يوم الرب

 

(
أ)   لغوياً: كان من المعتقد قديماً أن الكلمة اليونانية ” كرياكوس
” (Kuriakos)
أي ” الرباني” أو ” المختص بالرب” كلمة مسيحية بحتة، إلا أن الاكتشافات الحديثة أثبتت أنها كانت كثيرة الاستخدام في أيام الإمبراطورية الرومانية قبل أن يظهر التأثير المسيحي، فكانت تستخدم بمعنى ” الإمبراطوري” أو ” الخاص بالسيد”- أي الإمبراطور- وبذلك أصبح استخدامها في المسيحية بمفهوم ” الخاص بالرب “(أي المسيح) أمراً سهلاً . وهناك في الواقع- مبرر لافتراض أنه في أيام الإمبراطور ” دومتيان” عندما أثيرت قضية ” من هو السيد: قيصر أم المسيح؟ ” كان استخدام الكنيسة لهذه الكلمة جزءاً من الاحتجاج على عبادة قيصر، بل ومن ٍالجائز أيضاً أن تعبير ” يوم الرب” قد استخدم رداً على ” يوم أوغسطس” الذي يبدو انه كان مستخدماً في بعض أجزاء الإمبراطورية للتعبير عن أيام مكرسة- بنوع خاص- لعبادة ” قيصر
“.

(2)
في العهد الجديد: يظهر ” أول الأسبوع” في سفر الأعمال (20: 7) بأنه

اليوم الذي كان يمارس فيه ” كسر الخبز”. كما أننا نفهم من هذا النص أن
 
الرسول بولس ورفاقه أطالوا مدة إقامتهم في ترواس حتى يشتركوا مع الإخوة في ” كسر الخبز” في أول الأسبوع. ويوصي الرسول بولس الكنيسة في كوررنثوس قائلاً :” في كل أول أسبوع
 
، ليضع كل واحد منكم عنده . خازناً ما تيسر…”( 1كو 16: 2). ومع أنه لا يذكر” العبادة ” هنا بصورة صريحة، إلا أنه من الواضح أن اليوم الأول من الأسبوع كان هو اليوم الملائم لتقديم العطاء الذي يعتبر جزءاً من العبادة
.

(3)
في عهد ما بعد الرسل: لا نجد في العهد الجديد عبارة ” يوم الرب ” إلا في سفر الرؤيا (1: 10)، ولكن في كتابات ما بعد عصر الرسل، نجد الكثير من الإشارات، فيقول “إغناطيوس”- تلميذ يوحنا الرسول وأسقف أنطاكية- : ” لا يحفظون ( المسيحيون) السبت فيما بعد، بل يحيون طبقاً ليوم الرب الذي منه أيضاً قام نورنا ” المسيح ” وأيضاً بدأ يوم الرب في الإشراق أنظر مت28: 1 وأيضاً باكراً في يوم الرب (انظر لو 24: 1
).

كما جاء في الرسالة المنسوبة “لبرنابا
”  : “
نحن نحفظ اليوم الثامن بفرح لأن فيه قام
 
الرب يسوع من الأموات- أي يوم الأحد، يوم قيامة المسيح- ويحفظه المسيحيون كعيد لهم ويسمونه” يوم الرب”. كما أن استخدام عبارة ” يوم الرب” مناسب جداً لليوم الذي تلقى فيه يوحنا رؤياه عن الرب المقام( رؤ 1: 10
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 12

(4)
البداية: يرجع حفظ يوم الأحد إلى ما قبل كتابة الرسالة إلى الكنيسة في كورنثوس، وقد نبت في تربة مسيحية ذات أصل يهودي، إلا أنه لا يمكن تحديد متى بدأ ذلك، إن كان يبدو أنه لم ينشأ مع المسيحية من بداية نشأتها، بل يبدو أن الكنيسة الأولى كانت تجتمع للعبادة في كل يوم (أع 2: 42و46) ، ولكن لم يستمر الحال على ذلك طويلاً، فبفتور الحماسة الأولى، وضرورة مزاولة الأشغال اليومية، وتزايد أعداد المتجددين، سرعان ما أصبحت تلك الاجتماعات اليومية أمراً غير عملي ، وأصبح من اللازم اختيار يوم محدد للعبادة، وكان انسب يوم لذلك هو يوم الأحد ، يوم قيامة الرب من الأموات. إلا أن بعض الأفراد والجماعات، استمروا في المواظبة على اجتماعاتهم اليومية حتى زمن متأخر . وهكذا كان زهور ” يوم الأحد” باعتباره اليوم الوحيد المخصص للعبادة، أمراً تدريجياً
.

(5)
الأحد والسبت: حدث على أية حال تمييز واضح بين الأحد والسبت، فكان يوم الأحد هو اليوم الذي تقام فيه العبادة المسيحية، أما يوم السبت فكان يوماً للراحة الطقسية ينبغي أن يحفظه جميع الذين كانوا تحت ناموس موسى(غل 5: 3، انظر أيضاً أع 21: 20) أما الأمم غير المختونين فلم يكونوا تحت التزام بحفظ السبت

ومن المؤكد تماماً أنه في عصر الرسل، لم يحدث إحياء للقواعد المتعلقة بيوم السبت أو نقلها إلى يوم الأحد بالنسبة للمؤمنين من الأمم. كما أن ” الأشياء الواجبة”- التي تقررت في أول مجمع انعقد من الرسل والمشايخ في أورشليم – لم تتضمن حفظ يوم معين للراحة(أع 15: 28و29)، بل- على النقيض- نجد أن حفظ يوم بذاته- كنوع من الالتزام الديني- قد
 
شجبه الرسول بولس عل أساس أنه يتضمن إنكارا للمسيح (غل 4: 10)، كما يدين الرسول صراحة حفظ يوم السبت (1كو 2: 16 )، ومع ذلك للإنسان الحرية أن يفعل ما يراه مناسباً لمجد الرب (رومية 14: 5و6 )، وواضح أن ممارسة العبادة في يوم الأحد لا تجعل منه يوماً أكثر قداسة من يوم الأربعاء مثلاً – إذا اقيمت فيه العبادة
.

ونلاحظ أيضاً أن الخدمة الرسولية كانت تتم في المساء ، وكانت الغيرة المسيحية القوية تجعل من كل يوم يوماً مقدساً في انتظار مجيء الرب الذي لم يكونوا يتوقعون أن يطول الأمر بهم في انتظاره
.

هل تبحث عن  هوت دستورى شريعة الزوجة الواحدة فى المسيحية 13

(6)
التاريخ اللاحق: لما طال بهم الأنتظار، أصبح من اللازم – في وسط دوامة الحياة ومشاغلها- ليس تخصيص فترات للعبادة فحسب، بل أيضاً تخصيص فترات للراحة من روتين الحياة، حتى تكون العبادة مثمرة. كما أن التعليم الأساسي للمسيحية عن الرحمة: ” أريد رحمة لا ذبيحة” (مت 12: 7) يستلزم- متى أمكن ذلك- ان يُعفى الناس من عبء الاستنزاف بالتعب المتواصل
.

إلا أن صياغة القواعد العامة لوضع هذه المبادئ موضع التنفيذ، حدثت بعد أزمنة العهد الجديد. ويكفي أن نقول إن القواعد الكنسية بالنسبة ليوم الأحد كانت متميزة تماماً عن أحكام حفظ يوم السبت. وكان ” ألكوين
“( Alcuin-733
؟ – 804م) أول من قال إن الكنيسة قد نقلت أحكام يوم السبت إلى يوم الأحد. وما زالت هذه الفكرة هي السائدة في عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، ولكنها استبعدت تماماً – في عهد الإصلاح- من اللوثريين والكلفنيين الذين انحازوا إلى جانب الحرية المسيحية (انظر مثلاً غل 5: 1، رومية 14: 5و6، كو 2: 16و20- بل إن كلفن اقترح اتخاذ يوم الخميس بدلاً من يوم الأحد
).

وحدث – على النقيض من ذلك- أن تمسك المتشددون من الكنائس الإنجليكانية والأسكتلندية بحفظ يوم الأحد ناموسياً بسبب ما لاحظوه من رخاوة في المجتمعات المحيطة بهم
.

(7)
خلاصة الأمر حالياً: تشعبت الآراء والمواقف حول طبيعة يوم الرب ، والالتزام المسيحي بحفظة. ويمكن إجمالها في المواقف التالية
:

(
أ) الرأي السبتي، وهو يعتبر يوم الأحد سبتاً مسيحياً يجب حفظه بناء على الوصية الرابعة من الوصايا العشر. وينادي البعض من أنصار هذا الرأي بأن الأمر الهام في الوصية الخاصة بيوم السبت ، ليس هو تحديد اليوم السابع بذاته، بل تخصيص يوم في الأسبوع لذلك ، لأن الوصية ملزمة لكل الناس . ولكن يقول البعض الآخر أن الوصية ملزمة لكل الناس فيجب حفظ اليوم السابع وليس حفظ يوم آخر . وهذا هو رأي أدفنتست اليوم السابع ، ومعمداني اليوم السابع
.

(
ب) يقول أنصار السلطان الكنسي إنه يجب على المسيحي أن يحفظ يوم الأحد بناء على سلطان الكنيسة. ويقول بعض المعتدلين
 
منهم ، إن تحديد يوم الأحد وضعه لمسيح عن طريق رسله، ويستشهدون بالإشارات الواردة في العهد الجديد بخصوص يوم الرب باعتباره اليوم الأسبوعي للعبادة في الكنيسة الأولى
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م ميسية ة

(
ج) نادى رجال الإصلاح بأن المسيحي ليس تحت التزام بحفظ أي يوم، ولكن يحسن- من باب اللياقة- أن يحفظ يوم الرب
.

(
د) يبدو أن الفكرة الكتابية تشتمل على شئ من كل رأي من هذه الآراء، فلقد نبتت المسيحية في تربة يهودية، فكان من المنطقي أن يستعير يوم الأحد الكثير من خصائص السبت اليهودي. ووضع السبت بالنسبة للخليقة، يدل على حاجة لإنسان إلى يوم في الأسبوع للراحة. وقد أعطى الله الوصية الرابعة لبني إسرائيل خاصة (انظر خروج 31: 12-17)، فهي أساساً لا تنطبق إلا عل شعب إسرائيل. ولكنها تشتمل على مبادئ أدبية أبدية، إذ أنها تقرر واجب الإنسان من نحو عبادة خالقه، وهو ما يستلزم تخصيص أوقات للعبادة. وقد ذكر الرب يسوع أن الله قد جعل السبت لحاجة الإنسان وخيره، لا ليكون عبئاً عليه. ولم يفرض هو، ولم يفرض تلاميذه على أتباعه حفظ السبت،بل إن الرسول بولس يقرر صراحةً أن السبت كان جزءاً من عهد الناموس الذي انتهى في المسيح. وليس ثمة إشارة أو تلميح إلى أن المسيح أو تلاميذه قد غيَّروا السبت من اليوم السابع
 
إلى اليوم الأول من الأسبوع
.

ونرى من العهد الجديد أن اليوم الأول من الأسبوع قد اكتسب أهمية خاصة بقيامة المسيح وظهوراته لتلاميذه في ذلك اليوم، كما أننا نعرف من مواضع معينة في سفر أعمال الرسل والرسائل أن اليوم الأول من الأسبوع كان هو اليوم المخصص للعبادة في أيام العهد الجديد. كما أن الإشارات إليه في كتابات الآباء تدل على استمرار اعتباره يوماً لعبادة طيلة القرون التالية، ولم يصبح معتبراً يوماً للراحة إلا بالتدريج وليس قبل القرن الرابع
.

وليس في الكتاب المقدس أمر محدد بحفظ يوم الأحد يوماً للراحة والعبادة، ومع أنه يجب على المسيحي أن يعتبر كل يوم يوماً مقدساً ، يعبد فيه الله عن محبة وبلياقة، فإن الآراء المتضاربة قد فشلت في دفع معظم الناس إلى حفظ أوقات محددة للعبادة. ونعتقد أن التكريس الحقيقي للرب يسوع المسيح، لا بد أن يدفع بالمسيحي إلى حفظ ” يوم الرب”، ففيه ينحي مشاغله اليومية جانباً ليعبد الرب ، بصنع ذكرى موته وقيامته من الأموات، ويقوم بالخدمة المسيحية لمجد سيده
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي