رواقيون

 

(1) أصلهم: هم تلاميذ زينون (336 – 204 ق . م .) ,
الفيلسوف اليونانى , و أعظم الفلاسفة الهيلينيين. وأطلق عليهم هذا اللقب لأنه كان
يعلمهم في مدرسة الرواق المزخرف في أثينا. وقد أسس زينون هذه المدرسة في أثينا في
294 ق . م. وكان زينون أصلا من " كيتوم " إحدى المستعمرات اليونانية في
قبرص. ولكن الجنس السامي كان هو الجنس السائد في قبرص، مما حمل على الظن أن زينون
كان من أصل سامي أكثر مما من أصل هيليني . وكان نقاده اليونانيون يعيرونه بأنه
فينيقي، ولذلك يقال ان الصبغة الأدبية المميزة للرواقية هي صبغة سامية الأصل وليست
هيلينية . ومما يؤيد هذا الرأي أن خلفاء زينون على رأس المدرسة، جاءوا من آسيا
الصغري: (كلينتس)

Cleanthes – 331 – 232
ق . م.) فقد جاء من أسوس، و "
كريسيبوس

" (Chrysippus )
من سولي في كيليكية . كما كان عدد
كبير من الرواقيين من أسيا الصغري . وقد أزدهرت الرواقية في كثير من المدن
الأسيوية مثل طرسوس وصيدون . ووصلت الرواقية الى روما في القرن الثاني قبل الميلاد
عن طريق " بناتيوس
" (Panaetius ) من رودس (حوالي
189 – 109 ق . م.). وفي غضون القرنين التاليين، انتشرت جداً بين الطبقات العليا في
المجتمع الروماني، وكان من أتباعها سكيبيو وكاتو وسنيكا وماركوس أوريليوس، وكذلك
" إبكتيتوس

" (Epictetus )
العبد الرقيق. وأعظم مصدر لمعرفة
تعاليم الرواقيين هو كتابات " شيشرون " الذي كان ناقداً متعاطفاً أكثر
منه تابعاً للمدرسة الرواقية. وقد أكتسبت الرواقية أكبر نفوذ لها باعتمادها أساساً
للتشريع في الامبراطورية الرومانية
.

(2) الميتافيزيقية والديانة: لقد وضع زينون وكلينتس
المبادئ الرئيسية للرواقية، وصاغها " كريسيبوس " في عقيدة متماسكة أصبحت
معياراً للعقيدة القومية للمدرسة الرواقية، فلم تترك إلا القليل من حرية التفكير
لمعلميها اللاحقين . ومهما كان الطابع السامي في فكر زينون وأتباعه، فإنهم استمدوا
المبادئ البارزة في تعليمهم من الفلاسفة اليونايين السابقين، فمبدأ " اتبع
الطبيعة " تعلموه من " الكلبيين " من المدرسة السقراطية، ولكنهم
نهجوا على منوال الفيلسوف السبق هيراقليتس
Heraclitus)) في تعريف
قانون الطبيعة بأنه العقل (لوجوس)، الذي كان يعتبر
Hساس الذكاء في الأنسان،
والعقل الالهي المتأصل في العالم . ثم خلطوا هذا التعليم بعقيدة حيوية المادة،
ولذلك نزعت ميتافيزيقيتهم إلى عقيدة وحدة الوجود المادية . فمن ناحية نجد أن
الطبيعة هي تنظيم الذرات المادية بعملية نابعة من قوانينها الذاتية المتسقة
واللازمة، ومن ناحية أخرى، هي كائن عقلاني يسخر كل أجزائه لتنفيذ هدف عقلاني كامن
في الكل، ويمكن أن يسمى " العناية " أو " الله
" .

هل تبحث عن  م الإنسان خبرات فى الحياة لا تخسر الناس س

وبينما
رفض الرواقيون كل مراسم وطقوس الديانات المشهورة، دافعوا عن الايمان بالله، ونادوا
بالورع والاحترام لله . وقد أرست عقيدتهم في وحدة الوجود الأساس لتعدد الآلهة عند
اليونان مع اعتقادهم بالأحادية، لأنه حيث أن الكون كله هو الله، فكل جزء فيه هو
إله، ويمكن ان يُعبد . ونتيجة أخرى لعقيدتهم في وحدة الوجود، هي موقفهم من الشر،
الذي اعتقدوا أنه مجرد شر في الظاهر، أو هو شر نسبي، ولكنه في حقيقته صالح وفي
اتساق مع الكل، ولذلك احتملوا الشر بشجاعة وابتهاج لأنهم كانوا يؤمنون بأن كل
الأشياء – على وجه الاطلاق – تؤدي إلى الخير
.

(3) نظرية المعرفة الحسية: وتظهر النزعة المادية في
ميتافيزيقيتهم في نظرية المعرفة النابعة من الحس .. فالعقل البشري في منشئه كان
صفحة بيضاء، جاءت أفكاره الأولى من الحواس وتأثيرات العالم الخارجي على النفس،
التي كانوا يعتقدون أنها جسم مادي، وإن كان من ذرات ألطف من الجسم الظاهر . ومن
هذه التأثيرات الحسية كوِّن العقل بديهياته، أو مفاهيمه الأولية التي شكلت مخزن
أفكاره . وليس من الواضح إلى أي مدي نسبوا قوة الابتكار للعقل كعامل في تنظيم
المعرفة غير النابعة عن الخبرة . فالرواقية ليست مادية على اطلاقها، كما أنها ليست
مثالية على اطلاقها، بل إن معظم مصطلحاتها ثنائية المعنى تراوح بين المادية
والروحية

.

(4) التعليم الأخلاقي: يبين تعليمهم الأخلاقي أن
توجههم الأساسي كان روحانياً لأن غايته كانت الأخلاق . فلم يسع الرواقيون وراء
المعرفة لذاتها، ولكنهم سعوا إليها كهدف عملي هو اكتشاف قاعدة للحياة والسلوك .
وتفسر وصيتهم الأخلاقية العظيمة: " اتبع الطبيعة " بمعنى مثالي واضح،
فهي تعني " اتبع العقل " كما هو كامن في الانسان وفي الكون ككل . هي
خضوع " للعناية " أو النظام العقلاني للكون، واتمام طبيعة الانسان
العقلانية . فالحياة حسب الطبيعة هي الخير الأسمى للإنسان . وكيف يمكن أن يكون
الإنسان حراً للسعي وراء هذا المثال الأسمى، وهو – بالضرورة – مقيد؟ كان هذا –
أساساً – هو التناقض الظاهري الذي لم يستطع الرواقيون حله. وقد لخصوا تعليمهم
الأدبي في أن مثالهم الأعلي هو " الحكيم " ذو العقل الراجح، وأكبر
خصائصه هدوء الأعصاب، والضبط الهادئ لكل العواطف والانفعالات، والتحرر من كل
الظروف، وبذلك يحيا حياة هادئة منسجمة في اتساق مع النظام الكامل للكون. وهو يكتشف
هذا النظام بالمعرفة أو الحكمة. ولكنهم أيضا يعرفِّون هذا المثل الأعلى بأنه
مجموعة من واجبات معينة، مثل طهارة الإنسان في ذاته، ومحبة جميع الناس، واحترام
الله
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر اللاويين ترجوم نيوفيتى لسفر اللاويين 13

وقد
بلغت الفلسفة اليونانية ذروتها الأخلاقية، في تعليم الرواقيون، فلا نجد مطلقاً –
خارج المسيحية – مثل هذه المبادئ السامية للسلوك عند الفرد والمجتمع، تبلغ هذه
الدرجة من الإنسانية والتفاؤل والشمول
.

(5) علاقتها بالمسيحية: عندما كان الرسول بولس في
أثينا، " قابله قوم من الفلاسفة الأبيكوريين والرواقيين " . وبعد أن
كلمهم الرسول بولس في أريوس باغوس عن " يسوع والقيامة "، " كان
البعض يستهزئون والبعض يقولون سنسمع منك عن هذا أيضاً " (أع 17: 18 و 32) .
ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن الأبيكوريين هم الذين استهزأوا، وإن الرواقيين هم
الذين أرادوا أن يسمعوا المزيد، لأنهم وجدوا في أقوال الرسول الكثير مما يتفق مع
آرائهم . وقد اقتبس الرسول بولس في حديثه عبارة من كتاباتهم: " كما قال بعض
شعرائكم أيضاً: " لأننا أيضا ذريته " (أع 17: 28). فهي عبارة من أقوال
الشاعر الرواقي " أراتوس
" (Aratus ) من سولي في كيليكية. فتعليم
بولس الرسول عن الخليقة، وعن الله رب السماء والأرض، وروحانيته وأبوته للجميع،
أمور معروفة ومقبولة عندهم. كما أن كرازته بالمسيح لم تكن شيئاً مستهجناً عندهم
لأنهم كانوا ينشدون الإنسان الحكيم المثالي
.

(الرجا الرجوع أيضا إلى مادة " أخلاق "

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي