لعنة

Malediction

مقدمة

أولاً: ما قبل التاريخ: اللعنة على العالم

ثانياً: الآباء البطاركة: اللعنات على أعداء إسرائيل

ثالثاً: الشريعة: لعنة على إسرائيل المذنب

1.
الشريعة
:

2.
الأنبياء
:

رابعاً: دعوات الأبرار الى اللعنة

خامساً: يسوع، المسيح المنتصر على اللعنة

 

 

مقدمة

إن مفردات اللعنة غنيّة في العبريّة، فهي تعبّر عن ردود الفعل العنيفة لدى الطبائع الانفعالية. فالمرء يلعن في الغضب (بالعبرية: زاعام) والتذليل (آرار) والتحقير (قالال) والكره (قاباب) والتجديف (آلاه). أما التوراة اليونانية فتستوحي خاصة الأصل، “آراء “، الذي يعني الصلاة، والنذر، والكفر، ويستدعي بالخصوص الالتجاء الى قوة تفوق ما هو ملعون
.

إن اللعنة تُحرِّك قوىً عميقة تتجاوز الإنسان، من خلال قوة الكلمة التي تُلفظ والتي يبدو أنها تبسط آلياً مفاعيلها المشؤومة، فاللعنة هي القوة الرهيبة للشر والخطيئة، والمنطق المحتوم المؤدي من الشر الى الويل. لذا تحوي اللعنة، في شكلها الكامل، طرَفين مرتبطين جداً: السبب أو الشرط الذي يؤدي الى المفعول: “لأنك فعلت هذا (إذا فعلت هذا…) يصيبك هذا الشر
“.

فلا أحد يلعن بسهولة دون خطر إثارة اللعنة التي يدعوها بها لغيره على شخصه بالذات، (انظر مزمور 108: 18). فعلى من يلعن أحداً أن يكون له حقّ على ذاته العميقة، حق السلطة الشرعية أو الأبوية، حق البؤس والظلم غير العادل (مزمور 136: وما يليه، انظر أيوب 31: 20 و 38 – 39، يعقوب 5: 4) حق الله
.

أولاً: ما قبل التاريخ: اللعنة على العالم

نذ اللبدء، اللعنة قائمة (تكوين 3: 14 – 17). إلا أنه، بالمقابل، ولأن الباعث الأول هو البركة (1: 22 – 28) صارت اللعنة وكأنها الصدى المقلوب للبركة الأسمى التي هي كلمة الله الخلاّقة. فعندما يدرك الكلمة، النور والحق والحياة، سيِّدَ الظلمات، أبا الكذب والموت، نُظهر البركة التي يحملها، رفض الشيطان القاتل، ثم ترتد من هذا الاتّصال لعنةً. فالخطيئة شرّ لا يخلقه الكلمة بل يظهره ويستنفد شقاءه: فاللعنة صارت دينونة
.

الله يبارك لأنه الإله الحيّ وينبوع الحياة (إرميا 2: 13). والمجرّب التي يقاتله (تكوين 3: 4 وما يليه) ويقود الإنسان إلى الخطيئة، يقوده أيضاً إلى اللعنة: فبدلاً من الحضور الإلهي، هناك النفي بعيداً عن الله (تكوين 3: 23 وما يليه)، وعن مجده (رومانيين 3: 23)، وبدلاً من الحياة. الموت (تكوين 3: 19). إلاّ أنه وحده المسؤول الأكبر، الشيطان (حكمة 2: 24) الملعون “إلى الأبد” (تكوين 3: 14 وما يليه). فالمرأة تظل تلد، والأرض تعطي، والبركة الأصلية الملازمة لكل خصب (3: 16- 20) لم تمحَ، إلا أن اللعنة ألقت عليها كظل كثيف، العذاب والتعب، الشقاء والنزاع. لكنً الحياة تبقى الأقوى، نذير هزيمة الملعون النهائية (3: 15
).

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا كتب نقد إنجيل برنابا إنجيل برنابا هل هو إنجيل صحيح 09

تمتد اللعنة من آدم إلى إبراهيم موتاً يصبح الإنسان ذاته صانعه (تكوين 4: 11)، (عن علاقة اللعنة بالدم انظر 4: 23 وما يليه، 9: 4 وما يليه، متى 27: 25)، وفساداً يؤدّي إلى الخراب، (تكوين 6: 5- 12) إلى الطوفان، حيث المياه، الحياة الأولية، تصبح هوّة الموت. إلا أن الله في وسط اللعنة ذاتها يبعث بتعزيته، نوح، باكورة بشرية جديدة، موعودة بالبركة إلى الأبد (8: 17- 22، 9: 1-17 ،1 بطرس 20:3
).

ثانياً: الآباء البطاركة: اللعنات على أعداء إسرائيل

يينما تهدم اللعنة بابل وتشتت البشر المتحالفين ضد الله (تكوين 11: 7) يبعث الله ابراهيم ليجمع كلّ الشعوب حوله وحول ذريّته، لبركهم أو للعنتهم (12: 1 وما يليه). وبينما تنتزع البركة النسل المختار من اللعنة المزدوجة: الرحَم العقيم (15: 5 وما يليه 30: 1 وما يليه) والأرض المعادية (27: 27 وما يليه، 49: 11 وما يليه و 22 -26)، تطرح اللعنة أعداء النسل المختار الذين يدعونها على أنفسهم ” بعيداً عن الأراضي الخصيبة… وعن الندى النازل من السماء” (27: 39). فتصير اللعنة إنكاراً وإقصاءً عن البركة الوحيدة. “ملعون من يلعنك “: فرعون (خروج 12: 29 – 32) ثم بالاق (العدد 24: 9) يختبرانها. أما قمة السخرية فعندما يجبر فرعون على ترجّي أبناء إسرائيل ” ليدعوا عليه بركة ” إلههم (خروج 12: 32
).

ثالثاً: الشريعة: لعنة على إسرائيل المذنب

بقدر ما تتطور البركة، تظهر اللعنة
.

1.
الشريعة
:

كشف شييئاً فشيئاً الخطيئة (رومانيين 7: 7 – 13)، عندما تعلن، إلى جانب المستلزمات والمحرّمات، النتائج الحتمية لخرقها. فمن شرعة العهد الى طقوس، تثنية الاشتراع المهيبة، تزداد تهديدات اللعنة دقة واتساعاً مأسوياً (خروج 23: 21، يشوع 24: 20، تثنية 28: 15 وما يليه (أنظر لاويين 26: 14- 39). البركة سر اختيار، واللعنة سرّ رفض. فالمختارون غير المستحقين يبدون كأنهم مطروحون من الاختيار (1 صموئيل 15: 23، 2 ملوك 17: 17-23، 21: 10- 15) الذي، رغم ذلك، ما زال يعنيهم (عاموس 3: 2
).

2.
الأنبياء
:

شهود قساوة إسرائيل (إشعيا 6: 9 وما يليه، حبقوق 2: 6- 20) وتعاميه أمام الويل المحدق (عاموس 9: 10، إشعيا 28: 15، ميخا 3: 11، انظر متى 3: 8 وما يليه)، مجبرون على الإنذار “بالعنف والخراب” (إرميا، 2: 8) وعلى العودة باستمرار إلى لغة اللعنة (عاموس 2: 1- 16، هوشع 4: 6، إشعيا 9: 17 الى10: 4، ارميا 23: 13 وما يليه، حزقيال 11: 1- 12 و13- 21) وعلى رؤيتها تصيب كل إسرائيل دون أن ترحم شيئاً أو أحداً: الكهنة (إشعيا 28، 7- 13)، الأنبياء الكذبة (حزقيال 13)، رعاة السوء (حزقيال 34: 1- 10)، البلاد (ميخا 1: 8- 16)، المدينة (إشعيا 29: 1- 10)، الهيكل (إرميا 7: 1- 15)، القصر (22: 5)، الملوك (18:25
).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر الخروج ترجوم نيوفيتى لسفر الخروج 19

إلاَّ أن اللعنة لا تكون شاملة أبداً. فمراراً، ودون سبب ظاهر، أو تمهيد، بانتفاضة حنان يعود وعد الخلاص فيتبع التهديد (هوشع 2: 8 و11 و16 إشعيا 6: 13). إلا أنه غالباً ما تنفجر البركة في قلب اللعنة ذاتها (إشعيا 1: 25 وما يليه، 28: 16 وما يليه، حزقيال 34: 1- 16، 36: 2- 12 و13- 38
).

رابعاً: دعوات الأبرار الى اللعنة

من هذه البقية التي ينقل الله من خلالها بركة إبراهيم، قد يحدث أن ترتفع صرخات لعنةٍ، صرخات إرميا (إرميا 11: 20، 12: 3، 20: 12) وأصحاب المزامير (مزمور 5: 11، 34: 4 وما يليه، 82 :10- 19، 108: 6- 20، 136: 7 وما يليه). لا شك أن هذه الدعوات الى الثأر، التي تشككنا وكأننا نعرف الغفران، تتضمن شيئاً من الغضب الشخصي أو الوطني. إلا أنها إن تطهرت، تبرز في العهد الجديد، لا لتعبر فقط عن ضيق البشرية الخاضعة للعنةِ الخطيئة بل عن الدعوة الى برّ الله الذي يتضمّن حتماً هدم الخطيئة
.

هل يقدر الله أن يرفض الكفر المتفجّر من مظلوم يعترف من ناحية أخرى بخطيئته الخاصة (باروك 3: 8، دانيال 9: 11 و15). وحده العبد يتخلى حتى عن حق الثأر الذي يكون للبريء المضطهد: “دون أن يفتح فاه ” (إشعيا 53: 7) قدم ذاته للّعنة عن خطايانا (53: 3 وما يليه)، فصارت شفاعته عربون خلاص للخطأة، بانتظار أن تحلّ نهاية الخطيئة: عندئذ ” لا يعود هناك من لعنة ” (زكريا 14: 11
).

خامساً: يسوع، المسيح المنتصر على اللعنة

لليس من حكم على الذين بالمسيح يسوع” (رومة 8: 1) ولا من لعنة، فإذ صار لأجلنا “خطيئة” (2 قورنثية 5: 21) و” لعنة “، إذ قبل أن يتحد بالخطيئة واللعنة المتوجبة للخطيئة، “اشترانا المسيح من لعنة الناموس ” (غلاطية 3: 13)، وجعلنا نمتلك البركة وروح الله. فالكلمة يقدر إذاً أن يفتتح الأزمنة الجديدة حيث لا لعنة حقاً (باليونانية
katara)
في فم يسوع، بل ملاحظة حالة من الشقاء (باليونانية
ouai)
تمتزج بالسعادة (لوقا 6: 20 – 26). فهو لا يرفض بل يجذب (يوحنا 12: 32)، ولا يفرّق بل يوحّد (أفسس 2: 16). ويحرر الإنسان من القيد الملعون والشيطان والخطيئة والغضب والموت، ويتيح له أن يحب. الآب الذي سامح بابنه كل شيء يقدر أن يعلّم أبناءه كيف يغلبون اللعنة بالغفران (رومانيين 12: 14، قورنثية 13: 5) والحب (متى 5: 44، كولسي 3: 13)، فالمسيحي لا يقدر بعد أن يلعن (1 بطرس 3: 9)، بعكس “ملعون من يلعنك “! في العهد العتيق، بل عليه على مثال الربّ أن “يبارك الذين يلعنونه ” (لوقا 6: 22
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد جديد سفر أعمال الرسل 09

المسيح انتصر على اللعنة، إلا أنها تبقى واقعاً، بل وقدراً غير محتوم، كما كان يمكن أن تكون لولاه، بل ممكناً بعد. فظهور البركة الأسمى يرفع الى الذروة ضراوة اللعنة التي تسير على خطاها منذ البدء. وإذ تستفيد اللعنة من آخر أيامها المعدودة (رؤيا 12: 12) تثير حمّاها في الوقت الذي فيه يتم الخلاص (8: 13). من هنا نرى أن العهد الجديد ما زال يتضمن تعابير اللعنة، والرؤيا تستطيع أن تعلن في الوقت عينه: ” لا لعنة بعد اليوم ” (22: 3) وتطلق اللعنة النهائية: ” الى الخارج… كل من يتلذّذون بصنع الشر”! (22: 15): التنين (12)، الوحش والنبي الكاذب (13)، الأمم، جوج وماجوج (20: 7)، الزانية (17)، بابل (18) الموت والجحيم (20: 14) 1لظلمات (22: 5) العالم (يوحنا 16: 33) وقوى هذا العالم (1 قورنثية 2: 6
).

هذه اللعنة الشاملة ” الى الخارج! ” بدون مراجعة يتفوه بها يسوع المسيح، يجعلها رهيبةً لأنها ليست عنده ثأراً إنفعالياً، ولا إلزام عقوبة بالمثل. بل هي أطهر، وأرهب لأَنها تترك الاختيار للذين خرجوا على المحبة
.

المسيح لم يأتِ ليلعن ويدين (يوحنا 3: 17، 12:، 12: 47). أو بالعكس يحمل
البركة. وخلال حياته لم يلعن أحداً أبداً، وإن كان لم يعفُ، بدون شك، عن إطلاق أرهب التهديدات على متخمي هذا العالم (لوقا 6: 24 وما يليه) على مدن الجليل غير المؤمنة (متى 11: 21)، على الكتبة والفريسيين (متى 23: 13- 31)، على ” هذا الجيل ” الذي تتجمع فيه كل خطايا إسرائيل (23: 33- 36)، على “هذا الإنسان الذي يسلّم بواسطته ابن البشر” (26: 24). إلا أن هذه تبقى دائماً، إنذارات ونبوءات مؤلمة، فهي ليست أبداً سورة غضب
.

فكلمة لعنة، بمعناها الحصري، لا تظهر على شفتي ابن الإنسان إلا في مجيئه الأخير: ” أبعدوا عني يا ملاعين “! (متى 25: 41). إلا أنه ينبهنا أنه حتى في هذه الساعة لا يغيّر تصرفه: “إن كان أحد يسمع كلامي ولا يحفظه فأنا لا أدينة… الكلمة التي أسمعتها هي تدينه في اليوم الأخير”. (يوحنا 12: 47 وما يليه
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي