مشـتهي كل الأمم

 

       
لا ترد هذه العبارة إلا في نبوة حجي ، حيث يقول : “لا تخافوا لأنه هكذا قال رب الجنود : هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة ، وأزلزل كل الأمم ، ويأتي مشتهي كل الأمم ، فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود . لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود . مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول” (حجي 2 : 5-9
).

فعند إقامة الهيكل في زربابل ، خامر الحزن قلوب الشيوخ الذين رأوا عظمة هيكل سليمان الذي أحرقه نبوخذ نصر ، وقارنوا بينه وبين هذا البناء الجديد الذي لا يمكن أن يضارع هيكل سليمان روعة وفخامة ، فأرسل الله النبي حجي لتشجيعهم بأن الرب معهم ، وأنه بعد قليل سيزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة وكل الأمم و”يأتي مشتهي كل الأمم” ، فيصبح مجد هذا البيت الأخير أعظم من مجد الأول” (هيكل سليمان) . وهناك الآراء
:

1-
ويري الكثيرون من المفسرين أن هذه نبوة واضحة عن مجيء المسيح إلي العالم عند التجسد، وأن زلزلة السموات والأرض والبحر واليابسة صورة مجازية ، بينما تشير عبارة و “أزلزل كل الأمم” إلي التغيرات التي ستطرأ علي السلطات العالمية ، فتقضي اليونان علي فارس ، وتقضي روما علي اليونان ، وهكذا . وأن البيت الذي كان زربابل يبنيه سيمتليء مجداً بمجيء المسيح إليه ، وهو مجد أعظم من مجد “الشكينة” في هيكل سليمان . ولكن يعترض البعض بأن هناك فجوة تبلغ نحو خمسة قرون بين بناء هيكل زربابل ومجيء المسيح إليه ، كما أنه لم تحدث وقتئذ أي ظواهر في الطبيعة ، أو زلزلة للأمم . ثم بأي معني يقال عن المسيح إنه “مشتهي كل الأمم” بينما رفضه الجميع في أيام تجسده
.

هل تبحث عن  م الله الثالوث القدوس الثالوث الأقدس فى تعاليم الآباء ء

2-
وقد أدت هذه الاعتراضات – وإن يكن لا يصعب الرد عليها – بالبعض إلي تطبيق النبوة علي مجيء المسيح ثانية ، حيث يعود الله للتعامل مع شعبه القديم ، ويُبني هيكل آخر (حز 40-48) ، وعندئذ تتحقق الظواهر الطبيعية وزلزلة كل الأمم في “الضيقة العظيمة” التي كثيراً ما يتكلم عنها العهد القديم وسفر الرؤيا ، والتي سيأتي في نهايتها المسيح في مجده لاقامة ملكوته (ملاخي 3 : 1 ، مت 24 : 29 و 30 ..الخ
) .

وتثور هنا أيضا بعض الاعتراضات التي قيلت بالنسبة للرأي الأول . فمثلاً : لم يكن الهيكل الذي بناه زربابل هو نفسه هيكل هيرودس الذي كان قائماً في أيام تجسد المسيح، وبكل تأكيد ليس هو الذي يتنبأ عنه حزقيال . والرد علي هذا الاعتراض بأن المقصود ليس المبني بذاته ولكن المقصود هو “الهيكل” بيت الله بمعناه الديني وليس بمعناه المعماري . ثم هناك أيضا الفجوة الزمنية سواء كانت خمسة قرون أو خمسة وعشرين قرنا . والرد علي ذلك هو أن الزمن في حساب النبوات قد يمتد إلي عصور طويلة ، “لأن يوما واحد عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد” (2 بط 3 : 8). والزمن كله كلحظة واحدة عند الله. لذلك كثيراً ما تجمع النبوة بين حادثين كأنهما أمر واحد، بينما هما يشيران إلي أزمنة متباعدة، فقد كان الأنبياء يتطلعون إلي آفاق ، تفصل بينها أحقاب طويلة ، وكأنها شيء واحد. وقد جمع الرب يسوع المسيح نفسه بين خراب أورشليم علي يد تيطس الروماني في 70 م، وأيام “ضد المسيح” في أواخر الأيام حتى ليصعب علينا أن نفصل في أقواله بين الحادثين (مت 24
).

من يقولون إن نبوة حجي تشير إلي مجيء المسيح ثانية لاقامة ملكوته ، يدعمون قولهم بالمقارنة بين أقوال حجي في العددين الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الأصحاح الثاني ، وبين ما جاء في الرسالة إلي العبرانيين (12 : 26 و 27) ، فإن كاتب الرسالة إلي العبرانيين يجمع بين ما جاء في حجي 2 : 6 و 7 وما جاء في حجي 2 : 21 و 22 باعتبارهما حادثاً واحداً ، بدأ بمجيء المسيح إلي الهيكل في أيام تجسده ، ويمتد إلي مجيئه ثانية لإقامة ملكوته (انظر مت 3 : 17 ، 27 : 51 ، 28 : 2 ، أع 2 : 2 ، 4 : 31 مع مت 24 : 27 ، رؤ 16 : 20 ، 20 : 11
) .

هل تبحث عن  م الكتاب المقدس مدخل إلى الكتاب المقدس 16

3-
يحاول آخرون أن يحلوا العقدة ، بالقول بأنها لا تشير مطلقاً إلي المسيا ، ويترجمون عبارة “مشتهي الأمم” “بالأشياء التي تشتهيها الأمم” أو “كنوز الأمم” أي عطاياهم الثمينة للهيكل (انظر إش 60 : 5 و 11 ، 61 : 6) . ويدعمون دعواهم بأن الكلمة العبرية تدل علي “الصفة” وليس “الموصوف” ، وأن المسيا لم تكن تشتهيه كل الأمم عندما جاء إلي العالم ، وأن الفعل “يأتي” جاء في صيغة الجمع في العبرية ، أي أن الفاعل يجب أن يكون “مشتهيات الأمم” . كما أن قول الرب بعد ذلك : “لي الفضة ولي الذهب” (حجي 2 : 8) يتمشي مع الفكر . علاوة علي أن الترجمة السبعينية والترجمات السريانية تؤيد ذلك
.

ولكن من الواضح أن النبي حجي كان يتطلع إلي المستقبل البعيد ، إلي “مجد هذا البيت الأخير” . وفي العددين 22 و23 ، يتحدث إلي زربابل كرمز للمسيا ، كما يفعل زكريا النبي ذلك في بنوته عن يهوشع بن يهوصاداق الكاهن العظيم” (زك 6 : 12 و13
) .

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي