قدّس – تقديساً

 

أولاً – الفكرة الأساسية في التقديس هي الانفصال عن كل شر من ناحية، والعيشة المكرسة لكل ما يتفق مع مشيئة الله ويرضيه
.

ويجب التمييز بين التقديس والتبرير، ففي التبرير يحسب الله للمؤمن – في لحظة قبوله للمسيح بالإيمان – بر المسيح نفسه، ويراه – على هذا الاعتبار – كمن مات ودُفن وقام في جدة الحياة في المسيح (رو 6: 4-10). فالتبرير عملية تتم مرة واحدة وإلى الأبد، إذ يصبح المؤمن مبرراً شرعاً وقانوناً أمام الله. أما التقديس فعملية مستمرة، لحظة بعد لحظة، في حياة الخاطئ المتجدد. ففي التقديس يتم شيئاً فشيئاً الشفاء الواقعي لكل ما كان يفصل بين الإنسان والله، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان ونفسه
.

وهناك ثلاثة آراء مختلفة حول موضوع التقديس
:

(1) –
التقديس بالمعمودية: وهو رأي الكنائس الكاثوليكية وسائر الكنائس التقليدية، التي تعتقد أنه عند المعمودية، لا يرفع الذنب فحسب، بل يُقضي أيضاً على الطبيعة الفاسدة. ولكن ما يناقض هذا هو اعتقادهم بوجوب الاعتراف بكل خطية ترتكب، حتى يغفر الكاهن بعد توقيع العقوبة المناسبة تكفيراً عنها
.

(2)
الكماليون: ويُعلِّم أصحاب هذا الرأي بأن المؤمن يمكنه أن يصبح مقدساً بالتمام. أي يمكنه بلوغ الكمال في هذه الحياة. ولتأييد إمكانية هذا، يلزم التخفيف من مطالب الناموس الصارمة بعض الشيء، أي أن تكون الطاعة بقدر طاقة الإنسان، وأن تركز الطاعة على الوصية الجديدة، أي ناموس المسيح، أي ممارسة المحبة في كل ما نفعل. ومثل هذه التأويلات لمطالب الله، تتجاهل تطبيق المسيح للوصيتين السادسة والسابعة في إنجيل متى (5: 17-48)، حيث يبين أن هاتين الوصيتين هما أساس الكمال، وهو يطالبنا: “كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل” (مت 5: 48). ويعتنق هذا الرأي الميثوديست وبعض الكنائس الأخرى من الأرمينيين والوسليين
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير إسكندر جديد 00

(3) –
التقديس المتدرج: وهو رأي كلفن وكل المسيحيين الذين يعتنقون الفكر اللاهوتي المصلح. ويقولون إن التقديس – كما يُعلمَّه الكتاب المقدس، له ثلاثة جوانب
:

(
أ) التقديس مقاماً: فكل الذين تجددوا ، أي خلصوا بالإيمان، هم مقاماً مقدسون تماماً في المسيح، لذلك رغم أن الرسول بولس يوبخ المؤمنين في كورنثوس لأنهم جسديون (1كو 3: 1، 5: 1، 6: 1-8)، إلا أنه يخاطبهم بالقول: “المقدسين في المسيح يسوع المدعوين قديسين” (1كو 1: 2، 6: 11، انظر أيضاً أع 20: 32، عب 10: 10و14، 1بط 1: 2، يه 1). والرسالة إلى العبرانيين تعتبر جسراً بين هذا الجانب من التقديس والجانب العملي (عب 2: 17، 9: 13و14، 12: 14). ويجب عدم الخلط بين الإدراك العقلي لهذا الحق الكتابي والكمال ذاته
.

(
ب) – التقديس العملي أو الاختباري: في النمو في حياة التقديس، يستند المؤمن إلى مقامه في المسيح كما توضحه أقوال مثل رو 6: 2-10، كو 2: 9-13 (انظر أيضاً 2تس 2: 13، 1بط 1: 2). ويقدم الرب يسوع التعليم الأساسي عن التقديس في مت 5: 17-48، وكذلك الرسول بولس في رومية 6-8. فالمؤمن مطلوب منه أن يكون قديساً (خر 19: 6، لا 11: 44، 1بط 1: 15)، ولكن نموه في القداسة يتوقف على استناده إلى مقامه وخضوعه لحظة بعد لحظة لإرادة الله وطرقه. وحيث أن الله اختار أن يتركه بطبيعته الساقطة (رو 7، غل 5: 17-21). فلن يستطيع أن يبلغ الكمال إلى أن يتخلص من هذا الجسد نهائياً، وإن كان المطلوب منه أن ينمو نحو الكمال، إذ علينا أن “ننمو في كل شيء إلى المسيح” (أف 4: 15)، وهو يؤدبنا لأننا أولاده “لكي نشترك في قداسته” (عب 12: 10). ويصلي الرسول بولس من أجل المؤمنين في تسالونيكي قائلاً: “وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام، ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح” (1تس 2: 23)، وعلى المؤمن أن يكون “إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح” (2تي 2: 21
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جمليئيل ل

(
ج) التقديس النهائي: عندما يذهب المؤمن ليكون مع المسيح، أو عندما يأتي الرب ليأخذ كنيسته – عند حدوث أيهما – سيتخلص المؤمن نهائيا من طبيعته الساقطة، ويلبس جسد القيامة الممجد، ويصبح مثل المخلص (رو 8: 29و30، 1يو 3: 1-3، يه 24
).

ثانياً – وسائل التقديس: الوسيلة الخارجية هي كلمة الله، فقد صلى الرب يسوع قائلاً للآب: “قدسهم في حقك، كلامك هو حق” (يو 17: 17) وحيث أنه هو الذي أوحى بالكتاب المقدس، فهو لا يمكن أن يعمل على غير ما يقول، بل يعمل من خلال كلمته، فهي “حية وفعّالة وأمضى من كل سيف ذي حدين …” (عب 4: 12
).

أما العامل الداخلي فهو الروح القدس الذي يسكن في المؤمن ويرشده، فهو الذي يحفظ شريعة الله – كما أعلنها هو – فينا ومن خلالنا، “لأنه ما كان الناموس عاجزاً عنه. في ما كان ضعيفاً بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد، لكي يتم حكم (أي بر) الناموس فينا (بالروح القدس). نحن السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح” (رو 8: 3و4). فهذا هو المفتاح بل وذات الحياة الممتلئة بالروح
.

وبالإيجاز يجب أن يجتمع عمل الله القدير بروحه القدوس، وتجاوب الإنسان، ليتحقق التقديس العملي (في 2: 12و13
).

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي