راية

 

 مع إن استخدام الرايات كان في مصر وبعض الأقطار الأخرى مثل بابل وأشور
وفارس، إلا أنها وجدت طريقها أيضاً إلي فلسطين في عصور العهد القديم. وكان لبني
اسرائيل راياتهم في مسيرتهم في البرية في أرض الموعد. ومن هنا نفهم أن الرايات
(مهما كان شكلها) كانت شيئاً مألوفاً في العصور الكتابية.

 ولابد أن الرايات بدأت وتطورت لاستخدامها كأعلام تلتف حولها الجيوش،
فقد كان لكل فرقة من الجيش علمها الخاص بها. كما كانت ترفع الرايات علي سواري
السفن والمراكب ولم تكن هذه الرايات مصنوعة من أنسجة مختلفة، كما نراها اليوم، بل
كانت الراية عبارة عن صورة أو تمثال لحيوان أو طائر أو إله من الآلهة، من الخشب
اوالمعدن اللامع ترفع علي عمود أوسارية.

 وكان النسر أكثر الصور والرموز استخداماً في الرايات لكثير من الأقطار
لما يرمز إليه من سطوة وقوة. كما كانت بعض الرايات ترتبط بديانة البلد وترفع في
الهياكل والمعابد. فكانت راية "أور" قديماً (حوالي 2500ق.م.م.) مستطيلا
من الخشب، منقوشا عليه بالصدف أو بعض الحجار الكريمة، مما يدل علي أن استخدام
الرايات قديم العهد. وقد اكتشف في حاصور علم من البرونز المغشي بالفضة عليه صورة
آلهة تحيط برأسها الحيات، من القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وكانت روما ترسم علي
أعلامها النسر الروماني الشهير مع غيره من النقوش. ولا نعلم علي وجه اليقين ماذا
كانت رايات بني اسرائيل (الاصحاح الثاني من سفر العدد)، ولكن رفعها في المحلة
وتجمع الأسباط حولها، دفع بعض العلماء إلي الاعتقاد بأن الارتحال في البرية كان في
حقيقته مسيرة عسكرية. وقد استخدمت الرايات فيما بعد لأغراض أخري فكانت تستخدم
وسيلة للتخاطب عن بعد.

هل تبحث عن  م الأباء إيرناؤس الإبن كان فى البدء مع الاب ب

 ويثور التساؤل في أذهان كثيرين من العلماء عما إذا كانت الرايات قد
استخدمت مجرد وسيلة لتحديد المركز الذي تلتف حولة جماعة من الجماعات أو فرقة من
فرق الجيش، أم كان لها معني اعمق. والأغلب أنها كانت تستخدم أساساً لتحديد مراكز
التجمع، ولكنها أيضاً كانت ترمز إلي المثل العليا للشعب الذي يستخدمها، فكانت
تستخدم لاثارة الحماسة والعواطف والتكريس لهدف معين او شخص معين أو وطن معين،
فكانت ترفع الصور والتماثيل والنقوش عالية في وسط جماعة من الجماعات، أو ترفع علي
تل بصورة دائمة ليلتف حولها الشعب رمزاً للوحدة او الاتحاد، فكل الرايات يمكن أن
تتميز بثلاثة أشياء هي: الرمز والشعار والنشيد.

 وتستخدم في العهد القديم ثلاث كلمات عبرية للدلالة علي الراية أو
اللواء أو العلم، وهي تبدو مترادفة، ولكن الاستخدام الواسع لها يسمح بادراك بعض
الفوارق بينها:

(1) استخدمت كلمة "دِجِل" (ومعناها الأساسي: "شيء
واضح") للدلالة علي رايات الأقسام الأربعة الكبري لمحلات أسباط بني اسرائيل
في البرية: "وينزل بنو إسرائيل كل ما في محلته وكل عند رايته بأجنادهم"
(عد 1: 52)، "ينزل بنو اسرائيل كل عند رايته بأعلام لبيوت آبائهم. قبالة خيمة
الاجتماع حولها ينزلون وكانت راية يهوذا إلي الشرق من خيمة الاجتماع، وراية رأوبين
إلي الجنوب، وراية افرايم إلي الغرب، وراية دان إلي الشمال. "ففعل بنو
لاسرائيل حسب كل ما أمر به الرب موسي، هكذا نزلوا براياتهم وهكذا ارتحلوا. كل حسب
عشائره مع بيت آبائه" (عد 22: 34). ويبدو من هنا أن كلمة "دِجِل"
تدل علي قسم كبير من الشعب يجتمع حول هدف مركزي. ولا شك في ان "أجناد بني اسرائيل"
قد ساروا هكذا نحو أرض الموعد. ونجد في المزامير أن كلمة "دجل" تستخدم
للدلالة علي "راية حرب": نترنم بخلاصك، وباسم الهنا نرفع رايتنا"
(مز 20: 5) وتستخدم ايضاً نفس الكلمة للتعبير عن المحبة: "أدخلني إلي بيت
الخمر وعلمه فوقي محبة" (نش 2: 4
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر اللاويين 19

(2) استخدمت ايضاً كلمة "نِسِّي" (ومعناها أساساً
"مرفوع" أو "معظم") وتدل بصورة خاصة علي مركز التجمع للشعب،
فهي تحدد مركز الجذب الذي يعلق عليه الشعب آمالهم. وكانت ترفع في بعض المناسبات
علي سارية عالية لتكون ظاهرة للجميع. فبعد الانتصار علي عماليق: بني موسي مذبحا
ودعا اسمه "يهوه نسِّي" أي "الرب رايتي" (خر 17: 15). ونقرأ
في نبوه أشعياء أن المسيا نفسه سيكون راية تلتف حولها الأمم (إش 49: 22
).

 وكانت الراية ترفع لجمع الجنود عند صوت البوق (إش 13: 2، 18: 3). كما
كانت ترفع علي تل أو أكمة لتبليغ رسالة عاجلة (إش 30: 17)، مثل إنذار الشعب للهرب
إلي المدن الحصين للاحتماء من جيوش الغزاة (إرميا 4: 5, 6). كما أن ترك رايه علي
اكمة بدون حراسة، كان معناه إعلان الهزيمة (إش 31: 9). وقد رفع موسي الحية
النحاسية في البرية علي راية أو سارية لينظر إليها كل من لدغته الحيات المحرقة،
لينجو من الموت (عد 21: 8, 9
).

(3) الكلمة الثالثة العبرة هي كلمة "أوت"
وتستخدم في مواضع قليلة للدلالة علي أعلام الجماعات الصغيرة أو الفروع، كما في سفر
العدد: "ينزل بنو إسرائيل كل عند رايته "بأعلام" لبيوت
آبائهم" (2: 2) وقد ترجمت نفس الكلمة في مزمور (74: 4) إلي آيات"
"جعلوا آياتهم (أعلامهم) آيات
".

 وفي مخطوطات قمران- التي اكتشفت حديثاً- تستخدم كلمة"دِجِل"
للدلالة علي ألف رجل أو اقل. ويقول "دي فو
" (de vaux) إن كلمة
"نِسِّي" لا تدل في حقيقتها علي "راية بل علي "سارية" أو
"عمود" فوق "تل" أو "أكمة" ليحمل الجنود السلاح
ويتجمعوا حولها استعداداً للزحف علي العدو. ويقول إنها كانت عادة رموزاً دينية،
وقد قام تابوت العهد بهذا الدور في بعض الأوقات (انظر يش 3: 3, 6
).

هل تبحث عن  م التاريخ كنيسة الأقباط الأرثوذكس بطاركة الأقباط الأرثوذكس يوأنس الثالث ث

 ولا تستخدم "الرايات أو الأعلام" في العهد الجديد بمعناها في
العهد القديم. ويقول لوقا: "وبعد ثلاثة أشهر أقلعنا في سفينة اسكندرية موسومة
بعلامة الجوزاء كانت قد شتت في الجزيرة" (أع 28: 11) وهي كلمة "سميون
" semeion)) في
اليونانية، وتستخدم كثيراً بمعني "آية" كما في: "يا معلم نريد أن
نري منك آية" (مت 12: 38)، وهذا الجيل شرير يطلب آية ولا تعطي له إلا أية
يونان النبي" (لو 11: 29)، أو"علامة" كما في: "وحينئذ تظهر
علامة ابن الإنسان في السماء" (مت 24: 30
).

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي