نسب السيد المسيح

 

يقدم لنا العهد الجديد قائمتين لسلسلة نسب الرب يسوع المسيح حسب الجسد ، وكلتاهما تثبتان أن يسوع المسيح جاء حسب الجسد من نسل داود ، وهي حقيقة يؤكدها العهد الجديد مراراً ( مت 21 : 29، مر 10 : 17 ، رو 1 : 3 ) . فقد كان يوسف – الأب الشرعى ليســـوع – ” من بيت داود وعشيرته ” ( لو 2 : 4 ) . فككل اليهود – في عصره ، وفي كل تاريخهم – كان يوسف يحتفظ بسجلات عائلته ، فقد كانت هذه السجلات تُحفظ بكل عناية لأهميتها لإثبات انتسابهم لإسرائيل ، ولإثبات الحقوق الشرعية في المواريث والزواج والحالة الدينية . فمنذ قرون عديدة ، كما في أيام عزرا ونحميا ، كانوا يرجعون إلى هذه السجلات للتحقق مما يدعيه الشخص ( عز 2 : 62 ، 8 : 1 ، نح 7 : 5 ) . وفى حالة ” يوسف النجار ” كان انتسابه إلى داود أمراً هاماً لارتباطــــه بالمســــيا الموعـود ( إرميا 23 : 5 و 6 ، حز 34 : 23
) .

وتشير كلتا القائمتين إلى أن يوسف كان يعتبر الأب الشرعى – وليس الفعلي – ليسوع . وقد تتبع متى السلسلة من إبراهيم إلى داود إلى يوسف في إحدى وأربعين حلقة . بينما عكس لوقا هذا الترتيب راجعاً من يوسف إلى داود ومنه إلى إبراهيم ثم إلى آدم ، ذاكراً 77 اسماً ( مت 1 : 1 – 17 ، لو 3 : 23 – 38 ) وبالمقارنة بين القائمتين ، نكتشف وجود اختلافات واضحة . وأصعب ما فى الأمر هو أن القائمتين تنتهي إحداهما بيوسف بينما تبدأ الأخرى بيوسف نفسه ، ومع ذلك فإن الأسماء من داود إلى يوسف تكاد تختلف كلية فى إحدى القائمتين عنها في الأخرى
.

(
أ ) سلسلة النسب فى إنجيل متى
:

كتب متى إنجيله أساساً لليهود ، ولذلك كثر استشهاده بالنبوات . وتبرز في هذه السلسلة بعد الخصائص المميزة ، فهى تشتمل على شخصيتين من أهم شخصيات العهد القديم : إبراهيم وداود ، ولكليهما صلة وثيقة بعهود الله لشعبه القديم . وقد وضع متى سلسلة نسب يسوع فى مقدمة إنجيله ، في مكانة الشرف . وقد قسم القائمة إلى ثلاثة أقسام ، كل منها من أربعة عشر جيلاً . وفى سبيل ذلك أسقط بعض الأسماء ، مثل الكثير من القوائم في العهد القديم ( انظر مثلاً 1 أخ 6 : 1 – 15 ، عز 7 : 1 – 5 ) ، ولعله أراد بذلك أن يجعل من السهل أن تحتفظ الذاكرة بالأسماء دون التضحية بالدقة التاريخية . فقد أسقط أسماء ثلاثة ملوك هم أخزيا ويوآش وأمصيا ، بين يورام وعزيا . والأرجح أن ذلك كان لأن أولئك الملوك الثلاثة ارتبطوا بعثليا ابنة أخآب وامرأته الشريرة إيزابل . وكان ذلك عقاباً لبيت يورام ، تنفيذاً لقول الرب : ” أفتقد ذنوب الآباء فى الأبناء في الجيل الرابع من مبغضي ” ( خر 20 : 5 ) . كما أسقط اسم يهوياقيم بن يوشيا ، لأنه كان ملكاً شريراً ، كما كان ألعوبة في يد فرعون نخو ملك مصر ( 2 مل 23 : 34 و 35 و 2 أخ 36 : 4
) .

هل تبحث عن  شخصيات الكتاب المقدس عهد قديم الأربعة حيوانات غير المتجسدة ة

ولعل متى أراد بذلك التقسيم ، إلى ثلاثة أقسام ، كل منها من أربعة عشر جيلاً ، أن يكون من السهل على الذاكرة – الاحتفاظ بالأسماء دون التضحية بالدقة التاريخية – كما سبقت الإشارة إلى ذلك – ولعله أيضاً اختار عدد ” أربعة عشر ” لأنه يتفق مع القيمة العددية للحروف التى يتكون منها اسم ” داود ” فى العبرية ، كما أن العدد ” 14 ” هو مضاعف العدد ” 7 ” عدد الكمال . ولكن كل هذه افتراضات ليس من يستطيع الجزم بها
.

ومما يستلفت النظر أيضاً في هذه القائمة ، أن متى يذكر أسماء أربع نساء : ثامار ، وراحاب ، وراعوث ، وبثشبع . وكانت ثامار كنعانية ، وراحاب أمورية من أريحا ، وراعوث موآبية ، وبثشبع يهودية . ولعل الروح القدس أراد بذلك أن يعلن أن المسيح جاء من نســل المرأة ( تك 3 : 15 ) ، وأنه جاء لجميع الناس من كل الجنســـيات ، وأن نعمته تتسع لكل الخطاة من أمثال ثامار وراحاب ، وهكذا أصبح لهن وضعهن فى سلسلة بيت داود الذي جاء منه المسيا الموعود
.

(
ب) سلسلة النسب في إنجيل لوقا
:

وهي لا تأتي في مقدمة الإنجيل – كما في إنجيل متي – ولكنها تأتي في نهاية الأصحاح الثالث بعد معمودية يسوع . كما أن ترتيب الأسماء يأتى تصاعدياً من الابن إلى الأب ، فتبدأ بيوسف وتنتهي بآدم . كما أن عدد الأسماء بها يكاد يكون ضعف عدد الأسماء في سلسلة النسب في إنجيل متي . ولكن أكثر ما يستلفت النظر فيها، هو اختلاف الأسماء فيها، في الفترة من داود إلى يوسف، اختلافاً يكاد يكون تاماً ، عما في إنجيل متى ، فيما عدا اسمي داود ويوسف ، واسمي شألتئيل وزربابل . كما أن لوقا يصل بسلسلته إلى ناثان بن داود ، ويذكر اسم هالي جدّاً للرب يسوع حسب الجسد ، بينما يذكر متى أن يوسف كان من نسل سليمان بن داود ، وأن يوسف كان ابن يعقوب
.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا كتب نقد إنجيل برنابا أكذوبة إنجيل برنابا 04

(
جـ ) التوفيق بين القائمتين
:

منذ عهد مبكر ظهرت محاولات للتوفيق بين القائمتين ، على أساس اليقين الكامل بأن كليتهما صحيحتان بلا أدنى ريب . وأهم هذه الحلول هى
:

( 1)
اعتبار أن السلسلتين هما ليوسف رجل مريم ، فكلا الإنجيلين يؤكدان أن يوسف من ” بيت داود ” ( مت 1 : 16 ، لو 1 : 27 ، 2 : 4 ) ، ولكن متى قصد أن يذكر الورثة الشرعيين لعرش داود ، بينما يذكر لوقا أسماء أسلاف يوسف الحقيقيين . وهذا الحل جاء فى خطاب أرسله يوليوس أفريكانوس
. (J.Afrecanus
فى نحــــــــو 220 م ) . إلى أريستيدس
(Aristides)
حسبما جاء فى تاريخ يوسابيوس ( المؤرخ الكنسى ) . وكان يوليوس يعتقد أن قانون زواج الأخ بأرملة أخيه ، الذي لم يعقب نسلاً ( تث 25 : 5 و 6 ) قد تم تنفيذه فى بعض حلقات هذه السلسلة ، وذلك للتغلب على التناقض الظاهري بين القائمتين . ويفترض هذا الحل ( مثلاً ) أن يوسف كان ابن هالي فعلاً ، وأن هالي ويعقوب كانا أخوين من أم واحدة ، ولكن من أبوين مختلفين . فلو أن أحدهما كان قد تزوج أرملة الآخر الذى لم يكن قد أعقب نسلاً ، فإن يوسف كان يمكن أن يعتبر ابناً لكليهما . ويرى البعض أن ما يؤيد هذه النظرية ، هو أن جد يوسف فى إنجيل متى هو ” متان ” ( مت 1 : 15 ) ، وجده فى إنجيل لوقا هــــو ” متثات ” ( لو 3 : 24 ) ، وهما اسمان متقاربان يحتمل جدّاً أنهما يدلان على نفس الشخص . فلو أن هالي تزوج بأرملة أخيه يعقوب الذي لم يعقب نسلاً ، وولد يوسف ، فإن يوسف يعتبر أبناً حقيقياً لهالي ، وفي نفس الوقت يعتبر الوارث الشرعي ليعقوب . ولكن هذه النظرية تستلزم أن يكون الزواج بهذه الصورة ، قد تكرر مراراً في السلسلتين ( الرجا الرجوع أيضاً إلى ” زربابل ” و ” شألتئيل

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ك كلكول ل

(2)
والحل الأرجح هو اعتبار أن إحداهما هي شجرة عائلة يوسف ، والأخرى شجرة عائلة مريم ، فقــد افترض ” أنيوس فيتربو ” فى 1440 أنه بينما يذكر متى السلسلة الشرعية من خلال يوسف ، فإن لوقا يذكر السلسلة الطبيعية من خلال العذراء مريم ، وهو رأى يعود أصلاً إلى القرن الخامس الميلادي . وبكل تأكيد تبدو العذراء مريم الشخصية الرئيسية في قصة ميلاد المسيح في إنجيل لوقا ، وبخاصة أن أداة التعريف التى تبدأ بها عادة كل قائمة ، غير موجودة في اسم ” يوسف ” فى إنجيل لوقا ( 3 : 23 ) ، مما يرجح معه أن القائمة الحقيقية تبدأ باسم ” هالي ” وليس باسم ” يوسف ” ، وأن العبارة يجب أن تُقرأ : ” ولما ابتدأ يسوع … وهو ( على ما كان يظن ابن يوسف ) ابن هالي … ” ( لو 3 : 23 ) ، وبذلك تكون القائمة فى إنجيل لوقا هي سلسلة نسب العذراء مريم ، وتبدأ بهالي أبيها
.

وهو افتراض قوي جذَّاب ، ولا اعتراض عليه سوى أن اسم مريم لم يذكر قبل اسم هالي ، ولكن ذلك لا يمنع من مصداقية هذا الفرض الذي يقدم حلاَّ بسيطاً للمشكلة
.

أما كون أن ” مريم ” كانت نسيبة لأليصابات ابنة هارون ( لو 1 : 36 ) ، فإنه لا ينفي نسبة مريم إلى داود ، متى كانت قرابة مريم لأليصابات عن طريق الأم ، وليس عن طريق الأب ، فقد تزوج هرون نفسه من ” أليشابع ” بنت عميناداب أخت نحشون ” من سبط يهوذا ( خر 6 : 23 ، 1 أخ 2 : 10
) .

ومما يؤيد هذه النظرية ، افتراض أنه لم يكن لمريم إخوة ذكور ، وأصبح يوسف هو الابن والوريث الشرعى لهالي ، بزواجه من ابنته مريم ( انظر مثلاً 1 أخ 2 : 21 و 34 ، عن نسب أبناء الابنة لأبيها ، وعد 2 : 6 ، نح 7 : 63 عن نسب زوج الابنة لأبيها
(

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي