانت بنفس دقة علماء الفلك في العصر الحديث، الذين يستخدمون التلسكوبات
الحديثة، مع أنه في حالة استخدام العين المجردة قد يتعرض الراصد إلى الخطأ في
حساباته بمقدار يوم كامل مما ينتج عنه فرق في التاريخ يصل إلى مائة وعشرين سنة أو
أكثر. ولذلك فالتواريخ البابلية تقدم أساساً أقوى مما تقدمه الملحوظات المشكوك
فيها . وعلى أساس حسابات " بيو " الفلكية يكون الخروج قد حدث في عام
1214 ق.م. أو ربما في 1192 ق.م. حسب رأي " فلندرز بتري". وهو بهذا يقتطع
أكثر من ثلاثة قرون من فترة حكم القضاة، حيث يعتبر الكثيرين منهم متعاصرين. وعلى
نفس المنوال، فإن " لبسيوس " لكي يحدد التاريخ استند إلى الأزمنة
التاريخية الواردة في التلمود الذي يجعل تاريخ سقوط السامرة متأخراً عن التاريخ
المعروف، بنحو مائة وستة وستين عاماً (بينما يرفض ما جاء في العهد القديم بالنسبة
للأربعمائة وثمانين سنة في 1 مل 6: 1)، كما حاول أن يعتمد على عدد الأجيال قبل
الخروج، مع أنه من المعروف جيداً أن سلسلة الأنساب العبرية تحوي الأسماء الأكثر
شهرة فقط، وتتخطى عدة حلقات
.

(6) العلاقة بين تاريخ الخروج وتاريخ الآباء: أما
بالنسبة للعلاقة بين التاريخ المبكر للخروج (نحو 1520 ق.م.) وتاريخ الآباء
العبرانيين، فالنص العبري يجعل الفترة الفاصلة نحو ستمائة وخمسة وأربعين عاماً،
بينما تجعلها الترجمة السبعينية أربعمائة وثلاثين عاماً، وذلك للفترة من دعوة
إبراهيم إلى الخروج، ومن ثم تكون الدعوة قد حدثت في عام 2165 ق.م. أو 1950 ق.م.
ومن المعتقد بعامة أن إبراهيم كان معاصراً لحامورابي ملك بابل (امرافل) والذي يرجع
تاريخ ارتقائه العرش إلى عام 2139 ق.م. حسب رأي د. ف. بايسر
Dr. f.Peiser). أما "
د. هوميل " ومستر كينج فيفضلان تاريخاً لاحقاً هو 1950ق.م. على الرغم من أن
" نبوناهيد " (آخر ملوك بابل) يجعل تاريخ حامورابي في عام 2140 ق.م.
ويتفق النص العبري لسفر التكوين مع الحساب الأطول للتاريخ، بينما تتفق الترجمة
السبعينية مع الحساب الأقصر، دون الاخلال بالتاريخ التقريبي للخروج السابق ذكره.

(7) الاتفاق بين الآثار وتاريخ العهد القديم: لا
يوجد في الواقع اختلاف بين نتائج الدراسات الأثرية وترتيب أحداث العهد القديم، فإذا
كان الخروج قد تم في عهد تحتمس الرابع، لكان من غير المجدي لبني إسرائيل أن
يحاولوا دخول فلسطين عن " طريق أرض الفلسطينيين "، لأن القوات والمركبات
المصرية التي حشدها تحتمس الثالث كانت ما زالت تسيطر على غزة وأشقلون وغيرهما، لكن
بعد ذلك بأربعين سنة، بدأت ثورة الأموريين ضد مصر في زمن القائد المصري "
يانخامو " مما نتج عنه اضطرابات عامة في جنوبي فلسطين، فانسحبت الحامية
المصرية من أورشليم في عهده (نحو عام 1480 ق.م.) . وكما نعرف من أحد ألواح تل
العمارنة (المحفوظ في متحف برلين) جاء في ذلك الوقت شعب شديد المراس من "
سعير " يدعون " الخابيري " أو " العابيري " والذين وصفهم
الملك الأموري في أورشليم، بأنهم " يقضون على كل حكام البلاد " ولم يرد
لهم ذكر في أي رسالة أخرى من رسائل تل العمارنة. أما عبارة " جم جاز
" (gumm gaz) التي تعني
" رجل الحرب " فقد أطلقت عليهم كما أطلقت على غيرهم من رجال الحرب
الأقوياء من البلاد الأخرى.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس الكنيسة القبطية عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 00

واسم
" العابيري " تسمية جغرافية، لأنهم كانوا يدعون شعب " بلاد
العابيري"، والحرف الأول من الكلمة " عابيري " قد ينطق "
عينَّا " أو
"
خاءّ " لكن ليس " كافا " التي كثيراً ما ينطق بها
الاسم خطأ، مما يجعل التسمية " كبيري " أي الكبار أو العظماء . ولا يمكن
أن نكون التسمية بمعنى " الحلفاء " لأنها اسم شعب. كما تستخدم كلمة أخرى
بمعنى " حلفاء " في هذه الرسائل. ويتفق هذا التاريخ مع التاريخ الوارد
في العهد القديم لدخول العبرانيين إلى فلسطين . والاعتراض الوحيد على القول بأن
" العابيري " (الذين هاجموا عجلون ولخيش وأشقلون وغيرها من المدن) هم
العبرانيون، هو أن هذا الرأي يهدم نظرية " لبسيوس " والآراء المماثلة عن
تاريخ الخروج
.

(8) نص للملك منفتاح: وليس هذا هو الدليل الوحيد
الذي يرون أنه يهدم نظرية لبسيوس، لأن د. فلندرز بتري نشر نصا لا يقل أهمية، يرجع
إلى السنة الخامسة من حكم الملك منفتاح، حيث اكتشف في معبد طيبة (الأقصر) لوح من
الصخر الأسواني الأسود مأخوذ من معبد أمينوفيس الثالث وأعيد الحفر عليه، سجلت عليه
كتابة يفتخر فيها منفتاح بانتصاره على الغزاة الذين كما ذكر في موضع آخر هاجموا
الدلتا وتوغلوا حتى بلبيس وعين شمس . ويقول إن "سوتخ " (إله الحثيين)
أدار ظهره لهم، فقد تم طردهم والانتقام من " با كنعانا " انتقاماً
شديداً. والمعروف أن تلك البلدة كانت قريبة من صور وأنه " ضرب شعب إسرائيل
ولم يبق لهم نسلاً، وصار الروتبنيون أرامل في مصر ". وهكذا على عكس الزعم بأن
الخروج قد حدث في السنة الخامسة عشرة لمنفتاح نجد إسرائيل تذكر قبل ذلك بعشر سنوات،
مرتبطة بمكان بالقرب من صور، وكان الحثيون إلى الشمال منهم
.

ولو
افترضنا أن العبرانيين كانوا قد وصلوا لتوهم، لكان معنى ذلك أنهم قد غادروا مصر
قبل ذلك بأربعين سنة، أي في أثناء حكم رمسيس الثاني، ولانهدمت بذلك التواريخ
المختلفة التي يفترضها أتباع نظرية لبسيوس، بينما يتفق وجود " العابيري
" قبل اعتلاء منفتاح العرش بقرنين من الزمان، اتفاقاً تاماً مع هذه الإشارة
إلى إسرائيل، ومع تاريخ أزمنة العهد القديم أيضاً.

 

ثالثاً:
نظرية لبسيوس:

لابد
أن نذكر الأسباب التي يبني عليها لبسيوس نظريته، كما يجب مناقشة الاعتراض على
القول بأن سنة 1480 ق.م. (أو بعد ذلك بقليل) هي سنة دخول بني إسرائيل إلى أرض
كنعان. فكثيراً ما يقال إن القول بأن رمسيس الثاني هو فرعون الاضطهاد، وأن منفتاح
هو فرعون الخروج، إنما هو نتيجة سليمة وأكيدة للدراسات الأثرية مع أنها ليست في
الواقع كذلك، لأن الإشارات الأثرية الوحيدة إلى إسرائيل والعبرانيين تقتصر على ما
سبق ذكره.

(1)الحجة الأولى: مدينة رعمسيس: فيعتقد لبسيوس أنه
لم يكن ممكناً لليهود أن يبنوا مدينة تسمى " رعمسيس " قبل حكم رمسيس
الثاني. وقد حدد لبسيوس موقع المدينة في هيروبوليس، وهذا افتراض مشكوك فيه جداً،
ولم يعد تحديد لبسيوس لموقع تلك المدينة مقبولاً الآن. كما أن هناك دليلاً يهدم
هذه النظرية يبدو أنه تجاهله وهو أن
" أرض رعمسيس " قد ذكرت في أيام
يعقوب (تك 47: 11). وحيث أنه من المستحيل الزعم بأن يعقوب عاش في زمن رمسيس الثاني،
فإن مؤيدي نظرية لبسيوس مضطرون إلى اعتبار هذه الإشارة مفارقة تاريخية، مما يهدم
نظريتهم، إذ يحتمل على هذا القول أن يكون ذكرها في قصة الخروج من هذه المفارقات
التاريخية.

(2)الحجة الثانية: أقوال مانيتون: تعتمد الحجة
الثانية على رواية مانتيون عن طرد قبائل البرص والنجسين من مصر. كان مانتيون
كاهناً مصرياً وقد كتب في عام 268 ق.م. تاريخ مصر، ومن الواضح أنه كان يكره اليهود
. وقد وصلنا ما كتبه مانتيون بطريق غير مباشر عن طريق يوسيفوس . ولقد رفض يوسيفوس
اليهودي تلك الرواية باعتبارها قصة خرافية .وقد قال مانيتون إنه بعد أن حكم
الهكسوس مصر نحو 511 عاماً، وحصنوا أواريس (هوارة). اتفقوا مع " تموزيس
" على أن يغادروا مصر وقصدوا أورشليم عبر الصحراء لخوفهم من الأشوريين (الذين
لهم نفوذ في أورشليم في ذلك الوقت). ويواصل مانيتون روايته بأنه بعد أن حكم "
أرمسيس ميامون " (رمسيس الثاني) مصر لمدة ستة وستين عاماً، خلفه في الحكم
أمينوفيس الذي قال عنه يوسيفوس إنه ملك خيالي، وهو على حق في ذلك لأن هذا الاسم لا
يظهر مطلقاً بين ملوك الأسرة التاسعة عشرة ويبدو أن المقصود به هو منفتاح ولعله
كان يخلط بينه وبين أمينوفيس الثاني . وقال مانيتون إنه أرسل البرص إلى المحاجر في
شرقي النيل، لكنه سمح لهم بعد ذلك بالإقامة في " أواريس " حيث كان يقيم
الرعاة، وقد أغراهم أحد كهنة هليوبوليس واسمه " أوسرسيف" بأن يتخلوا عن
آلهة المصريين. وقال مانيتون إن " أوسرسيف " هذا هو نفسة موسى. وهؤلاء
بدورهم أغروا الرعاة الذين طردهم " تموزيس " بالعودة من أورشليم إلى
أواريس، فهرب أمينوفيس إلى ممفيس واثيوبيا، ثم أرسل ابنه " رمسيس "
(ولعله يقصد رمسيس الثالث) بعد ذلك ليطرد الرعاة والشعب النجس، فقابلهم عند البلوزيوم
وطاردهم حتى سورية.

ويكذب
يوسيفوس هذه الرواية قائلاً: " لذلك أعتقد أنني قد أوضحت بدرجة كافية أن
مانيتون، وهو ينقل عن سجلاته القديمة لم يخطئ كثيراً في حق التاريخ، إلا أنه عندما
لجأ إلى قصص خيالية ليس لها كاتب معين، فإنه إما زيفها بنفسه بدون أي سند، أو أنه
صدق الذين أشاعوا هذا بدافع من مقاصدهم الشريرة تجاهنا. وهذا نقد أصدق من نقد
ليبسوس، الذي تجاهل السجلات العبرية القديمة الموجودة في الكتاب المقدس، مفضلاً
عليها كلاماً مغرضاً قاله كاهن مصري قديم منحاز، من القرن الثالث قبل الميلاد،
يطابق فيه ما بين موسى وبين كاهن خائن من كهنة هليوبوليس اسمه " أوسرسيف
".

(3) علاقة رواية مانيتون بالخروج: ثمة خيط من الصدق
في روايات مانيتون، لكن لا علاقة لها بالخروج، كما لا تتفق رواية مانيتون مع
التفاصيل المنقوشة على الآثار المصرية، فلم يحدث أن قام ملك اسمه تموزيس بطرد
الهكسوس من مصر . لكن الذي طردهم هو أحمس الذي استولى على " اواريس " في
نحو 1700 ق.م. كما أعاد فتح محاجر جبال الصحراء الشرقية . لقد قامت القبائل الآرية
من الشمال بمهاجمة مصر في 1265 ق.م. في عهد منفتاح، وهؤلاء لا علاقة لهم بالهكسوس
لأنهم كانوا ليكيين وسارديين وكيليكيين، وقد طردهم منفتاح من مصر، لكنهم عادوا
وهاجموا رمسيس الثالث في عام 1200 ق.م. فأرغمهم مرة أخرى على الارتداد للشمال. ولم
يرد ذكر لإسرائيل فيما يتعلق بأي من هذه الأحداث
.

(4) كتَّاب يونانيون ولاتينيون: كرر بعض الكتَّاب
اليونانيين قصة اليهود المصابين بالبرص، فيقول " كيريمون
" (Cheremon) إن رمسيس
ابن امينوفيس هزم جماعة من الناس السقماء المصابين بأمراض وطردهم، بعد أن كانوا قد
هاجموه عند البلوزيوم بقيادة " تيستين
" (Tisithen) وبتسيف (Petesiph)
الذين قال عنهما إنهما موسى ويوسف. وقال " ليسماخوس " إن
موسى قاد شعباً أجرب عبر الصحراء إلى اليهود وأورشليم في عصر بوكوريس (في 735 ق.م.
).

ويكرر
ديودور الصقلي نفس القصة (نحو 8 ق.م.) حيث قال إن أناساً مصابين بالبرص، قد طردوا
من مصر تحت قيادة موسى الذي أسس أورشليم، ووضع أسساً وشرائع لكل عادتهم وممارستهم
الشريرة . ويكرر القول " إن غرباء في مصر أحدثوا وباء لنجاستهم، وكانوا تحت
قيادة موسى عندما طردوا منها
.

واعتقد
تاسيتوس

(Tacitus) في 100 م، أن اليهود هربوا من كريت
إلى ليبيا، وعند طردهم من مصر كانوا تحت قيادة اثنين هما أورشليم و يهوذا. ثم يعود
ويقول إنه حدث وباء في مصر في أيام بو كوريس (735 ق.م.) فطرد المصابين الذين كانوا
بقيادة موسى، فوصلوا إلى معبدهم في اليوم السابع
.

(5) حالة مصر في عهد منفتاح: وليس من المحتمل في هذا
العصر أن يفضل ناقد مخلص هذه الروايات المشوهة عن الخروج، أو افتراءات اليونانية
والرومانية التي يزيفونها ضد اليهود المكروهين، على الرواية البسيطة للخروج كما
وردت في الكتاب المقدس، فقد كانت الظروف التاريخية في السنة الخامسة لمنفتاح جد
مختلفة عن تلك التي كانت في أيام موسى، فقد وصل الغزاة لمصر إلى بلبيس وهليوبوليس،
ويقول منفتاح في ما كتبه على جدران معبد آمون في طيبة، إنه اضطر أن يدفع عن
هليوبوليس وممفيس ضد أعدائه الوافدين من الشرق، و " لم تكن المنطقة مزروعة في
ذلك الحين، بل تركت للرعي بسبب الأجانب، وظلت مجدبة منذ أيام أجدادنا، وظل ملوك
مصر العليا داخل حصونهم بينما كان المحاربون يحاصرون مصر السفلي في مدنهم، ولم يكن
هناك مرتزقة للمقاومة، بينما كان الإسرائيليون كما يقول منفتاح في فلسطين لا في
مصر في تلك السنة من حكمه، وبدلاً من الرغبة في طرد شعوب الرعاة الأسيويين، فإنه
هو نفسه شجع هجرتهم إلى منطقة جاسان الجرداء من جرَّاء غارات الآريين
.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر ملاخى 00

(6) شرح أقوال منفتاح: تتطلب الاعتراضات على الرأي
بأن الخروج قد تم قبل أن يبدأ حكم منفتاح بقرنين ونصف قرن، والمحاولات التي بذلت
لشرح النقوش الموجودة على آثاره، بعض الملحوظات:

(أ)هل فيثوم هي هيروبوليس؟: يرجع أول الاعتراضات إلى الاعتقاد بأن فيسوم
هي هيروبوليس، وأن الذي أسسها هو رمسيس الثاني، إلا أن هذا استنتاج لا يقوم على
أساس، ويكفي لإهمال تاريخ العهد القديم الذي يتصل بذلك، حيث أن موقع هذه المدينة
ما زال يحيط به الكثير من الشك
.

(ب) عدم ذكر رمسيس الثاني في سفر القضاة: هناك اعتراض آخر وهو أن
العهد القديم يبدو في جهل تام بتاريخ مصر لو أنه اعتبر رمسيس الثاني معاصراً لسفر
القضاة دون أن يرد له ذكر في ذلك السفر. لكن إشارات العهد القديم للتاريخ الأجنبي
نادرة جداً على الرغم من احتمال وجود بعض التلميحات في هذا السفر إلى الأحداث التي
وقعت في أيام حكم رمسيس الثاني ومنفتاح . لقد كان وجود العبرانيين حينئذ منحصراً
في الجبال (قض 1: 19). بينما كان المصريون في السهول . كما أنه لم يذكر في العهد
القديم أي فرعون بالاسم حتى عصر رحبعام . وفي السنة الثامنة من حكم رمسيس الثاني
أخذ مدناً مختلفة في الجليل تشمل ساليم (شمالي تعنك)، وميروم وبيت عناة، وعانيم
ودابور (الدبرة على سفح جبل تابور). وربما قامت ثورة باراق في السنة الخامسة
والعشرين من حكم رمسيس الثاني، وابتدأت من جبل تابور . وفي ترنيمة دبورة (قض 5: 2)
يمكن أن كلماتها الأولى: " لأجل قيادة القوات " أو كما جاءت في الترجمة
السبعينية: " عندما حكم الحكام " تترجم بمعنى: " عندما كان
الفراعنة أقوياء" وبخاصة أن " سيسرا " قائد القوات الكنعانية، يحمل
اسماً يغلب أنه مصري الأصل (أي " سيس رع " بمعنى " خادم رع ")
. ولعله كان أحد المصريين في بلاط يابين. وعندما قال منفتاح في عام 1256 ق.م.: "لقد
ضرب إسرائيل ولم يبق لهم نسلاً "، لعله كان يشير بذلك إلى زمن جدعون عندما
صعدت جماعات من العتاة الجبابرة وزحفت كالجراد على السهول: " ينزلون عليهم
ويتلفون غلة الأرض إلى مجيئك إلى غزة، ولا يتركون لإسرائيل قوات الحياة (قض 6: 4)
ولعل الميديانيين والعمالقة تحالفوا في ذلك الوقت مع القبائل الوافدة من أسيا
الصغرى وهزموا الحثيين وغزوا الدلتا في السنة الخامسة لمنفتاح.

(ج) بعض العبرانيين لم يكونوا قط في مصر: هناك تفسير آخر لوجود
إسرائيل في تلك السنة في أثناء تعقب منفتاح لهذه القبائل بعد هزيمته لهم، أي أن بعض
العبرانيين لم يذهبوا قط إلى مصر. وهذا يتناقض تماماً ما جاء في التوراة (خر 1: 1
– 5، 12: 41) حيث نقرأ أن جميع أفراد عائلة يعقوب (المكونة من سبعين نفساً) نزلوا
إلى أرض جاسان وأن " جميع أجناد الرب خرجت من أرض مصر " (خر 12: 41) عند
الخروج بقيادة موسى. لكنهم يؤيدون رأيهم بفقرة جاءت في سفر أخبار الأيام حيث نقرأ
عن أبناء أفرايم الذين " قتلهم رجال جت المولودون في الأرض لأنهم نزلوا
ليسرقوا ماشيتهم " (1 أخ 7: 21) ولكننا نعلم أن أفرايم ولد في مصر (تك 41: 52)
وظل أولاده حتى الجيل الثالث مقيمين هناك (تك 50: 23). ولا شك في أن المعنى
المقصود هو أن رجال جت أغاروا على جاثان. والأرجح أنه حدثت غارات كثيرة، مثل هذه
قام بها سكان فلسطين في عهد ملوك الهكسوس تشبه تلك التي حدثت في أيام كل من منفتاح
ورمسيس الثالث
.

وهكذا
تتضاءل الاعتراضات الموجهة ضد تحديد تاريخ الخروج في العهد القديم، في أوائل حكم
أمينوفيس الثالث أو في عهد سلفه تحتمس الرابع. فقد كانت حالة مصر قبل السنة
الخامسة من حكم منفتاح تختلف عنها في زمن الخروج. وما نظرية " لبسيوس "
سوى مجرد تخمين لا يقوم على أساس من السجلات الأثرية التي اكتشفت في القرن العشرين
.

رابعاً:
الأرقام المذكورة في الخروج:

(1) نقد " كولنسو " (Colenso) للأرقام
الكبيرة: لا تكمن الصعوبة التاريخية بالنسبة للخروج في وصف الضربات التي كثيراً ما
تحدث طبيعياً في مصر حتى الآن، ولا في عبور البحر الأحمر، لكنها تكمن في موضوع
" عدد " بني إسرائيل حيث نقرأ أنهم كانوا " نحو ستمائة ألف ماش من
الرجال عدا الأولاد.. ولفيف كثير أيضاً " (خر 12: 37)، ولم يذكر عدد النساء.
ومن المفروض أن هذا العدد يمثل جمهرة من الناس تقدر بنحو مليوني مهاجر على الأقل.

لقد
أثار " فلتير " هذا الاعتراض، ثم درس كولنسو النتائج باستفاضة، ويقول
أنه حتى لو كان العدد " ستمائة ألف " يقصد به المجموع الكلي للمهاجرين،
لكان عدد الأبطال أو " الرجال المشاة الأقوياء " في مثل عدد الجيش
الآشوري الكبير الذي فتح سوريا (مائة وعشرين ألف رجل).

وبجيش
يزيد على نصف المليون محارب، كان في وسع موسى أن يسيطر على مصر وفلسطين أيضاً،
ولغطى المهاجرون وهم متراصون في طابور متلاحم مسافة تزيد عن العشرين ميلاً طولاً،
ولكان هناك مولود كل عشر دقائق ولكان التجمع أمام جبل سيناء أمراً مستحيلاً
.

(2) زيادة السكان: من الصعب أن نفترض على أساس
الحسابات العادية لزيادة السكان أنه في خلال 430 سنة (خر 12: 40) أو 215 سنة، كما
جاء في الترجمة السبعينية، أن تتزايد جماعة مكونة من سبعين نفساً (تك 46: 26 و 27،
خر1: 5، 6: 14) لتصل إلى ستمائة ألف أو حتى مائة ألف رجل. إلا انه من ناحية أخرى،
يقول سفر الخروج: " وأما بنو إسرائيل فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيراً
جداً وامتلأت الأرض منهم "(خر 1: 7، تك 47: 27
).

إن
أمة فتيه قوية قد تتكاثر بشكل أسرع مما هو عليه الحال الآن في الشرق. وقد اقترح د.
فلندرز بتري أن الكلمة المترجمة " ألف" يجب أن تقرأ
" أسرة أو
عشيرة "، أي أن المهاجرين كانوا ستمائة أسرة، ولكن رغم أن كلمة "
ألف" في العبرية قد تحمل هذا المعنى أحياناً (قض 6: 15)، إلا أنها ولدت في
صيغة المفرد وليس في صيغة الجمع في هذه الفقرة موضوع البحث (خر 12: 37
).

(3) الأرقام تعرضت للاختلاف: يجب ألا ننسى أن
الاختلافات

في
الأرقام أمر شائع في الترجمات المختلفة وفي الفقرات المتناظرة في أسفار العهد
القديم. فعلى سبيل المثال: ذكر أن عدد المركبات في صموئيل الأول (13: 5) هو ثلاثة
آلاف مركبة في الترجمة السبعينية . كما تذكر الترجمة السبعينية عشرين ألف كر زيت
(1 مل 5: 10) مقابل عشرين كر زيت فقط في النص العبري
.

وقد
يكمن السبب في هذه الاختلافات، في حقيقة أن الوثائق الأصلية ربما استخدمت علامات
للدلالة على الأرقام، كما كان يفعل المصريون والآشوريون والحيثيون والفينيقيون،
بدلاً من كتابة الأعداد أو الأرقام بالحروف كاملة كما هو الحال في العهد الجديد.
وكانت هذه العلامات الرقمية وبخاصة في الكتابة المسمارية معرضة للخطأ في القراءة،
كما كانت العلامة الدالة على رقم " الواحد " يمكن بسهولة الخلط بينهما
وبين العلامة الدالة على رقم " ستين " (وهو وحدة الأرقام البابلية). ولو
أضيفت إلى الإشارة أو العلامة الدالة على " الواحد " شرطة صغيرة لصارت
شبيهة بالإشارة الدالة على رقم " المائة
".

وفي
رأينا أن المشكلة ترجع إلى تعرض العبارة الأصلية للخطأ في النقل من مخطوطة إلى
أخرى على مدى خمسة عشر قرناً أو يزيد.

(4) نظرة عامة: إن المسائل العامة المتعلقة بمصداقية
الناحية التاريخية لأحداث الخروج المسجلة في التوراة، قد ثبت أنه ليس فيها ما
يتعارض مع أحداث الاكتشافات الأثرية. ولم توجد حتى الآن أي إشارة في الآثار
المصرية إلى تواجد بني إسرائيل في الدلتا، إلا الإشارة إلى أن العبرانيين كانوا في
فلسطين قبل السنة الخامسة من حكم منفتاح. وكقاعدة عامة، كان الفراعنة كسائر الملوك
لا يسجلون سوى انتصارهم، وقد اعتبروا بلا شك أن الإسرائيليون ليسوا سوى قبيلة من
" البدو المعادين" (شاسو) الذين تم طردهم من البلاد إلى أسيا على يد
ملوك طيبة من الأسرة الثامنة عشرة. فمن الطبيعي – إذاً – ألا يرد ذكر كارثة – مثل
كارثة البحر الحمر – في سجلات أمجادهم التي ما زالت منقوشة على جدران المعابد في
مصر.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي