فينيقية

 

أولاً – الاسم: يجيء هذا الاسم من الكلمة اليونانية “فيونيكس
” (Phoinix)
أي “صيغة الأرجوان” وصفاً للشعب وبلادهم. ويزعم البعض أن الكلمة اليونانية “فيونيكس
” (Phoinikes)
التي تصفهم بأنهم “أصحاب الصبغة الأرجوانية” هي ترجمة للكلمة السامية “كنعاني” حيث أن ثمة كلمة حورانية هي “كناهي” تعني “صبغة أرجوانية أيضاً، وبناء على هذه النظرية أطلقت الكلمة أساساً على بلاد “كنعان” (أي أرض الأرجوان)، ثم أطلقت على الشعب. ولكن من المحتمل أن يكون الاسمان قد جاءا من اشتقاقين مختلفين
.

ثانياً – الجغرافيا: كانت فينيقية شريطاً ضيقاً على الساحل السوري للبحر المتوسط، يمتد من النهر الذي يسمى الآن “النهر الكبير” في الشمال إلى جبل الكرمل في الجنوب. ويبلغ طوله نحو 120 ميلاً، وعرضه نحو خمسة أميال في أوسع أجزائه من ساحل البحر المتوسط غرباً إلى سفوح جبل لبنان شرقاً. وكانت نباتات السهل الخصيب تتكون من أشجار دائمة الخضرة من الصنوبر والبلوط والتوت وأشجار التين والزيتون وكروم العنب ونخيل البلح والقمح والشعير والبصر والتوم. فقد كانت المنطقة خصبة منذ أقدم العصور، وزرعت منذ زمن بعيد وتمتد جبال لبنان مسافة 105 أميال موازية لساحل البحر من النهر الكبير في الشمال إلى نهر القاسمية في الجنوب. والجبال رمادية اللون فهي من الحجر الجيري، وبها بعض القمم التي ترتفع إلى نحو 11000 قدم فوق مستوى سطح البحر. وتكون درجات الحرارة في الشتاء على سفوح الجبال عن تلك التي تنمو في السهل، وتشمل هذه الأشجار الأرز والصنوبر والسرو ونوعين من البطم. وهناك نوع آخر من الشجر, خشبه ثمين، هو الصندل، كان يستورده رجال حيرام ملك صور ورجال سليمان ملك إسرائيل من “أوفير” (1مل 10: 11و12، 2أخ 9: 10و11). ولكن الوثائق الأوغاريتية التي ترجع إلى قرنين قبل ذلك، تذكر أن أشجار الصندل كانت تنمو في لبنان نفسها، كما تؤيد ذلك الوثائق الأكادية والسومرية التي ترجع إلى نفس العصر. لقد كانت لبنان كثيفة الغابات في العصور القديمة. ولكن مواصلة تصدير خشب الأرز وغيره من الأخشاب إلى مصر وإسرائيل بل وإلى الشرق، إلى آشور وبابل، أدى إلى تعرية جبال لبنان، وكل ما تبقى من غابات الأرز الكثيفة أيكتان صغيرتان من أشجار الأرز ليس بهما سوى مئات قليلة من الأشجار
.

 

وبالنظر لما أحاط بالفينيقيين من محدوديات فُرضت عليهم بسبب
 
ضيق السهل الساحلي الذي كانوا يعيشون فيه، لا عجب أن أرادوا تعويض ذلك بتوسيع تجارتهم عبر البحار لاستيراد حاجتهم من الطعام. ولذلك اشتهر الفينيقيون – في العالم القديم – بمهارتهم في ركوب البحار (ارجع إلى إش 23)، فقد مخروا عباب البحر المتوسط والبحر الأحمر، بل من المحتمل جداً أنهم أبحروا في المحيط الأطلنطي، فإن الاستكشافات الأثرية في أعماق البحار، وفحص السفن الغارقة منذ العصر البرونزي، تدل على أن السفن الفينيقية كانت تحمل البضائع في عصر المينوانيين بين كريت وبلاد الشرق الأوسط. وقد أسس الفينيقيون مستعمرات في البلاد الواقعة على شواطئ غربي البحر المتوسط، في قرطاجنة ومالطة وسردينيا وجنوبي أسبانيا. وكانت أهم صادرات فينيقية الأخشاب وصبغة الأرجوان والأواني الزجاجية وغيرها من المصنوعات. وكانوا يستوردون في المقابل الذهب والفضة والعاج وغيرها من وسائل الترف. كما كانوا يستوردون القمح والشعير لسد العجز في إنتاجهم منها (انظر 1مل 10: 22
).

لقد اشتهر الفينيقيون بالتجارة حتى أصبحت كلمة “كنعاني” مرادفاً لكلمة تاجر في العبرية (انظر مثلاً أم 31: 24
).  

 

ثالثاً – تاريخها: لقد ظن هيرودوت قديماً أن الفينيقيين – رجال البحر – قد وصلوا إلى فينيقية قادمين من منطقة الخليج الفارسي عن طريق البحر الأحمر، وأسسوا المدن الفينيقية مثل صيدون. واقدم الوثائق عنهم يبدو أنها لا ترجع إلى مقبل الألف الثالثة قبل الميلاد، فقد أسفرت أبحاث الفرنسيين في أطلال “بيبلوس” (وهي “جبال” قديماً) عن أنه في أواخر العصر الحجري (حوالي 3500 ق. م.) كانت فينيقية مأهولة بشعب من شعوب البحر المتوسط، الذين كانوا يبنون أكواخاً مستديرة، ويدفنون موتاهم في نواويس كبيرة من الفخار. وقد اختفت هذه الحضارة في أواخر الألف الرابعة قبل الميلاد. وقد خلف شعب البحر المتوسط جماعات عديدة، أتى بعضها من الشمال، وجاءوا معهم بنوع معين من الحراب. وجاء آخرون من الشرق، من بين النهرين وبلاد العرب (حوالي 3000 ق. م.). وفي منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد، أصبحت السيادة للساميين في شمالي بلاد النهرين وفي سورية ولبنان، ولعل هؤلاء هم الذين أطلقوا أسماء من لغتهم على هذه المناطق، مثل “لبنان” (بمعنى “أبيض”)، و”صيدون” (بمعنى “مكان صيد السمك”). ويسمى هؤلاء الساميون – في المدة من حوالي 2500 -1700 ق.م. – عادة “بالأموريين”، وإن كان يجب عدم الخلط بينهم وبين “الأموريين” المذكورين في العهد القديم الذين كانوا يكونون قبيلة أصغر جداً في زمن لاحق. وقد شهد القرن الثامن عشر قبل الميلاد، تجارة مزدهرة بين مصر وفينيقية في الأخشاب والمصنوعات الفنية. وفي نحو ذلك الوقت، أسس الفينيقيون مستعمرات ساحلية في أوغاريت وعكا ودور ويافا وجبال (بيبلوس) وصيدون وصور وأرواد وغيرها. وقد خضعت فينيقية على مدى بضعة قرون، ابتداء من نحو 1500 ق. م. لفراعنة مصر من الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، ولو أن المدن التي في أقصى الشمال، مثل أوغاريت وأرواد وقعت تحت حكم الإمبراطور الحثي “سوبلو ليوما” الأول في منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد (حوالي 1350 ق. م.). وكان تحتمس الثالث فرعون مصر الشهير، قد قاد جيوشه شمالاً عبر فلسطين وفينيقية ويذكر في نقوشه على معبد الكرنك أنه استولى على “أرواد في الشمال”، ولكن لم تظل الأمور على ما كانت عليه، في عهد خلفائه أمينوفيس الثاني والثالث، فالخطابات التي كتبها لأمينوفيس الثالث، اثنان من نوابه: “رب – أدي” حاكم “جبال” (بيبلوس)، و”أبي ملكي” حاكم صور تثبت أنه في حوالي 1400 ق. م. تمردت ثلاث مدن هي سومور وبيروت وصيدون، وقامت بمحاصرة المدن الفينيقية التي كانت مازالت موالية لفرعون. ويبدو أن أول من آثار العصيان في المدن الشمالية، كان رجلاً اسمه “عبدي أشرتا”، وقد سار ابنه “أزيرو” على نهجه في عهد أمينوفيس الرابع (أخناتون)، فكان يبدي الولاء لمصر، بينما كان في الحقيقة يرتبط بمعاهدة مع الإمبراطور الحثي “سوبلوليوما” الأول، وكان من الطبيعي أن تظل صور – أقصى المدن جنوباً – موالية لمصر أطول مدة، فقد شكا ملكها “أبي ملكي” في خطاب لأمينوفيس الرابع أخناتون من أن “صيدون” نفسها – جارته الشمالية – قد انضمت إلى “أزيرو” وسائر المدن المتمردة في الشمال. وقد أطلق الموالون لمصر على معظم أولئك المتمردين اسم “عابيرو”، وهو اسم يبدو أنه كان يُطلق على قبائل متفرقة من البدو والجنود المرتزقة في جيوش الملوك المحليين. ومنذ نحو 1380 ق. م. عندما استولى الإمبراطور الحثي “سوبلوليدوما” الأول على شمالي سورية إلى ما بعد معركة “قادئ” بين الحثيين والمصريين بقيادة رمسيس الثاني (حوالي 1287 ق. م.) ظلت هاتان القوتان تتنازعان السيادة على فينيقية. فظل خمسة من ملوك الحثيين (سوبلوليوما الأول، ومورسيلي الثاني، ومواتالي، ومورسيلي الثالث، وحاتوسيلي الثالث) يحكمون شمالي سورية وثلثي فينيقية في الشمال من خلال نواب خاضعين لهم. ولكن في أيام خلفاء حاتوسيلي الثالث (تودهاليا الرابع، أرنواندا الثالث، وسوبلوليوما الثاني) اضمحل نفوذ الحثيين في سورية وفينيقية. وفي حوالي 1190 ق. م. زحفت على بلاد الحثيين جحافل غازية من شعوب البحر، زحفت على المدن الفينيقية الشمالية، فدمروا بيبلوس وارواد وأوغاريت، وهكذا انتهى فجأة النفوذ الحثي (ويبدو النفوذ المصري كذلك) في هذه المنطقة. وبعد 1100 ق. م. بقليل، غزا تغلث فلاسر الأول – ملك أشور – فينيقية واستولى على أرواد فترة قصيرة، فقد تمتعت فينيقية في القرن العاشر قبل الميلاد
 
بعصرها الذهبي، وهو عصر الملك الشهير حيرام الأول ملك صور (حوالي 981 – 947 ق. م.) الذي كان معاصراً لداود وسليمان ملكي إسرائيل. وقد بدأ تحالف الفينيقيين مع إسرائيل في عهد الملك داود (2صم 5: 11، 1 مل 5: 1)، واستمر في أيام سليمان، فأمد حيرام إسرائيل بالسفن والنوتية لتنمية تجارة إسرائيل، عن طريق ميناء عصيون جابر على خليج العقبة (1مل 9). وصدَّرت إسرائيل من جانبها الحبوب والزيت والخمر إلى صور. كما أعطت حيرام عشرين مدينة على الحدود بينهما في الركن الشمالي الغربي من إسرائيل (1مل 9: 10-14). وقد اتسعت التجارة البحرية فارتاد الفينيقيون الكثير من المواني فيعصر حيرام الذي أقام حاجزاً طويلاً للأمواج لحماية شواطئ صور. وإذ وجد الفينيقيون أنفسهم مطوقين بقوى برية كبرى (فكان الحثيون في الشمال، والأراميون في الشرق، والإسرائيليون والفلسطينيون في الجنوب) اضطروا إلى شق طريقهم في البحر إلى الغرب. وقد شملت هذه الطرق: (1) – الطريق إلى مصر، (2) – والطريق الثانية إلى كريت وصقلية مروراً بقبرص. (3) – والطريق الثالث إلى شمالي إفريقية. (4) والطريق الرابعة إلى أسبانيا. وما جاء عام 1000 ق. م. تقريباً، إلا وكانت لهم مستعمرات في “أوتيكا” في شمالي أفريقية، وفي “قادس” في أسبانيا. وفي نحو 900 ق. م. كانت لهم مستعمرات في آسيا الصغرى (كاراتيب). وفي قبرص (كتيون). وفي سردينيا (نورا وتاروس). وفي 850 ق. م. كانوا قد أسسوا مستعمرتهم الشهيرة في “قرطاجنة” (ومعناها في اللغة الفينيقية “المدينة الجديدة”) بالقرب من الشمال الشرقي من “أوتيكا” في شمالي أفريقية. وفي 800 ق. م. كانت لهم مستعمراتهم في صقلية (موتايا) وفي تونس. وهناك بعض الدلائل على أن سفن فينيقية قد وصلت إلى شمالي المحيط الأطلنطي حتى “كرونويل” في إنجلترا. وبعد حيرام الأول بنحو قرن من الزمان، استولى على عرش فينيقية رئيس كهنة البعل الذي كان اسمه “آثبعل” وواصل سياسة التحالف مع إسرائيل بأن أعطى ابنته “إيزابل” زوجة لآخآب ملك غسرائيل (1مل 16: 31). وقد شهد عصر أخآب اختراق عبادة البعل لإسرائيل، ونشوب الصراع بين أتباع الرب وأتباع البعل (1مل 18: 3و4و25 – 40، 19: 10). وكان على رأس جماعة الرب إيليا النبي. كما أن عهد أخآب شهد معارك طاحنة مع أرام دمشق التي حفظت الولايات الغربية الصغيرة من تهديد قوة الآشوريين الصاعدة في الشرق، فقد زحف آشور ناصربال الثاني ملك أشور _حوالي 884 – 859 ق. م.) إلى الغرب وأخذ الجزية من المدن الفينيقية، من صور وصيدون وجبال (بيبلوس) وأرواد. وهدأت الأمور وقتياً في 853 ق. م. عندما استطاعت القوى الغربية الاتحاد في حلف للوقوف في وجه تقدم شملنأسر الثالث ملك آشور (858 – 824 ق. م.)، واستطاع الحلف الغربي – الذي كان مكوناً من اثني عشر ملكاً – أن يوقف زحف ملك آشور في موقعة “قرقر” شمالي حماة على نهر الأورنت. وكان أخآب ملك إسرائيل وهدد عزر ملك دمشق أهم أعضاء الحلف، فقد مدا الجيوش المتحالفة بالمركبات وبمعظم الجنود، كما قدمت أربع مدن فينيقية جيوشاً، هي أرواد وأركا ويوشناتا وسيانو … وأمابيبلوس وصيدون وصور (المدن الجنوبية) فقد وقفت على الحياد خشية رد فعل الآشوريين، الذي حدث فعلاً بعد ذلك بنحو اثنتي عشرة سنة في 814 ق. م. عندما حاصر شلمناس الثالث دمشق، ثم زحف إلى ساحل البحر المتوسط عند نهر الكلب، وسار في طريقه حتى وصل إلى الساحل عند الكرمل في الجنوب، ومن هناك اتجه شمالاً إلى صور وصيدون، وقد أقام نصبين تذكارين لانتصاره، أحدهما في الكرمل (بعل روش) في الجنوب، والآخر عند نهر الكلب (ليكوس) في الشمال. وفي 803 ق. م. أخضع ملك آشور “هدد نيراري” الثالث (809 -782 ق. م.) صور وصيدون لحكمه. كما دفع الجزية لتغلث فلاسر الثالث ملك أشور (745 – 727 ق. م.) في نحو 741 ق. م. كل من “حيرام الثاني” ملك صور، و”شبيتي بعل” ملك بيبلوس. وبعد ذلك بقليل أخذت أشور الجزية من “يتينا” ملك صور الذي كان يسلمها إلى مشرف أشوري مقيم ليودعها في الخزينة الآشورية في كالح. وفي 734 ق. م
.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس القس منيس عبد النور ر

استولى تغلث فلاسر على حصن “كاسبون
” 
الذي كان يحمي الطريق إلى صور وصيدون اللتين اتحدتا معاً للدفاع. وفي أيام حكم شلمنأسر الرابع (727 – 723 ق. م.) حاول “لولي” ملك صيدون أن يوَّحد كل المدن الفينيقية بما فيها المستعمرات الفينيقية في قبرص تحت حكمه، ولكن الآشوريين الذين كانوا قد تركوا المدن الفينيقية مؤقتاً إلى أن يتم القضاء على مملكتي إسرائيل وآرام وإخضاعهما لآشور، لم يستطيعوا التغاضي عن هذا التصرف، ففي 701 ق. م

زحف سنحاريب ملك آشور (704-681 ق. م.) بجيوشه على مدن صيدون وبيت زيت وصرفة صيدا ومحلب وبيبلوس وأرواد وصور وأكزيب وعكا. وأقام سنحاريب شخصاً اسمه “إثبعل” (توبعلو) من الفينيقيين حاكماً على المدن التي فتحها ليكون ألعوبة في يده، ونقل المسجونين في فينيقية إلى نينوى لبناء قصر له، وإلى “أوبيس” (على نهر الدجلة) لبناء أسطول من السفن لاستخدامه ضد “مرودخ بلادان” الحاكم البابلي المتمرد. وظلت المدن الكبرى في فينيقية تحتفظ باستقلالها عن أشور لمدة أربع وعشرين سنة، من 701-677 ق. م. وفي 677 ق. م. قاد ملك صيدون ثورة سحقها “أسرحدون” ملك أشور (681-69 ق. م.) ودمر مدينة صيدون تدميراً كاملاً، ووضع باقي المدن تحت حكم “بعلي” ملك صور. وقد زود هذا الحاكم (“بعلي”). و”ملكي أسابا” ملك بيبلوس، و”متان بعل” ملك أرواد، أسرحدون بمدد كبير من الجيوش في غزوته لمصر في 669 ق. م. وقد وجد “أشور بانيبال” ملك آشور (668-626 ق. م.) أنه من الضروري معاقبة “بعلي” ملك صور على سلوكه الخائن، في 665 ق. م.، قبل زحفه على مصر وعندما مات “بعيل” أقام ملك أشور، “أزي بعل” ملكاً على صور، وعيَّن “ياكين – إيلو” حاكماً على أرواد. وعندما انهارت الإمبراطورية الأشورية بسقوط نينوى في 612 ق. م. .، استأنف “نبوخذ نصر” الثاني ملك بابل (604 – 562 ق. م.) دور الفاتح الأجنبي للمدن الفينيقية، وحاصر صور لمدة ثلاث عشرة سنة (585 – 573 ق. م. – انظر حز 26-29) فاستسلمت له في 572 ق. م. وأُخذ ملكها أسيراً فإلى بابل. ومع أن صور احتفظت بنوع من الحكم الذاتي خلال أيام الإمبراطورية البابلية الجديدة، وأيام الإمبراطورية الفارسية، فقد ذهبت قوتها وسيادتها على البحار، وفقدت مستعمراتها في الغرب. وبعد أن فتح “كورش” الثاني ملك فارس (559 – 529 ق. م.) “ابل” في 539 ق. م.، أصبحت فينيقية جزءاً من الإمبراطورية الفارسية، وقدمت مساعدة كبرى لملوك الفرس في معاركهم البحرية ضد المصريين واليونانيين، فساعدت الأساطيل الفينيقة “قمبيز” (530 – 522 ق. م.) في غزوه لمصر في 525 ق. م. كما ساعدت “أحشويرش” ملك فارس (485-465 ق. م.) في حربه ضد اليونان في 480 ق.م
.

هل تبحث عن  م المسيح المسيح حياتة المسيح على جبل التجلي ي

وبتشجيع من سادتهم – الفرس – كونت المدن الفينيقية – التي كانت ممزقة من قبل – اتحاداً جديداً تكون أساساً من صيدون وصور وأرواد، فكان مندوبوها – يجتمعون في مؤتمرات سنوية في مدينة طرابلس (التي كانت قد أنشئت حديثاً) في الشمال. وكان عدد المندوبين يبلغ ثلثمائة مندوب. وإذ أحسوا بقرب انهيار الإمبراطورية الفارسية، قام الاتحاد بإعلان العصيان، ولكنه كان سابقاً لأوانه، فكانت نتيجته تدمير صيدون تدميراً كاملاً
.

وعندما قضي الاسكندر الأكبر على الإمبراطورية الفارسية في 333 ق. م.، وأبت مدينة صور التسليم له، أقام جسراً بين الشاطئ والجزيرة التي كانت صور مقامة عليها، واستطاع فتحها وتدميرها تماماً، وقضي على غالبية السكان قتلاً، وباع الباقين عبيداً في أسواق الرقيق (انظر حز 26) – الرجا الرجوع إلى مادتي “صور” و”صيدون”. وأعيد بناء صور وصيدون في العصرين اليوناني والروماني (ارجع إلى متى 15: 21)، ولكن كانت الحضارة اليونانية قد حلت تماماً محل الحضارة الفينيقية
.

وفي أيام السلوقيين (323 – 64 ق. م.)، كانت صور وصيدون مركزين هامين للفلسفة والآداب اليونانية، وخرج منهما بعض عظماء أدباء العصر، مثل زينون الرواقي، وأنتيابتر الصيدوني، ومليجر من جدرة. وفي 64 ق.م. غزا القائد الروماني “بومبي” سورية وفينيقية، ولكن ظل الولاة الرومان من 64 إلى 31 ق. م. غير قادرين على تحقيق استتباب الأمن في هذه البقاع، فقد كان البارثيون الذين كانت عاصمتهم في “المدائن” في بلاد النهرين، مصدر إزعاج مستمر للولايات الجديدة. وفي 31 ق. م. هزم “أوكتافيوس” (أوغسطس قيصر فيما بعد) “أنطونيوس” و”كليوباترا” في موقعة “أكتيوم” الفاصلة، فبدأ عصر جديد هو “عصر السلام الروماني”. وقد عمل استتباب الأمن والسلام، وتخفيض الضرائب نوعاً، على ازدهار فينيقية، فأنشئت طرق جديدة مما شجع التجارة الدولية، وفتح الأسواق أمام البضائع الفينيقية من الأواني الزجاجية ومواد الصباغة والخمر والبلح ودقيق القمح. وكان الأمن مستتباً لوجود حاميات رومانية في بيروت وبعلبك
.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد جديد رسالة يوحنا الرسول الثالثة 01

رابعاً – الديانة: هناك مصادر عديدة لمعرفة الديانة الفينيقية، فتوجد كتابات مسمارية باللغتين الأكادية والأوغاريتية ترجع إلى نحو 1700 -1200 ق. م. تشتمل على إشارات إلى آلهة فينيقية، كما يذكر العهد القديم الكثير عن آلهتهم وعبادتهم. كما يكتب عنها يوسابيوس المؤرخ الكنسي، نقلاً عن فيلو من بيبلوس، نقلاً عن الكاتب الفينيقي “سانشونياتون
”  (
من بيروت _حوالي 1050 ق. م.). فقد فقدت كتابات “سانشونياتون” وفيلو البيبلوسي، وما نعرفه منها هو ما ذكره يوسابيوس عنها. وبالإضافة إلى ذلك فإن النقوش الفينيقية من القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد تعطينا بعض المعلومات، التي نرى منها أنه كان لديهم مجموعة من آلهة الخصب، وكان على رأس آلهتهم إله ذكر اسمه “إيل” وزوجته “عشيرة”. أما الإله الأصغر الذي كان له نفوذ كبير بين الشب، فكان اسمه “هدد” ابن الإله “داجان”. ولاتساع نفوذه وشهرته كان يطلق عليه لقب “بعل” أي “السيد”. وكان “هدد” يرتبط بمعبودتين، هما: “عناة” و”عشتارت”، ولكنها في عصر مبكر من تطور الديانة الفينيقية اندمجتا معاً في معبودة واحدة. ومن الآلهة الذين وصلت إلينا أسماؤهم: إله البحر “يم”، وإله الموت “موت”، وإله القمر “ياريه”، وإله الشفاء “إشموم”، وإله مدينة صور “ملكارت” الذي أصبح إله كل الأنشطة البحرية. وفي عصور لاحقة ظهر إله ذكر باسم “أدوني” (أي “سيدي” وهو “أدونيس” في اليونانية)، وكان زوجاً لعشتاروث، وأشبه ما يكون “بتموز” (الإله السومري البابلي – انظر حز 8: 14)، وكان إله الزراعة والخصب. وكانوا يظنونه يموت عندما تشتد حرارة الصيف، ثم يقوم ثانية سنوياً. وكانت الديانة الفينيقية تتضمن إقامة التماثيل للآلهة، وتقديم الذبائح البشرية، وممارسة الدعارة الطقسية (ذكوراً وإناثاً)، وهي جميعها أمور نهت عنها الشريعة وشجبها الأنبياء (لا 18، 1مل 18: 19، إرميا 3: 2
).

خامساً – فينيقية في العهد الجديد: ذكر الرب يسوع صور وصيدا مراراً في توبيخه للمدن التي صنع فيها قواته (مت 11: 21و22، لو 10: 13و14). كما أنه بعد زيارته لأرض جنيسارت (مت 14: 34)، انصر ف إلى نواحي صور وصيداء حيث جاءت إليه المرأة الكنعانية صارخة إليه طالبة منه أن يشفي ابنتها المجنونة بثقة لا تتزعزع، وقال لها: “يا امرأة عظيمة إيمانك” (مت 15: 21-28، مرقس 7: 24-31). كما كان بين من يستمعون إلى أقواله “أناس من حول صور وصيدا” (مرقس 3: 8، لو 6: 17
).

وقد وصلت المسيحية إلى فينيقية في وقت مبكر، إذ نقرأ: “أما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس، فاجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكية” (أع 11: 19). ثم أن بولس وبرنابا ومن معهما، وهم في طريقهم إلى أورشليم لعرض موضوع الختان على الرسل والمشايخ، “اجتازوا في فينيقية والسامرة، يخبرونهم برجوع الأمم، وكانوا يسببون سروراً عظيماً لجميع الأخوة” (أع 15: 3
).

وعند عودة الرسول بولس ومن معه إلى أورشليم من رحلته التبشيرية الثالثة، وجدوا في ميناء “باترا” سفينة عابرة إلى فينيقية، فصعدوا إليها وجاءوا إلى صور حيث وجدوا جماعة من التلاميذ فمكثوا معهم سبعة أيام (أع 21: 3-6
).

وعند سفر بولس إلى رومية بعد أن رفع دعواه إلى قيصر، صعد هو ومن معه إلى سفينة أدراميتية، ووصلوا إلى صيداء حيث أذن قائد المئة لبولس “أن يذهب إلى أصدقائه ليحصل على عناية منهم” (أع 27: 3) مما يدل على أنه كان بها جماعة من المؤمنين
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي