مرتفعة

 

والمرتفعة كانت عادة موقعا جغرافيا مرتفعاً . وتستخدم في العهد القديم في غالبية الأحيان للدلالة على مكان فوق ربوة أو تل أو جبل ، يستخدم للعبادة ، وبخاصة العبادة الوثنية ، وهي ترجمة للكلمة العبرية ” باما ” وهي أكثر الكلمات العبرية استخداما للدلالة على مرتفعة ( انظر لا 26 : 30 ، عد 21 : 28 ، 22 : 41 ، 33 : 52 ، تث 32 : 13 ، 33 : 29 .. الخ ) . وقد يسمى مكان العبادة ” بيت المرتفعة ” ( 1 مل 12 : 31 ) ، ولكنه في أغلب الأوقات يسمى ” مرتفعة ” فقط ( 1 مل 3 : 4 ، 11 : 7 ، عاموس 7 : 9 ) . وقد تستخدم الكلمة للدلالة على مجرد موقع جغرافي ، أو مرتفع طبيعي مثل تل أو جبل ( عد 21 : 28 ، إراميا 26 : 18 ، حز 36 : 2 ، ميخا 3 : 12 ، انظر ايضا 1 صم 9 : 13 و 14 ) . كما تذكر في الكتاب المقدس ” مرتفعات الأبواب ” ( 2 مل 23 : 8 ) ، والتي لا يبدو أن لها علاقة بمنطقة مرتفعة أي عالية ، بل إن بعض المرتفعات كانت في وديان ( إراميا 7 : 31 ، 19 : 5 و 6 ، 32 : 35
) .

ويستخدم حزقيال كلمة عبرية أخرى هي ” رامة ” بمعنى ” مرتفعة ” ( حز 16 : 24 و 25 و 31 – الرجا الرجوع الى مادة ” رامة ” . كما يستخدم ايضا كلمة ” قبة ” ( حز 16
  : 24
و 25 و 31 و 39 ) للدلالة على طراز البناء الذي كانوا يشيدونه للعبادة . كما تستخدم الكلمة العبرية
 
شفى ” للدلالة على مرتفعة جرداء ( خالية من الأشجار ) ، وتترجم هذه الكلمة ” رابية ” ( عد 23: 3 ، إرميا 12 : 12 ) و ” هضاب ” ( إش 41 : 18 ، 49 : 9 ، إرميا 3 : 2 و 21 ، 4 : 11 ، 7 : 29 ، 14 : 6 ) ، فعلى ” الهضاب ” ( أو المرتفعات الجرداء ” ) ” سمع صوت .. بكاء تضرعات بني اسرائيل ” ( إرميا 3 : 21 ، 7 : 29 ) ” لأنه حقا باطلة هي الأكام ثروة الجبال ” ( إرميا 3 : 23 ) لأن الأرض قد تنجست بالزنا الجسدي والروحي ( ارميا

3 : 2 ) .

فكانت المرتفعة النموذجية تقع على رابية أو تل طبيعي . ويبدو أن اختيار مكان مرتفع ، كان يرجع الى عوامل نفسية ، فقد كان ذلك يجعل العابد أعلى من مستوى البيئة المحيطة بارتباطاتها الدنيوية ، كما كان ذلك يجعله يشعر بأنه أقرب الى السماء حيث يوجد المعبود الأعلى . وفي سهول ما بين النهرين . أدى احساس الناس قديما بالحاجة الى المرتفعات لممارسة عباداتهم ، الى بناء الأبراج المدرجة المشهورة باسم ” زيجورات ” . وكان يُبنى أعلى المرتفعة مذبح ، كثيرا ما كان يشيد من حجارة غير منحوتة ، كانت تذبح عليه الحيوانات ثم تحرق بالنار تقدمه للآلهة . كما كانت ترتبط المرتفعات بوجود شجرة ، أو يقام عليها عمود أو سارية من الخشب تمثل الوثن المعبود ، كما كانت المرتفعة تشتمل – أحيانا – على تماثيل للأوثان توضع في بيوت العبادة ( انظر 2 مل 17 : 29 ) . كما كان يوجد بالمرتفعة – أحيانا – حوض أو خزان للمياه للاغتسال أو للسكائب . كما كان يبنى عليها كوخ للكاهن ليقيم فيه اذا لم يكن مسكنه قريبا . كما كانت هناك أكواخ لمبيت من يبتغون الرؤى في المنام
.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد جديد كتابات بابياس س

ومع أن هذه العبادة الوثنية في المرتفعات كانت كسراً للوصية الأولى ، فإنها اشتملت ايضا على كسر الكثير من الوصايا الأخرى ، فقد كانت بعض هذه العبادات تستلزم تقديم ذبائح بشرية ( وبخاصة من الأطفال والأبناء ) ، وممارسات جنسية ، حيث كانت تمارس الدعارة الدينية والشذوذ الجنسي ، وقد أسفرت الحفائر الأثرية عن الكشف عن الكثير من هذه المرتفعات في مواقع كثيرة مثل جازر وبترا
.

وقد استخدم الكنعانيون المرتفعات لبناء مذابحهم فوقها ، قبل دخول بني إسرائيل الى أرض كنعان بزمن طويل ، لذلك أمر الرب بني إسرائيل قائلا : ” تطردون كل سكان الأرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربون جميع مرتفعاتهم ” ( عد 33 : 52 ) ، كما حذرهم من أنهم إذا عصوا شرائعه ، فسيعاقبون ويخرب مرتفعاتهم ويهدم أصنامهم ( لا 26 : 30 ، انظر مز 78 : 58
) .

وبعد تدمير شيلوه ، وقبل بناء الهيكل في أورشليم ، كانت تستخدم المرتفعة مكانا للعبادة ، وقد بارك صموئيل النبي الذبيحة التي قدمها الشعب على المرتفعة ( 1 صم 9 : 12 – 14 ) . كما دعا صموئيل شاول وغلامه للصعود الى المرتفعة ليأكلا معه من الذبيحة ( 1 صم 9 : 19 ) . وقابل شاول – في طريق عودته – ” زمرة من الأنبياء نازلين من المرتفعة ” .. ” فتنبأ في وسطهم ” ( 1 صم 10 : 5 ز 10 ) . ويقول كاتب سفر الأخبار إن مسكن الرب ( أي خيمة الشهادة ) كان على ” المرتفعة التي في جبعون ” في أثناء ملك داود ( 1 أخ 16 : 39 ، 21 : 29 ، 2 أخ 1 : 3و 4 ) . وفي أيام سليمان كانت تقدم الذبائح على المرتفعات ” لأنه لم يُبن بيت لاسم الرب إلى تلك الأيام ” ( 1 مل 3 : 2 ) . وقد ذهب سليمان الى المرتفعة العظمى في جبعون وذبح للرب وأصعد محرقة على المذبح الذي كان هناك حيث أصعد ألف محرقة ( 1 مل 3 : 4 ، 2 أخ 1 : 3 – 6 ) . ولكن سليمان انحرف في أيامه الأخيرة عن طريق الرب ، ” وعمل الشر في عيني الرب ” فبنى ” مرتفعة لكموش رجس الموآبيين على الجبل الذي تجاه اورشليم ولمولك رجس بني عمون ” ( 1 مل 11 : 6 – 8 ، انظر ايضا 2 مل 23 : 13 ) . وعند انقسام المملكة ، سعى يربعام إلى ان يحول بين بني إسرائيل والذهاب إلى أورشليم في المواسم والأعياد ، فأقام عجلين ذهبيين ووضعهما في بيت إيل ودان ” وبنى مرتفعات وصيَّر كهنة من أطراف الشعب لم يكونوا من بني لاوي … وأوقف في بيت إيل كهنة المرتفعات التي عملها ” ( 1 مل 12 : 28 – 33 ، انظر أيضاً 1 مل 13 : 33 ، 2 أخ 11 : 15 ) . وقد تنبأ رجل الله الذي أتي من يهوذا بأنه ” سيولد لبيت داود ابن اسمه يشويا ويذبح عليك ( على مذبح بيت إيل ) كهنة المرتفعات الذين يوقدون عليك ، وتحرق عليك عظام الناس ” ، وأن المذبح سينشق ويذري الرماد عليه ( 1 مل 13 : 1 – 3
) .

كما حدث ارتداد ايضا في المملكة الجنوبية في أيام رحبعام ” وعمل يهوذا الشر في عيني الرب وأغاروه أكثر من جميع ما عمل آباؤهم بخطاياهم التي أخطأوا بها . وبنوا هم أيضا لأنفسهم مرتفعات وأنصابا وسواري على كل تل مرتفع وتحت كل شجرة خضراء . وكان أيضا مأبونون في الأرض ” 0 1 مل 14 : 22 – 24
) .

هل تبحث عن  م المسيح المسيح هل قال أنا الله أو أنا الرب المعبود 03

وعندما أصبح آسا ملكا على يهوذا ، قام باصلاحات دينية كثيرة ” وأما المرتفعات فلم تنزع ” ( 1 مل 15 : 11 – 14 ) . ويذكر كاتب سفر الأخبار ، بعض التفاصيل ، فيقول : ونزع المذابح الغربية والمرتفعات وكسر التماثيل وقطع السوارى ” ( 2 أخ 14 : 3 ) ، و ” نزع من كل مدن يهوذا المرتفعات وتماثيل الشمس ( 14 : 5 ) . ” وأما المرتفعات فلم تنزع من إسرائيل ” 0 15 : 17 ) . وعلى نفس هذا النهج ” عمل ( يهوشافاط ) المستقيم في عيني الرب . إلا أن المرتفعات لم تنزع بل كان الشعب لا يزال يذبح ويوقد على المرتفعات ” ( 1 مل 22 : 43 ) ، ويقول كاتب سفر الأخبار عن يهوشافاط : ” وتقوى قلبه في طرق الرب ونزع أيضا المرتفعات والسواري ومن يهوذا ” ( 2 أخ 17 : 6 ، انظر ايضا 20 : 33 ) . ومعنى ذلك أنه لم يتم في أيام آسا ويهوشافاط استئصال كل المرتفعات . وفي أيام ابنه السفاح يهورام ، ” ترك الرب إله آبائه . وهو أيضا عمل مرتفعات في جبال يهوذا ” ( 2 أخ 21 : 10 و 11
) .


وعمل يهوآش ما هو مستقيم في عيني الرب .. إلا أن المرتفعات لم تنتزع ، بل كان الشعب لا يزالون يذبحون ويوقدون على المرتفعات ” ( 2 مل 12 : 2 و 3 ) . وقد عمل ابنه أمصيا حسب كل ما عمل يوآش أبيه ، إلا أن المرتفعات لم تنتزع بل كان الشعب لا يزالون يذبحون ويوقدون على المرتفعات ” ( 2 مل 14 : 3 و 4 ) ، وكذلك حدث في أيام عزيا ( أو عزريا ) ابن أمصيا ( 2 مل 15 : 3 و 4 ) . وقد عمل يوثام بن عزيا ” ما هو مستقيم في عيني الرب ، عمل حسب كل ما عمل عزيا أبوه . إلا أن المرتفعات لم تنتزع ، بل كان الشعب لا يزالون يذبحون ويوقدون على المرتفعات ” ( 2 مل 15 : 34 و 35 ) . أما آحاز بن يوثام ” فلم يعمل المستقيم في عيني الرب إلهه كداود أبيه ، بل سار في طريق ملوك اسرائيل حتى أنه عيَّر ابنه في النار وذبح وأوقد على المرتفعات وعلى التلال وتحت كل شجرة خضراء ” ( 2 مل 16 : 2 – 4 ، أنظر أيضا 2 أخ 28 : 1 – 4
) .

وكان سقوط السامرة نتيجة لأن ” بينى اسرائيل أخطأوا الى إلرب إلههم .. وعمل بنو اسرائيل سراً ضد الرب الههم اموراً ليست بمستقيمة وبنوا لأنفسهم مرتفعات في جميع مدنهم .. وأقاموا لأنفسهم أنصاباً وسواري على كل تل عال وتحت كل شجرة خضراء ، وأوقدوا هناك على جميع المرتفعات .. وعبدوا الأصنام .. وعملوا لأنفسهم مسبوكات عجلين وعملوا سواري وسجدوا لجميع جند السماء وعبدوا البعل وعبَّروا بنيهم وبناتهم في النار وعرفوا عرافة وتفاءلوا وباعوا أنفسهم لعمل الشر في عيني الرب ، فغضب الرب جداً على إسرائيل ونحاهم من أمامه ” ( 2 مل 17 : 7 – 18
) .

كما أن الأقوام الذين أسكنهم ملك أشور في مدن السامرة ، عملوا آلهتهم ، ” ووضعوها في بيوت المرتفعات التي عملها السامريون ” ( 2 مل 17 : 29 ) ، ” فكانوا يتقون الرب ويعملون لأنفسهم من أطرافهم كهنة مرتفعات ، كانوا يقربون لأجلهم في بيوت المرتفعات ” ( 2 مل 17 : 29 – 32
) .

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر حكمة سليمان 10

لكن حزقيا ملك يهوذا ، قام باصلاحات أبعد مدى ، فقد أزال المرتفعات وكسَّر التماثيل وقطع السواري وسحق حية النحاس التي عملها موسى لأن بني اسرائيل كانوا الى تلك الأيام يوقدون لها ودعوها ” نحشتان ” ( 2 مل 18 : 3 و 4 ، 2 أخ 31 : 1 ، إش 36 : 7 ) . أما منسى بن حزقيا فلم ينهج نهج أبيه ، بل ” عمل الشر في عيني الرب .. وعاد فبنى المرتفعات التي أبادها حزقيا أبوه وأقام
مذابح للبعل وعمل سارية و سجد لكل جند السماء و عبدها وبنى مذابح في بيت الرب .. وبني مذابح لكل جند السماء في داري بيت الرب .. ” ( 2 مل 21 : 2 – 9 ، 2 أخ 33 : 3 – 9 و 17 و 19
) .

وقد قام يوشيا الملك التقي باصلاحات واسعة فأمر أن ” يخرجوا من هيكل الرب جميع الآنية المصنوعة للبعل وللسارية ولكل أجناد السماء وأحرقها خارج أورشليم في حقول قدرون وحمل رمادها الى بيت إيل ، ولاشي كهنة الأصنام .. وهدم بيوت المأبونين التي عند بيت الرب .. ونجس المرتفعات حيث كان الكهنة يوقدون من جبع الى بئر سبع ، وهدم مرتفعات الأبواب .. ونجس توفة التي في وادي بني هنوم لكى لا يعبِّر احد أبنه أو ابنته في النار لملوك ، وأباد الخيل التي أعطاها ملوك يهوذا للشمس . والمذابح التي على سطح عليه آحاز التي عملها ملوك يهوذا ، والمذابح التي عملها منسي في داري بيت الرب هدمها الملك .. وذرى غبارها في وادي قدرون . والمرتفعات التي قبالة أورشليم التي عن يمين جبل الهلاك التي بناها سليمان ملك اسرائيل لعشتروت رجاسة الصيدونيين ، ولكموش رجاسة الموآبيين ، ولملكوم كراهة بني عمون ، نجسها الملك وكسَّر التماثيل وقطع السواري ، وملأ مكانها من عظام الناس . وكذلك المذابح الذي في بيت ايل في المرتفعة التي عملها يربعام بن نباط .. فذانك المذبح والمرتفعة هدمهما وأحرق المرتفعة وسحقها حتى صارت غباراً وأحرق السارية .. وأخذ العظام الذي نادى به رجل الله ” ( 2 مل 23 : 4 – 20 ، انظر 1 مل 13 : 1
) .

وقد تكلم الأنبياء بشدة ضد المرتفعات سواء في إسرائيل أو في الأمم المجاورة ، كإشعياء ( 15 : 2 ، 16 : 12 ) ، وإرميا الذي تكلم عن مرتفعة موآب ( إرميا 48 : 35 ) ، كما يذكر إرميا ” مرتفعات توفة التي في وادي ابن هنوم ” حيث كانوا يحرقون ” بنيهم وبناتهم بالنار ” ( إرميا 7 : 31 ، 19 : 5 ) ، كما تنبأ حزقيال وغيره من الأنبياء عن تدمير مرتفعات بني اسرائيل ( حز 6 : 3 و 5 ، هو 10 : 8 ، عاموس 7 : 9 ) . ويصف النبي حزقيال العبادة الوثنية في المرتفعات بالقول : ” في هذا جدف علَّى آباؤكم إذ خانوني خيانة .. فرأوا كل تل عال وكل شجرة غبياء ، فذبحوا ذبائحهم ، وقربوا هناك المغيظة ، وقدموا هناك روائح سرورهم ، وسكبوا هناك سكائبهم . فقلت لهم ما هذه المرتفعة التي تأتون اليها ؟ .. فهل أسأل منكم يا بيت اسرائيل ؟ ” ( حز 20 : 27 – 31
) .

وقد كان السبي البابلي درساً قاسيا لبني اسرائيل فيما يتعلق بعبادة الأوثان ، فلم يعد للمرتفعات ذكر بعده

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي