سِحْر

 

أولاً – ماهيته : السحر هو محاولة التأثير فى الناس أو الأحداث ، إما
بوسائل الخداع والشعوذة ، أو بتسخير قوى شيطانية ، وذلك لجلب منفعة أو دفع مضرة ،
أو إيقاع أذى بالغير، أو استطلاع المستقبل والرجم بالغيب . والسحر ظاهرة عالمية
تنتشر فى كل بقاع الأرض وبين كل الشعوب منذ أقدم العصور . وله صور متنوعة ، فقد
يكون بتوجيه اللعنات ، أو بترديد التعاويذ ، أو باستخدام التمائم والأحراز ، أو
بتحطيم نموذج للعود مصنوع من الشمع أو الخشب أو الطين أو غير ذلك ، أو بقراءة
الطالع بالورق أو الكؤوس أو الرمل أو الحصي ، أو رمي السهام ، أو حركات الكواكب
والنجوم ، أو اتجاه الطيور فى طيرانها ، أو حركات الحيوانات أو فحص أحشائها ، أو
غير ذلك من الأساليب التى لا طائل وراءها ، ولا جدوى منها
.

ثانياً –   السحر فى أشور
ومصر وفلسطين : كان العبرانيون محاطين بعالم كان يمارس فيه السحر منذ قرون عديدة
:

(1)    فى أشور وبابل : جاء فى
التراث الشعبي الأكادي السومري أن الآلهة كانوا -مثل سائر البشر – فى حاجة إلى
استخدام السحر لحماية أنفسهم من الآلهة الآخرين . ففي "ملحمة الخلق البابلية"
نجد أن "إيَّأ أنكي" كان "رب الرُقي" . وقد هزم ابنه "مرودخ"
الإلهة "تيامات" لأن
 
تعاويذه
كانت أقوى من تعاويذها . وقد وصلت إلينا كتابات بها قوائم طويلة بالأمور التى تجلب
الأذى للناس ، والطقوس والاجراءات اللازمة للتطهر منها . كما أن هناك ألواح أشورية
تتحدث عن قراءة المستقبل باستطلاع النجوم والأحداث البشرية وحركات الطيور وأعضاء
الحيوانات . ويقول ناحوم النبي عن نينوى (عاصمة أشور) : "من أجل زنى الزانية
الحسنة الجمال ، صاحبة السحر ، البائعة أمماً بزناها ، وقبائل بسحرها" (نا3: 4
).

(2)    فى مصر : كان السحر فى مصر
أمًرا شائعاً يرعاه الآلهة العظام أمثال توت وايزيس . وقد استخدمت ايزيس – فى
أسطورة "أوزيريس" المشهورة – السحر فى التغلب على الإله "ست" وإعادة
زوجها إلى الحياة . وكانوا يعلمون السحر فى المدارس الملحقة بالمعابد (وكانوا
يسمونها "بيوت الحياة"). وكان هناك كهنة متخصصون فى ممارسة السحر لأحياء
وللأموات لتزويدهم بما يحتاجون إليه فى حياة الآخرة . وهناك مخطوطة تُعرف باسم :
"تعليمات للملك مريكار" (ترجع إلى حوالى 2200ق.م) تبين العلاقة الوثيقة
بين السحر والطب فى مصر القديمة، كما كان الأمر فى بابل ، وكان تفسير الأحلام فناً
متقدماً ، كما اشتهر السحرة المصريون بعمل العجائب كما حدث فى عهد موسى
.

هل تبحث عن  م الأباء يوحنا ذهبى الفم الغنى ولعازر 04

(3)    فى فلسطين : جاء فى الملاحم
الكنعانية أن الآلهة والبشر كانوا يمارسون السحر. ففى "ملحمة البعل" ،
انقلبت غلبة الإله "موط" على "بعل" إلى هزيمة بفعل الوسائل
السحرية التى استخدمتها الإلهة "أنات" أو "عنات" . وفى أسطورة
"قريط" ملك أوغاريت ، أجرى الإله "إيل" طقوساً كثيرة ليرد
للملك صحته . وهناك الكثير من هذه الملاحم التى تتحدث عن استخدام النساء للسحر
والتنجيم
.

ثالثاً –   العهد القديم
والسحر : هذه الظاهرة العالمية ، لابد كان لها أثرها على بني إسرائيل . والعهد
القديم واضح كل الوضوح فى النهي عن كل صور السحر . وهناك نهي بالغ القوة فى هذا
الصدد : "متى دخلت الأرض التى يعطيك الرب إلهك ، لا تتعلم أن تفعل مثل رجس
أولئك الأمم . لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته فى النار ، ولا من يعرف عرافة
ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ، ولا من يرقي رقية ، ولا من يسأل جاناً أو تابعة ،
ولا من يستشير الموتى ، لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب .. " (تث 18: 9-14
، انظر أيضاً لا 19: 26). وتكاد هذه العبارة تضم كل أنواع السحر
.

وكان الإسرائيلي يتعلم منذ صباه أن يتجنب الكثير من الممارسات
الدينية التى تؤديها الشعوب حوله ، واعتبارها خرافات خطيرة ، لا يمكن أن توجد
جنباً إلى جنب مع عبادة "يهوه" . وكانت عقوبة السحر القتل رجماً :
"لا تدع ساحرة تعيش" (خر22: 18) "وإذا كان فى رجل أو امرأة جان أو
تابعة فإنه يُقتل . بالحجارة يرجمونه . دمه عليه" (لا20: 27). ونجد نفس هذا
الموقف فى الأنبياء ، فمثلاً : "وإذا قالوا لكم : اطلبوا إلى أصحاب التوابع
والعرافين المشقشقين والهامسين . ألا يسأل شعب إلهه؟ أيسأل الموتى لأجل الأحياء؟"
(إش8: 19) ، "فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم وعرَّا فيكم وحالميكم وعائفيكم الذين
يكلمونكم .. لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب" (إرميا27: 9 و 10) . "وأنت
يا ابن آدم ، فاجعل وجهك ضد بنات شعبك اللواتي يتنبأن من تلقاء ذواتهن ، وتنبأ
عليهن وقل : هكذا قال السيد الرب : ويل للواتي يخطن وسائد لكل أوصال الأيدى ،
وتصنعن مخدات (أو أقنعة) لكل قامة لاصطياد النفوس" (حز13: 18) . وبذلك كن
يذهبن إلى أبعد مما جاء فى نبوة ميخا من : "الأنبياء الذين يضلون شعبى الذين
ينهشون بأسنانهم وينادون سلام . والذي لا يجعل فى أفواههم شيئاً يفتحون عليه حرباً"
(ميخا3: 5) فكانوا يتنبأون بالخير أو بالشر حسب استعداد السائل للدفع . ويبدو أن
الوسائد والمخدات ، كان يلبسها السحرة أنفسهم (العددان 20 و 21) والعملاء (عدد 18)
ولعل الساحرة (أو الساحر) كانت تصنع هذه المخدات (أو الأقنعة) لتمثل الخصم ، على
شكل دمي ، ثم تلبسها بعض الوقت وتقرأ عليها بعض التعاويذ . ويظن بعض العلماء أن
الساحرة كانت تزعم أنها قد أمسكت بالنفوس وربطتها فى هذه الوسائد والمخدات حتى تقضي
عليها . وكان يمكن أن يُستعاض عن هذه الدمي والوسائد والمخدات بشئ مما يخص الخصم ،
مثل دمه أو شعره أو أظافره أو شئ من متاعه
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر إرميا القمص تادرس يعقوب 34

ولكن النبي ينذرهم بأن الرب سيقيم فى صهيون حجر امتحان "كريماً
أساساً مؤسساً ، من آمن لا يهرب . وأجعل الحق خيطاً ، والعدل مطماراً ، فيخطف
البرد ملجأ الكذب .. ويمحى عهدكم مع الموت ، ولا يثبت ميثافكم مع الهاوية . والسوط
الجارف إذا عبر تكونون له للدوس .." (إش28: 16-19
).

ومن المحزن أن الكثيرين من الشعب القديم لم يطيعوا وصايا الرب
بالابتعاد عن كل ما يتصل بالسحر والسحرة . فتقرأ عن الملك شاول أنه لجأ – بعد أن
تخلى عنه الرب – إلى عرَّافة عين دور . كما نقرأ عن "سحر أيزابيل" (2مل9:
22) وكان من أسباب القضاء على مملكة إسرائيل وسبي الشعب ، "أنهم عبدوا البعل
وعبروا بنيهم وبناتهم فى النار وعرفوا عرافة وتفاءلوا وباعوا أنفسهم لعمل الشر فى
عيني الرب لإغاظته" (2مل17: 17

كما
أن منسى ملك يهوذا "عبَّر ابنه فى النار وعاف وتفاءل واستخدم جاناً وتوابع
وأكثر عمل الشر فى عيني الرب لإغاظته" (2مل 21: 6) ولكن حفيده التقى يوشيا
أطاع الرب ، فإن "السحرة والعرافون والترافيم والأصنام وجميع الرجاسات التى
رُئيت فى أرض يهوذا وفى أورشليم أبادها يوشيا ليقيم كلام الشريعة" (2مل23: 24
).

وقد استأجر بالاق ملك موآب بلعام النبي الكذاب (عد22: 1-24: 16) ،
والعرَّاف (يش13: 22) ليلعن شعب الله . ولكن الله لم يسمح له بذلك ، بل وضع فى فمه
– رغماً عنه البركة عوضاً عن اللعنة ، فقال : "كيف ألعن من لم يلعنه الله ؟
وكيف أشتم من لم يشتمه الرب؟" (عد23: 8) ، "إني قد أُمرت أن أبارك . فإنه
(الرب) قد بارك فلا أرده .. إنه ليس عيافة على يعقوب ولا عرافة على إسرائيل"
(عد24: 20-23) . فيجب ألا يخشى أولاد الله القوى الشيطانية فى جميع صورها ، لأنهم "مباركو
الرب" (انظر مت 25: 34، أف1: 3
).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد جديد إنجيل لوقا 18

ويصور إشعياء النبي عدم جدوى السحر والعرافة بالقول : "قفي فى
رقاك وفى كثرة سحورك .. ليقف قاسمو السماء الراصدون النجوم المعرَّفون عند رؤوس
الشهور ، ويخلَّصوك مما يأتي عليك . ها إنهم قد صاروا كالقش . أحرقتهم النار . لا
ينجُّون أنفسهم من يد اللهب" (إش47: 12-15
).

رابعاً: – العهد الجديد والسحر : يواصل العهد الجديد شجب السحر
والسحرة وكل ما يمت لذلك بصلة . فيضع الرسول بولس "السحر" بين أعمال
الجسد البغيضة (غل5: 19) كما يشبه الأشرار الذين يقاومون الحق ، بالسحرة الذين
قاوموا موسى قائلاً : "كما قاوم ينيس ويمبريس موسى ، كذلك هؤلاء أيضاً
يقاومون الحق ، أناس فاسدة أذهانهم ، ومن جهة الإيمان مرفوضون (2تي3: 1-9) كما أنه
قد يشير بكلمة "الأشرار والمزورين" (فى عدد 13) إلى السحرة والعرافين
.

ولما جاء الرسول بولس إلى أفسس ، آمن عدد كبير ، "وكان كثيرون
من الذين يستعملون السحر ، يجمعون الكتب ويحرقونها أمام الجميع ، وحسبوا أثمانها
فوجدوها خمسين ألفاً من الفضة وهكذا كانت كلمة الرب تنمو وتقوى بشدة" (أع19: 19
و 20
).

وفى السامرة ، كان "رجل اسمه سيمون يستعمل السحر ويدهش شعب
السامرة قائلاً إنه شئ عظيم .. وكانوا يتبعونه لكونهم قد اندهشوا زماناً طويلاً
بسحره . ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع
المسيح اعتمدوا رجالاً ونساء ، حتى إن سيمون نفسه إذ رأى آيات وقوات عظيمة تجرى ،
اندهش" (أع8: 9-13) . كما نقرأ فى سفر أعمال الرسل عن "عليم الساحر"
الذي كان يفسد والى جزيرة قبرص عن الإيمان (أع13: 6-8) . وعن الجارية التى أخرج
منها الرسول بولس روح العرافة فى فيلبي (أع16: 16-18) ، وأبناء سكاوا السبعة فى
أفسس (أع19: 13-17) ، وكيف انتصر عليهم خدام الله . ففى كل مكان حاول السحرة
مقاومة كلمة الله ، ظهر خزيهم وانكشف زيفهم
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي