رسالتى
بولس إلى كورنثوس

(أ) أصالة الرسالتين: يرجع تاريخ كتابة الرسالتين إلى كورنثوس
والرسالة إلى غلاطية والرسالة إلى رومية، إلى زمن رحلة الرسول بولس الثالثة، إلى
زمن رحلة الرسول بولس الثالثة، وهي أشهر كتاباته، وتعتبر عادة أكبر الرسائل
وأعظمها، وهو ما يدل، ليس على أصالتها وقيمتها الجوهرية فحسب، بل أيضاً على ما
تحظى به من تقدير واعتراف بأصالتها من جميع النقاد تقريباً من مختلف مدارس النقد،
كما كان هذا هو الموقف من نحوها على مدى القرون التي مضت منذ كتابتها. فهي تحوي
خلاصة كتابات الرسول بولس، رسول الأمم العظيم، وتحتفظ للكنيسة بالحق التاريخية
للمسيحية بصورة لا تدحض.

(ب) الدليل الخارجي: للرسالتين مكان بارز في أقدم القوائم بكتابات
الرسول بولس. ففي الوثيقة الموراتورية (نحو 170م)، نجدهما على رأس الرسائل التسع
الموجهة إلى كنائس، مع ذكر أنها كتبت للحيلولة دون الانقسامات الهرطوقية. وفي
"كتابات الرسل لماركيون" (نحو عام 140م) تأتيان بعد الرسالة إلى غلاطية.
كما أنهما تذكران بوضوح في كتابات الآباء عقب العصر الرسولى، مثل كليمندس الروماني
(نحو 95م)، والذي كان صديقاً للرسول (الذي ذكره فيلبي 4: 3)، وإغناطيوس (من العقد
الثاني من القرن الثاني)، وبوليكاربوس (من النصف الأول من القرن الثاني) والذي كان
تلميذاً للرسول يوحنا، والشهيد "يوستينوس" (في أواخر القرن الأول). كما
كانت الرسالتان معروفتين جيداً عند الغنوسيين في القرن الثاني. ولا شك في أن شهادة
كليمندس بالغة الأهمية، فقبل نهاية القرن الأول، كتب هو نفسه إلى الكنيسة في
كورنثوس يستند فيها إلى رسالة الرسول بولس الأولى إليهم، ويقول: "ارجعوا إلى
رسالة بولس الرسول المبارك، فماذا كتب لكم أولاً في بداية الإنجيل؟ لقد أعطاكم –في
الحقيقة- توجيهاً روحياً فيما يختص بنفسه وصفاً وأبلوس، لأنكم كنتم وقتئذ منقسمين
إلى أحزاب". ومن المستحيل أن تُطلب شهادة أو دليل خارجي أقوى من ذلك.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب براخة 1

(ج) الدليل الداخلي: إن الرسالتين في ذاتهما، مملوءتان بدلائل
أصالتهما، فهما وثيقتان نابضتان بالصدق من البداية إلى النهاية، وينسجمان بشكل
عجيب مع قصة سفر أعمال الرسل. وكما يقول "شلوماخر": "إن كل رسالة
منهما تنسجم مع الأخرى، وتكمل كل منهما الأخرى، ومع ذلك فكل منهما تتخذ مساراً
خاصاً. وما بإحداهما من بيانات لا يمكن أن تكون مأخوذة عن الأخرى. فرغم تعقد
وصعوبة الظروف أحياناً، ومواقف الكاتب من هذه الظروف والقضايا المختلفة، ففيهما
انسجام لا افتعال فيه، مما لا يجد معه القاريء مفرَّا من الإقرار بأصالتهما. بل أن
ما يبدو من صعوبات أمام القاريء في العصر الحديث، في بعض العبارات المقتضبة أو
التلميحات الغامضة، لهي في ذاتها دليل على الأصالة وليس على عدمها، فهي دليل على
وجود الفهم المتبادل بين الكاتب ومن كتب إليهم، ومعرفتهم الوثيقة بالحقائق والظروف
التي دعت إلى الكتابة، كما يحدث في المكاتبة بين صديقين حميمين، يفهم كل منهما
الآخر، وهو ما لا يمكن أن يحدث في كتابة مزيفة، فالقليل من الوعي الأدبي، يكفي
لعدم إدراجهما بين الكتابات المنحولة. وعلى سبيل المثال، من المستحيل قراءة عبارات
مثل تلك التي تحمل الاعتراضات في 1كو 9، والتحول من القلق إلى الراحة فيما يتعلق
بالالتقاء بتيطس في 2كو 2، 7، أو ذلك الفصل الذي لا يمكن أن يُنسى، والذي يبدأ في
11: 24 من نفس الرسالة: "من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة..
الخ"، إلاَّ ويشعر القاريء أنه من السخف الظن بأنها مزيفة، فلم يكتب إنسان من
أعماق قلبه مثلما كتب هذا الكاتب. والحقيقة هي أن افتراض التزييف يخلق من الصعوبات
أكثر من التي يحاول حلها. إنها تناسب –بلا حدود- الرسول صاحب العواطف الحارة،
والإخلاص الصادق، والتفاني في خدمة سيده "والأسير في الرب"، و
"السفير في سلاسل" دون أي شخص آخر.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر إشعياء 55

ويقول
أحد زعماء النقاد الألمان، ف.س. بور
(F.C. Baur): "لم يكن هنا أبداً أدنى شك في
أصالة هذه الرسائل الأربع، فهي تحمل في ذاتها أدلة لا تقبل الجدل، على أنها من
كتابات الرسول بولس، فلا أساس مطلقاً للتشكيك في هذا الأمر". ويؤيد
"رينان" هذا الموقف بالقول: إنهما خلاصة كتابات الرسول بولس المعترف بها،
والتي لا يرقى إليها الشك أو الاتهام.

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي