مريم

Marie

مقدمة

أولاً: ابنة صهيون

ثانياً: العذراء

ثالثاً: الأم

رابعاً: مريم، المثال الأعلى للمؤمنين

1.
وحي الله لمريم
:

2.
أمانة مريم
:

3.
نشيد مريم
:

خامساً: مريم والكنيسة

1.
العزراء
:

2.
الأم
:

3.
سر مريم
:

 

 

مقدمة

إن الدور الأساسي الذي تمثله أم يسوع في التقليد المسيحي رسمت خطوطه الأولى في الوحي الكتابي نفسه. حقاً، لقد ركز الاثنا عشر على خدمة يسوع، من المعمودية إلى القيامة من الأموات (أعمال 1: 22، 10: 37 39، 13: 24- 26)، وذلك يعود إلى أنه لم يكن في إمكانهم أن يتكلموا إلا عن الأحداث التي اشتركوا فيها،وعن النقاط الأكثر مساساً برسالتهم. فكان من الطبيعي أن لا تظهر تفاصيل طفولة يسوع إلا في وقت لاحق. فمرقس يتجاهلها، ويكتفي بذكر أم يسوع مرتين (مرقس 3: 31- 35، 6: 3). ومتى يعرف هذه التفاصيل، لكنه يركزها في يوسف، ابن داود، الذي تقيل البلاغات السماوية (متى 1: 20- 21 2، 2: 13 و 20 و 23)، والذكي أطلق اسم يسوع على ابن العذراء (1: 18- 25). وتقبل صورة مريم في إنجيل لوقا، فهي، منذ بداية إنجيله، تأخذ الدور الأول متمتعة بشخصية حقيقية، كما أننا نراها، في نشأة الكنيسة تشترك مع الرسل في الصلاة في العلية (أعمال 1: 14
).

وأخيراً نرى يوحنا يحيط حياة يسوع العامة بمشهدين يبرز فيهما صورة مريم (بوحنا 2: 1- 12، 29: 25 – 27). ففي عرس قانا الجليل، كما في الجلجلة، يحدد يسوع بنوع واضح دور مريم، أولاً كمؤمنة؟ ثم كأم لتلاميذه. هذا الإدراك التدريبي لدور مريم لا يجوز رده إلى مجرَد عوامل نفسانية: فهو يعكس فمهاً يزداد تعمّقاً لسر يسوع الذي لا يمكن فصله عن “المرأة” التي ترتضى بأن يولد منها (غلاطة 4: 4). ويمكننا أن نجمع حوله بعض الألقاب والمعطيات المبعثرة في العهد الجديد
.

أولاً: ابنة صهيون

1.
تبدو مريم في أول وهلة شبيهة بنساء عصرها. فاسمها الذي كانت تحمله أخت موسى(خروج15: 2)، متداول في أيام يسوع، كما تشهد بذلك الآثار القديمة وعدد المريمات المذكورات في العهد الجديد
.

لعلّ هذا الاسم في الآرامية يعني ” أميرة ” أو “سيدة”. ويستند لوقا إلى التقاليد الفلسطينية فينبئ أن “مريم ” كانت امرأة يهودية تقية، خاضعة بأمانة للشريعة. (لوقا 2: 22 و 27 و 39)، نراها تستعجل نفس اصطلاحات العهد القديم في جواباً للبشرى الإلهية (1: 38 ). أما نشيدها الخالد (تعظم نفسي الرب) (لوقا 1: 46- 55)، أو بأمة منتقاة من المزامير، مستلهمة بالأخص من نشيد حّنة (1 صموئيل 2 : 1 -10
).

2.
ولكن من جهة أخرى، لا يعتبر لوقا مريم مجرد امرأة يهودية. ففي مشهدي البشارة والزيارة لأليصابات (لوقا 1: 26- 56)، يرى في مريم “ابنة صهيون “، بالمعنى الذي بما “يحمله هذا الاصطلاح في العهد القديم، أي تجسيد شعب الله. أما تحية الملاك لها “افرحي يا مريم ” (1: 28)، لم تكن تحية مألوفة، فهي تذكّر بالمواعد عن مجيء الرب إلى مدينته المقدس (صفنيا 3: 14- 17، زكريا 9: 9). أما عبارة “الممتلئة نعمة” أي أسمى خليقة حظيت بالمحبة الإلهية، فهي تنوّه عن عروس نشيد الأناشيد، التي هي صورة تقليدية للشعب المختار. وهذه الدلائل اللغوية تتمشى مع الدور الذي تلعبه مريم في هذين المشهدين: هي وحدها تلقت باسم بيت يعقوب بشرى الخلاص فتقبلتها وهكذا جعلت تحقيقها ممكناً. وأخيراً نجدها في نشيدها الخالد تتجاوز حدود شكرها الشخصي (1: 46- 49)، لتعير صوتها لذرية إبراهيم كلها في الشكر والفرح (1: 50- 55
).

ثانياً: العذراء

1.
يؤكد كل من متى (1: 18-23) و لوقا (1: 26- 38) حقيقة بتولية مريم، رغم حبلها بيسوع. وتنوه بذلك بعض القراءات القديمة لنص يوحنا 1: 13 “الذي لم يولد من دم ولحم ولكن من الله ولد”. وهناك استقلال واضح بين روايتي متى و لوقا، مما يدفعنا إلى إرجاع هذه المعلومات إلى تقليد قديم استقى كلاهما منه
.

2.
في الأوساط الفلسطينية، يشكل هذا الاهتمام بالبتولية في المجيء المسياني أمراً جديداً. فعلى ذلك الوقت، لم يكن الكتاب المقدس قد أعطى قيمة دينية للبتولية (قضاة 11: 37- 38). ربما كان الأسينيون في وادي قمران أوّل اليهود الذين التزموا بالعفة في اهتمامهم الواضح بالطهارة الشرعية
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر التكوين 08

3.
اكتفى متى بأن يظهر أن الحبل البتولي بيسوع هو إتمام لنبوّة إشعيا 7: 14 (بحسب النص اليوناني
).

4.
أما لوقا فهو يعلق أهمية كبيرة على بتولية مريم، كما أنه في كل كتاباته يبيّن اهتمامه بالعفة (لوقا 2: 36، 14: 26، 18: 29) وبالبتولية (أعمال 21: 9). أجل إنه يذكر زواج مريم من يوسف (لوقا: 27، 2: 5)، لأنه يرى في الأساس الشرعي لمسيانية يسوع (3: 23- 25). لكن أول شيء يذكره عن العروس الثابتة هو أنها عذراء (1: 27). فقد يكون تم زواجها في وقت سابق للدخول إلى منزل الزوجية بزمن طويل (راجع متى 25: 1- 13) وفى العادات الفلسطينية
.

وتتجلّى بتولية مريم عند البشارة من الاعتراض الذي قدمته للملاك عندما قال لها إنها ستكون أماً للمسيح، فأجابت: أنى يكون هذا ولا أعرف رجلاً؟ (لوقا1: 34). وكثيراً ما يستعمل الكتاب المقدس هذا الاصطلاح، “تعرف رجلاً”، للتعبير عن العلاقات الزوجية (تكوين 4: 1، 17 و25، 19: 8، 24: 16). وهكذا تتوضح للوقا بتولية مريم عندما تكون العذراء على وشك أن تحبل بيسوع
.

هل أراد لوقا أن يبين أيضاً أن مريم شاءت منذ قبل البشارة أن تحافظ على بتوليتها هذا ما اعتقده الكثيرون، تباعاً للقديس أغسطينوس. فقد فسروا سؤالها للملاك على هذا الوجه: ” بما أني لا أريد أن أعرف رجلاً”، معتبرين هذا الفارق في المعنى ضرورياً لتبرير سؤال مريم. وإلا كانت هناك صعوبة في إنجاب المسيا وهي متزوجة بأحد أبناء داود. فلا تأتي الصعوبة إلا لكونها قررت أن تحافظ على بتوليّتها
.

غير أن هذا التفسير بني على افتراض قابل للأخذ والرد: فهو يفترض أن مريم تزوَجت ي دون رضاها. وهو، فوق كل شيء، يتغاضى عن المعنى الدقيق لسؤال مريم، الذي يعني: ليست لي إلى الآن علاقة زوجية. وبهذا يوحي لوقا بأن مريم فهمت أنها ستكون أماً في الحال، كما حبلت أم شمشون، حالما أعلن لها الملاك بأنها سوف نصبح أماً (قضاة 13: 5- 8
).

ويقوم اعتراضها في أن زواجها لم يكتمل بعد. فسؤالها هذا يقود الملاك إلى أن يخبرها بحبل يسوع العجائبي، بدون زرع بشري. وقد أعلن لها هذه الحقيقة في الوقت نفسه الذي أعلن لها بصورته الإلهية المرتبطة بهذا الحبل. فإن روح الله الذي أشرف على خلق العالم (تكوين 1: 2)، سيباشر في الحبل بيسوع بخلق العالم الجديد
.

هكذا يرى لوقا في الحبل البتولي الشرط الضروري لبنوة يسوع الإلهية. وفي هذه البشارة بأمومتها هذه العجيبة، تلقت مريم دعوتها إلى البتولية
.

05
إن الإشارة إلى أخوة يسوع (مرقس 3: 31، 6: 3، يوحنا 7: 3، أعمال 1: 14، 1 كورنتس 9: 5، غلاطية 1: 19) دفعت الكثيرين من الناقدين إلى الظن بأن مريم لم تحتفظ ببكارتها بعد ولادة يسوع. إن هذا الرأي لا نجد له أثراً في التقيد القديم، عند ورود ذكر اخوة يسوع، علاوة على أنه تناقض مع آيات كثيرة ن الإنجيل. فيبدو أن يعقوب ويوسف أخوي يسوع المذكورين في متى 13: 55// هما ابنا مريم أخرى (متى 27: 56//)، وقبل موته، أوصى يسوع أحد تلاميذه بالعناية بأمه (يوحنا 19: 26- 27)، مما يوحي بعدم وجود أبناء آخرين لها. ومن جهة أخرى، نعرف أن في البينات السامية، كثيراً ما يطلق لفظ أخوة على الأقرباء والأصهار
.

ثالثاً: الأم

في كل مراحل التقليد الإنجيلي، تعرف مريم أولاً وقبل كل شيء بصفتها “أم يسوع”. هنالك نصوص كثيرة تذكرها بمجرد هذا اللقب (مرقس 3: 31- 32، لوقا 2: 48، يوحنا 2: 1- 12، 19: 25- 26). فهو يوضح كل دورها في عمل الخلاص
.

1.
هذه الأمومة اختيارية: هذا ما تبرزه رواية البشارة (لوقا 1: 26- 38). إزاء الدعوة غير المتوقعة التي أعلها لها الملاك، يظهر لوقا العذراء حريصة على فهم دعوة الله. فيعلن لها الملاك حبلها البتولي. وبعد هذا التوضيح، تعطي مريم موافقتها: هي أمة الرب على غرار ابراهيم وموسى والأنبياء، وخدمتها كخدمتهم، بل بنوع أفضل، تتسّم بالحرية
.

2.
عندما تلد مريم يسوع تبدأ إذ ذاك مهماتها، كما هي الحال لكل الأمهات، يبقى واجب الاهتمام بنموه. فنراها بمعيَة يوسف الذي يشاركها المسئولية تحمل الطفل إلى الهيكل لتقدمه للرب، تعبيراً عن التقدمة التي لم يكن إدراكه البشري قادراً عليها إذ ذاك. وهكذا تقبل باسمه- على يد سمعان- الإعلان عن رسالته (لوقا 2: 29- 32 و34- 35). كما أنها تقوم بدرر المربية الواعية بسلطتها (لوقا 2: 48)، وكان يسوع مطيعاً لها وليوسف (2: 51
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس س سرجون الثاني ي

3.
ظلت مريم تقوم بدور الأم حتى أدرك يسوع سن البلوغ. ونجدها.بحوار ابنها في أوقات الفراق الأليم (مرقس 3: 21 و31، يوحنا 19: 25- 27). لكن تتّخذ مهمتها حينئذ صورة جديدة. يشعرنا بذلك كل من لوقا ويوحنا في المرحلتين الهامتين من سن النضج في حياة يسوع. فنراه في الثانية عشرة كل عمره، وقد حصل على حقوقه الكاملة بحكم الشريعة، يخبر والديه الأرضيين أنه ملتزم قبل كلّ شيء بطاعة أبيه السماوي (لو 2: 49)، وعندما يباشر رسالته في قانا، يوجه لمريم هذه الكلمات “ما لي ولك أيتها المرأة” (يوحنا 2: 4)، وهي كلمات مسئول يضع الملكوت فوق الاعتبارات البشرية. وهكذا يطالب بالاستقلال الواجب لمن هو مرسل من الله
.
ومن ذلك الوقت إلى آخر أيامها على الأرض لم يحتجب دورها كأم ولا كدور المؤمنة (راجع مرقس 32:3- 35، لوقا 11 :27-28
).

4.
يكتمل إذ ا التجرد عند الصليب. لما سبق وكشف سمعان لمريم عن مصير يسوع، فآنبأها أن سيفاً سيجوز في نفسها لانقسام إسرائيل، ولاختبار إيمانها (لو 2: 34-35). وفوق الجلجلة، تكمل أمومتها، كما يبيّن يوحنا ذلك بمشهد معبّر جداً في كلّ تفاصيله (يوحنا 19: 25-27). فنرى مريم واقفة عند أقدام الصليب، ويوجه إليها يسوع مرة ثانية التعبير “يا امرأة” الذي يبين سلطانه كربّ الملكوت. وإذ يستودع أمه التلميذ الذي كان حاضراً، قائلاً لها “هوذا ابنك “، يدعوها إلى أمومة جديدة ستقوم بها منذ ذلك الوقت في داخل شعب الله. ولعلّ لوقا أراد أن يشير إلى رسالتهم في الكنيسة عندما أظهرها تشارك الإثني عشر في الصلاة، في انتظار الروح (أعمال 1: 14) بحيث تتفق هذه الأمومة الشاملة مع ما رآه في مريم من تجسيد لشعب الله بصفتها ابنة صهيون (لوقا 1: 26-55
).

رابعاً: مريم، المثال الأعلى للمؤمنين

لا تقوم عظمة مريم، في نظر الإنجيليين، في استنارة خارقة ، بل في إيمانها، ” الذي لا يختلف في شيء عن إيمان المؤمن البسيط مما فيه من غموض وتدرّج في السير
.

1.
وحي الله لمريم
:

منذ البشارة، ترى مريم في يسوع موضوع إيمانها، ويستنير هذا الإيمان ببلاغات تتأصل في نبوّات العهد القديم: ” سيدعى الصبي يسوع، ويكون ابن العلي، ابن داود، ملك إسرائيل، ابن الله “. وعند تقديمه للرب في الهيكل، تسمع مريم النبوات الخاصة “بعبد الرب ” منطبقة على ابنها: سيكون نوراً للأمم، وعلامة للمخالفة. وإلى هذه الكلمات الصريحة، يجب أن يضاف ما لم يرد ذكره في متن الكتاب، وهو أن على مريم أن تكتشف في حياة ابنها البائسة والصامتة تجرّد المسيا. وعندما يتحدّث يسوع إلى أمه، يستعمل اللهجة الخاصة بالأنبياء. فتكشف عندئذ مريم، خلال هذا الأسلوب، استقلال ابنها وسلطانه، وتفوّق الإيمان على الأمومة البشرية
.

2.
أمانة مريم
:

حرص لوقا على أن يدوّن ردود الفعل عند مريم إزاء الإعلانات الإلهية: اضطرابها (لوقا 1: 29)، وحيرتها (1: 34)، ودهشتها من نبوّة سمعان (2: 33)، عجزها عن فهم كلمات يسوع في الهيكل (2: 50). وأمام سر يفوق إدراكها، تفكّر في معنى الرسالة (1: 29، 2: 33)، وتعود مراراً وتكراراً إلى الأحداث التي اشتركت فيها، محتفظة بذكرياتها، متأمّلة إياها في قلبها (2: 19 و51
).

و تصغي مريم إلى كلمة” الله وتقبلها، حتى وإن كانت هذه الكلمة مزمعة أن تهدم خططها، وأن تلقي يوسف في القلق والاضطراب (متى 1: 19- 20). وإن إجاباتها للنداءات الإلهية، في زيارتها لإليصابات، وتقديم يسوع للهيكل هي أزال يقوم بها يسوع خلال أمه: فخو الذي يقدّس يوحنا في بطن أمه، ويقدّم نفسه لأبيه. كما تظلّ مريم على أمانتها في صمت عندما يبدأ ابنها رسالته العلنية وحتى إلى الصليب
.

3.
نشيد مريم
:

ينقل إلينا لوفا في نشيد مريم تقليداً فلسطينياً لا يهمّ بنقل كلمات العذراء، بقدر ما يهتمّ بالتعبير عن شكر الجماعة. على أن لوقا يجعل منه صلاة مريم (سيما عند الآية 48). وإذ تستخدم مريم الأسلوب التقليدي لمزامير الشكر، فهي تحتفل بحدث جديد، وهو حضور الملكوت. لكي تضع نفسها كليَاً في خدمة شعب الله، لأنّ فيها وبواسطتها يُعلن الخلاص، ويتم الموعد، وفي مسكنتها الذاتية يتحقّق سر التطويبات. فإيمان مريم هو إيمان شعب الله نفسه، أعني إيماناً متواضعاً يزداد عمقاً من خلال الأمور الغامضة والتجارب القاسية، عن طريق التأمل في الخلاص، والخدمة السخية التي تنير شيئاً فشيئاً بصيرة المؤمن (يوحنا 3: 21، 7: 17، 8: 31- 32). ونظراً إلى هذا الإيمان، الحريص على حفظ كلمة الله، يعلن يسوع نفسه سعادة التي حملته في بطنها (لوقا 11: 27-28
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يَنعا ا

خامساً: مريم والكنيسة

من جميع تلك المعطيات السابقة، ومع بعض التوسع فيها، نستطيع أن نعطي ملخصاً إجمالياً من وجهة نظر اللاهوت الكتابي
.

1.
العنراء
:

وإن كانت مريم مثال المؤمن، وإن كانت قد دعيت للخلاص بالإيمان بفضل نعمة الله، وافتديت بذبيحة ابنها، ككل أعضاء جنسنا، فهي مع ذلك تحتل مركزاً فريداً في الكنيسة. فيها نرى سر الكنيسة، الذي تعيشه على نحو كامل، نفس تقبل كلمة الله بكل إيمانها
.

إن الكنيسة عروس المسيح (أفسس 5: 32)، عروس عذراء (راجع رؤيا 21: 2)، قدسها المسيح نفسه وطهرها (أفسس 5: 25-27). وكل نفس مسيحية مشتركة في هذه الدعوة “تزف إلى المسيح زفة عذراء طاهرة” (2 كورنتس 11: 2
).

والآن، فإن أمانة الكنيسة لهذا النداء الإلهي تتضح أولاً في شخص مريم، وذلك على النوع الأسمى. هذا هو المعنى الكامل للبتولية التي دعاها الله إليها، والتي لم تنقص الأمومة من قدرها، بل رفعتها وكرّستها. ففيها يتجلى هكذا- على مستوى التاريخ وجود هذه الكنيسة العذراء التي تتخذ الموقف المناقض لموقف حواء (راجع 2 كورنتس 11 :3
).

2.
الأم
:

وعلاوة على هذا، فإن مريم تحتل بالنسبة ليسوع وضعاً خاصاً لا يحتله أي عضو آخر في الكنيسة. فهي أم يسوع، وذلك بملء حريتها. وقد قبلت أن تلد ابن الله، من أجل شعب الله. وهي تمثل جميع هذا الشعب، وتحمله على قبول الخلاص الذي يعرضه الله عليه
.

بموجب هذه المهمة، يمكننا أن نمثّلها بابنة صهيون (صفنيا 3: 14، راجع لوقا 1: 28)، وبأورشليم الجديدة في دورها الأمومي. إن كانت البشرية الجديدة شبهت بامرأة، صار المسيح الرأس بكراً لها (رؤيا 12: 5 ) ، فلا ننسى أن هذا السر العجيب تم واقعياً في شخص مريم، وأن هذه المرأة والأم، ليست مجرّد رمز، بل تحقق لها كيان شخصي، بفضل مريم. ومن هذه الناحية أيضاً، نجد صلة قوية بين مريم والكنيسة وكأننا نراهما كليهما في صورة المرأة التي اختطفها الله من هجمات الحية (رؤيا 12: 13 – 16)، والتي تقابل حواء- التي أغوتها هذه الحية نفسها (2 كورنتس 11: 3، تكوين 3: 13)، وهذا هو السبب الذي جعل آباء الكنيسة الأولى يرون بحق في مريم وفي الكنيسة معاً “حواء الجديدة”، كما أن يسوع كان آدم الجديد
.

3.
سر مريم
:

في ضوء الكتاب المقدس، يتضح سرّ مريم بارتباطه بسرّ الكنيسة. فيعلن الثاني بوضوح ما كان خفياً في حياة مريم. وفي كل من الناحيتين، نجد سر بتولية وسرّ زواج، حيث الله هو العريس. كما نجد أيضاً سر أمومة وسر بنوة حيث يعمل الروح القدس (لوقا 1: 35، متى 1: 20. راجع رومة 8: 15)، أولاً إزاء المسيح (لوقا1: 31، رويا 12: 5)، ثم إزاء أعضاء جسده (يوحنا 19: 26- 27، رؤيا 12: 17
).

إن سر البتولية يقتضي طهارة كاملة، وهي ثمر نعمة المسيح التي تدرك الكائن في جذوره، وتجعله مقدساً بلا عيب (أفسس 5: 27)، وسرّ الأمومة يقتضي اشتراكاً كاملاً في سرّ يسوع، في حياته على الأرض، حتى تجربة ا لصليب (لوقا 2: 35، يوحنا 19: 25- 26، راجع رؤيا 12: 13) واتحاداًً في مجده، حتى الاشتراك في قيامته (راجع رؤيا 21
).

وتلك التي كانت “مملؤة نعمة” من قبل الله (لوقا 1 : 28) تظل على مستوى أعضاء الكنيسة “الممتلئين نعمة في الحبيب ” (أفسس 1: 6). ولكن لا ننسى أن بواسطتها، صار ابن الله، وهو الوسيط ” الوحيد، أخاً لكل الناس، وأقام معهم علاقة عضوية، كما أنهم لا يستطيعون الاتصال به بدون وساطة الكنيسة التي هي جسده (كولسي 1: 18). وهذه الحقيقة الأساسية التي تحدد موقف المسيحيين تجاه مريم: ولذلك يرتبط موقفهم هذا إزاء مريم ارتباطاً مباشراً بموقفهم إزاء أمهم الكنيسة (مزمور 87: 5، يوحنا 19: 27
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي