صلَّى – صلاة

 

الصلاة هي الاتصال بالله في نعمته الغنية، وحيث أن الله روح فالبروح والحق يجب أن يكون السجود والاقتراب إلى الله (يو 4: 24، انظر أيضاً أف 6: 18، يهوذا 20) لأن “المولود من الجسد جسد هو ، والمولود من الروح هو روح” ( يو 3: 6) والصلاة تتضمن الشكر والحمد والاعتراف والابتهال والتضرع والتوسل والطلب، والله سامع الصلاة وإليه يأتى
 
كل بشر (مز 65: 2
).

أولاً : الأوضاع في أثناء الصلاة ومكأنها
:

   I.  
ليس هناك وضع معين للمثول في محضر الله، فكثيراً ما صلى القديسون وهم وقوف (انظر مثلاً : 1 صم 1: 26، 1 مل 8 : 22، نح 9: 4…إلخ). وكانت الصلاة الكبرى في المجمع إليهودي تسمى “صلاة الوقوف”. كما صلى البعض وهم راكعون (1 مل 8 : 54، 2 أخ 6: 13، عز 9: 5 ، مز 95: 6 مت 26: 39، مرقس 14: 35، لو 22: 41، أع 7: 60، 9: 40، 20: 36). وقد صلي دانيال وهو جاثٍ على ركبتيه ثلاث مرات في إليوم (دانيال 6: 10). أو صلى البعض وهم وقوف مع بسط الأيادى ( 1 مل 8 : 22، إش 1: 15)، أو رفعها (مز 63: 4، 1 تى 2: 8) ويقول نحميا : “فلما سمعت هذا الكلام جلست وبكيت ونحت أياماً وصمت وصليت” (نح 1: 4) ويقول الرسول بولس : “بسبب هذا أحني ركبتى لدى أبي ربنا يسوع المسيح” (أف 3: 14
).

  II.    
يقول سليمأن الحكيم في صلاته عند تدشين الهيكل : “هل يسكن الله حقاً على أرض؟ هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك، فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت؟ (1مل 8: 27) فالصلاة ترفع أينما يوجد الأنسان وحيثما يدرك حاجته إلى رفع قلبه إلى الله (انظر نح 2: 4
).  

 
ولم يكن الهم الأول لكتبة أسفار العهد القديم هو ذكر الأوضاع في أثناءالصلاةأو
                                     
مكانها بل الصلاة نفسها والحاجة التي دفعت إليها
.  

 

ثأنيا ً : الصلاة في العهد القديم
:

يقول كوهلر
” ( Kohler)
أنه يوجد في العهد القديم نحو خمس وثمانين صلاة علاوة على نحو ستين مزمورا كاملا واربعة عشر جزءا من مزمور يمكن أن تعتبر صلوات
:

   I.   
في عصر الآباء
:

كانت
 
الصلاة هي الدعاء باسم الرب (تك 4: 26، 12: 8 ، 21: 33) وكانت تتميز بالتوجه مباشرة إلى الله والألفة معه (تك 15: 2- 6، 18: 22- 32، 24: 12- 14و 26- 28
).

وكثيراً ما كانت الصلاة ترتبط بتقديم ذبيحة (تك 13: 4، 26: 25، 28: 20- 22
).

والصلاة مع تقديم ذبيحة تبين اتحاد إرادة الأنسان بإرادة الله، وكذلك تسليم النفس تماماً لله وخضوعها له. ويبدو هذا جلياً في صلاة يعقوب حيث أردف صلاته بأن نذر أن يكون الرب له إلهاً وأن يعشر كل ما يعطيه الله له (تك 8 : 20- 22
).

  II.  
فيما قبل السبي
:

1)  
كأن من أهم مميزات الصلوات في هذه الفترة، التوسل إلى الله والابتهال من أجل الآخرين، إلي أن هذا حدث أيضاً في عصر الآباء (انظر تك 18: 22- 33). فكثيراً ما صلى موسى متوسلاً من أجل الشعب، بل ذهب في توسله إلى حد قوله : والأن أن غفرت خطيتهم، والا فامحني من كتابك الذي كتبت” (خر 32: 11- 13و 31- 35، 33: 12-16، 34: 9، عد 11: 11- 15، 14: 13- 19، 21: 7 ، تث 9: 18- 21، 10: 10
).

وكذلك صلى هرون (عد 6: 22- 27) وصلى صموئيل الذي قال للشعب : “وأما أنا فحاشا لي أن أخطيء إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم” (1 صم 7: 5- 13، 12: 19و 23) وصلى سليمان (1 مل 8 : 22- 53) وحزقيا (2 ملى 19: 14- 19
).

ولله – في جميع الحالات – السلطان المطلق في استجابة الصلاة أو عدم استجابتها كما تقتضي حكمته. فنقرأ
 
في نبوة عاموس كيف استجاب الرب لصلاة النبي من أجل الشعب (عا 7: 1-6)، ثم نقرأ بعد ذلك كيف أنذر الرب الشعب بأنه سيسبى عن أرضه ، لأنه ” قد أتت النهاية… لا أعود أصفح له بعد” (عا 7 : 7و 8، 8: 2و 3). كما أمر الرب إرميا النبى أن لا يصلي لأجل الشعب (إرميا 7: 16، 11: 14، 14: 11، وانظر أيضاً 15: 1، حزقيال 14: 13و 14و 19و 20
).

بينما نقرأ كيف استجاب الله لطلبات لوط (تك 19: 17-23)، وإبراهيم (تك 20: 17)، وموسى (9 : 27- 33، عد 12 : 9 –15 )، وأيوب (ايوب 42: 8 و 10
).

2-
مما يستلفت النظر أنه في كل أسفار التوراة الخمسة، لا يوجد أمر بالصلاة إلي في سفر التثنية (26: 1- 15) وهو هنا في صيغة للعبادة أكثر منها للصلاة، ففي الأعداد 5- 11 نجد الشكر ، وفي العددين 13و 14 الإقرار بالطاعة فيما مضى، إلي نجد التوسل والابتهال إلي في العدد الخامس عشر
.

3-
يبدو أن الصلاة كانت أمراً محتماً في خدمة الأنبياء، فاستقبال إعلأنات الله ، كان يسلتزم الاتصال بالرب في الصلاة (إش 6: 5- 7، 37: 1- 4، إرميا 11: 32، 12: 1-6، 42: 1-4). وجاءت الرؤيا لدانيال بينما كان يصلي ويعترف (دانيال 9: 20و 21). وترك الباب النبي حبقوق ينتظر مصليا بعض الوقت (حب 2: 1- 3) ونعرف من سفر إرميا أنه وأن كانت الصلاة أمراً جوهريا في اختبار النبي وخدمته إلا أن الباعث عليها قد يكون خبرة عاصفة (18: 19- 23، 20: 7- 18)، وفي نفس الوقت شركة طيبة مع الله (1: 4- 10، 10: 23- 25، 12: 1-4، 14: 7-9 و 19- 22، 15: 15- 18، 16 : 19 ، 17: 12- 14
).

4-
نجد في سفر المزامير مزيجاً من أسلوبين المثالي
 
والتلقائي في الصلاة، فمع الصيغة الرسمية للصلاة
 
في القدس (كما في 24: 7- 10، 100، 150)، توجد صلوات شخصية، كطلب المغفرة (51)، والشركة (63)، والحماية (57)، والشفاء (6) والتبرئة، (109)، وصلوات تفيض بالحمد (103). كما تمتزج الذبيحة والصلاة في المزمورين (54: 6، 66: 13- 15
).

جـ- في فترة السبي
:

كان أهم ما حدث في تلك الفترة، هو ظهور دور “المجمع” بعد أن تم تدمير الهيكل على يد البابليين، ولم يعد في الإمكان تقديم ذبائح في أرض بابل، وأصبح المجمع هو مركز المجتمع اليهودي ومن بين الالتزامات الدينية من ختان وصوم وحفظ السبت، كانت للصلاة أهميتها إذ كان لكل مجتمع صغير في السبي مجمع يؤمه الشعب حيث تتم قراءة الكتاب المقدس، وتفسير الجزء المقروء، ثم الصلاة. وبعد العودة من السبي إلي أورشليم لم يحل الهيكل الجديد محل المجمع كما لم يحل الكاهن محل الكاتب إلي الذبيحة محل الكلمة الحية، وهكذا لم تحل الطقوس محل الصلاة. فسواء في الهيكل أو في المجمع، وسواء في الطقوس الكهنوتية أو تفسير الكتبة، كان العابد التقي يطلب وجه الرب (مز 100: 2، 63: 1- 5) وينال بركته في نور وجهه الذي يشرق به عليه (مز 80: 3و 7 و19
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ل لوحيت ت

د- فيما بعد السبى
:

ظلت العبادة فيما بعد السبي ، في نفس هذا الإطار، لكن مع مزيد من الحرية الفردية، وهو ما نجده في سفرى عزرا ونحميا اللذين، رغم إصرارهما على تطبيق الشريعة والفرائض والذبائح، ومن ثم على المظاهر الاجتماعية للعبادة،
 
فأنهما شددا أكثر على الجانب الروحى في العبادة (عز 7: 27، 8 : 22 و23، نح 2: 4،4: 4و 4و9) وكما كانت صلواتهما عميقة المغزى (عز 9: 6 – 15، نح 1: 5- 11، 9: 5- 38، انظر أيضاً دانيال 9: 4- 19) ويمكننا أن نلاحظ هنا أيضاً أنه لم يكن ثمة وضع معين يجب اتخاذه في أثناء الصلاة كما ذكرنا من قبل، كما لم تكن هناك ساعات معينة للصلاة فكانت الصلاة، تُرفع في أي وقت (مز 55: 17، دأنيال 6: 10)، وهكذا نجد في فترة ما بعد السبي المزج بين ترتيبات الطقوس في الهيكل وبساطة العبادة في المجمع وتلقائية العبادة الشخصية
.

وواضح من كل هذا أن الصلاة كأن من المستحيل وضعها في نظام خاص أو قالب محدد
.

ونجد في العهد القديم نماذج للصلاة، ولكن لا نجد تعليمات ملزمة تحكم محتوياتها أو كيفية أدائها. فالصلاة الروتينية أو المصبوبة في قوالب محددة لم تظهر إلي قرب نهاية الفترة ما بين العهدين كما نرى ذلك جلياً في الأناجيل. وسواء في ذبائح الهيكل في أورشليم أو في الحمد والصلاة وتفسير الكلمة في خدمات المجمع في الشتات، أو في الختان وحفظ السبت وتقديم العشور والأصوام والصداقات، كان العابدون- سواء في الهيكل أو في المجمع- يسعون إلى الفوز بالقبول عند الله
.

ثالثاً : الصلاة في العهد الجديد
:

هناك الكثير عن الصلاة في العهد الجديد، ولكن النبع الرئيسي الذي نستقي منه التعليم عن الصلاة هو حياة المسيح وأقواله
.

أ- في الأناجيل
:

(1)
علَّم الرب يسوع الكثير عن الصلاة بالأمثال، ففي مثل الصديق الذي مضى في نصف الليل يطلب من صديقه أن يقرضه ثلاثة أرغفة (لو 11 : 5-8) يعلمنا المسيح اللجاجة في الصلاة، والأساس الذي تقوم عليه الثقة في الإلحاح في الصلاة هو كرم الآب السماوى (مت 7: 7-11). كما أن مثل الأرملة وقاضى الظلم يعلِّمنا المثابرة على الصلاة (لو 18: 1-8) دون أن نفشل لأن تمهل الله في الاستجابة، ليس لعدم مبالاته، بل لمحبته التي تريد أن تقوِّى إيماننا وتعِّمقه وتعلِّمنا أن نثق فيه في كل الظروف
.

وفي مثل الفريسي والعشار (لو 18: 9-14) يشدد المسيح على التواضع والتوبة، ويحذر من الكبرياء والبر الذاتي لأن الكبرياء والبر الذاتي يحجبان وجه الله. ويدعو المسيح للمحبة وفعل الخير، في مثل العبد الظالم (مت 18 : 21- 35)، فالصلاة المصحوبة بالغفران للآخرين، صلاة يستجيبها الله. كما أنه يعلّمنا أهمية البساطة في الصلاة (مت 6: 5 و 6، 23: 14، مرقس 12: 38 – 40، لو 20: 47)، إذ يجب أن تكون الصلاة خالصة من كل ادعاء وتظاهر، ويجب أن تنبع من بساطة
 
القلب وإخلاص الدافع. كما حث الرب على السهر في الصلاة (انظر مرقس 13: 33، 14: 38 ، مت 26: 41) فيجب أن
 
يجتمع الإيمان والسهر كما يؤكد على أهمية الاتحاد في الصلاة (مت 18: 19و 20) فمتى صلت جماعة من المؤمنين لهم فكر المسيح، في الروح القدس، فلا بد أن يكون لصلاتهم تأثيرها، ولكن يجب أن تكون مصحوبة بإيمان بأنها ستنال ما تطلب (مرقس 11: 24). فالصلاة بإيمان وتسليم كامل للرب ، صلاة يستجبها الله (مرقس 9: 23
).

(2)
إشار الرب في أحاديثه إلى بعض أهداف الصلاة (انظر مرقس 9: 28 و29، مت 5: 44، 6: 11و 13، 9: 36- 38، لو 11: 13
).

(3)
أما عن أسلوب الصلاة، فقد ذكر الرب أمرين هامين : أولاً : أن تكون الصلاة بإيمأن (مرقس 9: 23) وبإخلاص (مت 9: 27- 31) إلي ترتئيى فوق ما ينبغى (مت 14: 17- 31، 20: 20- 23) . ثأنياً: أن ترفع الصلاة لله في اسم المسيح (يو 14: 13، 15: 16، 16: 23و 24) إذ به لنا قدوم إلى الآب (أف 2: 18، انظر أيضاً عب 4: 16). والصلاة باسم المسيح تقتضى أن تكون كما صلى المسيح نفسه. كما يجب أن نرفع الصلاة إلى الآب كما اعلنه الابن لنا. كما أن مشيئة الآب كانت هي محور صلاة المسيح . وما يجب أن يميز صلاة المسيحي هي : طريق جديد للاقتراب إلى الله قد “كرسه لنا (يسوع) حديثاً” بموته على الصليب (عب 10: 19- 22). وأن تكون الصلاة مطابقة لمشيئة الآب لأنها مرفوعة باسم المسيح
.

4-
وقد صلى الرب يسوع في الخفاء (لو 5: 16، 6: 12)، وفي أوقات الصراع الروحي (يو 12: 20- 28، لو 22: 39 – 46). وصلى وهو على الصليب (مت 27: 46، لو 23: 34 و46). وقدم في صلواته الشكر (لو 10: 21، يو 6: 11، 11: 41 ، مت 26: 27). وقضى الليل كله في الصلاة قبل اختيار تلاميذه الاثنى عشر (لو 6: 12 و13) وصلى من أجل الآخرين (يو 17: 6- 26، لو 22: 31- 34، مرقس 10: 16، لو 23: 34). وتحدث مع الآب (مت 11: 25). وكأن موضوع صلاته الأساسي في الأصحاح السابع عشر من إنجيل يوحنا هو وحدة الكنيسة
.

1-
وفي الصلاة التي علمها الرب لتلاميذه التي كثيراً ما تسمى “بالصلاة الربانية” وهى: “أبانا الذي في السموات” ست طلبات (مت 6: 9جـ –13 ب )، الثلاث الأولى منها تختص باسم الله وملكوت الله، ومشيئة الله. والثلاث الأخيرة تختص بحاجات الإنسان إلى الخبز، والغفران، والنجاة من الشرير. ثم تختم الصلاة بتسبحة تمجيد (13 جـ )، وبها ثلاثة إعلانات عن ملك الله وقوته ومجده. وقد امر الرب أن يصلي تلاميذه هكذا أى على هذا المنوال
.

ب- في أعمال الرسل
:

وسفر أعمال الرسل هو حلقة الوصل بين الأناجيل والرسائل. ففي أعمال الرسل نجد الكنيسة تنفذ تعليم الرب عن الصلاة، فقد ولدت الكنيسة في جو الصلاة (أع1: 14) وفي نفس هذا الجو حل عليهم الروح القدس (أع 2 : 1-4 ) وواظبت الكنيسة على الصلاة (2: 42، 6: 4و6) وأدركت الكنيسة أن هناك ارتباط وثيق بين الصلاة والامتلاء بالروح القدس (4: 31) وفي مواجهة الازمات لم يكن أمام الكنيسة إلا أن تصلي (4: 23- 30، 12: 5و 12) وفي كل سفر اعمال الرسل يبرز امامنا رجال الكنيسة كرجال صلاة (9: 40، 10: 9، 16: 25، 28: 8) كما يحثون المؤمنين على الصلاة معهم (20: 31و 36 ، 21: 5
).

جـ- في رسائل الرسول بولس
:

مما يستلفت النظر أنه بعد ظهور الرب لبولس وهو في الطريق الى دمشق، يقول الرب عنه لحناينا “لأنه هوذا يصلي” (أع 9 : 11). والأرجح أنه لأول مرة يكتشف بولس ما هي الصلاة في حقيقتها، فقد كان التغيير في حياته واضحاً قوياً ومنذ تلك الحظة أصبح بولس رجل صلاة. لقد تكلم الرب إليه وهو يصلي (اع 22: 17- 21). وقد تضمنت صلواته الشكر لله، والتوسل من أجل الاخرين ، واليقين من حضور الله معه (انظر 1 تس :1،2،3 ، أف 1: 16- 23) وأدرك أن الروح القدس يعينه في الصلاة، وهو يطلب معرفة مشيئة الله وإتمامها (رو 8 : 14و 26و 27) كما اختبر العلاقة الوثيقة بين الصلاة والنمو في المعرفة (1 كو 14: 14 – 19 ، كو 1: 9) وحث على المواظبة على الصلاة (رو 12: 12
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يمين تيمن ن

والصلاة جزء هام في سلاح المسيحي، حيث يطلب من المؤمنين في أفسس أن يكونوا مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح، وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لاجل جميع القديسين ولأجلي (أف 6: 13- 20) وكان بولس يعيش ما يعلِّم به (رو 1: 9، أف 1: 16، 1 تس 1 : 2) ولذلك كان يؤكد على أهمية الصلاة في حياة المؤمنين (في 4: 6، كو 4: 2و 3
).

وتمتليء رسائل الرسول بولس بالصلوات من أجل القديسين، فيحسن بنا أن نلقي نظرة سريعة على بعض صلواته لنتعلم منها الكثير
.

1-
في رسالته إلى رومية : يسكب قلبه شاكرا لله من أجلهم (1: 8 )، وكيف أنه يعبد الله بروحه (1: 9أ) وكيف يصلي من أجلهم بلا أنقطاع (1 : 9ب) ويعبر عن شوقه لرؤيتهم لكي يمنحهم هبة روحية لثباتهم (1: 10و 11)، وأنه محتاج إليهم ليتعزى بينهم بالإيمان المشترك (1: 12
).

2-
في رسالته إلى افسس : (1: 15- 19) يشكر أيضاً الله من أجلهم (1: 15و 16) ويصلي لأجلهم كى يعطيهم الله روح الحكمة والإعلان في معرفة الله، لتستنير قلوبهم (1: 17و 18أ) ليعلموا ما هو رجاء دعوة الله، وغنى مجد ميراثه، وعظمة قدرة الله التي تجلت في قيامة المسيح (1: 18ب و19 و20
).

3-
وأيضاً في الرسالة الى افسس : (3: 14- 18) يتضرع الى الله ابى ربنا يسوع المسيح لاجل المؤمنين رفقائه لكى يتأيدوا بالقوة بروحه في الأنسان الباطن) (عد 16) ليحل المسيح بالايمان في قلوبهم (عد 17) ليتاصلوا ويتأسسوا في المحبة ويعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة ولكى يمتلئوا الى كل ملء الله (3: 18 و19
).

وتتلخص هاتين الصلوتين من أجل المؤمنين في أفسس، في ثلاث طلبات : أن ينال المؤمنين المعرفة والقوة النابعتين من محبة المسيح، وعن طريقهما يستطيع المؤمنون كأفراد وكجماعة أن يبلغوا الكمال
.

4-
في الرسالة الى كولوسى (1: 9-12) يصلي أيضاً الرسول حتى يمتلئ المؤمنون من معرفة مشيئة الله في كل حكمة وفهم روحي (عد 9) لكي تطابق حياتهم معرفتهم (عد 10) وأن يتفووا بكل قوة في حياتهم (عد 19 )، وأن يكونوا شاكرين الله من أجل هذه الامتيازات العظيمة، والمركز الممتاز الذي صار لهم في الرب يسوع المسيح (1: 12 و13و 14
).

ولكن لعل أعظم ما يضيفه الرسول بولس معرفتنا عن صلاة المؤمنين، هو الربط بينها وبين الروح القدس، فالصلاة – في حقيقتها – هي من عمل الروح القدس في المؤمن (1 كو 14: 14- 16) فالمؤمن يصلي في الروح (أف 6 : 18، انظر أيضاً يهوذا 20
).

فالصلاة هي الصلة بين المؤمن والله حيث أنها ترفع الى الاب باسم الابن في قوة الروح القدس الساكن في المؤمن (انظر رو 8 : 26 و 27
).

5-
في الرسالة إلى العبرانيين وفي رسائل يعقوب ويوحنا
:

تسهم الرسالة إلى العبرأنيين إسهاماً واضحاً في فهمنا للصلاة المسيحية فنرى لماذا أصبح في إمكاننا أن نصلي، وذلك لأن لنا “رئيس كهنة عظيم يسوع ابن الله” (عب 4: 14- 16) “الجالس في يمين العظمة في الأعالى” (1: 3) فهو يرثي لنا ويشفع فينا (7: 25) وعندما نصلي “ننال رحمة ونجد نعمة، عوناً في حينه ” (4: 16) كما يشير الرسول إلى أن المسيح في أيام جسده… قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات” إلى الله وقد سمع له” (عب 5: 7: 10). كما نجد التأكيد على أهمية الصلاة المشتركة وملاحظة “بعضنا بعضاً للتحريض على المحبة …واعظين بعضنا بعضاً (عب 10: 19- 25) ونجد أن مكان الصلاة هو داخل الحجاب، حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا (عب 6: 19و 20
).

ونجد في رسالة يعقوب ثلاثة فصول هامة عن الصلاة: أن تكون “بايمان غير مرتاب” (1 :5-8) وأن تكون بدوافع سليمة (4: 1-3) وأن نصلي في وقت المشقات والمرض (يع 5: 13- 18
).

ويقول يوحنا الرسول : “إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله، ومهما سألنا ننال منه لأننا نحفظ وصاياه ونعمل الاعمال المرضية أمامه” (3: 21و 22). كما يحدد العلاقة بين الصلاة ومشيئة الله بالقول.” وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا (1 يو 5: 4- 16
).

رابعاً : الصلاة وعلم الله السابق
:

قال الرب يسوع “إن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه” (مت 6: 8). فإذا كان الله يعلم كل ما نحتاج إليه فلماذا نصلي ؟ أنه لمن الواضح جداً أننا لا نُصلى لكى نعلم الله بإشياء هو لا يعلمها فالله عليم بكل شئ ويريد أن يعطي عطايا جيدة، فلماذا يجب على المؤمن أن يتضرع إلى الله؟

يقول هـ. ى . بت
(Bett)
مهما كان الله مستعداً أن يعطى أفضل عطاياه، فإن من الحق أيضاً أنه لا يعطيها لمن لا يرغب فيها أو لا يريدها. أنه – حقيقة، ومن فضله- “يشرق شمسه على الإشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين” (مت 5: 45)، أما عطايا النعمة فلا يعطيها للنفس غير المبالية أو غير الراغبة فهناك إحساس عميق بالحاجة، ورغبة قوية وراء كل تضرع صادق، مما يجعل الله يمنح أفضل عطاياه لنا، ويجعلنا نحن أيضاً على استعداد لقبولها بشكر
“.

والله القدير يستطيع أن يفعل ما يشاء، وبالطريقة التي يختارها وقد اختار أن يفعل بعض إشياء دون النظر لحالة البشر، واختار ألا يفعل إشياء اخرى إلا بناء على طلب صادق، مخلص بل وإلحاح أحياناً وفي كل الأحوال يظل قصده هو لا يتغير، ولكن علاقة الأنسان بهذا القصد هي التي تتغير. وقد يبدو أن أفعال الله تتغير لأن شخصاً، كان فيما مضى سائراً في غيه مكتفياً بذاته، أصبح الأن تائباً ممتلئاً من الإيمان فالإنسان هو الذي تغير
.

وفي حالات كثيرة -في الكتاب المقدس -احدثت الصلاة الشفاعية تغيِّراً كبيراً، فقد غضب الله على الشعب قديماً، وأراد أن يضربهم بالوبأ، ولكن موسى صلى للرب قائلا: اصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك، وكما غفرت لهذا الشعب من مصر إلى ههنا فقال الرب قد صفحت حسب قولك (عد 14 : 11- 19
).

وبعد ذلك تضايق بنو إسرائيل من الفلسطينين، فطلب منهم صموئيل أن يتوبوا، وأن يعزلوا الآلهة الغريبة، وعندما نزعوا “البعليم والعشتاروث وعبدوا الرب وحده” صلى صموئيل من أجلهم. ولما عاود الفلسطينيون الهجوم، قدم صموئيل محرقة وصرخ الى الرب… فاستجاب له الرب… وأرعد الرب بصوت عظيم في ذلك اليوم… وأزعجهم فأنكسروا امام إسرائيل (1 صم 7: 3 –119 ومن الواضح أن الله اراد أن يعمل في هذه الحالات ولكن ليس بلا صلاة بل بالحرى أن يعمل استجابة للصلاة ومرة قال الرب باهلاك الشعب “لولا موسى مختاره وقف في الثغر قدامه ليصرف غضبه عن إتلافهم” (مز 106: 23، انظر أيضاً إش 58: 16 ، 63: 4 و5 حز 22: 30
).

هل تبحث عن  م الملائكة ملائكة أشرار شيطان التخدير وشيطان التأجيل ل

ولكن، هل لأن الله يعلم، من قبل تأسيس العالم، متى سيصلي الناس، فإن ذلك يجعل الصلاة بلا معنى ؟ إن الزوج يعلم أنه عندما يعود بعد غياب طويل، ستقابله زوجته الوفية بالأحضان والقبلات، فهل علمه المسبق بذلك يقلل من بهجة اللقاء ونشوة اللحظة؟ فالله الذي دبر امر خلاص شعبه وفدائهم – قبل تأسيس العالم بموت ابنه على الصليب عرف أيضاً طلبات شعبه وصلواتهم، وأعد الاستجابات حسب مسرة حكمته
.

خامساً – معوقات الصلاة
:

لأسباب تتفق مع مقاصد قداسة الله ومحبته وحكمته، لا يستجيب الله لكل طلب ويذكر الكتاب المقدس أسباباً عديدة لعدم استجابة الصلاة
:

(1)
وجود خطية في القلب : “أن راعيت إثماً في قلبي لا يستمع لى الرب” (مز 66: 18
).

(2)
تحويل الأذن عن سمع شريعة الله لأن : “من يحول أذنه عن سماع الشريعة فصلاته
     
مكرهة” (أم 28: 9
).

(3)
إكرام الله بالشفتين مع ابتعاد القلب عنه (انظر إش 29: 13
).

(4)
الخطية تفصل بين الأنسان والله حتى لا يسمع (إش 59: 2 ، انظر أيضاً إرميا

14: 10-12).

(5)
تقديم ذبائح لا تتفق مع كرامة الله (ملاخى 1: 7-9
).

(6)
الصلاة لاكتساب المدح من الناس (مت 6: 5 و6
).

(7)
التفاخر بالصوم وتقديم العشور (لو 18: 11-14
).

(8)
عدم الإيمان، لأنه “بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه” (عب 11: 6
).

(9)
الشك والارتياب : “ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة لأن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الريح وتدفعه فلا يظن ذلك الأنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب

(
يع 1: 6 و7
).

(10)   
طلب إشياء ردية للأنفاق في اللذات (يع 4: 3
).

(11)   
عدم سلوك الزوج بحسب الفطنة مع زوجته (1بط 3: 7
).

سادساً – الصلاة المستجابة
:

ومن الناحية الأخرى، وعد الله أن يستجيب للصلاة
:

(1)  
إذا امتنع أولاده عن الشر واتهام الآخرين، وإنفاق النفس للجائع والذليل

(
إش 58: 9 و10
).

(2)  
إذا آمن أنه سينال ما يطلب (مرقس 11: 22-24
).

(3)  
إذا غفر للآخرين (مرقس 11: 25 و26
).

(4)  
إذا سأل باسم المسيح (يو 14: 13 و14
).

(5)  
إذا ثبت في المسيح وفي كلمته (يو 15: 7
).

(6)  
متى كانت الصلاة في الروح (أف 6: 18
).

(7)  
متى توفرت الطاعة لوصايا الله (1يو 3: 22
).

(8)  
متى كان الطلب حسب مشيئة الله (1يو 5: 14 و15
).

ولكن ليس توفر هذه الشروط معناه أن يصبح الله ملزماً بالاستجابة، فمما لا شك فيه أن يسوع قد تمم كل شروط الصلاة المستجابة، ومع ذلك فأنه في بستان جثسيمانى، ختم صلاته بالقول : “ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت” (مت 26: 36-44). إلي أن شخصاً من البشر له أن يتوقع استجابة صلواته، لكان هذا الشخص هو بولس الرسول، ولكن الله لم يعفه من الشوكة في الجسد، ولكنه أعطاه نعمة ليعيش بهذه الشوكة في الجسد، فلم تمنعة – بمعونه الله – من أن يخدم أعظم خدمة (2كو 12: 7-9). وعندما أصر بنو إسرائيل على طلب ما إشتهوه “أعطاهم (الله) سؤلهم وأرسل هزالاً في أنفسهم” (مز 106: 15). فيجب أن نعلم أن الصلاة ليست إلزاماً لله بل هي تسليم كامل للآب السماوي كلي القدرة والحكمة والمحبة، فالله يستطيع – استجابة للصلاة – أن يوجه كل الظروف في العالم الذي يسيطر هو عليه، فهو “حامل كل الإشياء بكلمة قدرته” (عب 1: 3
).

ويستطيع المصلي أن يحصل على التحرر من الخوف (مز 118: 5 و6)، وعلى قوة في النفس (مز 138: 3) وأن ينال إرشاداً وشبعاً في وسط الجوع والجدب

(
إش 58: 9-11) وحكمة وفهماً (دانيال 9: 20-27) ونجاه من الخطر (يؤ 2: 32) ومكافأة (مت 6: 6) وعطايا جيدة (لو 11: 13) وملء الفرح (يو 16: 23 و24)، والسلام (في 4: 6 و7) والتحرر من القلق والهم (1بط 5: 7
).

كما نستطيع أن نصلي لأجل الآخرين ليعطيهم الله روح الحكمة والإعلان في معرفته (أف 1: 15-9)، والقوة في الأنسان الباطن، وأن يعرفوا محبة المسيح فائقة المعرفة وأن يمتلئوا إلى كل ملء الله (أف 3: 16-19) وأن يميزوا الأمور المتخالفة وأن يمتلئوا من ثمر البر الذي في المسيح يسوع (في 1: 9-11) ومن معرفة مشيئة الله في كل حكمة وفهم روحي، وأن يسلكوا كما يحق للرب في كل رضى مثمرين في كل عمل صالح في كل صبر وطول أناه -بفرح (كو 1: 9-12) وأن يقضوا حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار (1تي 2: 1 و2)، وأن ينميهم ويزيدهم في المحبة بعضهم لبعض وللجميع، ويثبت قلوبهم في القداسة أمام الله (1 تس 3: 10-13) وأن يكونوا أهلاً لدعوة الله ويكمل كل مسيرة الصلاح وعمل الإيمان بقوة (2تس 1: 11 و12)، وأن يعزي قلوبهم ويثبتهم في كل كلام وعمل صالح (2تس 2: 16 و17) وأن يهدي قلوبهم إلى محبة الله وصبر المسيح (2تس 3: 5)، وأن تكون لهم شركة في الإيمان فعَّالة في كل معرفة الصلاح (فليمون 6)، وأن يكملهم في كل عمل صالح لصنع مشيئته وعمل كل ما هو مرضي أمام الله (عب 13: 20 و21
).

وللصلاة تأثيرها في العالم الطبيعى فقد صلى يعبيص لكي يوسع الله تخومه ويحفظه من الشر (1أخ 4: 10) وطلب أجور إلي يعطيه الله فقراً إلي غنى (أم 30: 7-9). وصلى يونان لينجيه الله من بطن الحوت (يونأن 2: 7-10)- وعلَّم المسيح تلاميذه أن يطلبوا خبزهم اليومي (مت 6: 11). وصلى الرسول بولس أن يحفظ الله المؤمنين في تسالونيكى روحاً ونفساً وجسداً (1تس 5: 23) وأوصى يعقوب بأن نصلي من أجل المرضى (يع 5: 14 و15). وصلى إيليا لكي لا تمطر ثم لكى تمطر (يع 5: 17 و18 ، انظر 1 مل 17 : 1 ، 18: 41-45). وعندما صلى التلاميذ تزعزع المكان (أع 4: 31) وبينما كأن بولس وسيلا يصليان في سجن فيلبي حدثت زلزلة فتحت أبواب السجن وفكت القيود (أع 16: 25 و26) والحقيقة هي أن “طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها” (يع 5: 16
).

وفي وسط هذا العالم المضطرب، ما أحوج المؤمنين إلى الصلاة من أجل عمل الله ومن أجل أنفسهم وإخوتهم في العالم، بل ومن أجل كل العالم
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي