سقوط

 

تستخدم كلمة "السقوط" (المعرَّفة"بأل ") فى
الإشارة إلى ما جاء بالإصحاح الثالث من سفر التكوين عن سقوط آدم و حواء فى معصية
الله ، فسقطا من حالة الكمال التى خلقهما الله عليها( انظر رومية 5: 12،1تى 2: 14
).

(1)مناسبة السقوط:

لم تنبع من آدم وحواء الفكرة التى أديت إلى عصيانهما لأمر الله ،
لكنهما تعرضا للغواية والإغراء، وكانت الأداة المباشرة لهذه التجربة، هى الحية (تك
3: 1). وتدل القصة على أن الحية كانت أصلاً شبيهة بسائر الحيوانات الأخرى. ولا
يمكن إنكار وجود حية فعلية. واللعنة التى نطق بها الله عليها (تك 3: 14) تتضمن
وجود كائن يمكن أن تنطبق عليه. وكان الشيطان وراء هذه الحية (انظر يوحنا 8:44، رو 16:
20، 2كو 11: 3، 1يو 3: 8، رؤ 12: 9، 20: 2). والقصة المذكورة فى الأصحاح الثالث من
سفر التكوين تكمِّلها الإعلانات التالية التى تؤكدها ، كما تؤكد لنا أنه منذ بداية
تاريخ الإنسان الساقط، ما زال عدو البشر يعمل بقوة ودهاء
.

لقد كان محور التجربة هو التهجم على صدق الله وكماله (تك 3: 4و5). فلم
تكن تشكيكاً فى علم الله، أو مجرد إنكار لقوته، بل أن المجرِّب اتهم الله بالغش
والخداع وتزييف الحقائق عن عمد ، مُدَعياً أن الله قد ارتكب كذباً لكي يحتفظ لنفسه
بمعرف الخير والشر .وفى هذا تظهر بلا- شك- الطبيعة الشيطانية لهذا الادعاء. كان
قصد الشيطان أن يحطم كمال الإنسان بهدم إيمانه فى كمال الله. إن طريق الكمال هى
الثقة الكاملة-التى لا تهتز- فى الله، والاعتراف له بالسيادة المطلقة، التى هى حق
له وحده
.

(2)سبب السقوط :

لقد كانت التجربة هى المناسبة التى سقط فيها النسان، ولكنها لم تكن
علة سقوطه، فالتعرض للتجربة ليس خطية فى ذاته، لكن الانقياد لها هو الخطية . وهذا
ما حدث مع أبوينا الأولين، فقد استجابت حواء لغواية المجرِّب، ثم استجاب آدم
لإغراء حواء
.

و كانت خطة المجرِّب أن يتجه بغوايته إلى المرأة أولاً . ولا يذكر
لنا الكتاب المقدس السبب فى ذلك . ولكننا نستطيع أن نتتبع العملية التى وصلت بحواء
إلى حد العصيان الصريح لوصية الله، فبإذعانها لإغراء الحية، نظرت إلى الشجرة، فرأت
" أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر " (تك
3: 6)، مما يدل على أن الحية قد كسبت ثقتها ، فصدقت ما يعتبر هجوماً وتجديفاً على
صدق الله. فرؤيتها أن "الشجرة شهية" لَمِمَا يتعارض تماماً مع وصية الله
، وهكذا عبدت "المخلوق دون الخالق" (رو 1: 25). وقد كان فشلها فى أن
ترفض بشدة وتستنكر قول المجرِّب:"لن تموتا" (تك 3: 4) دليلاً على
ارتدادها فعلاً، فكانت نموذجاً لسيكولوجية الخطية، فالفعل العلني ينبع من الموقف
الداخلي للقلب، كما قال الرب : " لأنه من الداخل ، من قلوب الناس ، تخرج
الأفكار الشريرة.. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان" (مر 7: 21-23،
انظر أيضاً يع 1: 14و15، أم 23: 7). فلم يكن أكل الشجرة المحرمة سوى تعبير عن حركة
داخلية من الارتداد، فى لحظة خداع الشيطان . ولكن حالة آدم تختلف عن ذلك ، ط فهو
لم يُغْوَ" (1تى 2: 14)، ولا يمكن تحديد مسار تفكيره، لكن لابد من تطبيق نفس
المبدأ من
  أن الإرادة
الفعلية لا يمكن أن تنفصل عن الموقف المسبق للقلب والعقل
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ر رام 1

لقد كان القصد من الحظر المفروض على آدم وحواء ( تك 2: 17) هو إثبات
العنصر الفاصل فى الإيمان بالله، ألا وهو الطاعة الكاملة لوصية الله . وقد تضمن
هذا الحظر حق الله وسيادته وسلطانة وحكمته وصلاحه وعدله وقدا ستة . ولم يكن التعدي
على الوصية بالأمر التافه ، بل كان استهانة بجلال الله ، وجحداً لسيادته، وشكاً فى
صلاحه، واسترابةً فى حكمته، وانكاراً لصدقه. فالخطية تتناقض على خط مستقيم مع
كمالات الله ، ومن هنا كانت خطورتها وتبعاتها
.

(3)عواقب السقوط :

(أ)  عواقب شخصية: لقد تغيرت نزعات الإنسان
تغيراً جذرياً، فقد تغير موقفة من نحو الله (تك 3: 7-10). لقد خُلق الإنسان أصلاً
ليكون فى شركة مع الله، وأن يجد لذته فى حضرة الله. أما بعد السقوط فنجده يهرب من
أمام وجه الله، إذ ملك الخزى والخوف على قلب الإنسان" لأن كل من يعمل السيئات
يبغض النور ، ولا يأتي إلي النور لئلا تُوبخ أعماله" ( يو 3: 20
).

(ب) عواقب موضوعية: تغيرت علاقة الإنسان بالله،
فقد كانت الخطية هى سبب القطيعة بين الله والإنسان. ولم تكن هذه القطيعة من جانب
واحد. فبعد أن نادى الرب الإله آدم قائلاً له: "أين أنت" ( تك 3: 9) ،
ظهر جانب من شخصية الله لم يكن ظهر من قبل ، و لو أن الله كان قد هدد به الإنسان
من قبل (تك 2: 17) ، وقد اتضح ذلك من التوبيخ والإدانة واللعنة والقصاص ( تك 3: 14-19و23و24)،
وهى أصداء الغضب الإلهي . وكان أول درس هو أن الخطية لا تعنى فقط تغير موقف
الإنسان نحو الله ،بل و تغير موقف الله أيضاً من نحو الإنسان .أنها لا تعنى اغتراب
الإنسان عن الله فحسب ،بل أيضاً غضب الله على معصية الإنسان
.

 

(ج) عواقب كونية: كان السقوط حدثًا داخل روح
الإنسان ، و لم يكن اضطراباً مادياً فى الطبيعة أو خلخلة لنظامها ، و مع ذلك فقد
أثر بصورة مأساوية فى العالم المادي اللا روحي : "ملعونة الأرض بسببك "
(تك 3:17) ، فقد ُأخضعت الخليقة للبطل " (رو 8:20
لقد كان الإنسان هو تاج الخليقة ، فلمال سقط  الإنسان ، امتدت عبودية الفساد إلى كل ما كان يسود عليه الإنسان ،و
أتمام عمل الفداء ،هو وحدة الذى يحرر العالم من اللعنة التى حلت به بسبب خطية
الإنسان (انظر رو8: 19 -23 ،2بط 3:13

).

هل تبحث عن  م المسيح لماذا لا يؤمن بعض الناس بالمسيح وتعاليمه ه

(د)عواقب شملت الجنس البشرى كله: تتضح عاقبه سقوط
آدم و حواء من قائمة الخطايا التى لطخت كل تاريخ البشرية : من حسد و حقد و قتل و
عنف وظلم و زنا و غيرها. لقد تراكمت النتائج حتى أن" شر الإنسان قد كثر فى
الأرض " (تك 6:5)،"لأن الأرض امتلاءت ظلما " (تك 6: 13). و يثبت
لنا التاريخ أن سقوط آدم لم يكن حدثاً فردياً ،بل كان له آثره فى كل الجنس البشرى .
و تكشف الأسفار المقدسة عن السبب ، مبينة علاقة التضامن و الترابط بين آدم و ذريته
، ما يفسر لنا هذه العواقب . فلم يكن آدم مجرد أب لكل الجنس البشرى فحسب ، بل
أيضاً نائباً و ممثلاً له ،لأنه "بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس
للدينونة..كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاه " (رو5: 18و19). و
كما أنه "فى آدم يموت الجميع" (1كو 15: 16) ، هكذا فى آدم أخطأ الجميع.."لأن
الحكم من واحد للدينونه"(رو5: 16)،انظر أيضاً رو 5: 12و15).لقد حُسب كل الجنس
البشرى مشتركاً مع آدم فى خطيته ، و بالتالي فى الفساد الذى أنتجته خطيته . هذا هو
تفسير الكتاب لعمومية الخطية و الدينونة و الموت
.

(ه) الموت: كان الوعيد المعلن عقاباً للأكل من
الثمرة المحرمة هو:" لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت "(تك2: 17).و نرى
كيف تم هذا الوعيد فى تلك العبارة التى تكررت كثيراً فى الأصحاح الخامس من سفر
التكوين :"و مات "(تك5 :5 و8 و11و14و17و20و27و31). ورغم طول حياة هؤلاء
الآباء الأوائل ، لم يمكنهم النجاة من هذا المصير ،لأنه قد "وضع للناس أن
يموتوا مرة "(عب 9: 27).فبالسقوط دخل التحلل إلي كيان الإنسان ذاته ، بانفصال
العناصر
  التى تكوَّن منها
:" لأنك تراب وإلى التراب تعود "(تك3: 19) . "فيرجع التراب إلى
الأرض كما كان ، و ترجع الروح إلى الله الذى أعطاها "(جا12: 7). وشهادة
الكتاب المقدس واضحة جلية بأن الموت نتج عن تعدى آدم ، و أنه هو أجرة الخطية ، و
لم يكن جزءاً أصيلاً فى طبيعة الإنسان (تك2: 17 ،3: 19 ، رومية 5: 12 ،6: 23،1كو 15:
22
).

(1) تاريخية السقوط :لقد كُتب الكثير تأييداً للزعم
بأن الأصحاح الثالث من سفر التكوين ، ما هو إلا أسطورة أو رواية خيالية ،وليس
تاريخاً .إنها رواية تصور ما يحدث مع كل إنسان . و ليست قصة فريدة حدثت مرة واحدة
فى فجر التاريخ البشرى ، أنهم يزعمون أن آدم هنا هو كل إنسان ، فجميعنا نخطئ كما
أخطأ آدم

و قد تبدو هذه فكرة مقبولة تتفق مع العقيدة الكتابية فى أن الجميع قد
أخطئوا ،و لكنه قول مملوء بالمغالطات
:

هل تبحث عن  م الأباء أغسطينوس أقوال أغسطينوس 60

(أ) ليس صحيحاً أن الجميع يخطئون كما أخطأ آدم ،
فهناك فرق جذري بين آدم وذريته. فنحن جميعاً قد وُلدنا خطاة ،أما آدم و حواء فلم
يكونا خطاة أصلاً.كما أننا لم نصبح خطاه لضعف اختياري و تعدٍ إرادي ،كما فى حالة
أبوينا الأولين، بل نحن خطاة أمام الله لأننا وُلدنا من آدم الذى أخطأ، فبالاثم قد
صُورنا، و بالخطية قد حُبل بنا (مز51: 5).و نحن "بالطبيعة أبناء الغضب"(
أف2: 3)،"و أموات بالذنوب و الخطايا "( أف2: 1) ،ليس اكتساباً بل
بحسباننا خطاة فى آدم.وشهادة الكتاب هى أننا لم نخطئ "على شبة تعدى آدم"(رو
5: 14
).

(ب) لو كنا جميعاً آدم ،لأنكرنا على آدم تميز
تفردة كالأنسان الأول. والمقابلة بين آدم والمسيح(رو5: 12- 19،1كو15: 21و22و45-49)
ترتبط بطريق الخلاص وبكمال الإنجيل. و هذه المقابلة تبين لنا الفرق بين الطريقة
التى ملكت بها الخطية و الدينونة و الموت ،و الطريقة التى جاء بها البر و التبرير
و الحياه للبشر.فبآدم كانت الخطية و الموت ،و بالمسيح صار البر والحياة .ومن ثم
فإن آدم و المسيح يرتبطان بالبشر بعلاقات متميزة لا نظير لها . و هذه المقابلة،
،وذلك التناقض يستلزمان أن يكون آدم شخصية حقيقية فريدة مثلما كان المسيح شخصية
حقيقية فريدة .إن القول بأن الإصحاح الثالث من سفر التكوين ليس تاريخا ًبل قصة
تصويرية ، وأن كل واحد منا هو آدم يخطئ مثلما أخطأ آدم،
  هو قول يهدم خصوصية آدم ،ويغض من أهمية ما فى تاريخنا من خطيه و فداء.

(ت) تؤكد أقوال  العهد الجديد تاريخية الإصحاحين الثاني و الثالث من سفر التكوين :فهناك  إشارات فى أسفار العهد
الجديد الى ما ورد فى سفر التكوين . بل قد اقتبست منه عبارات بألفاظها (أنظرمثلاًمت19
:5و6،مر قس 10: 7و8 مع تك2: 24). كما أن الإشارة الى تعدى آدم (رو5:14) تدل بوضوح
على أن "الإنسان الواحد الذى دخلت الخطية به الى العالم "(رو5:12) إنما
هو آدم ، و أن خطية الإنسان الواحد (رو5: 15 -19) إنما هى خطية آدم . و فى الرسالة
الأولى الى الكنيسة فى كورنثوس (15: 45و47و49) توجد إشارة واضحة إلى ما ورد فى سفر
التكوين (2: 7).و فى الرسالة الأولى إلى تيموثاوس (2: 13)، يبنى الرسول كلامة على
ما جاء فى سفر التكوين (2: 20-23). و فى نفس الرسالة (1تى2: 14)إشارة واضحة إلى ما
جاء فى سفر التكوين (3: 1-6و13).و تكفي هذه الأمثلة لاثبات أن الرب يسوع المسيح و
الرسول بولس يؤكدان أن القصص المذكورة فى سفر التكوين هى قصص تاريخية صحيحة ،
يستندان إليها فى أقوالهما. و لا يمكن الفصل بين هذا التعليم الموجود فى الفصول
المذكورة، و الأساس الذى بُنى عليه و المذكور فى سفر التكوين
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي