عدم إيمان

Incredulite

مقدمة

أولاً: عدم الإيمان في إسرائيل

1.
تذمّرات العبرانيين
:

2.
إسرائيل المنقسم القلب
:

ثانياً: عدم الإيمان تجاه يسوع المسيح

1.
تجاه يسوع الناصري
:

2.
في حضرة السر الفصحي
:

ثالثاً عدم إيمان إسرائيل

1.
القديم بولس والشعب غير المؤمن
:

2.
القديس يوحنا واليهودي غير المؤمن
:

 

 

مقدمة

خلافاً لعبادة الأوثان التي تتميز بها الأمم الوثنية وتحتاج إلى اهتداء إلى الإيمان بالله، فإن عدم الإيمان حالة تتعلق بشعب الله. وإن وجود غير كل مؤمنين في مصاف شعب الله كان على الدوام يشكّل حجر عثرة للمؤمنين. وإبداء إسرائيل عدم الإيمان تجاه يسوع المسيح كان لا بدّ وأن يسبّب “ألماً ملازماً” في قلب كل مسيحي (رومة 9: 2
).

فعدم الإيمان لا يقوم فقط في إنكار وجود الله، أو في نبذ ألوهية المسيح، بل وفي عدم الاعتراف بآيات “كلمة” الله” وشهودها وفي عدم طاعته
.

أن لا تؤمن تبعاً لأصل اللفظ العبري “آمن ” معناه أن لا نقول لله “آمين “، وأن نرفض العلاقة التي يريد الله أن يقيمها مع الإنسان وأن يبقي عليها. وإن هذا الرفض معير عنه بتعبيرات مختلفة: فالشرير يشير شكاً في وجود الله (مزمور 114)،والمستهزئ يشير شكاً في حضوره تعالى الفعال في مجرى التاريخ (إشعيا 5: 19)، والهيّاب (الكثير الخوف) شكاً في حبه وقدرته الكلية، والمتمرّد، شكاً في سيادة إرادته الخ

ويختلف عدم الإيمان تماماً عن عبادة الأوثان، وهي قاطعة في حدّ ذاتها، إذ يحتمل درجات، وقد يكون مع نوع من الإيمان. فالخط الفاصل بين الإيمان وعدم الإيمان، أقل ما يظهر، بين أشخاص مختلفين، منه في داخل قلب كل إنسان (مرقس 9: 24
).

أولاً: عدم الإيمان في إسرائيل

بدلاً من سرد كل تاريخ الإيمان وعدم الإيمان ومظهره المظلم، نكتفي هنا بتحديد موقفين أساسيين من مواقف الشعب المختار، يصوَران صورة مزدوجة لعدم إيمان الإنسان، أولاً في الصحراء، حيث لا تتوفر له خيرات الإيمان، ثم في أرض الميعاد، حيث يتم الحصول عيها ولو بصورة رمزية
.

1.
تذمّرات العبرانيين
:

عندما يشير المؤرخون إلى عدم إيمان الشعب في الصحراء، يستخدمون عبارات مختلفة: “المتمردون” (عدد 20: 10، تثنية 9: 24)، الذين يتذمرون ويحتجون، و”قساة الرقاب” (خروج 32: 9، 33: 3، تثنية 9: 13، راجع إرميا 7: 26، إشعيا 48: 4)، ولاسيما “التذمّر”. ويعود يوحنا فيورد العبارة الأخيرة، عند وصفه اليهود والتلاميذ الذين يرفضون أن يؤمنوا بيسوع (يوحنا 6: 41 و43 و61
).

ولدينا موضعان يشار فيهما بنوع خاص إلى ذلك: خروج 15: 24 وعدد 14: 27. فقي تلك الصحراء غير. المضيافة، يخشى الشعب أن يموت جوعاً (خروج 16: 2، عدد 11: 54)، وعطشاً (خروج 15: 24، 17: 3، عدد 20: 2- 3)، ويأسف على قدور اللحم الطيبة التي كان يتغذى بها في مصر. ثمَ هو يسأم المنّ ويفقد صبره (عدد 21: 4- 5)، أو يخشى الأعداء الذين يسدّون عليه الطريق إلى أرض الميعاد (عدد 14: 1، راجع خروج 14: 11)، فينسى تلك الآيات العجيبة التي كان شاهداً لها(مزمور78، 106
).

إنّه يتذمّر على موسى وهارون، وفي الواقع على الله ذاته (خروج 16: 7- 8، عدد 14: 27، 16: 11)،ويشك في صلاحه وقدرته (راجع تثنية 8: 2). إن عدم الإيمان وهو أحد وجوه الخوف يقوم على مطالبة الله بتحقيق ما وعد به على الفور، وعلى تمرس نوع من الابتزاز تجاه من قطع معه العهد، إنه “استخفاف بالله”، و”عدم إيمان به” (خروج 14: 11)، و”عدم السماع لقوله” (14: 22)، و”تجربته” و “بخاصته” (خروج17: 7
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر الجامعة 09

وهناك وجه آخر من التذمَر ضد الله، يقوم على صنع صورة له متخذة من “العجل الذهبي” (خروج 32، تثنية 9: 12- 21)، فكان اليهود يتوقّعون بذلك أَنهم يسيطرون على ذاك الذي لم يرغب في أن يكون على هواهم وتحت رحمتهم
.

وإن خطيئة عدم الإيمان ذاتها ستتميّز بها مملكة الشمال، “خطيئة ياربعام” (1 ملوك 2 1: 28- 30، 16: 26 و31). و بمثل تلك الرغبة في امتلاك سر الله، تتعلق ممارسات العرافة والسحر والشعوذة، التي يتواصل امتدادها حتى السبي (1 صموئيل 28: 3- 25، 2 ملوك 9: 22، 17: 17، راجع خروج 22: 17، إشعيا 2: 6، ميخا 3: 7، إرميا 27: 9، حزقيال 12: 24، تثنية 18: 10- 12)، وكذلك يتعلق بها اللجوء إلى الأنبياء الكَذَبة (راجع إرميا 4: 10
).

2.
إسرائيل المنقسم القلب
:

وفي الواقع عدما استقر الشعب في فلسطين، كان عدم الإيمان قد اتخذ شكلاً مغايراً، ليس بأقل جرماً من التحالف مع آلهة البلد أو مع الأمم المجاورة. إلا أن الله لا يحتمل أية مشاركة له. ذلك ما يعلنه إيليا: “إلى متى أنتم تعرجون بين الجانبين؟ إن كان الرب هو الإله فاتبعوه، وإن كان البعل إياه فاتبعوه” (1 ملوك 18: 21).كذلك يحارب الأنبياء ضد “القلب المزدوج”، الموزّع (هوشع 10: 2)، الذي يبحث عند الأمم عن سند يستطيع الله وحده أن يمنحه له (هوشع 7: 11- 12
).

فبدلاً من أن يعترف إسرائيل بما في محاصيله وقطعانه من عطايا سيّده وعريسه، يجدّ باحثاً عن خيرات التحالف عند عشاقه الآلهة الكنعانية، في طقوس الخصوبة (هوشع 2: 7- 15). وإن عدم الإيمان هو بمثابة فجور العروس المكرسة (2: 1- 6، إرميا 2: 4، حزقيال 16)، التي كان الأحرى بها أن يتوفر لها قلب أمين كل الأمانة (تثنية 18: 13، مزمور 18: 24)، يكون “كله” لله (1 ملوك 8: 23، 11: 4)، باتّباع الله دون تخاذل (تثنية 1: 36، عدد 14: 24، 32: 11
).

ويبقى هذا مطلباً قائماً، وإن كان من غير الممكن تحقيقه بالقوى البشرية وحدها
.

ويبيّن إشعيا للشعب بوضوح أنه “إن لم تصدّقوا فلن تثبتوا” (إشعيا 7: 9). فالإيمان هو حال الوجود الوحيد الجائز للشعب المختار، وهو يستبعد التوجّه نحو أي ملجأ آخر (28: 14- 15، 30: 15- 16
).

وبالنسبة لإرميا يقوم عدم الإيمان على ” الاتكال” على المخلوقات “ووضع ثقتنا” فيها (إرميا 5: 17، 47 و8 و14، 17: 5، 46: 25، 49: 4
) .

أما حزقيال فيبيّن نتائج عدم الإيمان هكذا: “ستعلمون أني أنا الرب عندما تموتون ” (حزقيال 6: 7، 7: 4، 11: 10). إن عدم الإيمان يصبح تلك القساوة التي كان يتنبأ عنها إشعيا (إشعيا 6: 9- 10): وفي السبي أصبح الشعب أصماً أعمى (إشعيا 42: 19، 43: 8
).

إلا أن الله لا بد وأن يقيم عيداً “ينبّه أذنه كل صباح” (50: 4- 5)، وبه يحقق رجاء الأنبياء الكبير. فعدم الإيمان سينقضي في اليوم الذي فيه “الجميع سيعرفون الله” (إرميا 31: 33 34، إشعيا 54: 13، يونان 6: 45): عندئذ يَعلَمُ الجميع أن الله هو الإله الوحيد (إشعيا 43: 10
).

ثانياً: عدم الإيمان تجاه يسوع المسيح

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد إنجيل لوقا كيرلس الأسكندرى 03

إلاّ أن يسوع كان ينبغي له أن يتمم أولاً في ذاته، النبوة الخاصة بالعيد: “من آمن بما أعلن؟” (إشعيا 53: 1، راجع يوحنا 12: 38، رومة 1: 16). ويبدو عدم الإيمان كأنه ينتصر في القلوب التي ترفض تجسد ابن الله وعمله الفدائي
.

1.
تجاه يسوع الناصري
:

فيما مضى كان الأنبياء يتكلمون باسم الله، وكان يجب تصديقهم. أما يسوع فإنه يضع كلمته على قدم المساواة مع كلمة الله، فمن لا يعمل بها يبني على الرمل، ويفتقر إلى سند (متى 7: 24- 27). ومثل هذا القول يبدو مهولاً: “طوبى لمن لا يشك فيّ” (متى 11: 6). والواقع أن مواعظه ومعجزاته لا تقابل برياء الفريسيين (15: 7، 23: 13…)، وبعدم الإيمان من جانب المدن الواقعة على شاطئ البحر (11: 20- 24)، ومن أورشليم (23: 37- 38)، ومن مجموع اليهود (8: 10- 2 1)، بل إن سلطان يسوع يبدو كله في حكم المقيّد بعدم الإيمان (13: 58)، إلى درجة أن يسوع يتعجب من نقص إيمانهم (مرقس 6: 6). إلا أن عدم الإيمان هذا، قد يغلبه الآب الذي هو منبع الإيمان، فيخفي سر يسوع عن أعين الحكماء (متى 11: 25- 26)، ويكشفه للأطفال الذين يصنعون مشيئته ويشكّلون بقية إسرائيل، أسرة يسوع (12: 46- 50
).

على أن عدم الإيمان له مجاله على درجات مختلفة، في صفوف المؤمنين. فالبعض يظهرون أنهم “قليلو الإيمان”، مثل التلاميذ عندما اعتراهم الخوف أثناء العاصفة (8: 26)، أو على الأمواج المتحركة (14: 31)، وعندما لا يستطيعون أن يصنعوا معجزة ما، في حين أنهم قد أعطوا هذا السلطان (17: 17 و20، راجع 10: 8)، وعندما يهتمون بالخبز الذي ينقصهم (16: 8، راجع 6: 24) إلا أن الصلاة تستطيع أن تعالج كل هذه الهنّات (مرقس 9: 24)، وعلى هذا النحو يكفل يسوع إيمان بطرس (لوقا 22: 32
).

2.
في حضرة السر الفصحي
:

إن عدم الإيمان يبلغ ذروته عندما ينبغي للعقل أن يستسلم للحكمة الإلهية التي تختار الصليب طريقاً للمجد (1 كورنتس 1: 21- 24). فلما أعلن يسوع عن مصيره، أخذ بطرس في التوقف عن اتباع معلّمه، مما جعل “عثرة” أمام يسوع (متى 16: 23). ولما أتت الساعة، أنكره متشكَكاً كما سبق وأنبأ يسوع عن ذلك (26: 31- 35 و 69- 75
).

ومع ذلك ينبغي للتلميذ أن يحمل هذا الصليب عينه (16: 24)، إذا ما أراد أن يشهد ليسوع أمام المحاكم (10: 32- 33). وشهادته تنصبّ في الواقع على القيامة، وهي أمر يكاد لا يصدّق (أعمال 26: 8)، وقد ا بطَأ التلاميذ أنفسهم طويلاً قبل أن يؤمنوا بها، في أوقات الظهورات، من شدة رسوخ عدم الإيمان في قلب الإنسان (لوقا 24: 25 و37 و41، متى 28: 17، مرقس 16: 11 و13 و14
).

ثالثاً عدم إيمان إسرائيل

إن يسوع كان قد تنبأ بأن البناءين سوف يرذلون حجر الزاوية (متى 21: 42). وتذكر الكنيسة الناشئة ذلك بقوة (أعمال 4: 11، 1 بطرس 2: 4 و7)، ناسبة رفض إسرائيل تارة إلى الجهل (أعمال 3: 17، 13: 27- 28)، وتارة أخرى إلى ذنب ما (2: 23، 3: 13، 10: 9)إلا أنها سرعان ما تلاحظ أن وعظها، بدلاً من أن يهدي إسرائيل، لا يُقبل من أغلبية اليهود. وهذه الحالة الجديدة هي حالة عجيبة، سيحاول تبريرها اللاهوتيان بولس ويوحنا
.

1.
القديم بولس والشعب غير المؤمن
:

ففي بداية رسا لته، كان بولس، وريث اسطفانوس المتّقد غيرة (أعمال 7: 51- 52)، يفوّض أمر اليهود الذين لا يؤمنون ويتولون الاضطهاد، إلى الغضبِّ الإلهي (1 تسالونيكي 2: 16)، معتبراً أنهم ليسوا بعد من البقية الأمينة
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ز زُهرة بنت الصبح ح

وفيما بعد، عندما هدأ النزاع، وتدخل الأمم في الإيمان أفواجاً، يفحص بولس سببّ عدم إيمان شعبه. فيتألم بسبب ذلك ألماً شديداً (رومة 9: 2، 11: 13: 14).. لا سيما أن هذا الرفض الإجمالي من جانب الشعب المختار يبدو أنه يثير الجدل حول قضية الله ووعوده (3: 3)، مما يجعل الإيمان في خطر، لكن سرعان ما يحل بولس المشكل في رومة 9- 11، لا على مستوى بشري؟ وإنما بغوصه في أعماق سر الحكمة الإلهية، فالله لم يرذل شعبه، بل يبقى أميناً على وعوده (9: 6- 29). إنه تعالى لم يكفّ عن “بسط يديه لشعب عاصٍ عيد ” (10: 21)، عن طريق الوعظ الرسولي. وإنما اليهود هم الذين رضوا، ليلتمسوا لهم براً أسامه الشريعة (9: 30 – 10: 21
) .

إلاّ أن الكلمة الأخيرة ستكون لله، لأن قساوة إسرائيل ستنقضي يوماً. وعلى هذا النحو من العصيان سوف يظهر للجميع رحمة الله غير المحدودة (11: 1- 32
).

2.
القديس يوحنا واليهودي غير المؤمن
:

لقد سبق بولس. ومعه كل الكنيسة، فدعا “كفرة” أو “غير مؤمنين”، لا الوثنيين فحسب، بل وعلى الأرجح أيضاً اليهود الذين لم يشاركوا في الإيمان بيسوع (1 كورنتس 6: 6، 7: 12- 13، 10: 27، 14: 22- 23)، والذين أعماهم إله هذا العالم (2 كورنتس 4: 4) ولا شركة ممكنة معهم (6: 14- 15
) .

إلا أن هؤلاء قد ظلّوا قائمين يشهدون شهادة حية لما يمكن أن يصير إليه المسيحي، لو أنكر إيمانه، “شراً من الكافر” (1 تيموتاوس 5: 8
).

هذا وبينما كان بولس يقدم إسرائيل غير المؤمن، شاهداً. لصرامة الله، (رومة 11: 21- 22) وللاختيار الأول 11: 16)، كان يوحنا يقدم اليهودي ” الذي رذل يسوع، مثالاً لغير المؤمن، بمثابة السلف للعالم الشرير. فخطيئة عدم الإيمان تقوم على عدم الاعتراف ” بأن يسوع هو المسيح (1 يوحنا 2: 22- 23، 4: 2- 3، 5: 1- 5) وعلى جعل الله كاذباً، (5: 10
).

فيركز الإنجيل الرابع على عدم الإيمان في رفض الترحيب في شخص يسوع الناصري، “بالكلمة” المتجسد (يوحنا 1: 11، 6: 36)، وبفادي بني البشر (6: 53). على أن من لم يؤمن به يكون بمثابة من يحكم عليه (3: 18)، وينطق بالكذب ويهلك الناس (8: 44)، ويموت في خطاياه (8: 24). ويهربه من النور على هذا النحو، ينغمس غير المؤمن في الظلمات، لأن أعماله شريرة (3: 20)، ويسلم نفسه لإبليس: ذلك أن نوعاً من الحتمية تقود إلى القساوة التي تجعل صاحبها “لا يطيق الإستماع إلى كلام ” يسوع، ويصبح من ذرية البشر (8: 43- 44
).

ومن جهة أخرى، مقابل هذه الحتمية الظاهرة لعدم الإيمان، يكشف يسوع عن س جاذبية الآب (6: 44)، فهي ستعمل بنجاح بفضل ذلك الذي “إذا رفع من الأرض، جذب الناس أجمعين أليه، (12: 32
).

إن عدم الإيمان، بحسب ما يعلّم به بولس، لا بد وأن تتم السيطرة عليه يوماً. “وإذا كنا خائنين، يظل الله وفياً” (2 تيموتاوس 2: 13). فالوجود المسيحي هو اكتشاف متجدد على الدوام لسر يسوع القائم من بين الأموات: “لا تكن غير مؤمن، بل مؤمناً ” (يوحنا 20: 27
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي