هيكل

Temple

مقدمة

العهد القديم

أولاً: هيكل أورشليم

1.
معبد إسرائيل القديم
:

2.
مشروع داود
:

3.
إنجاز سليمان
:

4.
دور الهيكل في حياة شعب الله
:

ثانياً: من الهيكل الحجري إلى الهيكل الروحاني

1.
التباس علامة الهيكل
:

2.
من الهيكل الأول إلى الثاني
:

3.
نحو الهيكل الروحاني
:

العهد الجديد

أولاً: يسوع المسيح: الهيكل الجديد

1.
يسوع والهيكل القديم
:

2.
الهيكل الجديد
:

ثانياً: الكنيسة: هيكل روحاني

1.
المسيحيون وهيكل اليهود
:

2.
الهيكل الروحاني
:

ثالثاً: الهيكل السماوي

1.
الرسالة إلى العبرانيين
:

2.
رؤيا القديس يوحنا
:

 

 

مقدمة

تعتبر جميع الأديان الهيكل بمثابة المكان المقدّس حيث يفترض أن يكون الله حاضراً بين البشر، ليتقبّل عباللهم ويشركهم في إنعاماته وحياته. ولا شك إن إقامته المألوفة تتعدّى حدود هذا العالم ، ولكن هناك تطابق جزئي بينها وبين الهيكل الذي بفضله يستطيع الإنسان أن يدخل في علاقة مع عالم الآلهة. وتتسرب هذه الرمزية الأساسية إلى العهد القديم، حيث يقوم هيكل أورشليم علامة حضوره الله بين البشر. ولكن لسنا إلا بصدد علامة وقتية سوف تحلّ محلّها في العهد الجديد علامة من نوع آخر ألا وهي جسد المسيح وكنيسته
.

العهد القديم

أولاً: هيكل أورشليم

1.
معبد إسرائيل القديم
:

لم يكن للعبرانيين من هيكل في زمن الآباء ، ولو أنه كانت لهم أماكن مقدسة “يدعون فيها باسم الرب “، مثل بيت أيل (بيت الله : تكوين 12: 8، 28: 17- 18)، وبئر سبع (تكوين 26- 25). وشكيم (تكوين 33: 18- 20). كذلك أثناء الخروج . اعتبرت سيناء هي أيضاً مكاناً من هذا النوع . تقدّس بتجلِّ إلهي (خروج 3: 19-20). ولكن فيما بعد، يملك بنو إسرائيل- مذبحاً متنقِّلاً. بفضله يتمكن الله من الإستقرار وسط الشعب الذي يقوده ، خلال الصحراء. تقدّم خيمة الإجتماع المذكورة في كتاب الخروج 26 – 27 وصفاً مثالياً مقتبساً جزئياً من الهيكل الذي سيشيّد في المستقبل، فهي مكان لقاء الشعب مع الرب (عدد 1: 1، 7: 89). فيها يسكن الرب بين الكروبين فوق الغشاء الذي يغطّي تابوت العهد. ويعلن منها أوامره ، وهذا هو سرّ تسمية “خيمة الشهادة ” المطلقة على خيمة الاجتماع (خروج 38: 21، راجع 25: 22 ، 26 :33). وحضوره فيها محسوس ومحجوب في آن معاً : فوراء عمود الغمام (خروج 33: 7- 11، 40: 36 -38)، يحتجب مجده المضيء (عدد 14: 10، 16: 19). وبذلك تبقى ذكرى عهد سيناء حيّة في معبد مركزي يرتبط به جميع أسباط إسرائيل. وبعد إقامة الشعب في أرض كنعان ، يستقر المعبد المشترك للأسباط على التوالي ، أولاً في (الجلجال
) Gilgal
ثم في شكيم ( يشوع 8 : 30- 35 ، 24 : 1 – 28)، وأخيراً في شيلو (1 صموئيل 1 إلى 4)، محتفظاً من أصله، بطابع عتيق يميّزه بوضوح عن أماكن العبادة عند الكنعانيين، المبنيّة بالحجارة: فإله سيناء لا يختلط بحضارة كنعان الوثنية
.

2.
مشروع داود
:

هذا المعبد المشترك بين الأسباط ، يجعل داود مقرّه في أورشليم، بعد إنقاذه لتابوت العهد من أيدي الفلسطينيين (2 صموئيل 6). فالعاصمة السياسية التي استولى عليها داود من وقت قريب سوف تكون أيضاً المركز الديني لشعب الله . فكما أنه قد قرر تنظيم مملكته على نمط الممالك المعاصرة بدون إغفال الطابع الخاص لإسرائيل- فإنه يفكّر أيضا في إعطاء مكان العبادة التقليدي شكلاً عصرياً. وهو يأمل، بعد أن شيّد لنفسه قصراً، أن يشيّد لله هيكلا يقيم فيه (2 صموئيل 7: 1- 3). ولكن يعترض الرب بقوله: ليس داود هو الذي سوف يبني ليهوه بيتاً (= هيكلا)، وإنما يهوه هو الذي سيقيم لداود بيتاً (= مملكة) (2 صموئيل 7: 4 – 17). ولرد الفعل هذا تفسير. مزدوج : فبالنسبة لشعب العهد ، يظل المعبد الأمثل خيمة الاجتماع السابقة ، لأنها : تذكّر بوضوح بمسيرة البرية (2 صموئيل 7: 6-7). وفضلاً عن ذلك. فإن عبادة الإله الواحد الأصيلة لا تتفق والتقليد الأعمى للعبادات الوثنية التي تدّعي هياكلها بنوع من السيطرة على الكائن الإلهي (كما هي الحال في الزيغورات البابليّة، راجع تكوين 11: 1- 9) وتتلوّث بكل ممارسات عبادة الأصنام من سحر ودعارة
.

3.
إنجاز سليمان
:

لكن ما أن اعتلى سليمان العرش حتى أخذ يحقّق مشروع داود. دون إثارة أي اعتراض من قبل الأنبياء (1 ملوك 5: 15 – 7: 51) فلقد بلغت ديانة يهوه من القوة والمناعة بحيث تستطيع أن- تستغني بعناصرها عن الثقافة الكنعانية بدون أن تتنكّر لتقليد سيناء. فتقليد سيناء يثبت في الهيكل راسخاً ، وتابوت العهد يحتل منه المركز اللائق (1 ملوك 8: 1- 9)، وبذلك يغدو معبد أورشليم امتداداً للمعبد القديم حيث نشأت العبادة المركزية. فالربّ ، إذ يتجلّى مجده وسط عمود الغمام، يوضح ، بصورة منظورة ، رضاه عن هذا الهيكل باعتباره البيت الذي “يسكن فيه اسمه ” (8: 16- 21). ومما لا شكّ فيه أنّ الله نفسه ليس مقيّداً بهذه العلامة المحسومة التي تشير إلى حضوره: لا تسعه السماوات، فكيف ببيت على الأرض (8: 27). ولكن حتى يسمح لشعبه بملاقاته بصورة أكيدة، فقد اختار هذا البيت الذي قال عنه “يكون اسمي فيه ” (8: 29
).

4.
دور الهيكل في حياة شعب الله
:

ومن الآن فصاعداً- ودون إبطال جميع المعابد الأخرى ، سوف يكون هيكل أورشليم المركز الأساسي لعبادة الله . فيأتي إليه الجميع من كل أنحاء البلاد “ليحضروا أمام الله ” (مزمور 42: 3)، ويكنّ له المؤمنون أروع حب (راجع مزمور 84، 122). هم يعرفون أن مسكن الله “في السماوات ” (مزمور 2: 4، 103: 19، 115: 3، الخ.)، إلاّ أن الهيكل هو بمثابة المقابل الأرضي لقصره السماوي (راجع خروج 25: 40) ، الذي به يصير بنوع ما حاضرا على الأرض. لذلك فإن العبادة التي تقام فيه تتصف بصفة رسمية: بها يؤدّي الملوك والشعب الخدمة لإله الأمّة
.

ثانياً: من الهيكل الحجري إلى الهيكل الروحاني

1.
التباس علامة الهيكل
:

إن علامة الهيكل، في عهد الملوك، مع كونها قد لعبت دوراً رئيسياً في عبادة بني إسرائيل، فإنها لم تخلُ من بعض الإلتباس. فبالنسبة لأناس ذوي عبادة سطحيّة، تتعرّض الاحتفالات التي تقام في الهيكل إلى شعائر تكاد تصبح حركات جوفاء. ومن جهة أخرى، يتعرّض تعلّقهم به لخطر الانحراف إلى درجة تكاد تكون أقرب إلى الخرافة. فيقال: “هيكل الرب هيكل الرب…” (إرميا 7: 4)، كما لو كان الله مضطراً إلى الدفاع عنه بأيّ ثمن ، حتى ولو كان الشعب الذي يتردد عليه عاصياً للناموس. وتفسّر تلك الانحرافات مواقف الأنبياء المتنوّعة إزاء الهيكل. حقاً، فيه يتجلّى الله لإشعيا في رؤياه الأولى (إشعيا 6)، ويعلن هذا النبي نفسه أن هذا المكان لن يقدر سنحاريب الكافر على تدميره (إشعيا 37: 16- 20 و 33- 35). ولكن لا يتوانى إشعيا، وإرميا، وحزقيال عن التنديد بالصورة السطحيّة التي عليها تقدّم العبادةّ فيه (إشعيا 1: 11- 17، إرميا 6: 20 ، 7: 9 – 11) ، بل بالممارسات الوثنية التي تتسرّب إليه (حزقيال 8: 7- 18) وأخيراً، فإنهم يتوقعون تخلّي الله عن هذا البيت الذي كان قد اختاره، وينذرون بخرابه، عقاباً على خطيئة الأمة (ميخا 3: 12، إرميا 7 : 12 – 15 ، حزقيال 9، 10). فإن أصالة العبادة تسمو أهمية على العلامة المادية التي ارتبط بها حضور الله لوقت ما
.

2.
من الهيكل الأول إلى الثاني
:

وفعلاً يشترك هيكل أورشليم في تقلبات مصير الأمة. وتؤدّي بعض محاولاًت الإصلاح الديني إلى الإكبار من شأنه، وذلك في عهد الملك حزقيّا (2 ملوك 18: 4، 2 أيام 29 إلى 31)، وبخاصة في عهد يوشيّا الذي يحقّق لصالحه وحدة المعبد (2 ملوك 23: 4- 27). ولكن في النهاية تتمّ التهديدات النبويّة (25: 8 – 17) ، ويهجر اللهُ مجدَ بيته الذي تدنس (راجع حزقيال 10: 4 و 18). لكن ألم ينتهِ بعد دور الهيكل كعلامة للحضور الإلهي؟ كلاّ ! فالتنبؤات الاسكاتولوجية التي وردت على لسان الأنبياء قد اختصته بمكانة مرموقة في توقعاتهم المستقبلية. فقد رأي فيه إشعيا المركز الديني المنتظر للبشرية بأسرها، بعد رجوعها إلى عبادة الإله الحق (إشعيا 2: 1- 4). وقد توقّع حزقيال بدقة إعادة بنائه، زمن الإصلاح القومي (حزقيال 40 إلى 48). لذلك، كان جلّ اهتمام اليهود الأول العائدين في نهاية السبي إلى أرض الوطن أن يعيدوا بناء الهيكل ، بتشجيع من النبيين حجَّاي وزكريَّا (عزرا 3 إلى 6)، وتنشد نبوات جديدة لمجده الآتي (حجاي 2: 4 – 5 ، إشعيا 60: 7- 11). وفي هذا الهيكل الثاني ، تعود العبادة إلى عهدها السابق ، فيعود الهيكل مركزاً لليهودية التي رجعت الآن إلى تشكيلها التيوقراطي السابق، ويصير الهيكل، مرة أخرى علامة حضور ما بين البشر، فيقصد إليه الحجاج ويشيد ابن سيراخ، في لهجة حماسية، بروعة احتفالاته (سيراخ 50: 5- 21). ولذا عندما همّ الملك أنطيوكس بتدنيسه وإقامة العبادة الوثنية فيه ، يثور اليهود دفاعاً عنه و يكون الهدف الأول في جهادهم المقدّس تطهيره وإعادة عبادة الآباء فيه (1 مكابيين 4: 36 -43). وبعد بضع عشرات من السنين ، سوف يعيد هيرودس الأكبر بناءه بفخامة أعظم. ولكنّ الأهمّ من هذه الروعة الخارجية هو التقوى الخالصة التي تنطلق بحرية خلال احتفالاته
.

3.
نحو الهيكل الروحاني
:

ورغم هذا التعلّق بالهيكل الحجري ، أخذ تيار فكري جديد يترسَّخ
منذ أواخر عهد الأنبياء. فإنذارات إرميا إزاء الهيكل (إرميا 7) ، ثم تدمير المبنى ، وبخاصة اختبار السبي، كلّ هذا ساهم في الشعور بالاحتياج إلى عبادة تكون أكثر روحانية، تتجاوب مع مطالب “الديانة الباطنية ” التي يحثّ عليها كل من كتب التثنية و إرميا (تثنية 6: 4- 6، إرميا 31: 31…). وفي أرض السبي، يدرك اليهود بنوع أفضل أن الرب حاضر في كل مكان في حيثما يملك، وحيثما تقدّم له العبادة (حزقيال 11: 16) : ألم يتجل مجده أمام حزقيال في بابل (حزقيال 1) ؟ لذلك فإننا في نهاية السبي ، نرى بعض الأنبياء يحذّرون اليهود من التعلّق المفرط بالهيكل الحجري (إشعيا 66: 1- 2)، باعتبار أن العبادة الروحانية التي يطلبها الرب ، عبادة المساكين والقلوب المنسحقة (66: 2) ، تستقيم أكثر مع حضور الرب الروحي المجرّد من العلامات المحسوسة. فالله يقيم في السماء ومنها يستمع إلى صلوات مؤمنيه المرفوعة من كل جهة (راجع طوبيا 3: 16). ويفسر لنا مثل هذا التيار مقاطعة الشيعة الأسينية للهيكل وقد تدنّس بسبب عدم شرعية الكهنوت في نظرها، مُعِدَّة ذاتها هيكلاً روحانياً يتقبّل فيه الرب العبادة اللائقة به، وفي هذه الفترة، تظهر كتب رؤيوية دخيلة تصف هذا الهيكل السماوي الذي لم تصنعه يد إنسان، بأنّ فيه يسكن الرب، وليس الهيكل الأرضي سوى صورة باهتة له (راجع حكمة 9: 8)، وهو الذي في نهاية الأزمة سوف يظهر على هذه الدنيا ، لكي يكون مسكن الله في “العالم الآتي
“.

العهد الجديد

أولاً: يسوع المسيح: الهيكل الجديد

1.
يسوع والهيكل القديم
:

يكنّ يسوع، أسوة بالأنبياء، احتراماً عميقاً للهيكل القديم، تقدّمه فيه أمه العذراء مريم (لوقا 2: 22- 39). وهو يقصد إليه، بمناسبة الاحتفالات، كمال إلى مكان لقائه بأبيه ( لوقا 2: 41- 50، يوحنا 2: 14، الخ.)، ويؤيد الممارسات الطقسية التي تتمّ فيه، مع تنديده بالشكليات التي تفسد (متى 5: 23- 24، 12: 3 – 7//، 23: 16- 22). فالهيكل بالنسبة إليه هو بيت الله، بيت الصلاة، بيت أبيه، وهو يغضب عندما يراه يتحوّل إلى مكان تجارة، ولذلك فإنه، في تصرّف نبوي، يطرد منه باعة الحمام لكي يطهّره (متى 21: 12-17//، يوحنا 2: 16 – 18، راجع إشعيا 56: 7، إرميا 7: 11). ومع ذلك ، فإنه ينذر بخراب المبنى الفخم، الذي لن يبقى منه حجر على حجر (متى 23: 38- 39، 24: 2//). بل خلال محاكمته، سوف يتّهمونه بأنه صرّح أنه سيهدم هذا المعبد المصنوع من يد الإنسان ، وأنه في ثلاثة أيام يعيد بناء آخر لا يكون مصنوعاً من إنسان (مرقس 14: 158// ) ، وتلصق به نفس التهمة بشماتة أثناء نزاعه على الصليب (متى 27: 39 – 40). ولكننا هنا بصدد كلمة غامضة لن يفسّر معناها إلاّ المستقبل وحده. وفي غضون ذلك، يبيّن انشقاق الحجاب، أثناء لفظه الروح ، أن المعبد القديم قد فقد طابعه القدسي: فلم يعد الهيكل اليهودي بعد علامة للحضور الإلهي
.

2.
الهيكل الجديد
:

في الواقع تحلّ علامة أخرى لتؤدي ، من الآن فصاعداً، هذه الوظيفة، ألا وهي جسد المسيح نفسه. إن إنجيل يوحنا يضع في إطار التطهير في الهيكل العبادة الغامضة الخاصة بالمعبد الذي ينهدم ويعاد بناؤه في ثلاثة أيام (يوحنا 2: 19). ولكنه يضيف: ” كان يعني هيكل جسده “، وقد فهم تلاميذه ذلك ، بعد قيامته من بين الأموات (2: 21- 22). هذا هو إذاً الهيكل الجديد والنهائي ، الذي لم تصنعه يد إنسان، هذا الذي اتخذه كلمة الله ليسكن فيه بين بني البشر (1: 14)، فكما كان حاضراً في الماضي في خيمة الاجتماع عند بني إسرائيل. ولكن ، حتى تبطل قيمة الهيكل الحجري ، ينبغي ليسوع نفسه أن يموت وأن يقوم من بين الأموات. فهيكل جسده سوف يتهدّم ويعاد بناؤه ثانيةً، تلك هي إرادة أبيه (10: 17- 18، 17: 4 – 5). وبعد قيامته ، سيشكّل هذا الجسد علامة الحضور الإلهي على هذه الأرض، وسوف يتّخذ حالة جديدة ممجّدة ، تسمح له بأن يجعل ذاته حاضراً في كل الأمكنة وعلى مدى الأجيال، من خلال الاحتفال بالأفخارستيا. حينئذ لن يبقى للهيكل القديم إلاّ أن يزول ، وفي عام 70 م سوف يتمّ خراب أورشليم الذي يظهر، بصفة حاسمة، نهاية دور الهيكل في التخطيط الإلهي
.

ثانياً: الكنيسة: هيكل روحاني

1.
المسيحيون وهيكل اليهود
:

خلال فترة الانتقال اللاحقة للعنصرة ، يستمرّ الرسل والأتباع الذين يؤمنون بالكلمة، على ارتياد هيكل أورشليم (أعمال 2: 46، 3: 1- 11، 21: 26). فطالما أن اليهودية، برؤسائنا وغالبيّة شعبها، لم تنبذ الإنجيل، فإن الدار القديمة للعبادة لم تفقد صلتها بالعبادة الجديدة التي أسّسها يسوع، فالشعب اليهودي، باهتدائه إلى المسيحية، يمكنه أن يلعب دوراً في هداية العالم برمته. إلا أننا نلاحظ مع ذلك بعض مظاهر القطيعة. فنرى اسطفانوس، في دفاعه عن العبادة الروحيّة، ينوّه بانهيار المعبد المصنوع بيد إنسان (أعمال 7: 48- 50)، وينظر اليهود إلى كلامه على أنه تجديف يستوجب حكم الموت. وعلى كل، فلن تنقضي بضع سنوات إلا ويعجّل خراب أورشليم بتصلّب اليهود ويدمّر الهيكل تدميراً
.

2.
الهيكل الروحاني
:

ولكن قبل أن يحدث ذلك، أخذ المسيحيون، يدركون أنهم يشكّلون هم أنفسهم الهيكل الجديد، الهيكل الروحاني، في امتداد جسد المسيح. هذا هو تعليم بولس الصريح: الكنيسة هي هيكل الله ، المبني على المسيح بصفته الأساس والرأس وحجر الزاوية (1 كورنتس 3: 16- 17، 2 كورنتس 6: 16 – 18، أفسس 2: 30- 22، فهي هيكل جليل الشأن يجد فيه اليهود والوثنيون ، دون ما تميز، سبيلاً إلى الله في روح واحد (أفسس 2: 14- 22
).

وكل مسيحي هو نفسه هيكل الله ، بكونه عضواً في جسد المسيح (1 كورنتس 6: 15، 12: 27)، وجسده هيكل للروح القدس (1 كورنتس 6: 19، راجع رومة 8: 11). وهناك ارتباط بين هذين التصريحين: فما دام جسد يسوع المقام من الموت، الحالّ فيه كمال الألوهية حلولاً جسدياً (كولسي 2: 9)، هو هيكل الله الأمثل ، فإن المسيحيين ، أعضاء هذا الجسد. يكوّنون معه الهيكل الروحاني، وينبغي لهم أن يساهموا في نموّه بالإيمان والمحبة (أفسس 4: 1 – 16) . وكما أن المسيح هو الحجر الحي الذي اختاره الله ، ورذله الناس ، كذلك المؤمنون هم أيضاً بمثابة أحجار حيّة، يشكّلون معه بيتاً روحياً للكهنوت المقدس ، في سبيل تقديم ذبائح روحية (1 بطرس 2: 4- 5، راجع رومة 12: 1). هذا هو الهيكل النهائي الذي لم تصنعه يد إنسان: إنه الكنيسة، جسد المسيح، مجال اللقاء بين الله والناس وعلامة الحضور الإلهي على الأرض، وهي الحقيقة التي كان يرمز إليها المعبد القديم بصورة معبرّة مع كونها ناقصة ومؤقتة
.

ثالثاً: الهيكل السماوي

1.
الرسالة إلى العبرانيين
:

يستعمل العهد الجديد رمزية الهيكل القديم لتوجيه أنظارنا إلى اتجاه آخر. فقد سبق ورأى فيه مفكّرو اليهودية المقابل الأرضي لسكنى الله السماوية، أي لتلك التي كان يحلو للرؤى أن تصفها انطلاقاً من الهيكل- وفي هذا الإطار، نجد الرسالة إلى العبرانيين تصف ذبيحة المسيح بصفته كاهناً، وقد تحققت بموته وقيامته وصعوده إلى السماوات. وفي ختام حياته الأرضية، دخل قدس الأقداس السماوي ليس بدم ضحايا حيوانية ، كما في العبادة الرمزية، وإنما بدمه الخاص (عبرانيين 9: 11- 14 و 24). فقد اجتازه سابقاً ليجعل لنا سبيلاً إلى الله ( 4 : 14 ، 10: 19- 20) . وبفضل اتحادنا بهذا الكاهن الأوحد ، سوف نستطيع إذاً أن نتمتّع بدورنا بالحضرة الإلهية في قدس الأقداس حيث يسكن الله ، ومن الآن لنا سبيل إليه بمقتضى الإيمان (6. 19-20
).

2.
رؤيا القديس يوحنا
:

في كتاب الرؤيا، نرى صورة الهيكل السماوي تمتزج بصورة الهيكل الأرضي، الذي هو الكنيسة. فلنا على الأرض هيكل، حيث يؤدّي المؤمنون عبادتهم إلى الله: فالوثنيون يطأون أفنيته الخارجية، وذلك رمز للاضطهاد الذي ينفجر على الكنيسة (رؤيا 11: 1- 2). ولكن هناك أيضاً في السماء هيكل، حيث يستوي على العرش الحمل الذبيح، وحيث تقام خدمة صلوات وتسابيح (5 : 6- 14، 6: 15). أما في نهاية الأزمنة، فلن يعود لهذا الإزدواج وجود: حينئذ تنزل أورشليم السماوية (2 كورنتس 4: 10) على الأرض مزينة كعروس للحمل من أجل الزفاف الأبدي، ولن تعود بعد حاجة إلى هيكل: فهيكلها سوف يكون الرب نفسه والحمل (21: 22). حينئذ سوف يدرك المؤمنون الله، دون ما حاجة إلى أية علامة، أو بالأحرى سوف يرونه وجها لوجه، حي يشتركوا في حياته المشاركة الكاملة
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي