سفينة – سفن

 

(1)نشأتها :

لَمّا كانت أرض مصر وبلاد بين النهرين، تشقها الأنهار والقنوات ، كان
من اللازم اختراع وسيلة لعبور هذه المجارى المائية، لنقل المتاجر والأشخاص . وكانت
أول وسيلة هى " الأرماث " أو " الأطواف" التى كانت تصنع بربط
حزم من عيدان الشجر أو البوص أو الحلفاء معاً . وقد استُخدمت هذه الوسيلة منذ أقدم
  العصور ، فتظهر صورها على
ألواح طينيه ترجع إلى نحو عام 3500 ق.م
.

وظلت صناعة الأرماث حرفة مزدهرة وبخاصة فى منطقة البحيرات والبرك فى
جنوبي بلاد النهرين. وقد وجد نموذج خزفي لقارب فى " إردو" يرجع إلى نحو 3500
ق. م. وهو أشبه ما يكون بالزورق الصغير الشبيه بالقفة المستديرة والمصنوع من الخشب
والجلود والمرسوم فى نقش أشوري على أحد القبور التى ترجع إلى 870 ق.م. والذي ما
زال يستخدم على نهر الفرات. كما كانت تستخدم الأرماث الجلدية المحشوة بالقش. وكان
النقل فى سومر يتم بواسطة زوارق ذات مقدم ومؤخر متحركين ، ومرتفعين ، تسير
بالمجاديف أو بدفعها بالمزراق، أو بجرها من فوق الشاطئ . وقد وجد نموذج لهذا
الزورق فى قبر فى " فارا" يرجع إلى نحو
  3000ق.م. وتظهر صور مثل هذا الزورق على أختام اسطوانية سومرية ومصرية
ترجع إلى نفس ذلك العصر . وفى الألف الثالثة قبل الميلاد نشطت حركة التجارة
  بين بلاد بين النهرين
والبلاد الواقعة فى شمالي المحيط الهندي ، عبر الخليج العربي . ولا نعرف سوى
القليل عن السفن التى كانت تستخدم فى ذلك
  العصر ، ولو أنه جاء فى أحد السجلات التى ترجع إلى نحو عام2000 ق.م. أنه
كان هناك زورق يحمل نحو 300 " حور " ( وهو ما يعادل نحو 28 طناً
).

وكانت أقدم الزوارق الخشبي التى استخدمت فى مصر شبيهة بالأرماث
المصنوعة من حزم البردى، وكانت تزين برسومات من براعم اللوتس. وبالإضافة إلى صور
السفن المتنوعة الأشكال المستخدم فى تزيين المقابر ، فإن الكشف عن مراكب حقيقية ،
قد أعطانا فكرة صحيحة عن السفن المصرية . وقد أكتشفت أقدم هذه السفن بجوار الهرم
الأكبر بالجيزة، وهى المعروفة "بمراكب الشمس" ( وترجع إلى نحو عام 2600ق.م.)
ويبلغ طول المركب 43.4متراً. وقد وجدت سفينتان أخريان فى دهشور ترجعان إلى عهد
الأسرة الثانية عشر (1991-1786ق.م.) ولعدم توفر الأخشاب الصالحة لبناء السفن فى
مصر ، أستلزم الأمر استيراد الأخشاب من لبنان . وقد عمل هذا على تطوير صناعة السفن
التى تمخر عباب البحار . وكان ارتياد السفن المصرية لسواحل فلسطين ، وراء تحذير
الرب للشعب قديماً على لسان موسى :" ويردك الرب إلى مصر فى سفن فى الطريق
التى قلت لك لا تعد تراها ، فتباعون هناك لأعدائك عبيداً و إماء وليس من يشترى "(تث
28: 68) وبخاصة إن العبيد الآسيويين كانوا يُنقلون إلى مصر فى سفن منذ عهد "سحورى"(حوالى2500ق.م.).
كما أرسلت بعثات عبر البحر الأحمر فى سفن كان يبلغ طول الواحدة منها نحو ثلاثين
متراً، وتسير بقوة القلوع والمجاديف. وكانت السفن المصرية تتميز بوجود حبل لتكتيف
السفينة يصل بين مقدمها ومؤخرها، ويمر فوق قوائم خشبية مشعبة فوق سطح السفينة ،
ويُشد بقوة ليحفظ تماسك السفينة فى مواجهة الأمواج العاصفة
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر المزامير 76

(2) السفن فى العهد القديم:

لم يكن بنو إسرائيل شعباً يركب البحار ، ولكن موقعهم الجغرافي، جعلهم
على اتصال برجال البحر وسفنهم. فكانت أسباط زبولون ويساكر ودان وأشير يقطنون- فى
وقت من الأوقات – على سواحل البحر (تك 49: 13، تث 33: 19، قض 5: 17). وكان جيرانهم
من الفينيقيين والفلسطينيين سادة البحار فى تلك العصور، ومع ذلك كان منظر السفن
أمراً يدعو للعجب عند الإسرائيلي (أم 30: 19). وكان عبور البحر بسلام دليلاً على
صلاح الله وقدرته (مز 107: 23-30). كما يشبة السكران" بالمضطجع فى قلب البحر "
أي أنه يترنح مثل السفينة التى تتقاذفها الأمواج (أم 23: 34). كما يشبة أيوب أيامه"
بأنها أسرع من عدّاء.. تمر مع سفن البردي ، كنسر ينقض إلى قنصه" (أيوب 9: 26
).

ويذكر الكتاب المقدس" سفن التاجر " (أم 31: 14) ، وهى – على
الأرجح- " سفن ترشيش" (1مل 22: 48). ولا يمكن الجزم بما إذا كان المقصود
بترشيش هو مكان جغرافي معين أو هو نوع معين من السفن . ويعتقد بعض العلماء أن سفن
النقل الفينيقية المرسومة على قبور سنحا ريب (نحو 700ق.م.) هى " سفن ترشيش "
، وهى سفن كان لها سطحان للمجاديف . ولكنه أمر موضع شك وذلك لعدم وجود قلوع . وقد
تطورت السفن الفينيقية فى الألف الثانية قبل الميلاد ، كما نعلم ذلك من النقوش
والكتابات فى المقابر المصرية، إذ تكشف لنا هذه النقوش عن اختلافها عن السفن
المصرية ، فقد كان لها عارضة رئيسية تمتد فى قاعها من مقدمها إلى مؤخرها، كما كان
لها سياج يدور بسطحها ، يعتقد البعض أنه كان ستارة من الرياح ، بينما يعتقد البعض
الآخر أنه كان لحماية الشحنة من التساقط فى البحر
.

وقد جاء بوثيقة من رأس شمرا ترجع إلى عام 1200ق.م. أن إحدى هذه السفن
كانت تحمل ما يعادل 450 طناً ، دون أي تلميح إلى أنها كانت حالة استثنائية . ولابد
أن سفينة بهذه الضخامة كانت تعتمد على قوة القلوع ، ولم تكن تعتمد على المجاذيف
إلا المسافات قصيرة فى حالة الطوارئ
.

والسفينة التى نزل إليها يونان النبي فى يافا ، يبدو أنها كانت سفينة
كبيرة أشبه بسفينة يونانية مرسومة على كأس ، ترجع إلى نحو عام 550ق.م. فقد كان بها
نوتيه وعليهم رئيس
  ( يونان 1: 5و6).

وكان الفينيقيون يستخدمون سفناً صغيرة لنقل البضائع للمسافات القصيرة
، وكانت تسير بالمجاذيف ، وكانت تتميز بوجود عموديين مرتفعين عند مقدمها ومؤخرها ،
وكان أحدهما يحمل تمثال رأس حصان ، حتى إن الغريق كانوا يطلقون على مثل هذه السفن
اسم "الخيول ". وهناك نقش آشوري يرجع إلى نحو 710ق.م.لسفينة تحمل
أخشاباً ، أشبه بالسفن التى شحنها حيرام ملك صور أخشاباً إلى سليمان الملك ( 1مل 5:
9
).

وهناك كلمة عبرية هى " أونيسايت" تطلق على السفن الحربية (إش
33: 21). حيث نقرأ أن أورشليم فى وقت السلم:"لا يسير فيها قارب بمقذاف ،
وسفينة عظيمة لا تجتاز فيها " . وكان لهذه السفن جسم انسيابي لتتوفر لها
السرعة ، كما كان بها منجنيق فى مقدمتها . كما كان لها سطحان على كل جانب لجلوس
النوتية لتشغيل المجاذيف لضمان إسراعها. وكان اليونانيون ماهرين فى دخول المعارك
بهذه السفن ، ولعلها هى السفن المشار إليها بعبارة
  "سفن من كتيم " (دانيال 11: 30، انظر العدد 24: 24). وبالنسبة
لسرعتها كانت تستخدم فى توصيل الرسائل العاجلة عبر البحار(حز 30: 9
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد جديد رسالة يعقوب الرسول 02

(3) السفن فى العهد الجديد:

(أ)      فى بحر الجليل
:كانت السفن الجليلية تستخدم أساساً فى صيد السمك (انظر مت 4: 12و13، مرقس 1: 19و20،
يو 21: 3-11). وكان الرب يسوع أحياناً يكلم الجموع من فوق سفينة ليصل صوته للجميع (
مرقس 4: 1، لو 5: 2و3
).

ولم تكن هذه السفن –فى العادة- ضخمة، وقد اتسعت إحداها للرب يسوع و
تلاميذه (انظر مرقس 8: 10). ولكن الكمية الكبيرة من السمك التى اصطادها بطرس بشبكة
واحدة ملأت
  سفينتين ( لو 5: 5-7).
ومع أنه كان بها –عادة – قلوع ، لكنها كانت مزودة أيضاً بمجاذيف لتتمكن من السير
فى الجو الهادئ وفى العواصف أيضاً التى كثيراً ما كانت تجتاح بحر الجليل (مر 6: 48،
يو 6: 19
).

(ب)في البحر المتوسط: لم تتغير السفن التى تمخر
عباب البحر المتوسط إلا قليلاً عبر قرون طويلة . وكانت السفن الحربية ( وتمتاز
بطولها الذى كان يبلغ عشرة أمثال عرضها) تسير بالمجاذيف ، وقلما كانت تسير بعيداً
عن الشاطئ . أما السفن التجارية ( وكانت عريضة ، لا يتجاوز طولها ثلاثة أمثال أو
أربعة أمثال عرضها ) فكانت تعتمد على القلوع، ولو أنها كانت تزود أحياناً بمجاذيف
للطوارئ ، وكانت هى أيضاً تميل إلى السير بمحاذاة الساحل ، ولكن فى الظروف
المواتية كانت تشق عباب البحر . وكانت حمولة هذه السفن تتراوح بين ما يعادل 70-300
طن، وإن كان " بليني " يتحدث عن سفينة كانت تحمل ما يعادل 1.300 طناً
.

وكان الرسول بولس يستخدم –فى معظم رحلاته التبشيرية- سفناً ساحلية
صغيرة ، ولكنة فى رحلته إلى روما ، ركب سفينتين كبيرتين من السفن التى تنقل الغلال
من مصر إلى إيطاليا . وكانت السفينة تتسع بسهولة لمائتين ستة وسبعين شخصاً من
النوتية والمسافرين (أع 27: 37). ويذكر يوسيفوس أنه سافر – فى نحو ذلك الوقت
تقريباً- فى سفينة كانت تحمل ستمائة شخص . ويصف لوسيان (فى نحو150م) سفينة حبوب
كبيرة .وقد كشف المنقبون فى أعماق البحار عن حطام سفن قديمة. وهكذا نستطيع أن
نكوَّن فكرة عن السفينة التى كانت موسومة "بعلامة الجوزاء" (أع 28: 11)،
التى أقلع بها الرسول بولس من جزيرة مالطة ، فلابد أنه كان لها سَارِ فى منتصفها
يحمل عوارض طويلة، ويحمل الشراع الرئيسي الكبير المربع ، وشراعاً ثانياً صغيراً. وكان
لها أيضاً سار مائل فى المقدمة ، يحمل شراعاً صغيراً لتسيير السفينة عندما لا يكون
من المرغوب فيه الاستفادة الكاملة من الرياح الشديدة (أع27: 40)، ولتحويل السفينة
لتجنب الانسياق للعاصفة، حيث نقرأ :" إذ كانوا خائفين أن يقعوا فى السيرتس
أنزلوا القلوع"(أع27: 17
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر يوئيل 03

وكان مقدم السفينة ينتهي فى أعلاه برسم محفور أو مرسوم يدل على اسم السفينة
(أع 28: 11). وكانت المؤخرة مرتفعة أيضاً وتنتهي بصورة رقبة أوزة، يعلوها تمثال
للإله المعبود فى المرفأ الذى تنتمي إليه السفينة . وكان هناك مجذفان فى مؤخرة
السفينة يعملان عمل الدفة
.

وكانت بعض المراسي مصنوعة من الحديد، ولكن معظمها كان يتكون من قاعدة
خشبية لها أذرع من الرصاص أو الأحجار. وكانت الواحدة منها تزن أكثر من ستمائة
كيلوجرام وكان يتصل بكل منها عوامة للاستدلال على موقعها. وكان على كل سفينة ثلاث
مراسٍ أو اكثر . وعند الرسو على الشاطئ ، كانت تُنزل مرساة أو أثنتان من مقدم
السفينة ، بينما يربط مؤخرها بأطناب إلى الشاطيء. وفى حالة مواجهة عاصفة كانت تلقى
المراسي من المؤخرة (أع 27: 29)، وكان يُلقى بأثقال لقياس الأعماق فى الأماكن
الضحلة (أع 27: 28)، وكانت أحياناً تطلى بمادة لزجة للحصول على عينات من القاع
.

وكان يربط إلى السفينة قارب صغير ، فى الجو الهادئ ، يرفع عند هبوب
العاصفة (أع27: 16و17)، لئلا تجرفه الأمواج أو تحطمه. وكان هذا القارب يستخدم فى
المرافئ ، أكثر منه كقارب نجاة. وفى حالة تحطم السفينة ، كان الناجون يستخدمون
حطامها لبلوغ الشاطئ. وقد انكسرت السفن بالرسول بولس ثلاث مرات قبل رحلته إلى روما
(2كو 11: 25
).

وكانت مخاطر السفر بالبحر عظيمة، ولكن كانت فوائدها كبيرة أيضاً ( انظر
رؤ 18: 19)، وكان صاحب المركب هو الذى يحكم السفينة بنفسه، أو بمعاونة ربان محترف.
ولكن فى المواقف الخطيرة، كان للركاب أيضاً رأيهم (أع 27: 9-12-حيث كان قائد المئة
مسئولاً عن جماعته ، وليس عن السفينة ذاتها).وكان لبعض السفن الكبيرة ثلاثة سطوح،
كان يجهز البعض منها بالرياش الفاخرة، لكن معظم الركاب كانوا يقيمون على سطح
السفينة أو فى عنابرها
.

وكانت السفن عادة تشتى، فترفع عنها قلوعها وسواريها لتجنب عواصف
الشتاء ، من منتصف نوفمبر إلى منتصف فبراير
  (أع 28: 11، 1كو 16: 6-8، 2تى 4: 21، تى 3: 12). وكانت تعتبر خطرة
أيضاً فترة شهر قبل ذلك التاريخ وبعده(أع 27: 9). ويبدو أن ذلك كان يرجع أيضاً إلى
أن الجو كان يتلبد بالغيوم فتعتم الدنيا، وتصبح الملاحة، استرشاداً بالشمس أو
بالنجوم، مستحيلة. فكانت العوامل الجوية تتحكم فى الملاحة. ويقول يوسيفوس ان
خطاباً من الإمبراطور غايس فى روما استغرق ثلاثة شهور ليصل إلى بترونيوس فى
اليهودية
.

و عبارة " حازمين السفينة"(أع27: 17) تعنى على الأرجح، ربط
السفينة بحبال تمتد من جنب إلى جنب لتثبيت أخشابها حتى لا تتفكك
.

(4)استخدامها مجازياً:

من النادر أن نقرأ استعارات من عالم السفن فى العهد الجديد، ولكن
يقول الرسول بولس عن الرجاء أنه " لنا كمرساة للنفس مؤتمنة"(عب 6: 19). كما
يشبة الرسول يعقوب اللسان بالدفة الصغيرة التى تدير السفن العظيمة (يع 3: 4و5
).

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي