سيمون الساحر

 

أولاً – الاسم
:

سيمون اسم يوناني بمعنى “سامع” ، وهو اللفظ اليوناني لاسم “سمعان” العبري . ولا يطلق لقب “الساحر” – بلفظه – على سيمون فى الكتاب المقدس ولكنه لقب ينطبق عليه بحق ، حسبما جاء عنه فى الإصحاح الثامن من سفر أعمال الرسل (8 : 9-24) ، ففي العدد التاسع جاء عنه أنه كان يستعمل “السحر ويدهش شعب السامرة” ، وجاء فى العدد الحادي عشر عن أهل السامرة أنهم كانوا يتبعونه لكونهم قد اندهشوا زمانا طويلا بسحره” ، وكان يبدو فى أعين أهل السامرة أنه شخص خارق : “إذ كان الجميع يتبعونه من الصغير إلى الكبير قائلين هذا هو قوة الله العظيم” (8 : 10
).

ثانياُ – سيمون والرسل
:

(1)     
حدث أن جاء فيلبس المبشر والشماس من أورشليم إلى السامرة و “كان يكرز لهم بالمسيح” (عد 5) ، فآمن كثيرون ، وقد رأوا الآيات التى صنعها لأن كثيرين من الذين به أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم . وكثيرون من المفلوجين والعرج شفوا” (8 : 7.6) وكان وقع ذلك على سيمون عظيما حتى إنه آمن … إذ رأى آيات وقوات عظيمة تجرى” (8 : 13) ومعنى هذا أنه رأى فيلبس يجرى باسم يسوع المسيح معجزات أعظم من كل ما كان يدهش به أهل السامرة ، فقد كانت قوة فيلبس أعظم جداً من قوة سيمون ، فتقدم باعتباره قد آمن ، واعتمد وكان يلازم فيلبس . وإذ رأى الآيات والقوات التى تجرى على يد فيلبس “اندهش” ، وهى نفس الكلمة المستخدمة فى وصف رد فعل أهل السامرة بالنسبة لأعمال سيمون السحرية
.

(2)     
ولما وصلت أخبار قبول السامريين لكلمة الله ، إلى الرسل فى أورشليم ، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا ، “اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس” . ثم “وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس” . ثم “وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس” (8 : 14-17) . وكان حلول الروح القدس – فى الأيام الأولى للكنيسة – يصحبه ظهور مواهب معجزية . ولما رأى سيمون ما حدث – بدلاً من انضمامه للذين تابوا وآمنوا حقيقة – تقدم إلى الرسل عارضا عليهم دراهم لاعطائه السلطان حتى أن كل من يضع عليه يديه ، يقبل الروح القدس . وفى الحال انكشفت حقيقته ، وزجره الرسول بطرس زجراً شديداً أصابه بالرعب ، حتى طلب من الرسولين أن يصليا إلى الرب من أجله حتى لا ينصب عليه غضب الله (8 : 18-24
).

هذا هو موجز قصة سيمون الساحر المسجلة فى سفر أعمال الرسل . ولكن الأجيال التالية ظلت تذكر خطية سيمون الشنيعة ، وأطلق اسم “السيمونية” على خطية المتاجرة بالمراكز الدينية
.

ثالثاُ – السحر والإنجيل
:

لا عجب أن نرى الإنجيل يدخل فى صراع ضد السحرة ، لأنه فى القرنين الأول والثاني ، كان هناك عدد كبير من الأشخاص الذين يدَّعون امتلاكهم قوى خارقة ، حاولوا بها خداع الناس ، فكانوا يتملقون النزاعات الشريرة فى قلوب الناس ، ويجارون الناس فى أفكارهم وأساليبهم ، لذلك كان السحرة موضع إعجاب وثقة الكثيرين . وكان للإمبراطور طيباريوس – فى أواخر أيامه – جيش من السحرة فى بلاطه
.

وكان مع والي جزيرة قبرس – سرجيوس بولس – ساحر نبي كذاب يهودي “اسمه باريشوع” . وكان الوالي رجلا فهيما . ويطلق لوقا على سيمون لقب “عليم الساحر” ، وكان يحاول “أن يفسد الوالي عن الإيمان”(أع 13 : 6-8
).

وكان تأثير هؤلاء السحرة على الناس ، يشكل عقبة فى طريق نشر الإنجيل ، الذي كان عليه أن يشق طريقه وسط الكثير من الخرافات والأضاليل التى خدع بها السحرة قلوب الكثيرين . وعندما حدثت المواجهة بين الإنجيل وأولئك السحرة وأعمالهم ، كان الأمر يستلزم اجراء قوات وآيات تستلفت أنظار الناس بقوة لانقاذهم من سحر وخداع أولئك السحرة ، وجعلهم قادرين على قبول حق الإنجيل . وقد أجريت هذه المعجزات فعلا فى كل من قبرس حيث كان يعمل عليم الساحر ، وفى السامرة حيث كان سيمون يدهش الناس بسحره . ولكن الكراززة بالإنجيل وما صاحبها من معجزات شدت انتباه الناس ، ثم خلصتهم من تأثير السحرة المخادعين (انظر أع 19 : 20.19
).

ربعا – شهادة الكتَّاب الأوائل
:

لا ينتهي تاريخ سيمون الساحر بما جاء عنه في سفر أعمال الرسل ، إذ كتب عنه كثيرون من الكتاب المسيحيين في القرون الأولى
:

(1)     
يقول يوستينوس الشهيد – وكان هو نفسه سامريا – إن سيمون كان من قرية تدعى “جيتون” في السامرة . كما يقول إنه في زمن كلوديوس قيصر ، كانوا في روما يعبدون سيمون باعتباره إلها بناء على قواه السحرية ، وإنه قد أقيم له تمثال على جزيرة في نهر التيبر ، نقشوا على قاعدته “سيمون الإله المقدس” . ومن العجيب أنه في 1574م أسفر التنقيب عن استخراج حجر يبدو أنه كان قاعدة تمثال ، منقوش عليها : “سيمون الإله المقدس ، فيديو المقدس” أي أن التمثال كان مكرسا للإله ، “سيمو سانكوس” أي الإله “هركيولز السابينى” . ويبدو من هذا الكشف الأثرى احتمال أن يوستينوس أخطأ في اعتبار أن التمثال أقيم تكريما لسيمون الساحر ، وكما يقول “نياندر” (في تاريخ الكنيسة) “إنه لمما لا يُصدَّق أن يبلغ الغباء بالرومان أن يقيموا تمثالا لسيمون الساحر ، وأن يستصدروا من مجلس الشيوخ الروماني قراراً باعتبار سيمون الساحر إلها من آلهة الرومان” . فهذا الحجر الذي اكتشف في عام 1574م يكشف عن مصدر الخلط الذي وقع فيه يوستينوس
.

وهناك الكثير في كتابات المسيحيين الأوائل عن سيمون الساحر ، ولكنها ملآنة بالخرافات والأساطير التي يبدو الكثير منها عاريا عن الصحة ، وإن لم يكن من المستحيلات
.

(2)     
ويذكر جيروم – الذي يعترف بأنه ينقل عن كتابات يسمون نفسه – أن يسمون قال عن نفسه : “أنا كلمة الله ، أنا المعزى ، أنا القدير ، أنا الله” . ويكتب إيريناوس عن سيمون : “أن يسمون اشترى امرأة اسمها هيلين ، كانت قبلا تحترف البغاء في مدينة صور ، واصطحبها معه في جولاته ، وقال عنها إنها أول بنت من بنات أفكاره ، وإنها هى أم كل الأشياء ، وإنه بها – في البدء جاءته فكرة خلق الملائكة ورؤساء الملائكة ، وهكذا حبلت منه بهم . وإذ عرفت إرادة أبيها ، نزلت إلى العالم السفلى ، وهناك ولدت الملائكة والقوات ، كما حسداً ، لأنهم لم يشاءوا أن يُعتبروا ذرية كائن آخر ، لأنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عنه هو … فعانت منهم كل أنواع الشتائم حتى لا تعود مرة أخرى إلى أبيها في الأعالي ، وغالوا في ذلك حتى إنهم حبسوها في جسد بشري ، ومرت خلال العصور الطويلة في العديد من الأجساد الأنثوية ، كما من إناء إلى آخر . كما قال إنها هي هيلين التي نشبت من أجلها حرب طروادة … وبعد أن انتقلت من جسد إلى آخر ، كانت تُقابل على الدوام بالشتائم حتى احترفت أخيراً البغاء وأصبحت الخروف الضال . وإنه بناء على هذا جاء بنفسه لكي يخلصها أولا من القيود ، ثم ليمنح الخلاص للناس عن طريق معرفتهم له ، لأنه حيث أن الملائكة أساءوا حكم العالم ، لأن أحدهم أراد أن يكون له المكان الأول . لذلك نزل هو بنفسه ليرد كل الاشياء . وبنزوله تغيرت هيئته وأصبح مثل الرياسات والسلاطين والملائكة ، وظهر بين الناس فظنوه أنه قد تألم من اليهود ، مع أنه لم يتألم … كما قال إن الأنبياء تنبأوا بوحي من أولئك الملائكة الذين صوروا العالم . لذلك فالذين يضعون رجاءهم فيه وفي رفيقته هيلين ، لا يعودون يبالون بهم ، بل يستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون باعتبارهم أناسا أحرارا ، لأنهم يخلصون بنعمته (نعمة سيمون) ، وليس بسبب أعمالهم الصالحة ، لأنه لا توجد أعمال صالحة بالطبيعة ، بل بالصدفة حسب القوانين التي وضعها الملائكة الذين خلقوا العالم ، والذين يريدون بهذه القوانين أن يستعبدوا الناس . ولهذا السبب وعد أن يطلق العالم ، ويحرر الذين هم له من حكم الذين خلقوا العالم
“.

خامساً – مصادر هذا التاريخ الأسطوري
:

إن المصادر الرئيسية لهذا التاريخ الأسطوري لسيمون الساحر هى مجموعة الكتابات الكليمنتية الهرطوقية (التي تعود إلى منتصف القرن الثاني الميلادي) ، فقد جاء فيها أنه درس في الإسكندرية ، وأنه كان تلميذاً ليوحنا المعمدان مع الهرطوقي دوسيتيوس
(Dositheus)
، ثم تتلمذ على يد دوسيتيوس وأصبح خليفته . كما تسجل حواراً بين الرسول بطرس وسيمون الساحر استمر ثلاثة أيام ، أعلن في خلاله سيمون أن هناك إلهين ، وأن إله العهد القديم إله غير كامل . ثم ينسحب سيمون الساحر إلى مدينة صور ومنها إلى صيدون ، ولكن الرسول بطرس يتابع سيمون من مكان إلى مكان ليواجه سحره ويفند تعاليمه . ويحدث بينهما حوار آخر في لاودكية حول نفسه الأمور
.

وهذه الكتابات الكليمنتية لم تكن احتجاجا مسيحيا ضد الغنوسية ، بل كانت صراعا بين مذهبين غنوسيين ، أو بالحرى بين الأبيونيين
(Ebionite)
والماركيونيين
(Marchionite)
، وكان ينكر كلاهما لاهوت المسيح ، ولا يعتبرانه سوى نبي من أنبياء اليهود
.

وتصور هذه الأساطير سيمون الساحر يقاوم بطرس الرسول ، الذى يكشفه أخيرا ويدحره . وتوجد هذه الأساطير في أكثر من نسخة ، فتقول أقدامها إن الحوار بين الرسول بطرس وسيمون حدث في أنطاكية حيث هزم الرسول هذا الهرطوقي ، وإنه هناك أيضا مات سيمون ، بينما جاء في نسخة أخرى أن كل ذلك حدث في روما
.

سادساً – التقاليد عن موته
:

تقول هذا التقاليد إن هذا الساحر قد أمر أتباعه بأن يدفنوه حياً في قبر ، ووعد أنه متى تم ذلك ، فسيقوم في اليوم الثالث . ففعلوا كما أمرهم ودفنوه ، ولكن كانت في ذلك نهايته ولم يقم ثانية
.

ويقال – في رواية أخرى – إن سيمون لقي حتفه في روما بعد مواجهة
عاصفة وأخيرة مع الرسول بطرس ، فرفع سيمون نفسه في الهواء بمعاونة الأرواح الشريرة ، فصلى الرسولان بطرس وبولس ، فهوى إلى الأرض ومات
.

وفي نسخة أخرى من نفس هذا التقليد ، أن سيمون عرض على إمبراطور روما أن يثبت له قوته بأن يطير صاعداً إلى الله ، ونجح في الطيران بعض الوقت فوق روما ، ولكن استجابة لصلاة الرسولين بطرس وبولس ، هوى إلى الأرض وانكسرت إحدى ساقيه . وتذكر هذه النسخة أن نهايته جاءت على يد الشعب الذي رجمه بالحجارة حتى مات
.

سابعاً – السيمونية
:

كان السيمونيون أو أتباع سيمون ، جماعة متقلبة ، يعتنقون أحيانا آراء وأفكاراً مستمدة من الوثنية ، وأحيانا من اليهودية وعقائد السامريين ، وفي أحيان أخرى من المسيحية ، كما كان يبدو عليهم أحيانا أنهم متنكسون ، وفي أحيان أخرى يهزأون بكل قوانين أخلاقية . وكانوا يعتبرون أن سيمون الساحر هو مسيحهم ، أو أنه صورة من المسيح الفادي ظهر في صورة يسوع . فاكن السيمونيون أحد المذاهب الغنوسية الصغرى ، وقد شطوا بعيداً عن الإيمان المسيحى والأخلاق المسيحية
.

ويذكر أوريجانوس عن أتباع سيمون أنهم لم يكونوا مسيحيين بأى شكل ، فيقول : “إنهم لا يعترفون بأي صورة بيسوع ابنا لله ، ويدَّعون أن سيمون هو قوة الله” . وكان أتباع سيمون – في أيام أوريجانوس – قد تضاءل عددهم إلى درجة أنه يكتب عنهم : “إنني أعتقد أن كل أتباع سيمون في كل العالم لا يزيدون عن ثلاثين شخصا ، بل إنني أخشى أن أكون قد تجاوزت عددهم الحقيقي

ثامناً – هل كان سيمون هو مبتدع الغنوسية
:

ذكر إيريناوس الكثير عن سيمون وأتباعه . ويجمع بين سيمون الأسطوري وسيمون الساحر المذكور في الأصحاح الثامن من سفر أعمال الرسل ، كما يجعله الأول في قائمة الهراطقة التي يسجلها . كما يقول إن الغنوسية قد نبعت منه . وفي حديثه عن السيمونيين ، يذكر أنه في أيامه أصبحت تعاليمهم غنوسية . ولكن هذه الحقيقة لا تبرر تأكيد إيريناوس بأن سيمون المذكور في سفر أعمال الرسل هو مبتدع الغنوسية ، وهو ما يذكره أيضا غالبية الكتَّاب المسيحيين الأوائل ، ولعلهم كانوا على حق ، و”لكن من المعلومات الموثوق بصحتها من الصعب أن نقطع بمدى صلته بالمبادئ الغنوسية” (كما يقول ألفورد) . ففي وسط هذه الأساطير الكثيرة التي تدور حول سيمون ، قد يكون ثمة أساس لهذه الحقيقة التي قد تؤيدها الأبحاث والاكتشافات في المستقبل ، والتي تدعم الرأي بأنه لا يمكن غض النظر عن سيمون الساحر كأحد الينابيع التي استقت منها الغنوسية . فأصل الغنوسية ليس من السهل الجزم به ، ولكن ليس ثمة دليل على أنها نشأت عن الأحداث المذكورة في الأصحاح الثامن من سفر أعمال الرسل ، ومع ذلك لا يمكن إنكار احتمال الربط بينهما ، أي بين سيمون الساحر وبعض الهرطقات الغنوسية . ولكن حقائق التاريخ تدل على انتشار المبادئ الغنوسية في أثناء العصر الرسولي ، بل ومن قبله . فتوجد هذه المبادئ في الفلسفة الاسكندرانية ، وفي تعاليم الهراطقة في كولوسي وفي غيرها من الأمكنة ، فقد امتزج في الغنوسية ، الكثير من الفلسفات الوثنية والأفكار السوفسطائية التي اختلطت بالزرادشتية من فارس ، والبوذية من الهند
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي