مغفرة

Pardon

مقدمة

أولاً: إله الغفران

ثانياً: غفران الله في المسيح

1.
رسالة الغفران
:

2.
الذبيحة المقدمة لغفران الخطايا
:

3.
منح سلطة الغفران
:

ثالثاً: الصفح عن الإهانات

 

 

مقدمة

يقدم لنا الكتاب اندس الإنسان الخاطئ كشخص مديون يبرئه الله من دينه بالصفح عنه (بالعبرية سالاح، عدد 14: 19). وهذا الإبراء فعال لدرجة أن الله لا يعود ينظر بعد إلى الخطيئة، وكأنه قد نبذها وراء ظهره (إشعيا 38: 17)، ورفعها (و بالعبرية ناسا، خروج 32: 32)، وكفر عنها وأزيلت (بالعبرية كيفير، إشعيا 6: 7
).

وإذ يستخدم المسيح هذه المصطلحات، يؤكد أن الإبراء مجاني، فالمدين مُعسِر، عاجز عن الوفاء (لوقا 7: 42، متى 18: 25- 27). وتنصبّ الكرازة المسيحية الأولى في الوقت نفسه حول نوال موهبة الروح القدس، وغفران الخطايا الذي هو أول نتائجه (لوقا 24: 47، أعمال2: 38). وهناك مفردات أخرى، مثل طهر، غسلَ، برر، تظهر في كتابات الرسل التي تلحّ على الأوجه الإيجابية من الغفران القائمة في المصالحة والاتّحاد
.

أولاً: إله الغفران

في مواجهة الخطيئة يظهر الإله الغيور (خروج20: 5) على أنه إله غفران. فالجحود الذي يأتيَ بعد قطع العهد كان يستوجب هلاك الشعب (خروج 32: 30- 32)، إلا أنها المناسبة التي يكشف الله فيها عن ذاته أنه “إله رحيم، ورؤوف، طويل الأناة، كثير المراحم والوفاء… يغفر الذنب والمعصية والخطيئة، ولا يتزكّى أمامه خاطئ ولذا فإن موسى يستطيع أن يعلن واثقاً: “نحن شعب قساة الرقاب. لكن اغفر ذنبنا وخطيئتنا واتخذنا ملكاً – لك” (خروج34: 6- 9
).

ليس للغفران ما يبرره، لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية القانونية. ألا يتوجب على الله القدوس أن يعلن قداسته بعدله (إشعيا 5: 16)، ويضرب الذين استهانوا به (5: 24)؟ كيف يمكن للزوجة التي تخون العهد أن تتوقع الغفران، وهي لا تخجل من زناها (إرميا 3: 1-5) لكن قلب الله ليس كقلب الإنسان، والقدوس لا يحب أن يهلك (هوشع 11: 8-9). إن الله أبعد من أن يشاء موت المنافق، لكنه يريد توبته (حزقيال 18: 23)، لكي يغدق عليه غفرانه لأن “طرقه ليست طرقنا، وأفكاره تعلو عن أفكارنا، كما تعلو السماوات عن الأرض” (إشعيا 55: 7-9
) .

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير بروس أنيستى 37

ما يغمر صلاة المزامير بالثقة: إن الله يصفح عن الخاطئ الذي يعترف بخطاياه (مزمور 32: 5، راجع 2 صموئيل 12: 13)، وهو أبعد من أن يرغب موت الخاطئ (مزمور 78: 38)، أو أن يحتقره، فإنه يخلقه خلقاً جديداً، مطهّراً إياه، وغامراً بالبهجة قلبه المنسحق والمتواضع (مزمور 51: 10-14 و19، راجع 32: 111).والله هو ينبوع جاء غزير، إذ هو الآب الذي يرأف بجميع أبنائه (مزمور 103: 3 و8-14
).

وبعد السبي، لا يزال الشعب يتوسل إليه بصفته “الإله الغفور” (نحميا 9: 17)، وإله الرحمة (دانيال 9: 9)، المستعدّ دوماً أن يندم عن الشر الذي هدًد به الخاطئ، إن لم يرجع ويتوب (يوئيل 2: 13). ولكن يونان- الذي يمثّل النزعة القومية في إسرائيل- قد “كمد قلبه “، إذ رأى هذا الغفران مقدماً لجميع الناس (يونان 3: 10، 4: 2
).

وبعكس ذلك، يشهد كتاب الحكمة بالله ويسبَحه ” لأنه يحب كل الذين خلقهم ويشفق على الجميع، “ويتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا” ويوبّخهم شيئاً فشيئاً مذكراً إياهم بما أخطأوا لكي يؤمنوا به (حكمة 11: 23 إلى12: 2). فهو يبين هكذا أنه القدير الذي يتميَز بميله إلى المغفرة (حكمة 11: 24 و27
).

ثانياً: غفران الله في المسيح

على غرار إسرائيل، ينتظر يوحنا المعمدان إذاً ( لوقا 1: 77 ) مغفرة الخطايا، ويكرز بمعمودية تكون بمثابة شرط لها: “توبوا وإلا فإن الذي يأتي بعدي يعمّدكم بالنار”. وكان يوحنا يرى في هذه النار نار الغضب والدينونة، التي تلتهم التبن بعد تنقية القمح منه (متى 3: 1- 12). وحافظ تلاميذ يوحنا الذين تبعوا يسوع على هذه النظرية فإنهم يطلبون نزول نار من السماوات على من يرضون قبول كرازة المعلّم (لوقا 9: 54). ويتساءل يوحنا المعمدان في نفسه (راجع لوقا 7: 19-23) عند سماعه أن يسوع ليس فقط يدعو الخطأة إلى التوبة والإيمان (مرقس 1: 15 )، بل يعلن أيضاً أنه لم يأت إلا ليشفي ويغفر
.

1.
رسالة الغفران
:

لئن كان يسوعَ قد أتى فعلاً ليلقي على الأرض ناراً (لوقا 12: 49) فإن أباه لم يرسله ليدين بل ليخلص (يوحنا 3: 17- 18، 12: 47). إنه يدعو التوبة كل من هم في حاجة إليها (لوقا 5: 11-32) وهو يحث على هذه التوبة (لوقا 19: 1- 10) بإعلانه أن الله هو أب، تقوم مسرته في الصفح عن الزلات (لوقا 15)، ومشيئته في أن لا يدع أحدا يهلك (متى 18: 12-14
) .

هل تبحث عن  م الأباء يوحنا ذهبى الفم من يقدر أن يؤذيك ك

ولا يكتفي يسوع بإعلان هذا الغفران الذي يقبله فه المؤمن المتواضع بينما يرفضه الإنسان المتكبر (لو 7: 47- 50، 18: 9- 14) ” بل هو يمارس منح الغفران ويستشهد بأعماله أنه يملك هذا السلطان الموقوف على الله وحده (مرقس 2 : 5- 11 //. راجع يوحنا 5: 21
).

2.
الذبيحة المقدمة لغفران الخطايا
:

لقد توّج المسيح عمله بحصوله على غفران أبيه من أجل الخطأة. إنه يصلّي (لوقا 23: 34). ويسفك دمه (مرقس 14: 24) لغفران الخطايا (متى 26: 28). وهو- كعبد الرب الحقيقي- يبرّر الجموع بحمله خطاياهم في جسده (1 بطرس2: 24، راجع مرقس10: 45، إشعيا 53: 11- 12)، لأنه الحمل الذي يرفع خطايا العالم (يوحنا 1 : 29) بخلاص العالم. فبدمه نتطهَر، ونغتسل من خطايانا (1 يوحنا 1: 7 رؤيا 1: 5
).

3.
منح سلطة الغفران
:

من ملء سلطانه في السماء وعلى الأرض. يمنح المسيح القائم من بين الأموات رسله السلطة ليغفروا الخطايا (يوحنا 20: 22- 23 راجع متى 16: 19، 18: 18). وتمنح هذه المغفرة أولاً عند المعمودية لكل من يتوب ويؤمن باسم يسوع (متى 28: 19، مرقس 6 1 : 16 أعمال 2: 38، 3: 9 1
).

وعليه فالرسل يكرزون لمغفرة الخطايا (أعمال2: 38، 5: 31، 10: 43، 13: 38، 26: 18)، ولكنهم في كتاباتهم، لا ينظرون إلى الناحية الشرعية في الغفران. بقدر ما يركزون على الحب الإلهي الذي بواسطة يسوع يخلَصنا ويقدسنا (راجع رومة 5: 1- 1). وينبغي أن نلاحظ دون صلوات الكنيسة والاعتراف المتبادل بالخطايا كوسيلة للحصول على الشفاء والغفران (يعقوب 5: 15- 16
).

ثالثاً: الصفح عن الإهانات

منذ العهد القديم، لم تقتصر الشريعة فقط على وضع حدّ للانتقام بسنّة العين بالعين (خروج 21: 23- 25)، ولكنها أيضاً تنهي عن بغض الأخ لأخيه، كما أنها تحرّم الانتقام والحقد نحو القريب (لاويين 19: 17- 18). وقد تأمل ابن سيراخ الحكيم في هذه التشريعات، فاكتشف الرابطة التي تربط بين غفران الإنسان لأخيه وبين الغفران الذي يلتمسه الإنسان من الله: “اغفر لقريبك ظلمه لك، فإذا تفرعت تمحي خطاياك. إن حَقَدَ إنسان على إنسان آخر؟ فكيف يجرؤ على طلب/ الشفاء من الله؟ أم لا يرحم إنساناً مثله، ثم يستغفر عن خطاياه” (سيراخ 27: 30 إلى 28: 7). ويكمل كتاب الحكمة هذا الدرس، مذكراً البار بأنه ينبغي له أن يتخذ رحمة” الله مثلاً يحتذى (حكمة 12: 19 و22
).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر العدد 04

وسوف يعود يسوع إلى هذا الدرس، ويحدث فيه تحولاً مزدوجاً. وعلى أثر ابن سيراخ يعلم بأن الله لا يمكن أن يغفر لمن لا يغفر لأخيه، وأنه حتى نطلب غفران الله لنا، ينبغي أن نغفر لأخينا. ويوضَح المثل الذي ضربه المسيح عن الغريم القاسي (متى 18: 23- 35) مشدداً على هذه الحقيقة(متى 6: 14- 15)، ولكي لا ننساها طلب منّا أن نردّدها كل يوم: في الصلاة الربانية، إذ ينبغي لنا أن نكون في حال تمكّننا من القول إننا نغفر. وبهذا الإقرار الذي ترتبط به طلبتنا، مرة بكلمة “لأن ” السببية، بكون صفحنا لأخوتنا شرطاً لطلب الغفران الإلهي (لوقا 11: 4)، ومرة أخرى، بلفظ “كما” الذي يحدد مقياس هذا الغفران (متى 6: 12
).

بل يذهب يسوع إلى ما هو أبعد من هذا. فأسوة بكتاب الحكمة، يقدم يسوع الله مثلاً أعلى للرحمة (لوقا 6: 35- 36) أمام الذين صار الله أباً لهم والذين عليهم أن يقتدوا به حتى يكونوا أبناءه حقاً (متى 5: 43- 45 و48
).

فالغفران ليس شرطاً سابقاً للحياة الجديدة فقط، بل هو ركن من أركانها الأساسية. ولذلك يفرض يسوع على بطرس ألا يمل من الغفران، على عكس ما يفعل الخاطئ الذي يصل إلى تجاوز كلّ حد في انتقامه (متى 18: 21- 22، راجع تكوين 4: 24)، واقتداء بالرب (لوقا 3: 34)، مات استفانوس وهو يغفر لراجميه (أعمال 7: 60
).

وحتى يتمثل المسيحي بكليهما في مقاومة الشر بالخير (رومة 12: 21، راجع 1 بطرس 3: 9)، يجب عليه أن يغفر دائماً، ويغفر بدافع المحبة أسوة بالمسيح (كولسي 3: 13) والآب نفسه (أفسس 4: 32
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي