عنف

Violence

مقدمة

أولاً: الوصف

ثانياً: بعض مواقف

ثالثاً: يهوه والعنف

رابعاً: يسوع والعنف

1.
إن ملكوت الله
:

2.
وفي مواجهة نظام ظالم
:

3.
وفي مواجهة العنف
:

 

 

مقدمة

إن العنف الذي لا نرى فيه أولاً سوى تدمير وحشي، هتك أعراض، وتعد، ينبغي أن نقرّ بأنه ينطوي على القوة الحيوية التي هي مصدر له، والتي، لكي تبقى على ما هي عليه، تتّجه نحو هدم الحياة ذاتها. واللفظ الذي يدلّ في اللغة الفرنسية على العنف تماماً كاللفظ الدال على القوة الحيوية، مشتق من أصل هندي- أوربي يدل على الحياة. ونرى الكتاب المقدس يصف، دون ما إبهام، حالة العنف التي توجد فيها الإنسانية: فالقوى الحيوية وقوى الموت تتقابل في توازن وقتي يعتبر النظام الظاهري بمثابة شكله الهزلي (الكاريكاتوري). ويكشف الكتاب لنا أيضاً، وبنوع خاص، أن في يسوع المسيح، قد يصبح كمال المصير في الأزمنة الأخيرة حقيقة واقعية في زمن تتفتح فيه الحياة وقد خلت من العنف (راجع إشعيا 11: 6- 9، رؤيا 21: 4
). biazomai- vivo- vis – (bios

ونجد لإرشادنا في هذا الموضوع، تعبيرين يذكران عن كثب بفكرة العنف: الاصطلاح العبري (“حمس”) بدقته، والاصطلاح اليوناني
(biazomia )
وبه. قدر بسيط من الإرغام (أرغم- ألحّ لكي
).

أولاً: الوصف

1.
إننا نستطيعٍ، استناداً إلى أساس فكرةِ تجاوزٍ لقاعدة، أن نصف فعلًا من أفعال العنف: هكذا أدرك الفكرة مترجمو العهد القديم باليونانية إذ عبروا بصفة عامة عن لفظ (“حِمس “) بكلمة قريبة من
adikia
تعني الظلم. وطبقاً للعادات الجارية في ذلك العصر، فإن شمعون ولاوي، لا بد أن يكوّنا رأياً يرجَح الانتقام لأنهما “دينا” من الذي اغتصبها (تكوين 34: 2). ولكن لمغالاتهما كثيراً في الانتقام وصف أبوهما السيوف التي استخدماها لمعاقبة المعتدين، بأنها “آلات جور ” (تكوين 49: 5). فالشعب والكهنة قد تعدوا الشريعة (حزقيال 22: 26، صفنيا 3: 4) فتعدوا العدالة الاجتماعية بواسطة الخداع (صفنيا 1: 9)، وتعدوا على الحق (حزقيال 45: 9
).

ويكون العنف عادة مصحوباً بنوع من العمد أو بمخالفة أصول الكلام: تنصب المصايد الكمائن (مزمور 140: 6)، وتحفر الحفرة للقريب ” (مزمور 7: 16)، بتدبير الحيلة (مزمور 72: 15)، والنميمة (مزمور 140: 12)، والدهاء (ملاخي 2: 16)، ولكن على الأخص بشهادة الزور، (خروج23: 1، تثنية 19: 16، مزمور 27: 12، 35: 11)، مما يمتنع عنه البار رافع الصلاة النقية (أيوب 16: 17
).

2.
ويمكن أيضاً تبين العنف من خلال نتيجته الكبرى، ألا وهي تدمير الحياة الطبيعية أو الاجتماعية، وفي هذه الحالة، يكون هذا اللفظ غالباً، مقروناً بتعبير آخر يعني الاستغلال، والظلم، والتخريب، والدمار. إن الأنبياء يندبون حالة العنف التي انغمس فيها الشعب(عاموس 3: 10، إرميا 6: 7، 20: 8، إشعيا 60، 18)، ويستنجدون يهوه القادر وحده على معالجة حالة الظلم هذه (حبقوق 1: 3). والله يبغض مرتكبي العنف (مزمور 11: 5، ملاخي 2: 16). ألم ينزل الطوفان “لأن الأرض قد ملئت جوراً” (تكوين 6: 11- 13)؟. ولهذا نسمع بدون هوادة صراخ المقهورين الذين يتطلعون إلى النجاة من صنع فاعلي الجور (2 صموئيل 22: 3 و 49، مزمور 18: 49، 140: 2- 5). ويعلق هؤلاء الضحايا أملهم على ردّ فعل مشابه، ” ليتعقب الشر الإنسانَ العنيف ويرد له ضربة على ضربة” (مزمور 140: 12). ومع ذلك فيقدّم لنا مثل أعلى للتنازل الكامل، في صورة خادم الله الذي يُدفن مع الأشرار، “بينما هو لم يصنع جوراً ولم يوجد في فيه مكر”(إشعيا 9: 53
) .

3.
إن هذه النظرة السريعة حول صور استعمال لفظ “حمس ” تتيح لنا إبداء بعض الملاحظات. فإن العنف لا يتطابق لا مع القوة، ولا مع الانتقام، أو الغضب، ولا مع الغيرة: الواقع أن هذه التعبيرات المتباينة للقوة الحيوية تنتهي في بعض الأحيان إلى تدمير الحياة، مع أنها لا تتضمّن بالضرورة ما يتميز به العنف في نظر العهد القديم، أي التعدّي على قاعدة شرعية. ومع ذلك، وهذا ما ينبغي أن نتوقف عنده، فالقاعدة غير محددة، كما هي الحال بالنسبة للعقلية اليونانية، “في نظام طبيعي، ثابت لا يتغيّر. وإنما سَيحدد بحسب عصر معيّن، عن طريق البرّ، أي من إله العهد، الذي هو النهاية والقاضي على كل عمل. ففي مثل هذا الإطار، الزمني واللاهوتي، ينبغي لنا أن نقدّر العنف في العهد القديم
.

هل تبحث عن  هوت عقيدى سر الكهنوت الكهنوت 00

ثانياً: بعض مواقف

بمساعدة المعايير السابقة، يمكننا أن نتذكر مواقف يخلو وصفها بعبارة “حمس”. فقايين قتل هابيل مرتكباً عمل شر: “إن صوت دماء أخيك، صارخ إليّ من الأرض ” (تكوين 4: 10)، يقول الرب. ودون أي اعتدال ” يقتل لامك رجلاً من أجل جرح ” (4: 23). إن إسرائيل مقهور (بالعبرية: “عِنة” وهي من نفس مصدر “عَنوِيم “. أي الفقراء) في مصر (خروج 1: 12، تثنية 26: 6، راجع 2 صموئيل 7: 1
).

وبإدانة اغتصاب امرأة، وهر عمل يهدم العلاقات الاجتماعية ولا يعبأ برضا الشريك، تدين الشريعة جوراً لا مبرر له (تثنية 22: 24- 29، راجع تكوين 34: 2، قضاة 19: 34، 20: 5، 2 صموئيل 13: 12 14، مراثي 5: 11 باللغة اليونانية
(tapeinoo)

يأمر داود بقتل أورية زوج بتشبع، مستغلا ًالحرب المقدسة بمكر (2 صموئيل 11: 15). ومن جهة أخرى، بالرغم من لعنة شِمعي(16: 87، 19: 19- 24)، لم يسلك كسافك دم إزاء بيت شاول، لأنه، ولمرتين، قد أبقى على شاول (1 صموئيل 18:. 1- 11، 19: 9- 17). وهناك عنف آخر، عندما استولى أحآب على كرم نابوت، حيث رجم هذا الأخير على أثر شهادة الزور التي أبرزنها إيزابيل (1 ملوك 21: 8- 16
).

وأخيراً يجب أن نذكر المواقف العديدة في الجشع والاضطهاد والمذابح والفسق، التي تجعل من القصة في العهد القديم، تاريخاً طويلاً للعنف بين الناس، حتى زمن المسيح (لوقا 13: 1، مرقس 15: 7، راجع متى 2: 16
).

ثالثاً: يهوه والعنف

إن سلوك يهوه يبدو في الظاهر مبهماً، فهو حقاً ينبذ كلَ انتهاك العدالة. ولكنه يبدو أحياناً متسامحاً ومسايراً، بل ممارساً لأعمال نصفها نحن بأنها عنيفة. فكيف تكون نظرتنا إلى ذلك؟

1.
لا شك في أن الله يدين كل ظلم جائر. ولكنه يتولى ذلك تدريجياً آخذاً في اعتباره العصر الذي يعيشه فيه شعبه. هكذا فإنه يأخذ من جديد شريعة العين بالعين (خروج 21: 24)، التي تمثّل تقدماً بالغاً بالنسبة لزمن لامك (تكوين 4: 15- 24). وإنه يدين الجرائم التي يجب أن لا ترَتكَب، كتلك الجرائم التي يصفها عاموس بحسب أوضاع زمنه، والتي تعتبر أعمالاً عنيفة لا مبرر لها: ترحيل مجموعات من الشعب بأكملها دون مراعاة للأخوة بالدم، وبقر بطون الحوامل، وحرق الجثث، وإطراح الشريعة جانباً، وسحق الصغار (عاموس 1: 1- 2: 8
).

لقد أخذ يهوه ينصر إسرائيل المقهور في مصر (خروج 3: 9)، ويطالبه بأن يسلك مسلكاً مماثلاً له تجاه الضعيف: “لا تضايق الغريب، لأنكم تعلمون ما بثوب نفس الغريب، فإنكم كنتم غرباء في أرض مصر” (23: 9). إن الله يجعل إذا من نفسه المدافع عن ضحايا الظلم من جانب بني البشر، وعلى وجه الخصوص عن اليتيم والأرملة ” والفقير” (خروج 21: 23، تثنية 24: 20
).

2.
من جهة أخرى، فإن إله العهد عندما يرى” إسرائيل وهو في وسط الشعوب الوثنية، حتى ميلاد المسيح، ينظر نظرة جدية إلى الحالة التي يعيش فيها شعبه، وباسم العهد نفسه يظهر كإله محارب رهيب، إنه يبيد أبكار مصر (خروج 12)، ويوقع الحرم (يشوع 7)، ويتصدر القتال(2 صموئيل 5: 24). ويؤيد قوة شمشون المنتقمة والهدامة (قضاة 15 و 16)، وكذلك الغيرة، التي تصل إلى حد قتل المعتدي على العهد (عدد 15: 11
).

وإذ يفعل الله ذلك، لا يكون عنيفاً قي نظر الكتاب المقدس، لأنه لا يتعدى العهد الذي هو أنشأه وضمّنه. ولكنه يبين أن خيراً أسمى قد يؤدّي إلى تدمير الحياة الأرضية، وهو يشير علاوة على ذلك إلى حرب الأزمنة الأخيرة، والإبادة بدون شفقة للشر الكائن في العالم. ومع ذلك، فلا يمكننا اعتماداً على هذا التصرف، أن نتخذ موقفاً في الأحوال السياسية المعاصرة، لأننا بذلك نكون قد تجاهلنا بسذاجة تلك الملابسات الماضية التي خلالها كشف الله عن نفسه
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ز زُنبور ر

3.
فالجانب الغريب في مسلك يهوه، ينعكس في تقديم صورة الله الحي تتّنقى شيئاً فشيئاً خلال تداول الوحي الكتابي
.

فأولا ًالله يتجلّى في خروجه عما يسمى السير الطبيعي للخليقة، في سيناء مثلاً (خروج 19)، ثم فيما بعد، يفهم إيليا أن الله لا يتصرّف على منوال العاصفة، أو الزوبعة، أو الزلزال، ولكن على نحو صوت نسيم لطيف (1 ملوك 19:، 11 وما بعده
).

إن المسيا الذي تصوّروه أولاً على أنه ملك محارب يكسر الرؤوس الثائرة (راجع مزمور 110: 5، راجع إرميا 17: 25، 22: 4)، إنما سيأتي في هيئة “ملك متواضع ومسالم راكباً على جحش ” (زكريا 9: 9، راجع خروج 49: 11، قضاة 5: 10
).

وأخيراً، فإن خادم الله الذي سيرى فيه المسيحيون صورة نبويّة ليسوع يسلم ” ذاته بثقة لله، وينتصر على العنف محتملاً إياه بإرادته واختياره، إنه لا يقاوم الشرير (إشعيا 50: 5- 6)، ولا يرتكب خديعة أو عنفاً (53: 9
).

رابعاً: يسوع والعنف

أتى المسيح، وقد أدهش معاصريه وكل الناس بسلوكه المتنوّع، ولهذا فلكي نفسر بطريقة صحيحة أقواله وأعماله، يجب ألا نختار بعضها اعتباطياً، طبقاً لمفاضلات كلها ذاتية، بين بعضها البعض، ولكن ينبغي أن ننظر من زاوية الرؤية التي يختارها يسوع
.

1.
إن ملكوت الله
:

قد انطلق مع مجيء يسوع، وبعكس ما كان ينتظره اليهود، يثير العنف. ” فملكوت السماوات يُغزى بالجهاد
(biazetai)
، منذ أيام يوحنا المعمدان إلى اليوم، والمجاهدون (باليونانية
biastai )
يأخذونه عنوةً ” (متى 11: 12). ووفقاً للتفسير الأرجح (لفظ
biastai
يعني دائماً المهاجمين، والمناوئين) يقصد يسوع الخصوم الذين يمنعون الناس من دخول الملكوت. ولكن قد فسّر لوقا كلامه بالمعنى الوارد في لوقا 13: 24، حيث التلميذ مدعوّ “لأن يجتهد
(agonizesthe
بأن يدخل من الباب الضيّق “. ” بقيت الشريعة وكتب الأنبياء حتى يوحنا، ثم ابتدأت البشارة كملكوت الله، فأخذ كل امرئ يبذل جهده
(biazetai)
ليدخله عنوة” (16: 16). و بمجيئه يثير ملكوت الله نوعاً من العنف يصعب توضيحه لنقص في الألفاظ الخاصة الملائمة، ولكن يسوع لا يخفيه
.

2.
وفي مواجهة نظام ظالم
:

يقف عائقاً دون ملكوت الله بقدر عدم تقبله إياه، يحتج يسوع، بعد الأنبياء”، بأفعال وبعبارات لا بد وأن المحافظين على مثل هذا النظام القائم يعتبرونها عنيفة فهي تثير فيهم اضطراباً، ليس لأنها متطرفة جداً، ولكن لأنها تنقض الشريعة لكل ظاهر. ويرفع المسيح هكذا ليس الاستسلام المسيحي للظلم، ويحدد متطلبات المحبة. إنه يطرد الباعة من الهيكل (متى 21: 12- 13، يوحنا 2: 13- 22). فهو ينقض الأوضاع المتعارف عينا في الدين، وفي المجتمع، وفي لغة الكلام. إنه سيّد السبت (مرقس 2: 28)، إنه أتى ليحمل لا السلام الخدّاع الذي سبق فندّد به الأنبياء (راجع إرميا 6: 14)، بل السيف (متى 10: 34، راجع لوقا 12: 51)، إنما يلقي الشقاق حتى بالنسبة إلى أكثر المؤسسات قدسية، أي العائلة، مفرّقاً بين الآباء والأبناء، ببن الأخوة والأخوات، من أجل النداء الذي يطلقه هو (متى 10: 35- 37). ففجأة يقف المسيح في مواجهة الواجب المقدس باحترام الوالدين ” اترك الموتى يدفنون موتاهم ” (لوقا 9: 60 ). إنه يزعزع الاهتمام الطبيعي بسلامة الجسد: ” انزع عينك أو يدك إذا دعتاك إلى الخطيئة” (متى 5: 29- .3). في كل ذلك، يخالف النظام لأنه ظالم ليس في ذاته، ولكن بالنسبة إلى. حقيقة يعتبرها يسوع فائقة عليه، وهي ملكوت الله. أما بالنسبة إلى معلمي هذا النظام، فها هم يدعون مرائين، قبوراً مكلسة (23: 13- 36
).

في نظر المهيمنين على النظام القائم الذي يرفض الانفتاح على قيمة أعلى، يبدو يسوع كما كان إيليا قديماً (1 ملوك 19: 17- 18)، مزعجاً مثيراً للاضطراب ثورياً يحيد بالشعب عن الطريق الذي رسمه معلمو ا النظام (لوقا 23: 2). وعلى العكس. في نظر الله، فالمسيح يجدد، في صورة متحركة، القيمٍ الحقيقية التي كان النظام المستقرَ قد أدى إلى خنقها. ووفقا للزاوية، إذا ما نظرنا منها في الأمر سنستطيع، مع كتاب الرؤيا، أن نصف يسوع على أنه عنيف (رؤيا 6: 84، 8: 5…) يحمل، في نهاية الأمر، السلام (21: 4). وسنستطيع أيضاً أن نقف على الصورة التي يقدمها يسوع عن نفسه، فنرى فيه المعلم الوديع المتواضع القلب، الذي بتحمله العنف ينتصر عيه (1 بطرس 2: 21– 24)، ويعرض الراحة التي تفوق الظلم (متى 11: 29). إن المسيحي، إذ يثبت نظرة على هذا المثل الحي، يحاول جاهداً أن بطابق سلوكه عليه. (1 بطرس2: 2118، 3: 14، لوقا 5: 9- 10، رؤيا 14: 12). وبالنسبة للنظم الاجتماعية القائمة، يعتبر الإنجيل ثورة بقدر ما تكون هذه النظم معطّلة للعدالة والمحبة، اللذين بدونهما لا يستطيع كل ابن لله أن يعيش: “اطلبوا ملكوت الله وبره ” (متى 6: 33
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر القضاة 03

3.
وفي مواجهة العنف
:

الذي يسود العالم، يظهر يسوع نفسه بموقف يزيد جذريّة عنه في العهد القديم. كانت شريعة العين بالعين تطالب بالإنصاف عند الانتقام في سبيل استعادة العدالة المهضومة. أما يسوع فيطالب بالصفح (متى 6: 12، 14- 15، مرقس11 : 25) لغاية سبع وسبعين مرة (متى 18: 22) ويوحنا أمره للجميع: ” أحبوا أعداءكم، وادعوا لمضطهديكم ” (متى 5: 44، لوقا 6: 27)، ويقرر لكل تلميذ: ” لا تقاوم الشرير” أ أو ” الشر” الذي في العالم، (متى 5: 39
).

ففي الأمثال الثلاثة التي توضح ما يأمر به (5: 39- 41)، لا يحكم يسوع على عمل العنف الاجتماعي (من لطم، وأخذ الثوب، وتسخير) الذي قد يكون له سبب صحيح، كما أنه أيضاً لا يسمح بمحاكاة الوكيل الخائن (لوقا 16: 81)، أو القاضي الظالم (18: 51)، إنما يتّخذ يسوع هنا وجهة نظر الفرد الواقع عليه غبن، فيعلن أنه يجب أن نتعلم كيف نكون ضحية أمام فاعل العنف. لقد كان يسوع أول ضحية أمام العنف. إنه يقاوم الإغراء بتأسيس ملكوت الله باستخدام الوسائل العنيفة: فلا يريد أن يحوّل “، بطريقة سحريّة الحجارة خبزاً ولو كان لإشباع جوع العالم (متى 4: 53)، ولا أن يبدي السيطرة على البشر عن طريق القوة (4: 8- 10)، كما يرفض أن يكون سياسياً ثائراً (يوحنا 6: 15)، وأن ينال المد دون أن يعبر بذبيحة الصليب (متى 16: 22
).

وأخيراً، بعد أن عرق دماً في بستان الزيتون، لا يستسيغ القتال الذي شرع فيه صحابته ليدافعوا عنه بالقوة: “قفوا عند هذا الحد”. ويذهب إلى حدّ شفاء خصمه (لوقا 22: 49… راجع 22: 36- 38). إن يسوع لم يسفك دم البشرية، بل إنه سفك دمه هو
.

لماذا، إذن، لا نقاوم الشرير؟ ليس اتباعاً لأسلوب فني من أساليب اللاعنف، ولكن عن روح حب وتضحية، الوسيلة الوحيدة للتوصّل إلى الصلح بين الجائر وضحيته (راجع تكوين 33: 45: 1 صموئيل 26). فإن ملكوت الله لا يقوم على العنف، ولكن على القدرة الإلهية، التي أثبتت قدرتها على الانتصار على الموت عندما أقامت يسوع. ومنذ ذلك كل من يأخذ بالسيف بالسيف يهلك ” (متى 26: 52). وعلى نقيض روح يسوع، يقوم ذلك الذي يُريد الرد على السامريين الذين لم يقبلوه، بأن تنزل نار من السماء عليهم (لوقا 9: 54)، لكن الودعاء هم الذين سيرثون الأرض ” (متى 5: 4
).

وعلى العكس “رؤساء الأم الذين يسودونها ويتسلطون عليها”، ينبغي لتلميذ يسوع أن يجعل نفسه “خادماً” للآخرين (متى 20: 25- 26). عندما يتقهقر يسوع، كخادم الله، أمام “روح الشر” في أعدائه (متى 12: 15 و 18- 21، 14: 13، 16: 4)، يستسلم إلى الله، وبذلك يحقّق السعادة للمضطهدين (متى 5: 10)، المتنبأ عنها في ترانيم الخادم (إشعيا 50: 5، 9: 53)… على أنه عندما يصفح عن الذين صلبوه ظلماً (لوقا 23: 34، 1 بطرس 2: 32- 24) وعندما يطالب تلميذه بأن يحول الخد الآخر، يتفوق يسوع على المثل الأعلى في العهد القديم. فلا يكتفي بالتسليم السلبي بين يدي الله، المدافع عن المظلومين، بل يبدي عُنفاً أمام العنف، لأن في هذه المواجهة تكون المصالحة هدفاً، ولعله يتوصّل إليها حتى على الأرض
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي