غـزة

 

كلمة ساميَّة معناها “قوي” وهي أقصى مدن الفلسطينيين الخمس الكبرى جنوباً، في الجنوب الغربي من فلسطين كانت على بعد قليل من ساحل البحر المتوسط على الطريق بين مصر وأسيا
.

(1)
الموقع
:

كانت غزة القديمة تقع على بعد نحو خمسين ميلاً إلى الجنوب الغربي من أورشليم،
 
وعلى بعد نحو ثلاثة أميال من ساحل البحر المتوسط ،وعلى بعد نحو اثنتي عشر ميلاً إلى الجنوب من أشقلون إحدى المدن الفلسطينية الكبرى. وكانت تقع على طريق القوافل من جنوبي غرب أسيا إلى صحراء سيناء ومنها إلى مصر، كما كانت تمر بها الجيوش الغازية، سواء من مصر إلى فلسطين وسورية وبلاد ما بين النهرين، أو من هذه البلاد إلى مصر. فكان من الأمور الحيوية لهذه الجيوش الزاحفة أن تستولي على هذه المدينة لكي تتخذ منها قاعدة لزحفها بعد ذلك سواء شرقاً أو غرباً
.

(2)
جغرافيتها
:

كانت غزة في العصور الكتابية تقع على تل يرتفع نحو مائة قدم فوق مستوى أرض السهل الخصيب المحيط بها وكان موقعاً طبيعياً لإقامة مدينة، إذ كان يوجد بها خمس عشرة بئرًا للمياه، تكفي لري المزارع حولها ولحاجات السكان الكثيرين. وكان لابد أن تزدهر هذه المدينة لوقوعها على الطريق القوافل التي كانت تجد فيها محطة للراحة وللتزود بحاجتها من الماء
.  

 

(3)
تاريخ غزة القديم في الكتاب المقدس
:

ترد أول إشارة إلى غزة في الكتاب المقدس، عند ذكر تخوم الكنعاني من صيدون في الشمال إلى جرار ثم غزة في الجنوب (تك 10: 19)، وذلك قبل زمن إبراهيم. وقد سكن غزة والجزء الجنوبي من فلسطين “العويون” وذلك قبل زمن موسى (تث 2: 23) وفي زمن يشوع كان العويون والفلسطينيون يستوطنون الجزء الجنوبي من فلسطين (يش 13: 3 و4
).

(4)
تاريخ غزة القديم من المصادر الأخرى
:

تذكر حوليات تحتمس الثالث فرعون مصر، غزة بين المدن الكبيرة التي استولى عليها فى غزوته الأولى لفلسطين التي حدثت فيها موقعة مجدو الشهيرة (1468 ق.م.) وهناك رسالة “تعنك رقم 6” التي أرسلها للأمير “ريواشا” حاكم مصري لغزة اسمه “أمينوفيس” (والذي يظن “و.ف.أولبريت” أن من المحتمل أن يكون “أمينوفيس” هذا هو الذي أصبح فيما بعد فرعون مصر باسم “أمينوفيس الثاني”). وفي خلال القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد كانت منطقة غزة – أشقلون خاضعة لحكم مصر كما تدل على ذلك رسائل تل العمارنة، وإن كانت هذه الرسائل تذكر الخطر الزاحف من جماعة “العابيرو” (والتي قد تكون إشارة إلى “العبرانيين”) وبعد غزو بني إسرائيل لأرض كنعان تحت قيادة يشوع، نقرأ أنه كانت “قد بقيت أرض كثيرة جداً للامتلاك” (يش 13: 1 و2 ، انظر أيضاً قض 2: 20-3: 1) وفي نحو 1200 ق.م كان للمصريين – في عهد الأسرة التاسعة عشر – الحكم على غزة وبعض المناطق الأخرى في جنوبي كنعان
.

هل تبحث عن  هوت طقسى علم اللاهوت الطقسى 51

(5)
غزة وإسرائيل
:

أول مرة نقرأ فيها عن اتصال بني إسرائيل بغزة، هو ما جاء في الأصحاح العاشر من سفر يشوع حيث نقرأ: “فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح … فضربهم يشوع من قادش برنيع إلى غزة وجميع أرض جوشن إلى جبعون

(
يش 10: 40 و41). كما أن يشوع ضرب العناقين وحرَّمهم فلم يتبق عنابقون في أرض بني إسرائيل، لكن بقوا في غزة وجت وأشدود” (يش 11: 21 و22) فقد ظلت هذه المدن في يد الفلسطينيين (يش 13: 3
).

وقد وقعت غزة في قرعة سبط يهوذا (يش 15: 47) فحاولوا الاستيلاء عليها (قض 1: 18 و19)، ولكن يبدو أنهم فشلوا في ذلك زمناً طويلاً، فقد كان المديانيون والعمالقة وغيرهم يغيرون على إسرائيل إلى غزة (قض 6: 4
).

وفي زمن شمشون كانت المدينة في قبضة الفلسطينيين، وأرادوا محاصرة شمشون فيها ولكنه “قام في نصف الليل وأخذ مصراعي باب المدينة وقلعهما مع العارضة ووضعهما على كتفه وصعد بهما إلى رأس الجبل الذي مقابل حبرون” (قض 16: 1-3) وبعد أن أمسكوه بعد أن أغوته “دليلة” فكشف لها سر قوته ،”أخذوه وقلعوا عينيه ونزلوا به إلى غزة .وأوثقوه بسلاسل نحاس، وكان يطحن في بيت السجن” (قض 16: 20 و21
).

وكذلك كان الفلسطينيون يسيطرون على غزة ومنطقتها في أيام عالي الكاهن، عندما أخذ الفلسطينيون تابوت العهد (1 صم 4: 11) وضربهم الرب بالوباء فعزموا على إعادة تابوت العهد إلى بني إسرائيل، فكانت غزة إحدى المدن الفلسطينية الخمس التي أرسلت هدايا مع التابوت (1 صم 6: 17 و18
).

وفي زمن المملكة المتحدة، كان سليمان “متسلطاً على كل ما عبر النهر (غربي الفرات) من تفسح إلى غزة على كل ملوك عبر النهر” (1 مل 4: 24
).

ويتنبأ النبي عاموس (في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد) بأن الرب سيرسل “ناراً على سور غزة فتأكل قصورها” لأنهم سبوا سبياً لكى يسلموه لأدوم” (عا 1: 6 و7
).

وفي زمن الدولة الأشورية يقول تغلث فلاسر الثالث (744 – 727 ق.م) إنه في حملاته على سورية وفلسطين (733 – 732 ق.م) أخذ الجزية من ذهب وفضة وأنتيمون وثياب كتان … إلخ من عدة مدن كانت منها “غزة” وملكها “حنُّو” ولكن “حنُّو” هرب بعد ذلك إلى مصر، وعاد ومعه قوة من المصريين لمحاربة سرجون الثاني ملك أشور

(721 – 705
ق.م) في معركة جنوبي غزة (حوالي 721 – 720 ق.م) ولكنه انهزم ونفي إلى مدينة أشور، وخضعت غزة للأشوريين، ولكن كان الفلسطينيون مازالوا فيها، لأنه بعد ذلك ضرب حزقيا ملك يهوذا “الفلسطينيين إلى غزة وتخومها من برج النواطير إلى المدينة المحصنة” (2 مل 18: 8
).

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر التكوين الحية تأكل تراب ب

وبعد ذلك ببضع سنوات زحف سنحاريب ملك أشور “على جميع مدن يهوذا الحصينة وأخذها” (2مل 18: 13) وأرسل قواده لمحاصرة أورشليم، وليطلبوا من حزقيا التسليم ولكن الرب قضى على جيشه. ويذكر سنحاريب في حولياته أنه “حبس حزقيا فى أورشليم كما يحبس الطير في قفص” وكيف أنه خذ أجزاء من يهوذا وأعطاها “لسيللبيل” ملك غزة ولغيره من الحكام الفلسطينيين
:

ولعل “سيللبيل” هذا هو نفسه الحاكم الذي أجبره (مع غيره من الحكام) آسرحدون ملك أشور (680-669ق.م.) على تزويده بمواد البناء لقصره في نينوى، ولعله هو نفسه أيضا الذي اضطر لدفع جزية كبيرة لأشور بانيبال (668-608 ق.م.)وانحنى يُقَّبل قدمي ملك أشور تعبيراً عن الخضوع والاحترام. ولعل هذه الظروف هي التي تنبأ فيها صفنيا (638 – 608 ق.م.) بخراب غزة والمنطقة المحيطة بها (صف 2: 4-7) وقد تمت هذه النبوة على مراحل في القرون التالية على يد غزاه كثيرين
.

ويذكر إرميا النبي ضرب فرعون غزة (إرميا 47: 1)، وهو ما يذكره هيرودوت أيضا في حديثه عن غزة “نخو” فرعون مصر للمدينة العظيمة غزة، وهو في طريقه عبر سورية لمحاربة نبوخذ نصر ملك أشور في موقعة “كركميش” (إرميا 46: 2 ، انظر أيضاً 2 مل 23: 29 ، 2 أخ 35: 20) كما تنبأ إرميا أيضاً أن نبوخذ نصر سوف يهزم غزة وكل أرض الفلسطينيين، وهو ما تم فعلاً كما تذكر نقوش نبوخذ نصر (605-562 ق.م.) وقد أُخذ ملك غزة مع غيره من الملوك للخدمة في البلاط الملكي في بابل
.

(6)
غزة في عصر ما بعد السبي البابلي
:

رغم الغزوات المتكررة التي سبق ذكرها، فقد ظلت غزة وسائر المدن الفلسطينية تحتفظ بشيء من القوة كما يبدو من نبوة زكريا ضدها (زك9: 5 و6) وفي أيام الغزو الفارسي، يذكر “بوليبيوس
” (Polybius)
المؤرخ اليوناني، أن شعب غزة أبدوا بسالة في الدفاع عن مدينتهم. وبعد ذلك استطاعت المدينة بمساعدة جنود مأجورين من العرب، أن تقاوم حصار الإسكندر الأكبر (332 ق.م.) لهاعلي مدى نحو خمسة أشهر قبل أن تستسلم له نهائياً (كما يذكر ذلك المؤرخون ديودوروس ، بوليبيوس ، ويوسيفوس). وشيئاً فشيئاً تحولت “غزة” إلى مدينة يونانية. وبعد ذلك تبادل حكمها ملوك سورية من السلوقيين، وملوك مصر من البطالمة. وقبل الثورة المكابية ببضع سنوات، كانت “غزة” تحت الحكم السوري بعد انتصار أنطيوكس الأكبر في موقعة بانياس ( 198ق.م
.).

هل تبحث عن  هوت دفاعى أخطاء ترجمة العالم الجديد لشهود يهوه 1

وفي عصر المكابيين خضعت غزة ليوناثان المكابي (1مك 11: 61 و62 ، 13: 43-48). وبعد ذلك استنجدت المدينة – دون جدوى – ببطليموس ملك مصر ضد “اسكندر ياَّنايوس.” وظل “اسكندرياَّنايوس” يحاصر المدينة لمدة سنة كاملة حتى استسلمت له أخيراً (في 96 ق.م.) فقتل شعبها (كما يذكر يوسيفوس)، فأصبحت غزة مدينة مهجورة، وتمت فيها النبوات التي تنبأ بها عاموس وصفنيا وإرميا وزكريا، السابق الإشارة إليها
.

وعندما غزا القائد الروماني “بومبي” سورية (حوالي 63 ق.م.)، منح غزة حريتها وفي حوالى 57 ق.م. أُعيد بناؤها بأمر القائد الروماني “جابنيوس.” وفى 30 ق.م. وقعت تحت حكم هيرودس الكبير، وبعد موته انتقلت إلى يد الوالي الروماني على سورية كما تدل على ذلك عُملة غزة الامبراطورية بعد موت هيرودس
.

7-
غزة في عصر العهد الجديد وما بعده
:

لا تذكر “غزة” في العهد الجديد إلا مرة واحدة عندما أمر ملاك الرب فيلبس المبشر قائلاً: “قم واذهب نحو الجنوب على الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة التي هي برية” (أع 8: 26
)

وفي 66م هاجم اليهود الثائرون غزة ودمروها جزئياً، كما يدل على ذلك ما كشف بها من “عملات” ترجع إلى 68-74م. وفي القرن الثاني والثالث بعد الميلاد، ازدهرت غزة كأحد مراكز الثقافة اليونانية. ولكن ظلت الكنيسة في غزة تعاني من المقاومات إلى أن رسخت أقدامها في نحو 400م. وقد استولى العرب على غزة فى 635م، وظلت في أيديهم منذ ذلك الوقت حتى 1967م، وإن كان الصليبيون قد حكموها بعض الوقت في عصر الحروب الصليبية
.

وتشغل غزة الحالية معظم موقع غزة القديمة (تل الخروب) مما عاق القيام بحفريات شاملة في الموقع وما تم منها يدل على أن المدينة عمرت بالسكان منذ العصر البرونزي المتأخر، ثم فى العصر الحديدي حيث وجد بها الكثير من القطع الخزفية الفلسطينية. كما أن الكثير من الأطلال يدل على أنها كانت مدينة مزدهرة في العصرين اليوناني والروماني، فقد أعاد بناءها في 57ق.م. “جابنيوس” الوالي الروماني كما سبق القول، في موقع أقرب إلى البحر إلى الجنوب قليلاً من الموقع القديم
.

وفي “تل العجول” على بعد نحو ستة كيلومترات إلى الجنوب الغربى وجد “فلندرز بتري
” (Flinders Petrie)
مقابر واسعة ومدينة كبيرة ترجع إلى الألف الثانية قبل الميلاد كما وُجدت قطع عديدة من الحلي الذهبية في قبور ومبان ترجع إلى نحو 1400 ق.م. وبالقرب منها وُجدت قبور ترجع إلى عصور تالية بها توابيت فلسطينية من الفخار. ويرجح البعض أن “تل العجول” هو موقع “بيت عجلايم” وأن غزة الحالية في موقع غزة الكتابية
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي