خصومة

Proces

مقدمة

أولاً:
الخصومة بين الله وشعبه في العهد القديم

1. الخاطئ في خصومة مع الله:

2. الله في خصومة مع شعبه:

3. أيوب في مخاصمة مع الله:

ثانياً:
في يسوع المسيح يُنهي الله الخصومة

ثالثاً:
قضية يسوع

 

 

مقدمة

إن
كانت الخصومة تحتل مكاناً هاماً في الكتاب المقدس وإذا كان الله كثيراً ما يظهر في
شتى الأدوات بمثابة مدعى عليه أو قاض أو مدّع أو محام؟ فليس معنى ذلك أن إسرائيل
كان ميالاً للمنازعات والمخاصمات بصورة ملحوظة " شأن أي شعب آخر، فذلك لأن
إله الكتاب يبغي البرارة والعدل والحق.

فالله
ينتظر من الإنسان الذي خلقه على صورته أن يبدي نحوه عرفاناً بالجميل مع الشكر،
وتجاوباً في الخزية، ووحدة اتحاد في الحقيقة. وحتى بعد السقطة، لا يقطع الله أمله
ورجاءه من قلب الإنسان خليقته، ومن عقله. وقبل أن يضطرّ إلى رفضه، يستنفد أولاً كل
وسيلة في سبيل متابعته، وإذا ما اضطرّ إلى القضاء عليه، فلن يكون ذلك قبل أن يسمعه،
وإنما بعد أن يقنعه بأنه على ضلال، وأنه تعالى على حق ". وإذا ما انتصر الله،
فلن يكن ذلك إلا بقوة الحقيقة وحدها.

فالخصومة
تفترض قيام نزاع وخصام بين الأطراف، كما تفترض أيضاً، حداً أدنى من التفاهم حول
بعض المبادئ الأساسية. فما دامت الخصومة قائمة، لم يفصل فيها بعد، يبقى الأمل في
الصلح. وحتى بعد قرار الفصل فيها، تظل أضواء المناقشات السابقة قائمة،
فيضطر"كل فم إلى السكوت "(رومة 3: 9)، فيظهر بوضوح عدل الله وبره
.

إن
العهد القديم، أي دستور العهد والصلة التي يقيمها، يتخلله الجدال الذي يدور بين
الله وشعبه. ومجيء يسوع المسيح يضرب حداً للجدال، بمبادرة فريدة من جانب الله.
ففيما هو يُخزيَ الخطيئة؟ يفرض كل الخاطئين أن يتبرروا لمجرد انضمامهم إلى ابنه
بالايمان.

هذا
الانقلاب الطارئ يفتح مرحلة جديدة: فبعدها، إنما حول قضية يسوع، ويجسب الدور الذي
يتخذه، تدور خصومة الإنسان أمام الله.

أولاً:
الخصومة بين الله وشعبه في العهد القديم

1. الخاطئ في خصومة مع الله:

إن
الدخول في مخاصمة الله، وتوجيه شبهة الكذب أو الشر إليه هو التجربة الأساسية، التي
تلمح بها الحية تلميح القلب حواء: "كلا! لن تموتا! " إن الله يسخر منكما
(تكوين 3: 3-5)، وهو أول رد فعل لآدم الخاطئ: "المرأة التي جعلتها معي 000
" إن كل الشر يأتي منك (3: 12)، وهي خطيئة إسرائيل المستمرة في الصحراء،
فينسى أن الرب إلهه هو الذي خلصه من مصر، ويثير شكاً في قدرته تعالى وأماتته.

ن
حادث "مريبا""، عند الخروج من البحر الأحمر (خروج 17: 17 واسم
العَلَم يبعث أصل اسم "ريب "، منع الخصومة) لينبئ بجميع انحرافات
"الجيل المتقلب " (تثنية 20: 32). وبكل الدعاوى المقامة على الله من
جانب شعبه (إرميا 2: 29). فالأمر يتعلق دائماً بالإيمان: فمن يرفض الإيمان يدعي
حقا لذاته في مواجهة الله. ويثير جدلاً حول الله نفسه، ويُجرَبه.

2. الله في خصومة مع شعبه:

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب برنيكي ي

لا
يستطيع الله أن يحتمل مثل هذا التعرض للجدل، وصمة تلحق بحبه. فهو بدوره "يدخل
في خصومة" مع إسرائيل (هوشع 4: 1، 12: 3، إشعيا 3: 13، ميخا 6: 2، إرميا 2:).
وتفترض الخصومة، تبعا للتقليد النبوي، قيام العهد أساساً مع الأدلة التي يقدمها
للإيمان: فالله يدخل في خصومة مع مختاريه.

ومع
ذلك، فإنه على قدر ما يظهر العهد بمثابة المركز بالنسبة إلى العالم، يتسع مجال الخصومة،
التي تصبح "خصومة الأممِّ " (إرميا 25: 31)، ثم خصومة في مواجهة كل
الآلهة الكاذبة (إشعيا 41: 21- 24، 43: 8- 13، 44: 6- 8
).

إن
الخصومة هي جدال علني، في أوسع إطار و أبعد مدى، في "الجبال والروابي،
وأساسات الأرض" (ميخا 6: 1- 2، راجع مزمور 50: 4)، والعالم أجمع يدعى للشهادة
وكذلك قيدار وجزر كتيم (إرميا 2: 10)، سواء بسواء مع أول عابر سبيل قادم من
أورشليم أو يهوذا (إشعيا: 5: 3
).

فالله
يظهر مصطحباً شهوده (إشعيا 43: 10، 44: 8)، بمثابة موجه للإتهام (مزمور 50: 7 و21،
هوشع 4: 1- 5)، ولكن أيضاً كغريم لا حيلة له وقد استنفد كل الوسائل الأخرى (ميخا 6:
30- 4، إرميا 2: 9 …، إشعيا 43: 22- 25). إنه يدعو إسرائيل ليقدم حججه (إشعيا 1:
18، 43: 26، ميخا 6: 3). ولكنه لا ينال سوى التنكرات الكاذبة (إرميا 2: 35). ولا
يستطيع امرؤ أن يأتي الله بإجابة، "إن حياً ممالا يستطيع أن يتبرر" أمامه
(مزمور 143: 2). ومن ثم فلا يبقى له إلا أن بقضي بالحكم، وهو لا يكون إلا قضاء
بالإدانة (هوشع 2: 4، 4: 1- 2، إرميا 2: 9 و 29)، فيُظهر أنه هو وحده الذي يستطيع
أن يتكلم، وأن الحق كله بجانبه (إشعيا 41: 24، 43: 2 1- 13، 44: 7، مزمور 50: 7
و21، 51: 6
).

ومع
ذلك فإنه في قلب الإدانة ذاتها، نلمح مع ذلك وجهاللتظلم، ينبئ بتحول جذري: "تعالوا
نتحاجج … إنه ولو كانت خطاياكم كالقرمز، تبيضّ كالثلج" (إشعيا 1: 18، راجع
هوشع 2: 16- 25
).

3. أيوب في مخاصمة مع الله:

لا
بد من الاعتراف بأنه إذا كان توجيه إتهام لله هو الخطيئة الرئيسية، فإنه مع ذلك
تجربة، وإن لم يكن لها ما يبررها، فهي على الأقل لا مفرّ منها أمام طرق الله التي
نعجز عن تفسيرها. أفلا يدفع الألم والشر في العالم إلى الدخول في مجادلة مع الله؟

إن
وضع أيوب هو نموذج للتجربة؟ التي تذهب إلى أبعد حد، كما أن كل كتابه الشعري لا
يبدو سوى مخاصمة موجهة لله. فإذا كان من الله يأتي كل الشر الذي يقاسيه أيوب (أيوب
6: 4، 10: 2، 16: 12، 19: 21)، أفلا يكون على الله أن يبرر ذاته؟

لا
يجهل أيوب أنه من الوهم أن يتخيّل أنه صاحب حق في مواجهة الله (9: 1- 13). ولكن لو
كان في مقدوره أن "يدافع عن نفسه (9: 14)، "ويبرر سلوكه أمامه "
(13: 21)، أو أن يظهر فقط أمامه، لعلم أنه حينذاك ينتصر في دعواه (23: 3- 7)، وأن
محاميه… سيكون إلى جانبه، (19: 25-27
).

تلك
هي لغة الخصومة وأسلوبها، ولكنّ أيوب في الواقع، يتوقف عند اللحظة بالضبط التي
توشك فيها شكواه أن تصبح مخاصمة، وتساؤله اتّهاماً. إنه لا يستطيع أن يفهم الله،
وهو لا يستسلم لتجربة اتهام الله!، بل بالعكس يؤكد أن الله بجانبه، وأما هو فيظل
عبده.

هل تبحث عن  بدع وهرطقات بدع حديثة شهود يهوه شهود يهوه أعداء الله 12

فمن
البديهي أن يطرح الإنسان على الله مثل هذه التساؤلات الرهيبة (راجع إرميا 12: 1).
ولذا فإن أيوب لم يخطئ إذ أثارها، ومع ذلك فإن عليه أن يتعلم كيف يستبعدها عن
تفكيره. فالله ذاته يتدخل، فيدرك الإنسان ضلاله، فيسحب كل تأولاته (42: 6): ودون
ما حاجة إلى قضاء بأي حكم، يكفيه أن الله سيكون حاضراً حتى يكون لكل أمر تفسيره.

ثانياً:
في يسوع المسيح يُنهي الله الخصومة

إن
الخصومة التي أثارتها خطيئة الإنسان، وساقها الله وعدالته، لتجد في يسوع المسيح
نقطة ختامها. فيأتي الحل الإلهي إعجازاً في الجرأة، ومع ذلك يحترم احتراماً دقيقاً
متطلبات العقل والحق، التي بدونها لا يكون للخصومة معنى. فالخطيئة مقضَي عليها دون
تظلَم أو مساومة، لأنها في كل صورها وفي ظل كل الأنظمة، سواء في الوثنية أم في
اليهودية، تبدو نجاة المسيح بمثابة الشر الذي ليس بعده شر، والتجاهل الجنري لله،
وفساد للإنسان لا مرد له (رومة 18: 1 إلى 3: 20
).

إن
القداسة التي ظهرت في إنجيل يسوع المسيح تميط اللثام عن الكذب المتخفي في القلوب
(3: 4)، ويضطر كل فم إلى السكوت (3: 19)، وتعلن ببهاء نصر الإله الحق (3: 4
).

غير
أن هذا النصر هو، في الوقت نفسه، خلاص الإنسان. فالخاطئ الذي يفشل في خصومته
فيتقبل الهزيمة، ويعدل عن الدفاع عن برّه الخاص (فيلبي 3: 9)، ويؤمن بالغفران
وبالنعمة، وببر الله وعدالته في يسوع المسيح. ينال تبريره بذلك فوراً (رومة 3: 21-
26)، ويسترد قيمته وقدره أمام الله.

إن
الإيمان بيسوع المسيح، وبما لموته من قدرة خلاصية، لهو في الواقع وبذات الفعل،
إنكار لخطيئتنا الخاصة، المسببة لهذا الموت، واعتراف بأننا محل محبة لا تدرك، من
قبل إله يمكنه أن يبذل ابنه الوحيد في سبيل أعدائه (رومة 5: 6- 10، 8: 32). كما
أنه يعني أيضاً العدول عن الدفاع عن الذات، وعن مخاصمة الله، من أجل الإستسلام
الكامل للحب، مع رفع الشكر. وعلى هذا النحو تنتهي المخاصمة بمصالحة كلية.

ثالثاً:
قضية يسوع

لا
تتم هذه المصالحة إلا بالإيمان، ومحل هذا الإيمان هو المسيح في موت وفي قيامته.
على أنه للتغلب على الإنتفاضة التلقائية، التي تدفعنا إلى اتهام الله، لا بد لنا
من أن نتعرف في يسوع على الابن الحبيب، الذي بذله الآب من أجلنا.

ولكن
رد فعل الخاطئ يكون بأنه يرفض سخاء الله، وينبذ ذاك الذي أرسله، وأنه يرى في
العلامات التي يقدمها عن رسالته، تجاديف. هذا وإن القضية المقامة من قيافا
والمطروحة أمام كل محاكم أورشليم، هي النموذج الكامل للخصومة التي يثيرها الإنسان
إزاء الله، ابتداء من الخطيئة الأولى. والخاطئ إذ لا يمكنه أن يثق في الله، يقلب
ضده رأساً على عقب، كل مآثر الحب التي ينالها منه.

1. إن كل القصص الواردة في الإنجيلجيل حول آلام
المسيح تركز في طرح هذا السؤال الحاسم: تَرى، هل يسوع هو المسيح، المرسل من الله
مكلفاً بخلاص العالم (متى 26: 63//، 27: 11//، يوحنا 9 1: 7)؟

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أنطيوكس أنطيوخس س

إنها
جميعاً تُبرز، في يسوع، يقيناً بأن ارتباطه بالله برباط وثيق، لا تستطيع أية قوة،
لا قوة البشر، ولا قوة الموت، أن تفصم عراه. كما أنها تبرز، لدى خصومه، قيام رفض
للحقيقة رفضاً واعياً، يتمثل في شهادات الزور الواردة في قضية اليهود (متى 26: 59)،
وفي الجبن المخيم على بيلاطس (21: 18 و 24)، وفي زهو هيرودس الباطل (لوقا 23: 8-
11)، وفي تفضيل برأبا (لوقا 23: 25)، ولكن أيضاً مع التماس العذر (لوقا 23: 34،
أعمال 3: 24) عن وضع يسلّم فيه الله بابنه اختياراً ويتركه (أعمال 2: 23، متى 27: 46)
لسلطان الخطيئة (لوقا 22: 53، يوحنا 14: 30- 31، 2 كورنتس 5: 21
).

2. ويحدد إنجيل يوحنا بدقة أكبر الطابع النموذجي في
قضية يسوع. فهي تتداول طوال حياته العامة؟ حيث إنه ابتداءً من أول معجزة في
أورشليم، "يسعى اليهود في مشاغبة على يسوع (يوحنا 5: 16)، ويتربصون مسبقا
لقتله (5: 18، راجع مرقس 3: 6). وكل المجادلات تتعاقب ما بين "اليهود"،
وتكون بالنسبة إلى يسوع أشبه بالتحقق في قضية، حيث يقدم شهادته وشهادة يوحنا (5: 33)
وأدلته الخاصة وأعماله، فكلها تشكل في النهاية الشهادة الوحيدة التي يريد الارتكاز
عليها، ألا وهي شهادة الله (5: 31- 37، 8: 13- 18)0 إن محور هذه القضية هو بالضبط
محور الأناجيل الإزائية، شخصية يسوع المسيا والإله، وصفته ابن الله (5: 18، 8: 25-
27، 10: 22- 38، 9 1: 7
).

3. إن مراجعة قضية يسوع هي أول عمل علني قامت به
الكنيسة، ولسوف يظل موضع رسالتها على الدوام. فالله إذ أقام يسوع من بين الأموات،
قد أظهر بطريقة علنية وجه العدالة في قضيته، وأخزى أعداءه، بل وجعل ذاك الذي كانوا
قد حكموا عليه بالموت "سيّداً ومسيحاً" (أعمال 2: 36
).

ومع
ذلك، فإن الله إذ جعل من هذه القيامة، بدلاً من استعراض للقوة، دعوة للإيمان
والاهتداء، يظهر أن نصره إنما هو النصر بالصفح. وهذا الإعلان المزدوج، بنصر الله
على الخطأة، وبالخلاص الذي يأتي به هذا النصر للخطأة، هو الموضوع الأساسي في كرازة
الكنيسة الناشئة (أعمال 2: 36 و 38، 13: 3 و 19، 10: 4 و 12، 30: 5- 31، 10: 39-
40 و 43). وهو ما يتفق تماماً مع لاهوت بولس الصريح في رسالته إلى أهل رومة.

تلك
هي الشهادة التي على المسيحي أن يؤديها للعالم. إن رسالته أسوة برسالة الرسل في
أورشليم، تقوم على أن يُظهر للعالم وجه ظلمه في عدم كفه عن توجيه الخصومة ضد الله
وضد المسيح.

ومن
البديهي أن يُقاد المسيحي أمام المحاكم، وأن يتهم ويُسلّم من الأقارب (مرقس 13: 9-
3//)، وأنه لا مفر من أن يُبغض العالم تلاميذَ المسيح ويضطهدهم (يوحنا 15: 18-20)،
وأن تكون كل حياتهم عرضة لنظرة العالم المجرّدة من الرحمة (1 كورنتس 4: 9). ولذا
ينبغي لهم أن "يكونوا أبداً مستعدين لأن يجيبوا على كل من يطلب منهم دليلاً
على ما هم عليه من الرجاء" (1 بطرس 3: 15
).

إلاّ
أن هذه القضية ليست هي قضيتهم، بل قضية السميح المستمرة، والتي عليهم أن يشهدوا
لها. ولذا إن شهادتهم ليست صادرة عنهم، بل هي صادرة عن الروح القدس (مرقس13: 11)،
فالبارقليط، كمحام لا يهزم، " سيخزي العالم "، بواسطة كلامهم وحياتهم،
كاشفاً بوضوح أمام أعين المؤمنين أن قضية العالم غير عادلة، وأن يسوع المسيح بار
(يوحنا 16: 8- 11
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي