دينونة

Jugement

مقدمة

العهد
القديم

أولاً:
قضاء الله في التاريخ

ثانياً:
الدينونة في آخر الأزمنة

العهد
الجديد

أولاً:
الدينونة في الأناجيل

1. في الأناجيل الإزائية:

2. يتوسع إنجيل يوحنا:

ثانياً:
الدينونة في الكرازة الرسولية

 

 

مقدمة

إن
انتظار عودة المسيح كديّان للأحياء والأموات هو جزء لا يتجزأ من قانون الإيمان
المسيحي. فكل إنسان سيظهر أمامه، ليقدم حساباً عن أعماله.

إن
هذا الموضوع ليس بموضوع استثنائي في تاريخ الأديان: فمصر أيضاً، واليونان، كانتا
تعرفان "دينونة الأموات
".

إلاّ
أن كيفية تصور العهد الجديد لهذا القضاء الذي يصدر عن المسيح في اليوم الآخر، لا
تُفهم إلا اعتماداً على ما توصل إليه مفهومه فيما سبق. فدينونة الله، في العهد
القديم، كانت قد ثبتت كقضية إيمانية: فالتاريخ كان يقدم عنها مجموعة كبيرة من
الأمثلة الواقعية، وكان التعليم عن الأزمنة الأخيرة يفترض تحقيقها بصورة جلية.

العهد
القديم

إن
اللفظ الأصلي "شافاط" الذي يلي عادة "حكم" يحتمل معنى موسعاً:
"فالشوفيط" هو الحاكم الذي يسوس شعباً ما (راجع دانيال 9: 12). هكذا كان
حكام قرطاجنة، وكذلك قضاة إسرائيل، منذ غزو أرض الميعاد إلى عهد الملكية (راجع
قضاة 2: 16
).

إلاّ
أن إحدى الوظائف الهامة لكل الحكام تقوم خاصة على البت في النزاعات لكي تسود
العدالة في المجتمع، وعلى إصدار الأحكام "ميشياط " التي تُحدِّد حق كل
واحد، وتعيده عند الضرورة، في حالة الاعتداء عليه، بإدانة المعتدي.

فعمل
القضاء هذا، المعبّر عنه تعبيراً يوازي الأصلين "شافاط"
و"ديْن" قد مارسه موسى والشيوخ معاونوه (خروج 18: 13- 26)، وصموئيل (1
صموئيل 7: 16- 8: 3)، والملوك (2 صموئيل 15: 1- 6، 1 ملوك 3: 16- 28)، وبعض القضاة
المحليين، ولاسيما الكهنة (تثنية 16: 18 – 20، 17: 8- 13
).

على
أنه بالرغم من القواعد المبينة في التشريع، فإننا عملياً بعيدون عن أن نرى دائما ًالأخطاء
تُقوَّم، وحقوق الفرد تُحترَم، والعدالة تأخذ مجراها بدقه.

إلاّ
أن هذا يبقى المثل الأعلى الذي لا تخلو منه أبداً الصورة في رسم ملامح المسيح
الملك (مزمور 72: 1- 2، إشعيا 11: 3- 4، إرميا 23: 5)، وفي الإشارات إلى شعب
الأزمنة الأخيرة (إشعيا 1: 17- 26). ويستلهم مدونو الكتاب المقدس هنا الاختبار
البشري عندما يتحدثون عن دينونة الله.

أولاً:
قضاء الله في التاريخ

1. الإيمان بقضاء الله هو مفهوم أساسي مُسلم به، لم
يكن أبداً موضع جدل. إن الله يسوس حكم العالم، ولا سيما البشر. وكلمته تبين الحق،
وتُرسي قواعد العدالة. إنه "يفحص الكُلى والقلوب " (إرميا 11: 25، 17: 10)،
ويعرف على هذا النحو معرفة كاملة الأخيار والأشرار.

ولما
كان من جهة أخرى يسيطر على مجرى الأحداث، فلا يمكن إلا أن يؤثر في توجهها بحيث
يستطيع الأبرار أن يخرجوا من تجاربهم منتصرين، وينال الأشرار العقاب الذي يستحقون
(راجع تكوين 18: 23- 25
).

وعلى
ذلك يلجأ العباد إليه تلقائياً، باعتباره موجّه العدالة الأعلى ومُقوِّم الأخطاء
(تكوين 16: 5، 31: 49، 1 صموئيل 24: 16، إرميا 11: 20). وهذا في الواقع هو الهدف
الجوهري لوظيفته كقاضي أعلى. فعندما يرفع الناس أمر قضيتهم إليه، طلباً لانتقامه،
فإنهم يفعلون ذلك، أقل بعاطفة الانتقام، منهم بقصد تقويم الحق المعتدى عليه.

إن
المزامير تُدوّي بالنداءات التي يوجهها إليه بعض الأبرار المضطهدين (مزمور 9: 20،
26: 1، 35: 1 و 24، 43: 1، الخ…). فتارة تمجده، لأنه يدين الأرض أجمع (1 صموئيل
2: 10، مزمور 67: 5)، وتارة أخرى تلتمس منه العمل، لتدارك مظالم القضاة البشريين
(مزمور 82
).

2. والخبرة التاريخية تقدّم إلى كل المؤمنين بعض
الأمثلة الواقعة عن هذه الدينونة الإلهية، التي يخضع لها كل البشر وكل الشعوب.

قي
زمن الخروج، "أدان الله مصر"، أي أنه عاقب، من اضطهد شعب بني إسرائيل
الذي كان الله يريد إعطاءه الحرية (تكوين 15: 14، حكمة 11: 10). ومن طرف آخر عاقب
الله إسرائيل في الصحراء، عقابات هي علامات ملموسة للغضب الإلهي، كلها قضاء صادر
ضد شعب خائن.

إن
إبادة الكنعانيين خلال غزو أرض الميعاد هي مثل آخر، يبيّن في آنٍ واحد، صرامة
الأحكام الإلهية واعتدالها (حكمة 12: 10- 22
).

وإذا
ما رجعنا إلى الأزمنة السابقة، نجد قراراً من الله الديّان في أصل كل الكوارث التي
تحيق بالبشرية الأثيمة: خراب صدوم (تكوين 18: 20، 19: 13)، ووقوع الطوفان (تكوين 6:
13)، وخطيئة الأصول (تكوين 3: 14 – 19
)….

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ك كَسِفْيا ا

ومن
ثم فإن دينونة الله تُشكل تهديداً متواصلاً مسلطاً على رقاب البشر، لا في الآخرة.
بل في التاريخ، حتى ليستحيل على خاطئ واحد أن يفلت منها.

ثانياً:
الدينونة في آخر الأزمنة

1. إن التذكير بالقضاء المهدّد، والإنذار بوقوعه
الوشيك، هما جزء من المواضيع النبوية الأساسية: فالله، الذي هو في خصومة مع شعبه،
يسوقه إلى محكمته، ويصدر عليه قضاءَه، يتأهب لتنفيذه (إشعيا 3: 13- 15)، إن هذا
التصور كامن في طيات كل نبوات العقاب (راجع إشعيا 1: 24 -25، 5: 5 – 6
).

وابتداء
من زمن عاموس يتحول انتظار يوم الرب إلى توقع مخيف وشيك (عاموس 5: 18- 20).
وإسرائيل، الزوجة الخائنة، ستحاكم على مقتضى القانون الذي يُطبق على حوادث الزنى
(حزقيال 16: 38، 23: 24)، وسيحاكم أبناؤها تبعاً لسلوكهم وأعمالهم (36: 19
).

فاذا
ما بدت هذه النظرة للمستقبل مظلمة، فلا ينبغي مع ذلك أن ننسى أن الله، عندما ينفذ
حكمه، سيُميز بين قضية الأبرار وقضية الأشرار: إنه تعالى لا يرمي من وراء معاقبة
البعض، إلا خلاصاً أفضل للبعض الآخر (حزقيال 34: 17- 22
).

ولذا
فإن بقية من الأبرار، في شعبه، ستنجو من الدينونة. على كل فان أحكامه لا تنزل على
إسرائيل وحده إن كل الشعوب تخضع لهذه الأحكام، كما يشهد بذلك عاموس من قبل في
أسلوب قضائي دقيق (عاموس 1: 63: 3)، نصادفه حتى عند حزقيال (حزقيال 25: 17
).

أما
إرميا فيرسم لوحةً عامة عن دينونة الأمم هذه (إرميا 30: 25- 38). على أن وراء
إعلان هذه الكوارث المستقبلة، ينبغي أن نقرأ توقع أحداث تاريخية، ستعني، على
المستوى الاختباري، استياء الله بسبب خطيئة البشر. وأول تلك الكوارث سوف تكون خراب
أورشليم وتشتيت إسرائيل.

2. وعند الأنبياء بعد السبي، ممن تطورت أساليب
تعبيرهم نحو النظرة الرؤيوية، يكون التذكير بدينونة أخيرة شامل خطأة العالم بأسره،
وكل الجماعات المناهضة لله ولشعبه، بمثابة المقدمة الضرورية لنبوات الخلاص. إن
الله يدين العالم بالنار (إشعيا 66: 16)، إنه سيجمع الأمم في وادي يوشافاط
("الله – الديان"): إذ ذاك يكون الحصادِّ وجني العنب في الأزمنة الأخيرة
(يوئيل 4: 12 – 14
)
.

ويصف
كتاب دانيال بصور مذهلة هذه الدينونة التي ستختتم الزمن وتفتتح ملكوت ابن البشر
الأبدي (دانيال 7: 9- 12 و 26)، ويذهب تعليم آخر الأزمنة هذا إلى ما وراء الأرض
والتاريخ.

وينطبق
ذلك أيضاً على كتاب الحكمة، حيث نرى الأخيار والأشرار يمثلون معاً لأداء الحساب
(حكمة 4: 20- 5: 23). والخطأة وحدهم الذين ينبغي إذ ذاك أن يرتاعوا، لأن الأخيار
سيحميههم الله نفسه (4: 15- 16، راجع 3: 1- 9)، وقديسو العلىي سيكون لهم نصيب في
ملكوت ابن الإنسان (دانيال 7: 27
).

وعلى
هذا النحو، فإن القضاء الذي يصدر عن الله على البشرّية الخاطئة، لن يتحقق فعلاً
فقط في دينونات خاصة تصيب الأفراد والأمم على مرَ التاريخ، بل وسيفضي أيضاً إلى
مواجهة أخيرة تشكل الدينونة الحق عند مجيء يوم الرب.

3. هذا وينبغي أن لا تغيب عن الأذهان هذه النظرة
النبوية، عندما نقرأ مزامير ما بعد السبي، فإن استدعاء الإله- الديان، في هذه
المزامير، يظهر أكثر من مرة كطلب يهدف إلى تعجيل ساعة الدينونة الأخيرة: "ارتفع
يا ديان الأرض! كافئ المتكبرين بصنيعهم!" (مزمور 94: 2). ويتغنى القوم مقدماً
دماً بمجد هذه الجلسات العلنية (مزمور 75: 2- 11، 96: 2 1- 13، 98: 7- 9)، وهم على
يقين من أن الله سينصف أخيراً فقراءه المتألمين (مزمور 140: 13 – 14
).

وعلى
هذا تكون الدينونة منتظرة برجاء من قبل المضطهدين ضحايا الأشرار، من جانب إسرائيل
أسير الوثنيين.

إلا
أنه يبقى رغم كل ذلك ثمة احتمال مخيف: "لا تُنافذ عبدك إلى القضاء، فإنه لا
يَبر أمامك أحد من الأحياء (مزمور 143: 2). فكل إنسان خاطئ. وكيف نتصور دون جزع،
المواجهة بين الخاطئ والله؟ ومن يستطيع أن ينجو من دينونة الله، إلا بفعل من رحمة
الله؟

العهد
الجديد

في
اليهودية المعاصرة ليسوع، كان انتظار دينونة الله، بمعنى الكلمة الخاص بآخر
الأزمنة، حدثاً عاماً، وإن لم يكن تصورها الإيجابي واحداً ومتّسقاً.

وفي
مطلع الإنجيل، يشير يوحنا المعمدان إلى الدينونة، عندما ينذر سامعيه بالغضب الآتي،
ويحثهم على قبول معموديته، علامة للتوبة (متى 3: 7- 12
//).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر حزقيال 05

ومع
ارتباط كرازة يسوع، ثم كرازة رسله، ارتباطاً وثيقاً بالدينونة المتوقعة، فإن
معطياتِها تَغيَّرت جذريّاً لأن ساعة الأزمنة الأخيرة قد بدأت مع الساعة التي
ظهرفيها يسوع في العالم، فدينونة الأزمنة الأخيرة هي حاضرة منذ تلك الساعة، وإن
كان ينبغي انتظار عودة المسيح المجيدة، حتى نراها متمّمة في ملئها.

أولاً:
الدينونة في الأناجيل

1. في الأناجيل الإزائية:

كثيراً
ما تشير كرازة يسوع إلى دينونة اليوم الأخير. فكل البشر لا بد وأن يؤدوا الحساب
(راجع متى 25: 14- 30
).

إن
حكماً صارماً ينتظر الكتبة المرائيين (متى 12: 40//)، ومدن البحيرة التي لم تستجب
لكرازة يسوع (متى 11: 20- 24)، والجيل غير المؤمن الذي لم يهتدِ بالإصغاء إلى صوته
(12: 39- 42)، والمدن التي لم ترحّب بمرسليه (10: 14- 15
).

إن
دينونه سدوم وعمورة لا تعادل شيئاً بالقياس إلى دينونة تلك المدن (15: 23- 24)؟
فسيحكم عليها بعقاب جهنم (23: 33). وهذه التعاليم المفعمة بالتهديدات تبرز سبب
الدينونة الإلهية الأساسي، ألا وهو الموقف الذي يقفه الناس إزاء الإنجيل، كذلك
الموقف الذي يقفونه من القريب، على حد سواء: إن كل قاتل تبعاً للشريعة الموسويه
يستوجب محاكمة إنسانية. وأما تبعاً للشريعة الإنجيلية فأقل ما يستوجب نارجهنم (متى
5: 21- 22) فلا بد من أداء الحساب عن كل وشاية إذ (36: 12) سيدان كل واحد طبقاً
للدينونة التي يكون قد دان بها القريب (7: 1- 5
).

هذا
وإن لوحة تلك المجالس العلنية الي سيقوم فيها ابن الإنسان بدور القاضي (25: 31-
46)، تظهر الناس مُلتئمين في الملكوت، أو مُسلّمين للعذاب الأبدي، تبعاً لما أبدوه
من محبة للغير أو عدم اكتراث لحاله.

ومع
ذلك فثمة جريمة، أكثر من كل سواها، تستدعي الدينونة الإلهية. تلك إلى أكمل بها عدم
الإيمان من البشر مكيال خبثه، في شكل صوري لحكم شرعي، وهو الخصومة والحكم بالموت
على يسوع (مرقس 14: 63//، راجع لوقا 24: 20، أعمال 13: 28
).

وخلال
هذه المحاكمة الجائرة، أسلم يسوع أمره إلى ذاك الذي يحكم بالعدل (1 بطرس 2: 23)،
ولذا فإن الله، قد أقامه من بين الأموات، معيداً إليه كل حقوقه.

إلاّ
أن تنفيذ هذا الحكم غير العادل قد جر، في مقابل ذلك، حكماً من الله على البشرية
المذنبة. هذا وليس خالياً من الدلالة أن الإطار الذي يجعل فيه إنجيل متى مَوتَ
يسوع، هو منطبق على صورة المشهد التقليدي للدينونة، في تعليم العهد القديم بشأن
آخر اِلأزمنة (متى 27: 45 و 51: 53). موت يسوع إذاً هو اللحظة التي دين فيها
العالم. ولذا فلن يفعل التاريخ اللاحق، وحتى اليوم الأخير، شيئاً سوى توضيح مرمى
هذا الحكم. فتبعاً لشهادة يسوع ستحلّ الدينونة أول ما ستحل " بالذين في
اليهودية"، باكورة المذنبين (24: 15- 17//). إلا أن ذلك لن يكون إلا كمقدمة
وعلامة تنبئ عن البر النهائي لابن الإنسان، ديان اليوم الكبير (24: 29- 31).
فالمحكوم عليه في الآلام، هو ضحية عن خطيئة العالم، وسيقيم إذ ذاك ضد العالم
الخاطئ إدانة علنية صارخة.

2. يتوسع إنجيل يوحنا:

في
هذا التعليم اللاهوتي، ملحاً على تحقيق الدينونة حالًا في صلب التاريخ، منذ زمن
يسوع. فهو لا يجهل أن يسوع بوصفه ابن الإنسان قد أقيم من الآب دياناً في اليوم
الأخير (يوحنا 5: 26- 30). إلا أن الدينونة في الواقع ستحقق منذ اللحظة التي يرسل
فيها الآب الابن إلى العالم. وهذا لا يعني أنه قد أرسل ليدين العالم: إنه بالعكس
يأتي ليخلصه (3: 17، راجع 8: 15- 16). ولكن تبعاً للموقف الذي يختاره كل واحد
تجاهه، تتم الدينونة فوراً: فمن يؤمن لا يُدان، ومن لا يؤمن فقد دين، لأنه رفض
النور (3: 18 – 20
).

فالدينونة
إذاً هي كشف خطايا القلوب البشرية، أكثر منها حكم إلهي. فالقوم الذين أعمالهم
شريرة، يفضّلون الظلام على النور (3: 9- 20)، وليس لله إلا أن يترك هؤلاء الناس
المكتفين بذواتهم، على عماهم، هؤلاء الذين يفتخرون بأنهم يرون الأمور بوضوح. وأما
الآخرون، فيأتي يسوع ليشفي عيوبهم (9: 39)، حتى إذا ما عملوا للحق، يقبلون إلى
النور (3: 21
).

إن
الدينونة الأخيرة لن يكون لها إلا أن تُظهر علناً ما قد تمّ منذ الآن من تفريق من
حيث خفايا القلوب.

غير
أن إنجيل بوحنا ليس بأقل انتباهاً فيما يتعلق بالقضية ضد يسوع وموته. قي إنجيله
يطول عرض الخصومة بقدر طول الخدمة ذاتها، وعبثاً يحاول يسوع أن يحمل اليهود،
زبانية الشيطان والعالم الشرير، "على أن يحكموا بالعدل" (7: 24
) .

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر إرميا 09

ففي
الواقع سيُسلم إلى بيلاطس لكي يحكم عليه بالموت (9: 12- 16)، إلا أن موت يسوع
سيعني إدانة العالم وهزيمة إبليس (12، 31)، كما لوكان رفعه على الصليب قد استبق
بنوع ما عودته المجيدة بصفته ابن الإنسان.

إنه
ابتداءً من هذه اللحظة يستطيع أن يرسل لخاصة الروحٍ: البارقليط الذي دون ما انقطاع،
سيبكت العالم، معلناً أن رئيسه قد دين، أي حُكم عليه بالهلاك (16: 8 و11
).

تلك
هي الطريقة التي بها يحقق دينونة الأزمنه الأخيرة، المعلن عنها من الأنبياء. إنها
ابتداء من زمن المسيح تقوم حدثاً ثابتاً وحاضراً بتواصل، لا ينتظر بعد ذلك سوى
اكتماله النهائي.

ثانياً:
الدينونة في الكرازة الرسولية

01 ابتداء من الحق في كتاب الأعمال لغاية كتاب
الرؤيا، جميع شهود الكرازة الرسولية يخصصون مكانة هامة للإعلان عن الدينونة، الذي
يدعو إلى الاهتداء. فقد حدَد الله يوماً ليدين العالم فيه بعدل بالمسيح الذي أقامه
من ببن الأموات (أعمال 17: 31، راجع 24: 25، 1 بطرس 4: 5، عبرانِيين 2: 6
).

حتى
بعد الاهتداء يرشد اقتراب هذه الدينونة المتواصل (يعقوب 5: 19: إن الديان على
الأبواب)، إلى الموقف الذي يسوع اختاره، لأن الدينونة ستبدأ في بيت الله، قبل أن
تمتد إلى الأشرار(1 بطرس 4: 17)، وسيدين الله كل واحد بحسب أعماله، دون ما محاباة
للوجوه (1 بطرس 1: 17، راجع رومة 2: 6). إنه توقع مخيف، ينبغي أن يجعل المتمردين
يرتعدون. (عبرا نيين 10: 27- 31، راجع رومة 12: 19
).

وسيقع
تحت وطاة هذه الدينونة الصارمة: الزناة والفسّاق (عبرانِيين 13: 4)، وكل الذين
يكونون قد رفضوا أن يؤمنوا، والذين تحيزوا للشر (2 تسالونيكي 2: 12)، والمنافقون
والمعلمون الكذبة، بل والملائكة المتمردون أنفسهم (2 بطرس 2: 4- 10)، والأساقفة
الأشرار (1 تيموتاوس 3: 6)، والأرامل الخائنات اللواتي لا يلبثن في حالة ترملهن (5:
12
).

في
يوم الغضب هذا، ستظهر دينونة الله العادلة (رومة 2: 5)، التي لا يمكن الهرب منها
بحال (2: 3)، لأن الله سيدين أيضاً أعمال البشر الخفيّة (1602، 1 كورنتس 4: 4).
والمسيح هو الذي سيقوم إذ ذاك بوظيفة ديان الأحياء والأموات (2 تيموتاوس 4: 1، را
جع رومة 2: 6- 1، رؤ يا 19: 11
).

هذا
ويرسم كتاب الرؤيا لهذه المجالس الأخيرة لوحة مرعبة (رؤيا 20: 12- 13، راجع 11: 18،
16: 5…)، يمهد لها في التاريخ بدينونة بابل، المدينة عدوّة الله (14: 8، 17: 1،
18: 2- 24) فالله بقبوله مطالب الشهداء الذي يسألونه أن يحكم في قضيتهم (6: 9- 10،
18: 20)، سينتقم من بابل لدماءعبيده (19: 2
).

وأخيراً
فإن جميع البشر، في آخر الزمن، سيمرون بالنار التي ستمتحن قيمة أعمالهم (1 كورنتس
13: 3، 2 بطرس 3: 7). ترى، كيف سنتكون قاعدة هذا الفحص؟… هي الشريعة"
الموسوية بالنسبة إلى من يلتمسون هذه الشريعة (رومة 2: 12)، والشريعة المكتوبة في
الضمير إلى من لم يعرفوا غير هذه الشريعة (2: 14- 15)، وشريعة الحرية إلى من قبلوا
الإنجيل (يعقوب 2: 12
).

ولكنّ
الويل لمن يكون قد أدان القريب (رومة 2: 1- 3)؟ إنه سيدان هو نفسه طبقاً للمقياس
الذي طبقه على الآخرين (14: 10- 12، يعقوب 2: 3، 4: 11- 12، 5: 12
) .

2. وداخل هذه الصور التي تصف الدينونة الأخيرة، يجب
أن نضع في اعتبارنا الناحية التصويرية. على أن القضية الأخطر هي الآتية: إذا كانت
الدينونة هي كما تصفها النصوص، فمن ذا الذي سوف يستطيع إذن النجاة منها؟ من ذا
الذي إذن سيخلص؟

ففي
الواقع، يبدو غضب الله في التاريخ موجهاً ضد كل البشرية بأسرها. فالجميع هم مذنبون
أمامه (رومة 3: 10- 20، راجع 1: 18). فمنذ دخول الخطيئة العالم .كمعصية الإنسان
الأول، قد صدر حكم بالهلاك ضد جميع البشر (5: 16 و 18). وما من أحد يمكنه أن يفلت
منه باستحقاقاته الخاصة. إلا أنه عندما مات بسوع، نتيجة لخطايانا، هذا الذي كان
ابن الله وجاء في الجسد، فقد أدان الله الخطيئة في الجسد، ليحررنا من نيرها (8: 3
).

إذ
ذاك يظهر برَ الله، لا البرّ الذي يُعاقب، بل الذي يُبرر ويُخلّص (3: 21). لقد كان
الجميع يستحقون دينونته، ولكنّ الجميع يبَررون مجاناً، بشرط فقط أن يؤمنوا بالمسيح
يسوع (3: 24- 26). فليس بعد من هلاك للمؤمنين (8: 1): إن الله يُبررهم، فمن يحكم
عليهم(8: 34). إن خدمة موسى، في حكم الشريعة القديمة، كانت خدمة إدانة، وأما خدمة
خدام الإنجيل فهي خدمة نعمة (2 كورنتس 3: 9) ومصالحة (5: 19- 21
).

إن
ذلك هو ما يعطينا اطمئناناً كاملاً ليوم الدين (1 يوحنا 4: 17). فمحبّة الله قد
ظهرت من قبل في المسيح، ولذا فليس هناك ما يُخيفنا. فتهديد الدينونة الفظيع،لم يعد
مسلطاً إلا على العالم الشرير، أما نحن المؤمنين فقد جاء يسوع لينقذنا منه
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي