روح

 

أولا
– المقصود بالكلمة: يتكرر استخدام كلمة " روح " (وهي بنفس اللفظ في
العبرية) نحو أربعمائة مرة في العهد القديم، وهي – في العبرية – مشتقة من فعل
بمعنى " تنفس " أو " نفخ " . وقد ترجمت إلى " نسمة ريح
" (مز 18: 15)، وإلى " ريح " (تك 8: 1، خر 10: 13 .. الخ)، كما ان
الكلمة اليونانية المقابلة لها (وهي " نيوما ") ترجمت إلى " نفخة
" (2 تس 2: 8)، وإلى " ريح " (يو 3: 8)، ولكنهما في غالبية المواضع
تترجمان إلى " روح
" .

ثانيا:
الروح ككائن لا مادي عاقل: فالروح – كما يقول " بورتون
" (Burton في تعليقه على الرسالة إلى غلاطية – كائن عاقل
مرهف الحس، أو هي العنصر الذي به يصبح الكائن عاقلا حساساً "، فالروح ترتبط
بالحياة، ولكنها لا ترتبط – بالضرورة – بصورة مادية، ولذلك فالكتاب المقدس كثيراً
ما يطلق كلمة " روح " على كائنات لا أجساد لها، ولكن لها توجه وهدف وقوة
.

أ
– الله روح: يقول لنا العهد الجديد صراحة إن " الله روح والذين يسجدون له
فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا " (يو 4: 24)، كما يحدثنا العهد الجديد بوضوح
عن " الروح القدس " . ومع أن العهد القديم كثيراً ما يخلع أوصافا بشرية
على الله، إلا أنه كثيرا أيضاً ما يلمح إلى أن الله روح، ويتكلم عن روح الله
ظاهراً في الطبيعة وفي حياة الناس بصور مختلفة
.

ب
– كائنات روحية اخرى: كما يحدثنا الكتاب المقدس عن " خلائق " هي "
أرواح " خلقها الله، وهي خاضعة له، ولكن ليس لها أجساد، ويشير إلى وجودها
وتأثيرها في حياة البشر، في مواضع كثيرة (مثل 1 مل 22: 21، أيوب 4: 15، لو 24: 39،
أع 23: 8)، وقد تكون هذه ارواحا صالحة خادمة للناس (عب 1: 14)، أو قد تكون أرواحاً
شريرة (قض 9: 23، 1 صم 16: 14 و 15، مت 10: 1)، وقد يسكن في الناس روح الله
فينقادون به (رو 8: 9 و 14)، أو يسكن فيهم " الروح الذي يعمل الآن في أبناء
المعصية " فينقادون له (أف 2: 2)، والمعلمون الكذبة يتبعون " أرواحا
مضلة " (1 تي 4: 1)، ولوجود مثل هذه الأرواح، يجب على المؤمنين ان يمتحنوا الأرواح
هل هي من الله " (1 يو 4: 1)
.

ج
– روح الإنسان بدون الجسد: هناك إشارات قليلة في الكتاب المقدس إلى انفصال روح
الانسان عن جسده عند موت الجسد، كما في عبارة " أرواح أبرار مكملين " (عب
12: 23)، " والأرواح التي في السجن " (1 بط 3: 19) . وهذه الإشارات لا
تتعارض مطلقا مع الرجاء المبارك كما يعبر عنه الرسول بولس، فإننا بعد هذه الحياة
الحاضرة، سوف لا نكون أرواحا عارية، ولكنا سنلبس أجسادا سماوية، " مسكننا
الذي من السماء " (2 كو 5: 1 – 5)
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بقبوق 1

ثالثا
– أساس حياة الانسان: تدل استخدامات كلمة " روح " في الكتاب المقدس –
بعهديه القديم والحديث – على أنها هي أساس حياة الانسان، أو هي طاقة الحياة (كما
أنها كذلك في الحيوان – انظر جامعة 3: 21)، والله هو الذي يعطي هذه الروح للإنسان (إش
42: 5، زك 12: 1)، كما أن الله هو الذي يحفظها (أيوب 10: 21)، وسواء في الحياة أو
عند الموت – عندما تفارق الروح الجسد – يستودع الانسان روحه في يدي الله (مز 31: 5،
جا 12: 7، لو 23: 46)
.

كما
أن روح الانسان – بشكل ما – هي أيضاً مصدر حيوية الانسان ونشاطه جسديا ونفسيا،
فيوصف إعياء الانسان أو خور قلبه، أو فتور عزيمته، بفقدانه للروح (انظر يش 5: 1، 1
مل 10: 5، مز 142: 3، 143: 4 و 7، حز 21: 7)، وبناء عليه فإنه عند استعادة الانسان
لنشاطه يوصف بأنه قد انتعشت روحه أو رجعت إليه روحه أو عاشت فيه روحه (انظر تك 45:
27، قض 15: 19، 1 صم 30: 21)، كما وصف قيام ابنة يايرس من الموت بالقول: "
فرجعت روحها " (لو 8: 55)، كما يوصف تجديد الحياة في علاقتها الصحيحة بالله،
بأنه اعطاء روح جديد (حز 11: 19، 36: 26، رو 7: 6)، بينما يوصف عمل نعمة الله
المستمر بأنه إحياء " لروح المتضعين " (إش 57: 15)، وفي الشركة المسيحية
تستريح روح المؤمن بأخيه (1 كو 16: 18، 2 كو 7: 13)
.

وهذه
الأهمية التي " للروح " تقود – بالضرورة – إلى دراسة التناقض بين الجسد
والروح في العهدين القديم والحديث، فالانسان يتكون من جسد وروح، ويمكن لكل منهما
أن " يتدنس " (2 كو 7: 1)، كما يمكن لكل منهما أن يكون مقدساً (1 كو 7: 34)،
فالروح هي أساس الحياة، هي الشخص الحقيقي، هي الذات الحقيقية الداخلية، أما الجسد
فهو الصورة الخارجية، و " الجسد بدون روح ميت " (يع 2: 26)، كما يمكن أن
يهلك الجسد وتخلص الروح (1 كو 5: 5)، ويمكن أن يكون الشخص " غائباً بالجسد
ولكن حاضراً بالروح " (1 كو 5: 3 /، كو 2: 5)
.

هل تبحث عن  م الإنسان خبرات فى الحياة تعليم الفقير مهنة ة

أما
العبارات الواردة في انجيل يوحنا (3: 5 – 8)، وفي الرسالة إلى رومية (8: 3 – 14)،
وفي الرسالة إلى غلاطية (4
21 – 5: 26)، فإن التمييز فيها بين الجسد والروح هو تمييز بين ارداة الانسان
وقوته في فعل ما يشاء بالانفصال عن الله، والحياة والادارة والقوة التي يمنحها روح
الله لتمكين الانسان من فعل ما يريده الله
.

كما
أن الكتاب المقدس يفرِّق بين " الحرف " و " الروح "، بين
الطاعة الظاهرية لناموس الله المكتوب، وحفظه بفهم الهدف منه، وفي المحبة، ومن
القلب (انظر رومية 2: 27 و 28، 2 كو 3: 6 – 8)
.

أما
التمييز بين " الروح " و " النفس " فأمره أصعب، ففي بعض
الأحيان – في العهد القديم – تبدو كلمة " روح " وكلمة " نفس "
مترادفين (انظر إش 26: 9)، وفي احيان أخرى تبدو الكلمتان " روح " و
" قلب " مترادفين (انظر إش 57: 15، دانيال 5: 20) وفي مواضع أخرى تبدو
" الروح " هي العامل في الحياة، أما " النفس " " فالكائن
الحي " الناتج عن وجود الروح (انظر تك 2: 7)
.

وثمة
مواضع في العهد الجديد، تبدو النظرة إلى الانسان على أساس أنه كائن ثنائي مكون من
جسد وروح، باعتبار الروح والنفس متشابهين بل يبدوان مترادفين (انظر لو 1: 46 و 47)،
وهناك مواضع أخرى، يبدو من الحديث عن الانسان أنه كائن ثلاثي، وأن كانت عبارة مثل
الواردة في تسالونيكي الأولى (5: 23) لا تعني – بالضرورة – أن الرسول بولس كان
يتكلم عن ثلاثة أقسام في الانسان، أما ما جاء في الرسالة إلى العبرانيين (4: 12)
عن " مفرق النفس والروح "، فيدل على أنه يجب التمييز بين النفس والروح،
وإن بدا هذا صعباً، وكثيرا ما يعبِّر عن هذا الفارق بالقول " الجانب الفوقي
" و " الجانب التحتي " من حياة الانسان الواعية، فيقال عن النفس
إنها منطقة لقاء الجانب اللامادي من الانسان مع العالم المادي، أما الروح فهي
منطقة لقائه مع الله
.

أما
ما جاء في الرسالة الأولى إلى كورنثوس (2: 14 و 15)، فيفرق بكل وضوح بين الانسان
الطبيعي، أي الذي لم يتأثر بعمل الروح القدس، والانسان الروحي الذي ينقاد بروح
الله (انظر أيضاً رسالة يهوذا 19)
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر القضاة 01

رابعا
– الكيان الجوهري في الانسان: مع مفهوم " الروح " كأساس حياة الانسان،
فإن " الروح " هي أيضاً " مصدر ومركز البصيرة والارادة "، أي
أن " الروح " هي جوهر كيان الانسان، وهذا ما يعلل الاستخدامات الكثيرة
لكلمة " روح " في العهدين القديم والجديد، فيمكن لروح الانسان أن "
تتنبه " (عز 1: 1 و 5)، و " تنزعج " (تك 41: 8)، و " تبتهج
" (او 1: 47)، وتنسحق أو تصغر (خر 6: 9)، كما أن " الروح نشيط " (مت
26: 41)، والروح " تقسي " (تث 2: 30)، وقد يكون الانسان طويل الروح أو
متكبر الروح (جا 7: 8)، أو مسكينا بالروح (مت 5: 3)، ويلزم أن يكون للانسان سلطان
على روحه (أم 25: 28)، وروح الانسان هي التي تسعى نحو الله وتبكر اليه (إش 26: 9)،
وروح الله الساكن في المؤمن هو الذي يشهد لروح المؤمن (رو 8: 16)
.

وبهذا
المعنى يستطيع روح الانسان أن يؤثر أو بالحرى يسيطر على روح إنسان آخر، فيمكن أن
يكون للبعض روح موسى (عد 11: 17 و 25)، أو روح إيليا (2 مل 2: 9 و 15، لو 1: 17)،
وبالمثل يمكن أن يسيطر على الانسان روح العالم (1 كو 2: 12)، أو روح الأنبياء
الكذبة (حز 13: 3)
.

خامساً
– المزاج السائد على الانسان: ثمة أشياء كثيرة – كما رأينا – يمكن أن نصف بها عمل
روح الانسان في جوهر كيانه، ومن هذا الوصف، تصبح الخطوة صغيرة نحو استخدام "
الروح " في وصف المزاج السائد على الانسان أو توجهه الدائم، فيمكن أن يكون
للانسان " روح متشامخة " أو " روح متواضعة " (أم 16: 18 و 19
 ، أو " روح غيرة " (عد 5: 14)، أو " روح عبودية
" (رو 8: 15)، أو " روح سبات " (رو 11: 8) أو " روح حكمة
" (تث 34: 9)
.

ومما
هو جدير بالملاحظة، في هذا المقام، أنه في اللغة العبرية كثيرا ما يستخدم المضاف
اليه للتعبير عن الصفة، كما في " روح الوداعة " (غل 6: 1) التي تعادل
" الروح الوديع " (1 بط 3: 4)، وعندما نقرأ في الرسالة إلى رومية (8: 15)
عن " روح التبني "، وفي الرسالة إلى افسس (1: 17) عن " روح الحكمة
والاعلان "، فليس من الميسور الجزم بما تعنيه " الروح " هنا، فالروح
القدس يسكن في روح الانسان ويمنحه " روح القوة والمحبة والنصح " (2 تي 1:
7)
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي