عشاء الرب

 

الأفخارستيا

 

وكلمة “أفخارستيا” (“أي”شكر”) مأخوذ عن العبارة: ” وأخذ الكأس وشكر”(مت 26: 27)، فكلمة ” شكر “في اليونانية هي أفخارستيساس
” (eucharistesas).
والاسم الاكثر تداولاً هو “عشاء الرب”(1كو 11: 20)، كما يسمى
  “
مائدة الرب” (1كو 10: 21).ويقول الرسول بولس عن
  “
الكاس ” انها ” كأس البركة”(1كو 10: 16)، و “كأس الرب ” (1كو 10: 21)، كما يستخدم كلمة “شركة” (كوينونيا
-Koinonia)
للدلالة على كل من الخبز والكأس.وبعد العصر الرسولي أصبحت خدمة عشاء الرب تعرف باسم “ليتورجيا
” (Laitourgia)
أي “الخدمة المقدسة” (ومن هنا جاءت كلمة “القداس” في العربية). كما أُطلق عليها كلمة “سوزيا
” (thusia)
أي
  “
قربان” ، وكلمة “موستيريون
“(musterion)
أي ” سر ” لطبيعتها السرية، وربما أيضاً لأنها كانت تتم في دائرة مغلقة من المؤمنين
.

(1) 
تأسيس عشاء الرب: ونجد ذلك في ثلاثة مواضع في الأناجيل الثلاثة الأولى(مت 26، مرقس 14، لو 22). كما يقدم لنا الرسول بولس وصفاً بسيطاً شاملاً لفريضة ” عشاء الرب ” وهو اقدم سجل مكتوب عنها في نحو 55م بالقول: ” أنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً”(1كو 11: 23
).

والصورة المتكاملة في الأناجيل الثلاثة، عن تأسيس الفريضة- تبين لنا كيف أن المخلص- رغم أدراكة العميق للعاصفة التي توشك أن تحيط به، وخيانة يهوذا، وعدم تقدير بقية التلاميذ للموقف- يقول لتلاميذه : ” شهوة اشتهيت أن آكل
l
من هذا الفصح معكم قبل ان أتألم”(لو 22: 15)، لكنهم لم يتجاوبوا تماماً معه، لأن كل ما كان يشغلهم هو التنازع على المركز الأول فيما بينهم
.

ولا يحدد متى ومرقس وقت إقامة العشاء، إذ يقولان: “وفيما هم يأكلون”(مت 26: 26،مرقس 14: 22). وتشير عبارة لوقا : ” بعد العشاء”(لو 22: 20) إلى الوقت الذي صنع فيه الرب العشاء (انظر يوحنا 13: 1، 1كو 11: 25). وكانت عادة الكنيسة الأولى هي ممارسة “عشاء الرب” بعد”وليمة الأغابي” (أي وليمة المحبة
-Agape)
، وهي دلالة قوية على أن تأسيس الفريضة أصلاً تم منفصلاً عن الأحتفال بالفصح
.

وقد وضع النقاد الألمان الراديكاليون موضوع “الأفخارستيا” موضع التساؤل، وأشاروا إلى عدم ذكر شئ عن هذا الموضوع في انجيل يوحنا، وعدم ورود عبارة “اصنعوا هذا لذكري” في انجيل متى وفي أنجيل مرقس، بينما ينسبون وجود هذه العبارة في انجيل لوقا إلى تأثير الرسول بولس عليه، وإلى معرفته بما كتبه الرسول بولس عن هذا الموضوع، إلا أن هذا زعم لا أساس له إطلاقاً ، وذلك في ضوء الحقيقة الدامغة من أن ” عشاء الرب “ظل جزءاً أساسياًثابتاً من العبادة منذ الأيام الأولى للكنيسة، وليس هناك أعلان عن التعليم المختص بآلام المسيح الكفارية، أوضح أو أقوى مما تعلنه الكلمات التي قالها الرب نفسه عند تأسيسه لفريضة العشاء : ” هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم”(لو 22: 19)، وهذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا” (مت 26: 28). فلا عجب أن يهاجم الذين ينكرون تماماً عقيدة الكفارة، تاريخية ممارسة “عشاء الرب ” وأن يسعوا لمحو كل ذكر لها
.

ويأمر الرب يسوع أتباعه بحفظ الفريضة قائلاً لهم : “اصنعوا هذا لذكري “(لو 22: 19،1كو 11: 24و25). وكما يقول دكتور “بافينيك
” (Bavinck): “
لقد أسس المسيح عشاء الرب لفائدة الكنيسة على الدوام. فهو بركة تضاف إلى سائر البركات لتعطيها مدلولها، ولتكون ختماً لها
“.

(2)   
متي أسس الرب العشاء: يقبل علماء المسيحية بعامة الرأي التقليدي بأن يوم الصلب كان يوم جمعة لأن اليوم التالي كان يوم السبت (مرقس 15: 42، لو 23: 54، يو 19: 31)، ولأن النساء ذهبن إلى القبر في اليوم التالي ليوم السبت، في اول الأسبوع أي في يوم الأحد(مت 28: 1، مرقس 16: 2، لو 24: 1، يو 20: 1
).

وبفرض أن يوم الجمعة كان هو اليوم الذي صلب فيه لالرب يسوع، تصبح المشكلة هي محاولة معرفة هل ” العشاء الأخير” حدث عقب وليمة الفصح، فإن الأناجيل الثلاثة الأولى تقرر أن العشاء الذي أكله المسيح مع تلاميذه مساء الخميس كان هو ” الفصح”(مت 26: 17-20، مرقس 14: 12-17، لو22: 7-16). ولكن في أنجيل يوحنا نجد أن الفصح كان مساء الجمعة بعد موت المسيح ودفنه
.

       
وباستعراض المشكلة نجد أن
:

(
أ) يوم محاكمة المسيح وصلبه- كما جاء في إنجيل يوحنا(19: 14)-كان يوم أستعداد الفصح”، وهو ما يعني ضمناً أن الفصح كان في اليوم التالي. وكلمة “استعداد”سواء في الأناجيل الثلاثة الأولى(مت 27: 62، مرقس 15: 42، لو23: 54)، أو في إنجيل يوحنا(19: 31و42) تشير دائماً إلى إلى اليوم السابق للسبت أي إلى يوم الجمعة، وعليه فعبارة ” استعداد الفصح” تعني ببساطة يوم “جمعة الآلام
“.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر التثنية 34

(
ب) كما نجد في إنجيل يوحنا (18: 28) أن المشتكين على يسوع “لم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح
“.

والخلاصة هي أن الأناجيل الثلاثة الأولى تذكر لنا أن “العشاء الأخير” حدث عقب وليمة الفصح بينما نجد أن يوحنا يذكر أن اليهود لم يحتفلوا بالفصح إلا بعد موت ودفن المسيح
.

وهناك رأي يقول إن المسيح وتلاميذه عملوا الفصح قبل غالبية اليهود ، وهو رأي يستحق الدراسة، وقد يكون فيه حل لهذه المشكلة، فيرى البعض أن الرب يسوع رتب أن يأكل من الفصح قبل موعده لأنه كان يعلم أن صلبه سيحدث في نفس الوقت الشرعي لذبح الفصح، ويرى البعض الآخر أن الرب يسوع وتلاميذه اتبعوا تقويم جماعة قمران وأكلوا الفصح مساءً الثلاثاء، بينما أكله غالبية اليهود يوم الجمعة
.

وهناك من يرون أن الجليليين والفريسيين أكلوا الفصح مساء الخميس (14 من نيسان) أما أهل اليهودية والصدوقيون فأكلوا الفصح مساء الجمعة، وكان يسوع وتلاميذه ممن أكلوا الفصح مساء الخميس. ويقول مرقس : “وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح” أي لم يكن الفصح قد تم ، قال له تلاميذه أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح؟ ” ( مرقس 14: 12
).

(3)
المواد: المواد المستخدمة في العشاء هي الخبز والخمر.والأرجح أن الخبز كان من خبز الفصح
 
غير المختمر، فقد كان محرماً وجود أي خمير في بيوت بني إسرائيل في كل أيام أسبوع العيد(خر 12: 19) إلا أن الكلمة المستخدمة في جميع المواضع، سواء في الأناجيل أو في الرسالة الأولى إلى الكنيسة في كورنثوس، وهي كلمة” خبز” لا تحدد نوع الخبز وهل كان من عجين مختمر أو غير مختمر، فهناك كلمة محددة لغير المختمر وهي “فطير” ولذلك كان العيد يسمى “عيد الفطير” ، لذلك جرت غالبية الكنائس على استخدام الخبز العادي في ممارسة عشاء الرب
.

أما بالنسبة للخمر، فقد كان الأمر محلاً للجدال منذ البداية، فقد استخدمت الكنيسة الأولى الخمر الممزوجة بالماء حسب العادة اليهودية. أما إذا كانت الخمر المستخدمة عندما وضع الرب فريضة العشاء، خمراً مختمرةً أو غير مختمرة، فامر ينبغي أن تبت فيه عادات الفصح اليهودي التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وما زال الأمر موضع خلاف يصعب حسمه
.

ويستخدم اليهود في العصر الحاضر- بصورة تكاد تكون عامة –خمر الزبيب المصنوع بنقع الزبيب طوال الليل في الماء، ثم استخلاص العصارة في اليوم التالي لاستخدامها في وليمة الفصح. ويقول البعض أن اليهود القدامى كانوا يستخدمون لهذا الغرض خمراً مغلية غليظة القوام مخلوطة بالماء. وما زال الجدال يدور حول الكلمة اليونانية “أوينوس
” (oinos)
المستخدمة في العهد الجديد. وهل تعني حرفياً خمراً مختمرة، أو أنها تدل على المشروبات الروحية الممزوجة المعروفة جيداً لدى اليهود القدامى والمحدثين. وحتى القرن السادس عشر كان المسيحيون النساطرة يحتفلون بالشركة مستخدمين خمر الزبيب، ويقال نفس الشيء عن المسيحيين من الهنود( الذين بشرهم توما الرسول). ويعتقد البعض ان كلمة “جديداً” التي أستخدمها المسيح( مت 26: 29) تشير إلى نوعية الخمر التي استخدمها عند تأسيسه فريضة العشاء ، أي عصير العنب الطازج. ومن الجانب الآخر حرَّم المجمع الثالث في “براجا
“(Braga)
هذه الممارسة تحريماً قاطعاً بوصفها بدعة. ومن الواضح أن الكثير من الغموض يكتنف الموضوع. وقد استبدلت بعض الطوائف القديمة الخمر بمواد أخرى مختلفة مثل الماء واللبن، ولكن مجمع “براجا” (675 م) أدان هذه الممارسات بشدة- ويبدو – بصورة عامة-أن الكنيسة المسيحية استخدمت- منذ البداية تقريباً- الخمر الحمراء المختمرة، سواء ممزوجة أو خالصة، في ممارسة عشاء الرب
.

(4)
عشاء الرب في عصر الرسل: يبدو أن الكنيسة في عصر الرسل كانت تحتفل “بالشركة” في كل اجتماع للعبادة، إذ نقرأ أنهم “كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات”(أع 2: 42و46)، إلا أنه سرعان ما اقتصرت ممارسة كسر الخبز على اليوم الأول من الأسبوع. كما نفهم مما جاء في سفر أعمال الرسل والرسائل أنه كانت تسبقه دائماً “وليمة المحبة”( الأغابي) حيث كان يجلس الرجال في مكان منفصل عن النساء، وعند جزء معين من الصلوات، يقبِّل الاخوة بعضهم بعضاً بقبلة مقدسة، وكذلك تفعل الأخوات( 1كو 16: 20، 2كو 13: 12). ولكن يبدو أنه قد حدثت بعض تجاوزات في الكنيسة في كورنثوس( 1كو 11: 34)، فصحح الرسول بولس هذه لتجاوزات بعبارات حاسمة لا تحتمل اللبس، وهكذا وصلتنا أول معلومة مكتوبة عن فريضة العشاء. ويبدو أن ممارسة الفريضة في الكنيسة في كورنثوس كانت مقصورة منذ البداية على اليوم الأول من الأسبوع ( 1كو16: 2، انظر أيضاً أع 20: 7
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ر رعميا ا

(5)
عشاء الرب فيما بعد
عصر الرسل: أستمر الاحتفال بعشاء الرب في الكنيسة، بعد عصر الرسل، في يوم الرب، أي في اليوم الأول من الأسبوع، لكنه أنفصل عن الكرازة بالكلمة
 
وعن اجتماعات الصلاة- كما كان الحال في الفترة السابقة-وتغلَّف بمغزى سري باعتباره أقدس من أن تراه كل عين، وهكذا تم فصل اجتماع الموعوظين(ميساكاتيكيومنورم
– MissaCatechumenorum)
وهو اجتماع الكنيسة المفتوح للجميع، عن أجتمع المؤمنين(ميسافيديليوم
-Missa fidelium)
الذي كان يحتفل فيه بعشاء الرب. وكان الخبز والخمر والزيت واللبن والعسل، أي كل مستلزمات وليمة المحبة، يأتي بها المؤمنون معهم طواعية.وكان الأسقف القائم بالخدمة، يختار منها العناصر التي تستخدم في ممارسة العشاء، مصحوباً ذلك بصلاة شكر(أفخارستيا ، وهكذا أكتسب العشاء أسم “أفخارستيا” ، كما سموا التقدمات ” قرابين” أو “ذبائح”، وهكذا نشأ تدريجياً مفهوم الذبيحة. ما أن أخذت “الأفخارستيا” مفهوم الذبيحة حتى أصبح لزاماً أن يعتبر الأسقف القائم بالخدمة، “كاهناً” يقدم
” 
الذبيحة”. ويقدم لنا الكتاب المعروف بأسم “تعاليم الرسل” فكرة عن العبادة في الكنيسة في نهاية القرن الثالث، فحتى في ذلك الوقت المبكر، حلت الطقوس محل بساطة العبادة التي كانت في أيام الرسل، وأصبح من المسموح به في الكنائس الأفريقية والشرقية أن يتقدم الأطفال المعمدين للاشتراك في عشاء الرب، بناء على القول : ” إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم”( يو 6: 53)، وقد ساعد مفهوم “التجديد بالمعمودية” على ذلك. وكان الشمامسة يحملون ما يبقى من العناصر المقدسة إلى المرضى والمحبوسين من المؤمنين
.

ويعوزنا المجال في مثل هذا الموجز أن نتابع تطور المفهوم العقيدي للعشاء في كتابات آباء الكنيسة الأوائل، ويكفي القول بان المفهوم الرمزي والروحي للأفخارستيا ، والذي يُعرف عادةً بالنظرة الديناميكية للعشاء، قد دافع عنه كثيرون من أمثال أوريجانوس ويوسابيوس القيصري وباسيليوس الكبير، وغريغوريوس النازيانزي وغيرهم. وفي الجانب الآخر نجد كيرلس وغريغوريوس النيسي ويوحنا فم الذهب ويوحنا الدمشقي يدافعون عن النظرية المادية. وقد انقسمت هذه النظرية المادية-بدورها- إلى نظرية “الطبيعتين” التي عرفت فيما بعد “باتحاد ” جسد المسيح ودمه بخبز القربان المقدس وخمره، ونظرية ” الطبيعة الواحدة ” التي عرفت فيما بعد ” بتحول ” الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه. ولم يكن أوغيسطينوس- وهو من أعظم الآباء اللاتين- يعرف شيئاً عن نظرية ” التحول “هذه ، بل كان يعلِّم ان ” الشركة ” تحمل بركة للمؤمنين وحدهم، ولكنها ” لعنة ” لغير المؤمنين، وأن الأكل الحقيقي من جسد المسيح يكمن في ” الإيمان
“.

وكان” باسكاسيوس رادبت
“(Paschasius Radbert)
أول من قام بوضع صياغة كاملة للنظرية المادية كعقيدة لكنيسة روما. ورغم انتصار النظرية الديناميكية الرمزية لبعض الوقت، إلا أن إدانة ” برنجاريوس من تور
“(Berengaruis of Tour –
المتوفي 1088م) تُثبت أنه بحلول منتصف القرن الحادي عشر، أصبحت النظرية المادية للعشاء هي العقيدة المقبولة بصفة عامة
.

(6)
روما والأفخارستيا: تعبِّر كنيسة روما- والكنائس التقليدية بعامة- عن تعليمها بشأن
  “
الأفخارستيا ” بكلمة ” التحول ” التي تعني ” تحول “مادة العناصر المستخدمة في ممارستها. وقد أستخدم هذه الكلمة -لأول مرة- ” هيلدبرت من تور
“(Hildbert of Tour –
في 1134م)في عظة له، ثم أقر البابا” إنوسنت الثالث ” هذا التعليم مع استخدام هذا التعبير الجديد –في مجمع لاتيران
(Lateran Council)
في 1215م، وأكد أن حسد المسيح ودمه موجودان بالفعل على المذبح تحت صورة الخبز والخمر ، إذيتحول0 بالقدرة الإلهية- الخبز إلى جسد المسيح، والخمر إلى دم المسيح. وأصبحت هذه هي
 
عقيدة كنيسة روما منذ ذلك الحين، فالخبز والخمر يتحولان إلى جسد المسيح ودمه بكلمات التقديس . ويقولون إن المسيح بتأسيسه العشاء، جعل من تلاميذه كهنة، وعليه فلا يمكن أن يقوم بخدمة ” الأفخارستيا ” إلا كاهن مرسوم. وفي معجزة التقديس ، يظل ” الخبز والخمر ” كما هما مظهراً، لكنهما يتحولان في جوهرهما إلى شئ جديد هو جسد المسيح ودمه ولكنهما محجوبان عن النظر في صورة الخبز والخمر، والمسيح بأكمله موجود في هذين العنصرين، ومن ثم فليس من الضروري التناول من كلا العنصرين. أما فكرة ” الشركة مع المسيح ” في فكرة كنيسة روما عن العشاء، فهي فكرة ثانوية، أما الفكرة الأساسية فهي ” التحول ” ذاته لأن ” العشاء
“- 
في مفهومهم-” ذبيحة ” أكثر منه مجرد ” قربان”، وبهذا يصبح ” القداس ” ذبيحة خطية، وبينما تغذي هذه الذبيحة الإيمان، وتحفظنا من الخطية المميتة، وتحمينا من العقاب الزمني،وتوحد المؤمنين معاً، فإن لها قوتها أيضا ًبالنسبة لغير الحاضرين، بل وبالنسبة للموتي في المطهر. وهكذا أصبح ” القداس ” هو قلب ومركز كل العبادة في كنيسة روما والكنائس التي سارت على نهجها
.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر طوبيا 09

(7)
لوثر والأفخارستيا: رفض المصلحون تعليم ” تحول ” الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه، واعتبار ” الأفخارستيا ” ذبيحة وعبادة ” القربان”، وحرمان الشعب من الكأس ، وقوة ” الأفخارستيا” بالنسبة للموتى، وكل مفهوم روما عن العشاء، ولكن ما سرعان ما تغير الفكر الأصلي للوثر- من أن عناصر العشاء مجرد علامات على غفران الخطايا ، وختمُ على ذلك- واصبح يؤمن ” باتحاد جسد المسيح ودمه بالخبز والخمر”. وقد أدى الجدال المرير مع ” كارلشتات
“(Carlstadt)-
وخاصة بعد فشل مؤتمر ” ماربرج
“(Marburg)-
إلى دفع لوثر نهائياً إلى معسكر المؤمنين بالنظرية المادية. ومنذ1524 م تم وضع الخطوط العريضة لعقيدته ضد كارلشتات ، وتمسك بأن جسد المسيح- طبقاً لإرادة الله وقدرته الكلية، ووجوده في كل مكان- موجود حقيقة ” في ” و” مع” و” تحت” العشاء، فطبيعته الإلهية موجودة في الطبيعة البشرية كوجود الحرارة في الحديد المتوهج. فإذا تناول العشاء غير المستحقين فإنه يؤول إلى هلاكهم”. وقد أقر ذلك علماء اللاهوت اللوثريون. وما زالت هذه هي عقيدة الكنيسة اللوثرية
.

(8)
زوينجلي والأفخارستيا: وقف ” زوينجلي” إلى جانب ” كارلشتات” في معارضته للوثر، الذي كان يشعر من نحوه بمرارة بالغة لهذا السبب. وقد فسَّر ” زوينجلي” كلمات الرب يسوع ” هذا هو جسدي” بمعنى أن ” هذا يمثل جسدي ” أو أن ” هذا الخبز يرمز إلى جسدي”. قدم هذا الرأي في صورة متكاملة في رسالة إلى ” ماثيو البير
“(Matthew Alber)
بعنوان ” تعليق على العقيدتين السليمة والزائفة” حيث يصف تعليم لوثر بأنه ليس مجرد فكر قديم بالٍ فحسب، ” بل هو رأي طائش لا يتفق مع التقوي” وقد اتسعت شقة الخلاف في مؤتمر ” ماربرج ” في 1529م
.

ويتلخص مفهوم زوينجلي عن ” الأفخارستيا” في أنها تذكار رمزي لآلام وموت المسيح. ولم ينكر زوينجلي حضور المسيح أمام عين الإيمان، بل- على النقيض من ذلك- قال: ” إننا نستمتع بوجود من خلال الايمان، أي بكيفية روحية، فنحن في العشاء نعترف بإيماننا، ونعبِّر عما يعنيه ذلك الإيمان لنا، ونفعل ذلك تذكاراً لموت المسيح
“.

وقد تبنى هذا الرأي الذي نادي به زوينجلي قطاع كبير من الكنائس البروتستينية
.

(9)
كالفن والأفخارستيا: كان كالفن في موقفه من عقيدة
 
الأفخارستيا أقرب إلى لوثر منه إلى رأي زوينجلي، فزوينجلي لا يرى في عشاء الرب اكثر من أنه رمز، أما كالفن فيرى انه رمز وختم أيضاً. إن حقيقة الشركة مع المسيح وبركات موته التي نحصل عليها بالإيمان الحي، أمر يتفق عليه كل من اللوثريين والكالفنيين، فعشاء الرب أكثر جداً من مجرد خدمة تذكارية، فهو أيضاً وسيلة رائعة من وسائل النعمة. إلا أن كالفن يقف إلى جانب زوينجلي في إنكار كل حضور مادي أو مكاني أو جوهري للمسيح في الأفخارستيا” عمل أكثر من مجرد الإعتراف بالإيمان، ويضع أهمية- أكبر جداً من زوينجلي- على معنى الاشتراك الحقيقي فيها. ويتفق كالفن مع لوثر في أن المسيح حاضر بالفعل في العشاء، ويركز- بصورة خاصة- على الاتحاد السري للمؤمن بالمسيح، ففي العشاء يتم ” التلامس ” مع كل من بركات موت المسيح وشخصه المجيد. إلا أن المسيح لا ينزل في العشاء للمؤمن ، بل بالحري يصعد المؤمن إليه في السماء
.

وتتمثل الفكرة الأساسية في مفهوم الكالفنيين عن العشاء في ان المشترك يتصل إتصالاً روحياً بشخص المسيح كله بعمل الروح القدس،وبهذا يتزود للحياة الأبدية. وكل دارس مدقق لكتابات كالفن، يجد نفسه مضطراً للاعتراف بأن أفكار كالفن عن هذا الموضوع معقدة ومحيرة إلى حد ما ، ويرجع هذا – بلا ريب- إلى موقفه الوسط بين لوثر وزوينجلي. ولكن يتفق جميع أتباعه – بصفة عامة- على التمسك بأن
:

(1) 
المسيح حاضر بصورة ” روحية” فقط في العشاء
.

(2)  
أن المشاركة في بركات العشاء ينبغي لهذا أن تكون روحيه وفي نفس الوقت حقيقة أيضاً
.

(3)  
أن المؤمنين الحقيقيين فقط يمكنهم بالإيمان الحي الاشتراك في العشاء ، وأن هذه المشاركة
 
في الموت الكفاري للمخلص قد ختمت لنا باستخدام الرموز المحددة في ممارسة العشاء
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي